الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل الاستعمار أرحم من حكامنا ؟!!

يوسف حمك

2020 / 8 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


لا خير في عقلٍ مثقلٍ بمبادئ كهفية المنشأ ، ولا أمل في إصلاح فكرٍ منهله الوحيد ثقافة الجاهلية الأولى ، أو ذهنٍ مورده الأوحد من المياه الراكدة في أحواضٍ محاطةٍ بالعمائم و مسيَّجةٍ باللحى .

ليس حكامنا أشرف من المستعمِرين ، ولا معارضاتنا أكثر نزاهةً من حكامها . أما نحن - عامة الشعب - فأكثر نفاقاً و فساداً و جشعاً وجرماً و جهلاً من الجميع .

لكن : جميلٌ جداً وضعنا البائس ، كما ضعفنا المتزايد .
و الأجمل عدم امتلاكنا القوة العظمى ، لئلا نقود العالم ، فنعيث في مشارق الأرض فساداً ، و في مغاربها نحرق الأخضر و اليابس بجهلنا - كما نفعل ببلداننا - فتتوقف الحياة للأبد .
يكفينا تدمير أنفسنا بعقولنا الرثة ، و تهديم أوطاننا بأيدينا الملوثة بكل ما تتضمنه هذه الكلمة من معاني السوء و البشاعة و الإجرام .
من أجل ذلك فقد ارتأى البعض ، ليحكمنا الاستعمار ، و يرعانا ، و يسهر على مصالحنا ، بعد رعاية مصالحه و ضمان منافعه طبعاً !!!!

أبناء الشرق توهموا بالديموقراطية و حقوق الإنسان بعد نيل استقلال بلدانهم ، و استراحوا باسترداد حريتهم من بين أنياب المستعمِر . و في اعتقادهم أن الوصول إلى دفة الحكم سيكون بالتداول ، و اختيار القادة يكون بالانتخاب المباشر من بين أحشاء المجتمع ، و من الشعب بكل سلاسةٍ ، لا بالانقلاب و فرض أمر الواقع .

حلموا بعالَمٍ جميلٍ سيبنونه بأنفسهم ، و بحياةٍ رغيدةٍ يعيشونها ، و بلوازم و احتياجاتٍ يصنعونها بأيديهم ، و بمناهج علميةٍ عصريةٍ يضعونها لطلابهم بعقولٍ مستنيرةٍ ، يهتدون بالأفكار المستضيئة لاستنهاض بلدانهم ، و العيش في أمانٍ و بحبوحةٍ بالاعتماد على ثروات أوطانهم التي تستعصي على النيران التهامها .

لم يكن يعلموا أن عقولهم مازالت فجةً ، و أفكارهم خامةً ، و مجتمعاتهم لم تكتمل مداركها ، فينقصها النضج ، و الأذهان مازالت مريضةً عليلةً .

تلاشت أحلامهم كرغوةٍ متطايرةٍ ، و فضاء الحرية ضاق عليهم إلى حد الانقباض الكامل ، فكان لجم اللسان ، و كتم الأنفاس ، و العيش تحت خط الفقر بمعدلٍ خطيرٍ ، و استفحال الفاقة ، كما الأمان غدا حلم إبليس بالجنة ، و الخدمات حدث عنها بالسوء و لا حرج ....

لم يفلحوا في تطبيق الديموقراطية ، و لا أن يضمنوا تداول السلطة بين أبناء الشعب تباعاً .
و كانت الهرطقة لرجال الدين ، و المتجارة الرابحة بالطائفية ، و ناهيك عن الفتاوى التكفيرية الإرهابية التي تخرج من أفواه المعممين الملتحين - الهالكة للعباد و البلدان - كنعيق البوم .

مجَّدوا القبيلة ، و تباهوا بالطائفية البغيضة و الثيوقراطية ، فتاهوا عن مفهوم الوطنية ، و كان انتماؤهم للأفراد و العشيرة و المذهبية ، لا للوطن يوماً قط !!!
فكانت النتيجة أن تعذر عليهم بناء وطنٍ مزدهرٍ ، و حياةٍ كريمةٍ ، فكل شيءٍ بات في عهدة مهب الريح .
استكثرت الأهوال بدل الانشراح ، و الكوارث استفحلت بدل الرفاهية و الفرج ، و تراكمت المصائب عوضاً عن الهناء و اليسر .
دساتير البلاد معطلةٌ لا التزام بموادها ، و القوانين لا تحكيم وفق بنودها ، الدروب كلها تسير لتلتقي بالقائد الأوحد ، و لا صوت يعلو على الزعيم الواحد الذي ينمو شيئاً فشيئاً حتى يكتمل دكتاتوراً ، و ينضج طاغياً مستبداً صالحاً للخدمة مدى العمر ، بعد أن أعدَّ نجله ، و مهَّده لتوريثه عرش السلطة ، فيستريح في لحده بعد الممات .

ولايته تدوم للأبد ، و يحكم دكتاتوراً متجبراً ، يتمسك بطول البلاد ، و يتشبث بعرضها ، و من حصته كل الموارد ...
يضع قدميه على عنق الوطن ، و يقسم ألا يفرط فيه إلا بعد الخراب و الدمار ، و قتل الناس و تشريد العباد .
لأن البلاد ملكٌ له وحده ، و الموارد ثروته الشخصية ، أما الناس فعبيدٌ كلهم يعملون تحت خدمته ، و يتصرفون حسب توجيهاته الحكيمة .

الكثير من اللبانيين ضاقت بهم الحياة ، و توالت عليهم النكبات منذ الاستقلال وحتى اللحظة ، و لم ينعموا يوماً واحداً بالسعادة في ظل حكامه - الذين من لحمهم و دمهم ، و من أبناء جلدتهم - فنادوا بالعيش في كنف الاستعمار من جديدٍ ، و تحت وصاية الأغراب في الخارج لخيبة حكامهم ، و موت أحلاامهم و دمار بلدانهم .
وبعد تبخر كل آمالهم أيقنوا أن الثقة التي وضعوها في عهدة حكامهم غدت أضغاث أحلامٍ ، و باتت من نسج الخيال .
و ثبت بالدليل القاطع أنهم يحترفون اللصوصية ، و يمتهنون القتل و الإجرام لا بناء البلدان ، أو استنهاض الأوطان .

و لأن الجميع نهلوا من ثقافة الجاهلية الأولى ، فلا تباين في بنية الفكر للحاكم و المحكوم ، و المعارضات التي تكيل الاتهامات لحكامها ليل نهار بالفساد و الطغيان ، حين تصل دفة الحكم ، ستمارس القتل و التدمير و السرقة ، و تبدو أكثر طغياناً و تجبراً و أحرص على مصالحها من أسلافها .
لذا فالكثير من العراقيين ترحموا على قبر الدكتاتور و الطاغي صدام حسين - رغم جرائمه البشعة ، و إبادته لعشرات الآلاف بالجملة .
لا تعاتبوا هؤلاء ، و لا تلقوا اللوم على أولئك !!!!
لأن حلم المواطن بات يختزل في البقاء داخل وطنه تحت وصاية الاستعمار ، أو الهروب إلى بلاد المستعمِر .
ففي الحالتين المنقذ هو الاستعمار ، و أوطان المستعمِرين هي الملجأ الآمن . و يا للهول !!!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - نعم الاستعمار ارحم من حكامنا. لماذا؟؟؟
سمير آل طوق البحراني ( 2020 / 8 / 9 - 06:54 )
لان الاستعمار لا ينظر الا الى مصالحه وما يترتب عليها من احترام الأخرين ـ والكفآءة هي الميزان ـ بغض النظر عن دينهم وجنسهم . اما نحن فمنظورنا ينبع من الدين والمذهب لذى نرى ان السني ولاءه لتركيا او دولة سنية اخرى ـ وان كانت ديكتاتورية ـ والشيعي ولاءه لايران وان كانت لاتعيره اي اهمية الا لاجل مصالحها باسم التتشيع وعلى هذا يصبح الوطن كمحل للجوء لا يربطه بالمقيمين فيه اي رابط. ماذا تعني لك الحروب بين المسلمين انفسهم حتى بين من يربطهم المذهب الواحد. اخي الكريم اين بلاد الرافدين ومهد الحضارت واين ليبيا والسودان واليمن اصل العرب؟؟؟. لا يسعنا الا ان نقول رحم الله الحجاج عن ابنه.

اخر الافلام

.. كيف تتطور الأعضاء الجنسية؟ | صحتك بين يديك


.. وزارة الدفاع الأميركية تنفي مسؤوليتها عن تفجير- قاعدة كالسو-




.. تقارير: احتمال انهيار محادثات وقف إطلاق النار في غزة بشكل كا


.. تركيا ومصر تدعوان لوقف إطلاق النار وتؤكدان على رفض تهجير الف




.. اشتباكات بين مقاومين وقوات الاحتلال في مخيم نور شمس بالضفة ا