الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بيروت عاصمة منكوبة

جاسم ألصفار
كاتب ومحلل سياسي

(Jassim Al-saffar)

2020 / 8 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


د. جاسم الصفار
09/08/2020
اليوم، وبعد ايام من المأساة التي تعرضت لها العاصمة اللبنانية بيروت بدأت الصورة تتضح الى حد ما، كاشفة الاسباب الحقيقية للانفجار الذي وقع في الرابع من هذا الشهر في مرفأ بيروت، وسأحاول تلخيصها هنا اعتمادا على ما نشرته وسائل الاعلام الاجنبية واللبنانية.
كان سبب الانفجار المهول في قوته ومساحة تأثيره وحجم الدمار الذي خلفه، وفقا لمعلومات اكدها رئيس الوزراء اللبناني، هو مواد متفجرة جورجية الاصل من نترات الأمونيوم، تم تخزينها في ميناء بيروت منذ نهاية عام 2013. حينها احتجزت السلطات اللبنانية باخرة تحمل 2750 طنا من نترات الامونيوم، كانت مرسلة من ميناء باتومي على البحر الاسود إلى موزمبيق في 23 سبتمبر 2013 . واثر تزودها بحمولة اضافية من الحديد في ميناء بيروت، تعرضت لعطل فني استوجب اصلاحها في المرفأ قبل مواصلتها رحلتها.
ونتيجة لإشكالات مالية، منها مستحقات قديمة للمرفأ عن رسو سابق لنفس السفينة اضافة الى مصاريف الاصلاح التي لم يكن بمقدور طاقم السفينة دفعها، حصل ما لم يكن متوقعا، فقد هرب اغلب طاقم السفينة ولم يبذل المالك أي جهد لدفع المستحقات المالية واستعادة السفينة. على إثر اضطرت ادارة المرفأ الى الحجز على السفينة في 15 أكتوبر 2013 ونقلت الشحنة التي على ظهرها الى مستودعات مرفأ بيروت. وقد اشارت سلطات مرفأ بيروت في وثائق المصادرة الى نوعية الشحنة، وهي مواد قابلة للانفجار.
منذ عام 2014 ، حاولت الجهات الحكومية اللبنانية نقل البضاعة الخطرة إلى الجيش اللبناني، كما عرضتها على مصنعي الألعاب النارية ، ولكن جميع الجهات التي عرضت عليها البضاعة المصادرة رفضوا التعامل مع نترات الأمونيوم لأسباب مختلفة . في الوقت نفسه، تلقت السلطات اللبنانية تحذيرات (بما في ذلك من رئيس مكتب الجمارك في مرفأ بيروت) بأن هذه الشحنة خطرة ولا يجوز خزنها في مرفأ بيروت. الا ان السلطات اللبنانية، منذ ذلك الحين، أي منذ بداية عام 2014، تجاهلت تلك التحذيرات ولم تتعامل بمسؤولية مع حجم التهديد الذي يشكله بقاء الشحنة في مخازن المرفأ. ونتيجة لذلك كانت القنبلة الموقوتة في ميناء العاصمة سببا في تدميره في 4 أغسطس، إلى جانب جزء من العاصمة اللبنانية.
ويبقى قيد التحقيق السبب وراء التفجير في ذلك اليوم بالذات. أهو بسبب اهمال وعدم دراية من ادارة المرفأ، خاصة وان هنالك معلومات عن اعمال صيانة استخدم فيها اللحام قرب المخازن التي تحتوي على المواد المتفجرة، أم ان وراء التفجير اياد خبيثة وعمل تخريبي مخطط له، فالبعض من سكان العاصمة بيروت لاحظ نشاط للطيران الاسرائيلي في سماء المدينة قبل حصول الانفجار، وقد اكد هذا الخبر نائب رئيس مجلس النواب اللبناني.
ومع ذلك، فإن كل هذا لا ينفي الإهمال الصارخ وعدم المسؤولية من أولئك الأشخاص الذين سمحوا باحتمال وقوع مثل هذا الانفجار، ولم يجدوا وسيلة للتخلص من البضائع الخطرة خلال 6.5 سنوات.
جدير بالذكر تصريح الرئيس الامريكي ترامب، الذي عبر فيه عن اعتقاده بأن ما حصل في مرفأ بيروت كان نتيجة انفجار قنبلة في هجوم مخطط له على المرفأ. مضيفا ان اعتقاده مبني على رأي جنرالات البنتاغون الذين لم يكشف عن أسمائهم، والذين، بحسب ترامب، لا يعتبرون الانفجار حدثا عرضيا.
بحسب تقديرات مختلفة، كان يعيش ما بين 200 و 250 ألف شخص في المنطقة المتضررة من الانفجار. لذا فقد كان من المتوقع ان يكون عدد الضحايا كبير جدا، هذا عدا الدمار الهائل الذي لحق بالعاصمة اللبنانية بيروت. ومن رأفة الاقدار، أن مخزن الحبوب المدمر في مرفأ بيروت أنقذ الكثير من الأرواح، ممتصا جزءًا من قوة الانفجار، ولولا انه شكل عقبة امام عاصفة التفجير لكان هناك عدد أكبر من الضحايا جنوب مركز الانفجار.
لابد من الاشارة الى ان لبنان، الذي يمر بأزمة اقتصادية، سيجد صعوبة بالغة في التعافي من هذه الضربة دون مساعدة دولية جادة. خاصة وأن لبنان يخضع لعقوبات أميركية.
واخيرا ما هو موقفنا نحن في العراق من نكبة بيروت. لقد أظهرت مأساة بيروت مرة أخرى أن هناك أناس، وأن هناك مخلوقات وحشية تنعشها الام الانسان وتطلق مواهبها. كعادة الله، وهي شأن من شؤونه التي ليس من حقنا الغور في مغزاها، انه يخلق من كل شيء نقيضه، كما خلق ابليس نقيضا للملاك الحارس الرحيم.
من المستحيل مشاهدة اللقطات التي عرضتها وكالات الانباء بعد نكبة بيروت بدون دموع ورعب وغضب. فخلال ثوان معدودة اصبحت المدينة وسكانها يعيشون بين حياتين الاولى سبقت الانفجار والثانية بعد الانفجار.
أناس ملقاة جثثهم على الارض، دماء تلطخ الحجارة واصوات استغاثة من بين الانقاض. عمال الطوارئ يتراكضون بعجالة بحثا عن بقية احياء يحتاجون للمساعدة قبل ان تغادر الارواح اجسادهم، تاركين ورائهم نساء تبكي وتولول واطفال يصرخون من الالم والخوف.
بعض اللبنانيون شبهوا ما حصل بانفجار هيروشيما وناكا زاكي. ومع قناعتي بأنهم لم يشاهدوا هذين الانفجارين الا في الصور والافلام الوثائقية. الا انها نفس الوقائع تتكرر، هرب من جحيم ورعب لا يطاق ودموع تنهمر من الاعين بغزارة.
في البداية ساورني يقين بانه لن يجرؤ أحد في العراق على استثمار هذه المأساة لأغراض سياسية رخيصة. لكنني كنت مخطئا. فقد اتضح، عند مطالعتي لما يكتب في مواقع التواصل الاجتماعي، ان هناك الكثير من "المحللين" الذين شمروا عن سواعدهم ليخطوا منشورات بائسة عن ان الانفجار وقع في "مخازن حزب الله" المليئة بالأسلحة والمتفجرات والتي لم تجرؤ الدولة اللبنانية على الاقتراب منها. أو انها نتيجة حتمية لوجود نهج مقاوم في لبنان، لذا من الاسلم لنا استدعاء الحماية الامريكية كما انه من الافضل للبنانيين العودة الى الانتداب الفرنسي.
وعندما جاءت الأنباء عن أن العراق ساهم في ارسال مساعدات الى لبنان أ للمساهمة في إزالة تداعيات الانفجار. فاذا بهؤلاء "المحللين" الذين بدئوا منشوراتهم بالترحم على "أشقائهم" اللبنانيين وصبوا جام غضبهم على احزاب لبنانية دون غيرها، إذا بهم يعيدون ترتيب عضلات وجوههم ويرمون سهامهم على حكومتهم "البطرانة" التي لا تهتم بحاجات مواطنيها وتوزع خيرات البلد على "الاخرين".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. توقيف مساعد نائب ألماني بالبرلمان الأوروبي بشبهة التجسس لصال


.. الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين تهز عددا متزايدا من الجامعات




.. مسلحون يستهدفون قواعد أميركية من داخل العراق وبغداد تصفهم با


.. الجيش الإسرائيلي يعلن حشد لواءين احتياطيين -للقيام بمهام دفا




.. مخاوف من تصعيد كبير في الجنوب اللبناني على وقع ارتفاع حدة ال