الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجيش السوري بين العقائدية و الفيدرالية

مالك الحافظ
كاتب وباحث

2020 / 8 / 9
الارهاب, الحرب والسلام


طروحات عديدة انتشرت شائعاتها مؤخراً حول شكل المرحلة الانتقالية التي ستأخذ سوريا إلى عهد جديد بعد سنوات عجاف على السوريين. كان من بينها الحديث عن مجلس عسكري أمني يقود البلاد السورية بديلا عن حكومة دمشق؛ على سبيل أن بشار الأسد سيغادر السلطة طوعا بعد اتفاق روسي أميركي مزعوم.

ليس البحث في إشكالية تأسيس مجلس عسكري أمني لتسيير شؤون سوريا من جانب النظام السوري خلال الفترة المقبلة أمراً مهماً بقدر ما ستكون الخطوة التي ستليه أهم وأكثر تأثيراً على مستقبل سوريا، والمتمثلة بإيجاد جيش سوري ذو هوية وطنية يتشكل بعد آلية هيكلة مناسبة. غير أن دلالات الواقع تشي بأن السيناريو المبيت من قبل الدول الفاعلة في الشأن السوري، وإن لم تتفق عليها بشكل مباشر وتنسيقي مشترك، غير أن تقاسم مناطق النفوذ على الأرض السورية لتلك الدول لا تشي بإمكانية عودة الاستقرار إلى سوريا دون تطبيق نموذج التقاسم الحاصل وتحويلها إلى نموذج مستدام قد يكون فيدرالي النتيجة، انطلاقاً من القوة العسكرية في كل منطقة و تبعية كل منها لطرف لن يتخلى عن مكاسبه بعد سنوات تدخله المباشر في سوريا.

سعت روسيا مع زرع بذرة الفيلق الخامس في تشرين الثاني عام 2016، إلى تطبيق نموذج مصغر عن إعادة هيكلة مؤسسة الجيش في سوريا على أساس فيدرالي، و هي التي باتت تتحكم بنواة قوات الجيش شيئا فشيئا بعد إيجادها لجنة مكافحة الفساد داخله (هدف اللجنة غير المعلن تنظيف الجيش من الوجود الإيراني قدر الإمكان)، و أتبعت تأسيس الفيلق الخامس بطرح خطة مناطق خفض التصعيد مطلع عام 2017، التي أوجدت تقسيمة خاصة للمناطق تبرز أكثر رغبة روسيا للفيدرالية في سوريا، و باتت لاحقاً كل من واشنطن و أنقرة تتفق معها؛ كل وفق رؤيته ومصالحه. فواشنطن تعزل بتوجهاتها "غير المفهومة" الشمال الشرقي من سوريا وتدعم القوة المسلحة المحلية فيها، بينما تركيا تروج لحماية أمنها القومي وحدودها الجنوبية فتقيم أرخبيلات سوريّة محاذية لها؛ يتوزع في إحداها جماعات جهادية مصنفة على لوائح الإرهاب الدولية، فيما تدعم قوات بمسمى "جيش وطني" معارض غير متجانس.

السؤال الذي يطرح نفسه عند هذه الجزئية، فيما لو تم تمرير الفيدرالية كشكل الحكم القادم في سوريا (يبدو أن سواه لن يكون متاحاً)، هل تمتلك الوحدات المكونة للاتحاد الفيدرالي مهام السياسة الدفاعية بدلا عن الحكومة الاتحادية، ما قد يعطيها استقلالية السلاح في ظل نفوذ الدول الداعمة.

كان حرياً بالمبعوث الدولي السابق إلى سوريا، ستيفان دي ميستورا، وقتما طرح سلاله الأربعة في آذار 2017 (حكم انتقالي، لجنة دستورية، انتخابات، مكافحة إرهاب)، أن يؤسس لسلة عسكرية بحتة تترأسها لجنة أممية وتضم فيها عسكريين "سوريين" من كل الأطراف، تبحث في مستقبل مؤسسة الجيش السوري وتحضر ملفاتها برؤية وطنية بعيدة عن الأجندات الخارجية تحضيرا للمرحلة الانتقالية، لا أن ينتظروا قدوم تلك المرحلة و التي يبدو أنها لن تأتي سوى وفق قناعات و مصالح من استطاع تكريس وجوده أكثر على الأرض السورية.

بين العقائدية والتفكك

كان تحول الجيش منذ وصول حزب البعث السوري إلى السلطة في سوريا قبل نحو 50 عاماً، إلى "جيش عقائدي" كرس مفهومه حافظ الأسد أمراً خطيراً على مستقبل الجيش الذي ضرب فيه الفساد مُؤسسِاً لأولى عوامل التفكك، وهي المؤسسة الوطنية الأولى التي باتت تتبنى عقيدة الحزب القائد للدولة والمجتمع و يأتمر لاحقا بإمرة قائده (حافظ الأسد) الذي تتجمع بيده السلطات الثلاث.

مراحل انتكاس داخلي مرت على الجيش منذ تسلم الأسد الأب وزارة الدفاع عام 1966، حيث عمد الأخير إلى تنفيذ خطة إقصاء ممنهجة، هدفت إلى التخلص من الضباط المحترفين المختلف معهم "سياسياً"، ما مهد له لأن يصنع دائرة موالية له مستعدة لتنفيذ مخططاته في السيطرة على السلطة، وبناء نظام رئاسي مطلق لخدمة مصالحه وعائلته والطبقة الموالية لها باختلاف مشاربها.

الجيش الذي نخر فيه الفساد ولم يخض سوى حربين "مؤلمتين" كانت نتائجها النهائية خسارة بقعة جغرافية غنية في الجنوب السوري في غضون 5 أيام، ومن ثم نامت هذه المؤسسة على شعارات مصدرها العقائدي (حزب البعث)، قبل أن تستفيق قبل 9 سنوات من الآن وهي قد كلفت خزينة الدولة تكاليف باهظة دون أي فائدة، بل يبدو أنها ستكون وبالا على مستقبل الوطن السوري.

لا يبدو المشهد واضحاً فيما إذا تحدثنا عن مرحلة إعادة هيكلة الجيش السوري و إدماج القوى العسكرية المحلية الأخرى، فالنموذج الروسي عبر "الفيلق الخامس" قد سقط نسبياً في الجنوب السوري، حيث لم تنجح مساعي إعادة الدمج رغم تقدمها نسبياً في وقت لاحق قبل أن تنقلب الآية لاحقاً على دمشق، بفعل ظروف و عوامل متعددة.

كان هناك غياب توجيه واضح عندما يتعلق الأمر بالمنشقين عن النظام الذين يرغبون بالعودة إلى مناصبهم بالصفوف الرسمية، حيث لم يبدو أن النظام يشجعهم على العودة إلى الجيش النظامي، ومصيرهم سيكون غير مؤكد إذا ما قرروا العودة إلى وحداتهم القديمة، وهو ما قد يكون السبب الرئيسي وراء انضمام الكثيرين إلى القوات الفرعية/الرديفة لقوات النظام التي يرون أنها قد تكون أكثر أمانا لهم، كما تنطبق نفس الاعتبارات وحالة الغموض على الأفراد العسكريين الذين غادروا البلاد، والذين لم يشملهم العفو العام الذين أعلنه الأسد عن المنشقين في منتصف تشرين الأول 2018.

لم تخرج إعادة الدمج هذه عن إطارها المحدود، حيث لم تستطع أن تؤسس لإستراتيجية متكاملة في عملية نزع السلاح والتسريح وإعادة الدمج. ولو كان الموضوع بخلاف ذلك لكانت تلك الخطوة تمهيداً حقيقياً لإعادة السلام والاستقرار والسلطة للدولة التي تسيطر عليها حكومة دمشق.

كيف يمكن أن تندمج في الجيش الوطني المرتجى؛ الجماعات المتقاتلة في حرب مهما اختلفنا في تسميتها لكنها تدخل في إطار الحرب الأهلية، كيف يمكن إدخالها في عملية إعادة الهيكلة ومشاكل متصلة أخرى باتت تتجذر أكثر وتضرب في حلقات الارتباط وتدفع للتفكك أكثر. بخاصة وأن عوامل تكوين الفيدرالية على الأرض السورية قد تكون بادية ملامحها أكثر عن ذي قبل. الشمال الغربي معزول عن شرقه دون أفق منطقية مطروحة وفق تسليم على ما يبدو على أرض الواقع لسيادة نفوذ الدول المتدخلة وتشكيل الأخير لقوات محلية يعتمد عليها في المرحلة المقبلة. فالشمال الشرقي من سوريا تصادمت قواته المحلية (قوات سوريا الديمقراطية "قسد")، مع القوات المعارضة المدعومة من أنقرة في عملية "نبع السلام" التركية في تشرين الأول 2020، القوات الكردية "قسد" نفسها كانت تتحدث في وقت سابق عن بحث اندماجها مع قوات حكومة دمشق، غير أن هذا الإجراء لا يبدو أن تحقيقه ممكناً في ظل إعادة ترتيب جديد لخارطة الشمال السوري.

*كاتب وباحث سياسي سوري








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عاجل.. شبكة -أي بي سي- عن مسؤول أميركي: إسرائيل أصابت موقعا


.. وزراءُ خارجية دول مجموعة السبع المجتمعون في إيطاليا يتفقون




.. النيران تستعر بين إسرائيل وحزب الله.. فهل يصبح لبنان ساحة ال


.. عاجل.. إغلاق المجال الجوي الإيراني أمام الجميع باستثناء القو




.. بينهم نساء ومسنون.. العثور جثامين نحو 30 شهيد مدفونين في مشف