الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يسرا البريطانية (7)

احمد جمعة
روائي

(A.juma)

2020 / 8 / 10
الادب والفن


كان الطريق إلى فندق "الهوليدي إن" قريباً ولا يشكل الوصول إليه معضلة مع هذا البرد، علقت حقيبتها على كتفها وبداخلها مظلة المطر تحسباً لتغير الطقس فجأة، سارت بخطوات متثاقلة وقد تدثرت بجاكت أسود طويل وتحته ارتدت فستان أحمر ضيق قصير من القطن الدافئ، مع كعب متوسط الارتفاع وتبرجت بكل ما استطاعت أن تبرز به مفاتنها التي أخذت تستعيد بريقها بعد أن خضعت لنظام جديد للتغذية، استبعدت منه كل النشويات والسكريات واقتصر على الزبادي والبيض ولحم الدجاج المشوي بالإضافة إلى قطعة فواكه واحدة في اليوم مع نوع من العصير الخالي من السكر، كانت خطتها التركيز على مظهرها الخارجي أكثر من الاهتمام بجوهرها الذي يخضع للحالة النفسية، كان اعتقادها بأن استعادة رونقها الخارجي سينعكس إيجابياً على نفسيتها التي بحاجة لمعنويات لا تأتي إلا مع المال، والمال بدوره لا يأتي إلا من خلال المظهر وهي النتيجة التي خلصت إليها في الآونة الأخيرة ودفعتها للتبرج والاهتمام بمظهر جسدها ونظارة وجهها، أعلنت الحرب على العزلة والخوف والعفة وكأنها بذلك تسابق الزمن الذي قطعته بلا جدوى، ولم تخرج منه إلا بسحق إنسانيتها وهدر كرامتها وبضعة جنيهات لا تكفي حتى لزجاجة نبيذ، كل ذلك وهي تعبر الجسر من ضفة لأخرى، من مطار لآخر، ومن مدينة لأخرى وكلها ضفاف ومطارات ومدن تغص بالاستلاب وتبتز ما تبقى منها كامرأة لا تحمل جواز سفر ولا تقطن في وطن ولا تعرف جيران ولا تتصل بأهل، فعندما جاءتها رسالة ذات مرة، عابرة القارات منذ سنتين من عمة لها لم تكن تحمل حنيناً بقدر ما كانت توبيخاً على سمعتها التي أهدرتها في ملاهي دبي الليلية وفي غرف فنادق الخمس نجوم، وصفتها عبارة من الرسالة بالفاجرة، "من أين جاءوا بهذا الوصف ؟" سألت نفسها من دون أن تشعر بمرارة الكلمة، فقد تجمد إحساسها بالإنتماء لأسرة في مكان ما من هذا الكون، فذكرياتها توزعت عبر الحدود والخيام والعراء وما بين العراق وحلب وتركيا ولبنان والبحرين ودبي وبريطانيا، فما معنى الفجور في رسالة تائهة من أرض مستلبة؟
دلفت الفندق وصادفتها منذ الوهلة الأولى موجة دفء خيمت على البهو الذي لم يكن مكتظاً بالرواد كما توقعت، كانت هناك ثلاث نساء تحلقن حول طاولة عند مدخل البهو، فيما وقعت عيناها على رجل نحيل في منتصف العمر ارتدى بذلة كحلية اللون وقميص أزرق من دون ربطة عنق، لمحت فيه عزلة من خلال كأس الويسكي المركون أمامه وعبر وضعه يده اليسر على طرف رأسه، كما لمحت فتاتين تتحدثان بهمس في زاوية مقاربة من طرف المطعم المتصل بالبار، ورأت من بين الحضور نادلة شابة لأول مرة تلتقي بها ورجل هندي خلف البار راح يمسح الكؤوس لعدم وجود طلبات تشغله، لم ترتح في بادئ الأمر، فقد شعرت بأن العيون القليلة الموجودة تلاحقها لكون المكان شبه فارغ من الزبائن، مما يمنحهم الفرصة لرصد كل حركة داخلة أو خارجة، وتناقض ذلك الإحساس مع طبيعتها المضادة للأماكن المزدحمة التي كانت تواجه من خلالها شعوراً مختلفاً مشوباً بالذعر من عيون الآخرين وتطفل نظراتهم وكأنها تسوقها لمسلخ بشري، أدواته النظرات الثاقبة المركزة على كل حركة أو إشارة، كانت طبيعتها الهروب من النظرات في الأماكن المزدحمة وها هي الآن تواجه نفس الشعور بخلو المكان من الرواد، وفيما هي تبحث عن طاولة تكون غير مرئية من الحضور تعثرت لدى هبوطها عتبة البهو الأمامية وكادت تسقط لولا أن ألقت بحقيبتها على الأرض وأمسكت بطرف الحاجز الفاصل بين البار والمطعم المفتوحين على بعضهما، فوجئت بأن حركتها تلك لم تلفت انتباه أي من الحضور، فأيقنت بأن ما يدور في رأسها من مخاوف لم يكن سوى نتيجة خيالاتها السوداوية تجاه الأمكنة والبشر، سارعت بالجلوس على طاولة معدة لشخصين وانتظرت أن يأتيها أحدهم لكنها لمحت الجميع مشغولين بعدم الانتباه لشيء مما يجري وكأنهم في حالة بيات، تركت الحقيبة واتجهت نحو البار وطلبت كأس "شكوتش" مزدوجة وعادت به بعد أن اصطدمت عيناها بالرجل القابع عند البار وقد هز رأسه لها وهي تعبر المكان وبادلته بهزة من رأسها ثم أخذت مكانها على الطاولة وراحت تلهي نفسها بهاتفها الجوال دون أن تكون بحاجة لشيء تفعله سوى التظاهر بالانشغال، وهي عادة اكتسبتها منذ خرجت من الزبير في السنوات الأولى للدراسة، كانت تتلهى بتصنع الانشغال منذ علقت على الحدود ووقفت أمام ضابط الأمن الشامي يفحص جوازات العابرين على حدود العراق نحو الشام.
الساعة التاسعة وأربع وثلاثون دقيقة لحظة تطلعها للساعة المعلقة أعلى جدار البار، انساب معها الهدوء يقطعه صوت خفيف لموسيقى كلاسيكية حديثة قللت من رتابة الجو الذي ساده السكون، رغم أن الوقت لم يكن متأخراً، فقد اعتادت على زيارة المكان بضعة مرات وصادفت بعض من النادلات تعرفن عليها ولم يكن بمثل هذا الهدوء من قبل، أسعدها شعور البهجة العشوائي الذي اجتاحها مع هذا المناخ المفعم بالسكون تحسه للمرة الأولى ربما منذ سنوات الفرار الأبدي، ذكرها هذا الشعور "بمراد الرجل الخرافي" صديق جبار الشريف عشية انتظارها له حاملاً ختم الفردوس المسمى بحلب.
****
( 10 )
[ازدهرت موجة الاغتيالات مع بدء الاحتلال الأمريكي، وتفشت مظاهر النهب والسرقة وسادت مهنة التجسس على الذين كانوا ينتمون للجيش، وبدت الأحياء والمدن السنية في الزبير عرضة للاستباحة وانتشرت القوائم السوداء لأسماء الكثير من العائلات التي أفرادها محسوبين على النظام السابق، وعندما التقت بجارة لهما صدفة وهي قادمة من دار إحدى صديقاتها بادرتها أم قيس التي يلقبونها "بالحجاية" وهي المرأة الأرملة المعروفة بتطرفها في نشر الأخبار في الحي، بادرتها قائلة وعيناها مفتوحتان على اتساعهما كأنما تتفحصها من الرأس للقدمين.
" بلغي والدتك السلام وحذريها أن تأخذ بالها من القوائم"
لم تعرف ما عنته بالقوائم، ولكنها فهمت بعد حين بأنها تلك اللوائح بأسماء من هم مطلوبين للاغتيال والتصفية تحت مسمى الفلول، لم تستاء ولم تبالي، فمن هو معني بالقوائم والدها العقيد جبار الشريف، وهو على أي حال من المفقودين ولم يعد أو يشاهد أو يسمع عنه أخبار منذ الساعة الأولى للحرب، لم تبلغ والدتها بالرسالة ليقينها بأن، ذلك سوف يسرع من فرارها، وهي لم تنته بعد من الوصول للعم هيثم الذي ظلت طوال الوقت تتقصى عنه إلى أن دفعها ذلك ذات مساء وقبل ولوج الظلام، لمخفر الشرطة القريب من منعطف مدخل الحي، كان وراء دافعها هذا معرفتها بصديق لوالدها من رواد مجلس "النيادة" فيما مضى وشعورها بالارتياح من ذوي الأصول السعودية كما أوصاها جبار، تذكرت إثر لقائها مع أم قيس، وبعده صوت الرجل الذي كان يتحدث قبل سنوات مع والدها، من وراء حاجز خشبي يفصل الصالة الخارجية عن باحة الدار، ودت ولو تتوصل لخيط عن هيثم الشريف والذي يلقب بحسب ما سمعت "بسعدون الجاسي" وهي كنية عن كلمة القاسي، لم يكن أمامها مفر من المغامرة بأي ثمن للوصول ولو لخيط رفيع، فيما يتعلق بشقيق والدها، كانت مصممة على الهروب واللجوء إلى حلب المدينة الشامية التي بدأت تتسلل إلى منامها وتغزو أحلامها، عرفت عن الرجل الشهامة والرجولة والروح الوطنية المنتمية للتراب، كما كان يطلق جبار على أصدقائه رواد المجالس والمقاهي، كانت أقدامها وهي تقودها لمركز الشرطة تتعثر بدافع القلق والتوجس من النتائج، فقد سمعت بأن أغلب من سيطروا على مراكز الشرطة بعد الغزو هم من قطاع الطرق والجواسيس ومطاردي الفلول بحسب ما يتردد على ألسنة البعض، ورغم اضطراب خطواتها وتصاعد ضربات قلبها لكنها واصلت السير غير عابئة بالوجوه الكالحة والمتزمتة والتي كانت تراقب وجوه بعضها بعض حتى وصلت المركز الذي كانت تحيط به سيارتين "بيكب" مدنيتين قديمتين من نوع تويوتا يعتليهما بضعة رجال، بعضهم يرتدي ملابس مدنية والبعض الآخر بزي رجال الشرطة، توقفت على بعد من المكان وراقبت حركة المارة فوجدت المكان يكاد يخلو من المارة، فتقدمت من السيارة الأولى التي ما كاد يلمحها ركابها حتى ركزوا نظراتهم عليها بفضول.
ترددت قبل أن تبادر بالسؤال لحظة تذكر كلمة القوائم، خمنت أن تكون تلك الكلمة ذات مدلول سيء عليها، إلى أن بادرها أحد الرجال ممن يرتدون زي الشرطة بالقول.
"نعم.. هل أخدمك بشيء يا بنتي"
ارتاحت لنبرة الرجل وأحست باطمئنان لصوته ولكلمة ابنتي، فتشجعت وطرحت سؤالها المعلق منذ حين.
" أبحث عن السعدون"
تبادل الرجال النظرات فيما بينهم وخلال لحظة وجيزة هبط من السيارة رجل آخر غير الذي بادرها بالسؤال وتقدم منها قائلاً بنبرة ضبابية لم تستشف منها أي مغزى.
"من جنابك؟"
تداعت لمخيلتها الواسعة والمتشككة مخاوف بشأن ما سمعته من أم قيس عن القوائم، وجدت أن الوقت قد تأخر على التراجع عن مقصدها فقررت خوض المغامرة حتى نهايتها عندما تجرأت وذكرت دفعة واحدة وكأنها تسلم رأسها للسيف.
" أنا يسرا بنت جبار الشريف"
استردت أنفاسها والتقطت الخيط من الرجل الذي اقترب منها بهدوء وأضافت بجرأة غير متوقعه منها بالقول بنبرة يشوبها اليأس" أبحث عن السعدون الذي يعرف والدي منذ زمن بعيد"
ألقت العبارة، واستسلمت لشعور غامض اختلط بصوت أم قيس عن القوائم وتخيلت نتائج سلبية سوداء من هذه المغامرة وربطتها بما توحي به كلمة القوائم، وفجأة فهمت بسرعة البرق وكأن وحياً هبط عليها ولقنها المعنى" قوائم المطلوبين للقوات الأمريكية"
بعد سنوات من هذه الواقعة توصلت إلى أن هذه القوائم هي الأسماء التي تدخل من إيران وواشنطن وبها أسماء رجال الجيش والشرطة العلماء والمهندسين، رجال ونساء وشيوخ وشباب، وجميعهم من السنة، المستهدفين بعد سقوط صدام حسين، هؤلاء الذين تضم أسماؤهم القوائم، مطلوبين للعدالة الجديدة حتى من قبل أن يقام النظام الجديد، من هؤلاء، هرب من هرب ومن قتل ومن اختفى.
فجأة ولدى ذكر اسمها، قفز الرجل الأول الذي بادرها منذ البداية واقترب منها وسحبها بعيدا عن السيارة، وسط نظرات الرجال الآخرين الذين راحوا يراقبون المشهد.
" اذهبي الآن"
بعد يومين على ذلك، جاء الرجل ذاته عند الساعة السابعة مساءً مع بدء سريان حظر التجول في المنطقة، متخفياً وسط الظلام لانقطاع التيار الكهربائي، وقد ارتدى زي شيخ للدين، طرق الباب ولدى فتحه من قبل سام الذي كان على وشك الخروج متحدياً الحظر، دفعه الرجل للداخل وأغلق الباب بسرعة وقبل أن يترك الشاب في قلقه واستغرابه همس له بصوت هادئ" لا تخف أنا صاحب صديق"
بدا المشهد أشبه بتحرك سري غامض يجري في المنزل، لدى هبوط يسرا ووالدتها وقد فوجئتا بوجود الرجل الملثم الذي ما أن رآهما حتى أزاح اللثام عن وجهه وبادرهما قائلاً بنبرة ودية وعيناه تتحركان في كل الاتجاهات على سعتهما.
" لا داعي للقلق"
تعرفت يسرا للوهلة الأولى على الرجل الذي طلب منها قبل يومين أن تذهب من دون أن يضيف شيئاً وسط شعور بالاطمئنان لتعبير وجهه ونبرة صوته وأيقنت بحسها الفطري بأن الرجل لم يأتِ لسوء.
" من جنابك؟"
كان ذلك أول رد فعل من قبل نجوى القطان وقد بدت متشككة وغير مطمئنة لوجود رجل غريب بالدار في مثل هذا الوقت الذي يحظر فيه التجول وتنقطع فيه الكهرباء ويتخفى فيه غالبية السكان، ويسود فيه الشك في كل شيء يدور في المنطقة وفي البلد بأسره.
" بحسب علمي أنتم عائلة جبار الشريف"
ثم استرسل وهو يشير بإصبعه إلى يسرا التي تسمرت في المكان تنتظر ما تسفر عنه هذه المواجهة التي تدرك أنها ورائها.

"جاءت هذه البنت بنية طيبة، تسأل عن شيء لا أعرفه، ولخطورة الأوضاع لم تترك لي فرصة معرفة التفاصيل"
التفتت نجوى القطان بغرابة واستنكار نحو ابنتها ونظرت إليها بنظرة تأنيب على تصرفها ذاك، فيما نكست الفتاة رأسها في الأرض وشعر الرجل بحرج الفتاة وقلق الأم، وحيرة الشاب الذي وقف في الخلف، فسارع يطمئن الجميع من خلال نظرة هادئة ونبرة حانية.
" لا تخافوا، أنا صديق قديم وأكاد أكون أخاً لجبار، جئت أساعد عندما رأيت هذه الفتاة الحائرة تبحث عن شيء ما وسط غابة من الرجال المشبوهين والجواسيس، أغلبهم من عصابات لا نعرف من أين هبطوا علينا ولا كيف؟"
ثم التفت ليسرا وسألها بصوت بدا من يملك رغبة في المساعدة.
" ماذا أردت من مجيئك؟"
" أسأل عن شقيق والدي هيثم الشريف المقيم بحلب"
قالت يسرا ذلك بسرعة ومن دون مقدمات وسط دهشة الجميع، نظر لها الرجل وقال بصوت من يريد أن يطمئن الجميع على نيته الطيبة ويزيل أية شكوك حوله.
" اسمي مراد، وسأفعل ما بوسعي لمعرفة ما يدور في حلب، محتمل نصل إليه"
اكتفت يسرا بعبارة الرجل وعلقت حلب في رأسها منذ ذاك الحين.
****
من يومها وبعد مغادرة مراد الدار، علقت عبارة "محتمل أن نصل إليه" في مخيلتها كالغصن في ساق شجرة، راحت تقرأ كل شيء عن حلب وجن جنونها بالخيوط التي توصلها لتاريخ المدينة وجذورها وطقوسها وأسرارها، كانت على موعد مع الجنة للهروب من الجحيم الزبيري الذي كان فيما مضى فردوس الأرض بالنسبة لها، ربطت طفولتها بالمياه والبردى والأنهار الصغيرة المتفرعة والمتدفقة على البساتين، كل هذه تحولت لجواسيس وعصابات وقطاع طرق، موت واختطاف وانتظار لمصير مجهول ، كل شيء كان بانتظار فاجعة تقع، كانت تسرع الخطى في محاولة الفرار، كأن قطار يحاول دهس كل ما يصادفه، كل لحظة وأخرى تأخذها أفكارها بسرعة الضوء نحو مخرج، سرعان ما تَحُول الأوضاع السائدة والحصار دون الوصول إليه، زاد من توترها حالة الأم هي الأخرى التي ما فتأت تجري التعديلات على خططها في الفرار إلى الكويت، كان المناخ السائد بعد خروج مراد هو الانتظار الطويل، حتى نجوى القطان كانت تأمل بمساعدة من الرجل الخرافي الذي أصبح أمل الجميع في الجنة الموعودة، سواء في الكويت أو حلب، الوحيد العالق في الزبير هو سام، إذ لم يدر بخلده أي من الخطط والمشاريع، اكتفى بالتسكع في الطرق والأحياء والاختباء في البساتين المدمرة والمنازل التي دمرها القصف أو التي تعرضت للنهب والتدمير، أما فراس فأخباره استحالت كأخبار والده من قبل.
" يا الله، عليك يا حلب؟" تساءلت في داخلها وكأنها مقدمة على بلوغ الفردوس، نبع هذا الشعور تلقائياً ليعبر عن حالة النكران التي تعيشها في الزبير، ليشكل لها حافزاً على الخروج حتى لو لم تكن حلب بهذا السحر الذي زرعته بدافع حسي نابع من وجود العم الأسطوري هناك، كيف يعيش وأين؟ ومن هو؟ هل يقبلها أو يرفضها؟ أسئلة دارت بخلدها، ثم اكتفت بحلم الوصول إليه فحسب.
" من بنى حلب هم أولاد ملكٌ الموصل بولكوس الموصلّي واسمه لدى أهل اليونان سرد ينبلوس وهو أول ملك عام 3989 سنة لآدم، وحكم 45 سنةً، ثم حكمت من بعده ابنته أطوسا، وفي سيرة أخرى بنيت حلب بحسب أبو الريحان البيروني في حقبة بلقورس أحد ملوك نينوى ودام حكمه ثلاثين عاماً من سنة آدم" انحصرت قراءاتها في تاريخ المدينة، زرع فيها ذلك الشعور حدس من أنها ستلقى حلب قريباً.
عندما تستيقظ قبل الفجر على حلم من سيل الأحلام المتدفقة، وتذهب للحمام ثم تعود، تظل ساعات حتى بزوغ الشمس إذا لم يكن اليوم غائماً وهي تبحث وتنقب وتتقصى الأخبار بانتظار معجزة تهبط، ويعود مراد بخبر ما يشفي غليلها، لكن ما تجده أمامها كل نهار وجه نجوى القطان يلمع بالزيت لفرط التوتر والقلق الذي تعانيه في بحثها الأزلي عن ثغرة للهرب من الزبير، حالها حال ابنتها مع فارق المكان الذي تنويان الهروب.
" تعالي نفطر، فأنتِ تكادي تكوني ضاربة عن الطعام"
ردت عليها بصوت من يأس بكل شيء، ما عدا الفرار عن المكان.
" وهل يوجد ما يؤكل؟"
" لدي بيضتين تعالي نقتسمهما مع الزيتون"
ندرة الطعام سادت البلاد إثر الحرب مباشرة، واختفت المواد وارتفعت أسعارها، وشهدت الساحة حرباً من نوع آخر هي حرب البحث عن الطعام، محظوظاً من يستطيع تناول وجبتين أو ثلاث في اليوم، فعلى رغم توفر الخضار واللحوم والحليب والخبز إلا أن وصول هذه المواد للسكان كان بمثابة المعركة، ورغم صعوبة توفر الغذاء إلا أن مزاج الشارع لم يكن بتلك الرغبة في الأكل، فالغالبية أصابها ما يشبه انسداد النفس بسبب القلق والذعر اللذين خيما بظليهما على البلاد.
كلما شعرت بالجوع، اجتاحتها رغبة في التعرف على الطبخ الحلبي، فما تكاد تهدأ من البحث في تاريخ مدينة الأحلام حلب، حتى تعاود التقصي عن المطبخ الحلبي، تتأمل الزيتون في الصحن أمامها فتغرق في غيمة تأخذها بسلاسة نحو مكان صنعته بنفسها في مخيلتها وأسمته حلب، مدينة العم هيثم الشريف.
المطبخ الحلبي سحره ورونقه ونكهته مع زيته وطعمه بالزيتون، والفستق، وأطباق الكباب، الكبة، المحاشي، الباذنجان والكوسي" كانت تلك الصور المتخيلة في عقلها الباطن، يعكسه في تفكيرها الخارجي وهي تنسج المشهد الذي ستكون عليه حالما تطأ أقدامها المدينة.
" أهواك يا حلب"]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بحضور عمرو دياب وعدد من النجوم.. حفل أسطوري لنجل الفنان محمد


.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه




.. تعددت الروايات وتضاربت المعلومات وبقيت أصفهان في الواجهة فما


.. فنان بولندي يعيد تصميم إعلانات لشركات تدعم إسرائيل لنصرة غزة




.. أكشن ولا كوميدي والست النكدية ولا اللي دمها تقيل؟.. ردود غير