الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تفجير بيروت : 1) لبنان رهينة (2 - 1)

أمين المهدي سليم

2020 / 8 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


يعلمنا تاريخ الأفكار وهو نفسه تاريخ الإنسان أن أزمنة الكوارث الحرجة، على حافة الهاوية هى نفسها أوقات انتاج أفكار التحدي العميقة، وهى أيضا مراحل القرارات المصيرية الفاعلة التى تصنع اللحظة التاريخية ونقاط التحول.
ولكن في الثقب الأسود العربي لنا شأن آخر، ذلك أنه بالرغم من حجم الخراب وضخامة الكارثة (158 ضحية حتى الآن و21 مفقودا و 6 آلاف جريح و 250 ألف مشرد)، وجسامة نتائجها وتوابعها بالتالي، إلا أنها مثل كل الأحداث الجسام في الثقب الأسود العربي، تختلط بالضباب والتشويش منذ اللحظة الأولى، ثم عمليات منهجية لفرض القراءة الرسمية السلطوية للحدث التى هى نفسها التى تسببت في الكارثة، حتى تضيع الحقيقة، ولذلك كل تاريخ العرب الديني والقومي والوطني ملفق ومزيف.
هناك حقيقة مؤكدة أنه قد وقع انفجار أول تصاعدت منه سحابة بيضاء لمتفجرات تقليدية وصحبته انفجارات بعضها قوي وبعضها أقل قوة في كل اتجاه، ولا يمكن بحال أن تكون ألعاب نارية كما قال بعض المدلسين، وهى غالبا عبارة عن قنابل أو صواريخ متعددة الأعيرة، وغالبا هى السبب في تفجير مستودع نترات الأمونيوم بعد 7 دقائق تقريبا، الذى تصاعدت منه سحابة اخرى وردية اللون وهى سبب الدمار الأكبر وغالبا سبب تفجير شامل لباقي مستودع الذخيرة أو الصواريخ، والعجيب هنا أن المستودعين شبه متلاصقين، وهذا إداريا وبالتأكيد ليس صدفة، بمعنى أنهما يشكلان وربما مع أماكن اخرى مجاورة "زون" أو منطقة تسري عليها استثناءات حربية، تؤكدها وتشير اليها بوضوح الشكاوى المتعددة طوال 7 سنوات من عدة جهات من بينها إدارة المرفأ وإدارة الجمارك عن خطورة شحنة نترات الأمونيوم الضخمة، وآخرها طبقا لوكالة رويترز منذ 6 أشهر فقط مع تحذير "أنها يمكن أن تدمر بيروت بكاملها"، ولكن عجز الجميع عن اتخاذ أي قرار بما في ذلك رئيس الجمهورية.
نضيف إلى ماسبق ماهو أكثر درامية وغرائبية في نفس الوقت، وهو أن الشيخ حسن نصر الله استعرض سيناريو مطابق لما حدث ولكن في ميناء حيفا في فيديو في 16 فبراير 2016، وفي سياق حديثه عن قوة الردع التى بات حزبه يملكها، والسيناريو عن تفجير ينتج تأثير قنبلة نووية عندما تستهدف صواريخه مستودعات الأمونيا في ميناء حيفا وتقتل عشرات الآلاف.
ثم تتصاعد الدراما وتزداد الغرائبية عندما تقرر ألمانيا تطبيق قرار حظر حزب الله في الأراضي الألمانية باعتباره منظمة إرهابية في 5 مايو الماضي، ويتم تداول تقرير للمخابرات الألمانية عن تخزين حزب الله للأمونيا في جنوب ألمانيا وتحديدا في ولاية بافاريا، وأنه سحب هذه المخزونات في 2016، وقائمة محاولات حزب الله لتجميع وتخزين نترات الأمونيوم لاتقف هنا، بل تعود إلى قبرص في 2012 عندما قبضت السلطات على عضو بحزب الله لحيازته أطنانا من نترات الأمونيوم، وهناك قضية في الكويت وأخرى في بوليفيا.
وإذا عدنا لرواية السفينة الغامضة روسوس التى ترفع علم مولدافيا وتحمل 2750 طن من نترات الأمونيوم من جورجيا إلى موزمبيق، وتعرضت لمشاكل فنية؛ فرست في ميناء بيروت للاصلاح، ثم انقطع الخيط هنا، ذلك أن ملاك السفينة والشحنة تخلوا عنهما واختفوا؛ فقامت السلطات اللبنانية بمصادرة شحنة البضاعة الخطرة هذه ووضعها في المستودع 12 منذ سبتمبر 2013، تحمل الرواية بقوة بصمات الخداع والتدليس والتآمر الخفي، حيث لم تنقطع المكاتبات الرسمية لبيع الشحنة أو التخلص منها لخطورتها "ولا حياة لمن تنادي"، وشارك في حملة التحذيرات المشددة والمكاتبات هذه العقيد متقاعد جوزيف نقولا سكاف، وكان يعمل في مكافحة التهريب ثم مديرا لجمارك مطار بيروت، ولكنه لقي مصرعه على نحو غامض وصادم في 6 مارس 2017.
دون تعسف لدينا هنا زعيم رسالي طائفي شعبوي، والعوبة في يد دولة الملالي وبشكل أقل في يد سفاح خائن ومجرم عتيد هو بشار الأسد، وهذا الزعيم ذو العقل البسيط لديه خطة واضحة ومفضوحة لاعتداء واسع النطاق على ميناء وأحياء سكانية متاخمة بواسطة مئات وربما آلاف الأطنان من نترات الأمونيوم المحمولة في سفينة أو مخزنة في مستودعات، وتفجيرها بواسطة صواريخ أو قنابل، والخطة لها ميدان خيالي صعب التحقيق هو ميناء ومدينة حيفا، ولها ميدان واقعي معد هو ميناء ومدينة بيروت.
الأحداث على المسرح الإقليمي قبل التفجير لاتقل غرائبية عن الأحداث والاشارات على المسرح اللبناني الداخلي، وإن كانت بالطبع أكثر سخونة وتعقيدا ودرامية، إذ كانت هناك حرب غامضة لمدة شهر ونصف تقريبا وتوقفت في الاسبوع الأخير من يوليو، ذهب ضحيتها عدة مؤسسات استراتيجية في إيران من بينها مراكز نووية ومصانع كيماوية ومستودعات صواريخ باليستية وميناء بندر عباس المحطة المركزية للحاويات في إيران، ومعبر 65% من تجارة إيران، وهنا سقف الغرائبية في موضوعنا إذ لم يعرف حتى اللحظة من الذى شن هذه الهجمات؟ وكيف تحولت إيران إلى "شاهد مشفش حاجة" على حرب دارت ضدها وعلى أرضها؟
شهدت حدود إسرائيل مع الجولان ومزارع شبعا وجنوب لبنان عدة توترات نتجت عن محاولات حزب الله وربما الحرس الثوري الإيراني للقيام بأعمال عسكرية انتقاما لمقتل قيادي في حزب الله والعديد من الإيرانيين في دمشق نتيجة قصف إسرائيلي، يبدو أن إسرائيل أفشلت المحاولات الحدودية، ولكن ثمة درس هنا وهو أن هذه الحدود أصبحت مشتركة بين إسرائيل ومنظمات مسلحة وليست مع دول.
أمدتنا المحكمة الجنائية الدولية بلقطة هامة في هذا المشهد الدرامي الغرائبي الخاص بحزب الله، وهو أنها أعلنت في صباح يوم التفجير 4 أغسطس عن موعد النطق بالحكم في قضية اغتيال رفيق الحريري في الجمعة 7 أغسطس، ثم تأجل النطق بالحكم إلى الجمعة التالي 14 أغسطس، وتتهم المحكمة في هذه القضية 4 من قيادات حزب الله.
كان لابد أن يتوفر في كل حقول الريبة والغرائبية هذه لقطة مباشرة لإسرائيل، حيث تداولت الميديا تغريدة مرفقة بخريطة في 23 يوليو 2019 للمتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي يذكر مطار وميناء بيروت في بنك أهداف إسرائيل باعتبارهما محاور خطر على أمن إسرائيل تنقل عبرهما أسلحة إيرانية دقيقة إلى حزب الله.
الميناء بجانب وظائفه المتعددة التقليدية الهامة للدولة اللبنانية المحاصرة ببعض العقوبات بسبب ممارسات حزب الله وسوريا في لبنان، إلا أنه محمل باستخدامات متزايدة وغامضة بعيدة تماما عن الشفافية والرقابة ولافكاك منها لصالح حزب الله ولصالح أشلاء النظام السوري الموضوع تحت سيف العقوبات والحصار الدولي.
ومن تناقضات لحظة رد الفعل الأولى أن لاأحد في لبنان وجه الاتهام كما يحدث عادة إلى إسرائيل، ولكن الرئيس ميشال عون وفي اللحظات الأولى بعد الكارثة طلب على نحو بيروقراطي أجوف بتحقيق شفاف، ولكن في نفس الوقت رفض التحقيق الدولي، بتبريرات واهية ومفضوحة فحواها أن العدالة الدولية بطيئة، متناسيا أن العدالة الدولية كانت بطيئة في قضية رفيق الحريري بسبب عدم تعاون الحكومة اللبنانية بسبب ضغط وإرهاب حزب الله، والعراقيل التى وضعت في طريق اللجنة طول الوقت، مع عمليات مستمرة لتضييع الأدلة. وكان من المنطقي أيضا أن يرفض نصر الله "سيد النصر" المختبيء التحقيق الدولي من حيث المبدأ وفي كل الحالات لأنه لا أحد في وضعيته يرحب بكشف أوضاع بلد تم تخريبها بواسطة قوة فاشية طائفية مسلحة احتلت كل مفاصل الدولة وخربتها، وزرعت استقطابا طائفيا هداما مطروحا من تماسك المجتمع واستقراره، وارتكبت المئات من العمليات القذرة والاغتيالات لحساب النظام السوري البشع ولحساب نظام الملالي الظلامي الخانق في إيران.
لاشك اطلاقا وطبقا لما تقدم في مسؤولية حزب الله عن الكارثة وتوفير كل عناصرها، ويبقى السؤال فقط هل التفجير كان مقصودا أم أنه وقع نتيجة عشوائية أم صدفة؟ لايمكن استبعاد الاحتمالين إلا بتحقيق محايد لاتتوفر شروطه في لبنان.
دوافع حزب الله لارتكاب الجريمة/الكارثة ليست نادرة؛ فهو في انتظار احتمال ادانة دولية دامغة بارتكابه جريمة اغتيال رفيق الحريري، وهذا يعني أنه عدو لطائفة من الشعب اللبناني، ثانيا هو يعلم أنه وعرابه نظام الملالي وبقايا النظام السوري يسيرون في طرق مسدودة اقتصاديا وسياسيا، وأن العجز عن مهاجمة إسرئيل يتفاقم، ثالثا من الواضح أن قدرة حزب الله على تداول السلاح ونقله وتصنيعة تناقصت إلى درجة حرجة نتيجة سيطرة إسرائيل برا وبحرا وجوا ومعلوماتيا، وعندما تصل أنظمة فاسدة منحطة لاإنسانية ولاأخلاقية تقودها منظمات مافياوية مسلحة مادون الدولة حتى لو زعمت أنها جيوشا (مصر وسوريا على سبيل المثال) إلى هذه المرحلة تلجأ إلى عمليات تعويض هذا الفشل والسقوط باضعاف شعوبها وتفكيكها بكل الوسائل، وبعضها ينحدر أكثر ويحتمي بخدمة مشروع إسرائيل الكبرى.
ويبقى احتمال اضافي في التفجير لابد من ذكره لأسباب موضوعية وهو أن تكون إسرائيل هى التى ارتكبته بنفس الوسائل الغامضة التى استخدمت في إيران. وهنا تكون المسؤولية مشتركة مع حزب الله. "يتبع".
#أرشيف_مواقع_أمين_المهدي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. آثار القصف الإسرائيلي على بلدة عيترون جنوبي لبنان


.. ما طبيعة القاعدة العسكرية التي استهدفت في محافظة بابل العراق




.. اللحظات الأولى بعد قصف الاحتلال الإسرائيلي منزلا في حي السلط


.. مصادر أمنية عراقية: 3 جرحى في قصف استهدف مواقع للحشد الشعبي




.. شهداء ومفقودون في قصف إسرائيلي دمر منزلا شمال غربي غزة