الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ألقاب رجال الدين ووظائفها

عادل حبه

2020 / 8 / 13
مواضيع وابحاث سياسية


بقلم الكاتب الايراني رجمن ليواني
ترجمة عادل حبه
القاب البشر لها وظلائف مختلفة بل متناقضة في المجتمعات البشرية.ففيالمجتمعات الحديثة والمتقدمة اليوم حيث يتم إضفاء الطابع المؤسسي على حقوق الإنسان والقيم الديمقراطية، فإن استخدام الألقاب في المحادثات اليومية وكذلك في المناسبات الاجتماعية لم يعد شائعاً جداً. فالألقاب في المجتمعات الديمقراطية والقائمة على الحقوق، رغم أنها تشكل أحد مكونات الهوية للمواطنين، إلاّ أنها لا تمنحهم أية امتيازات خاصة. وفي هذه المجتمعات فإن مجرد وجود الإنسان يعد كافياً دون الحاجة إلى إستخدام الألقاب كي ينال جملة من الحقوق الذاتية والبنيوية التي من شأنها أن تحقق ظروف الحياة الفردية والاجتماعية.
والآن، إذا قمنا بمقارنة مجتمعنا الاستبدادي بالمجتمعات الحديثة والديمقراطية، وهو مجتمع يفتقر إلى الهياكل الاجتماعية الديمقراطية والمؤسسات المدنية على الإطلاق، فيمكننا أن نرى بوضوح أن استخدام الألقاب ينتشر على نطاق واسع، ويتخذ كل يوم أبعاداً و نطاقاً أوسع. ففي مجتمعنا، لا تلعب الألقاب، كما يتضح من الأدلة الوفيرة، دوراً في تحديد الهوية فحسب، بل تزيد أيضاً وبشكل ملحوظ من قدرة الشخص وسلطته وتأثيره ونفوذه الاجتماعي. ولهذا السبب بالضبط يمكن أن نفهم سبب احتلال الألقاب مكانة خاصة بين الأفراد والفئات الاجتماعية في مجتمعنا واستخدامها يعد أمراً ضرورياً ومهماً.
يعتبر رجال الدين من الفئات الاجتماعية التي تعيرأهمية إستثنائية للألقاب وتستخدمها باستمرار في تحقيق أهدافها. بالطبع ، يجب أن نضيف هنا أنه في عادات مجتمعنا، لا يقتصر استخدام الألقاب على رجال الدين. فهناك مجموعات اجتماعية أخرى، شأنها في ذلك شأن رجال الدين، تحمل ألقابها الخاصة. على سبيل المثال ، يمكننا أن نشير إلى المجموعات التي يتم تداولها بألقاب مثل المهندس ، والأستاذ ، والطبيب ، وما إلى ذلك ، بعد إعداد المقدمات واستكمال دراساتهم في مجالات العلوم التجريبية والاجتماعية. كما أن الجميع على علم جيد بألقاب الجيش ، مثل الرائد ، العقيد ، اللواء ، الجنرال.
ومع ذلك ، تجدر الإشارة إلى أن ألقاب رجال الدين، على عكس ألقاب الفئات الاجتماعية الأخرى ، كانت لها دائماً وظيفة مزدوجة. وهكذا، فإن ألقاب الفخفة ، كما يتضح من التاريخ وأربعة عقود من التجربة الموضوعية للاستبداد الديني في مجتمعنا، جلبت لرجال الدين من جهة "الخبز" و "الاسم" وفرضت سلطتهم الدينية وسلطتهم السياسية على المجتمع. ومن ناحية أخرى ، عرّضت "خبز" و "اسم" الناس إلى الخطر وحرمتهم من جميع حقوقهم الإنسانية وحقوق المواطنة التي تليق بإنسان حر ومستقل.
لهذا السبب ، يتحدى علي شريعتي *، المفكر الديني المعاصر ، ألقاب رجال الدين ، ويظهر في هذا التحدي أن كلام رجال الدين وسلوكهم لهما علاقة وثيقة بألقابهم ، وهو أمر ضروري وحيوي للغاية لفهم دور رجال الدين في المجتمع. يمكن تقسيم آراء شريعتي حول ألقاب رجال الدين ووظائفها في المجتمع على النحو التالي:
إن ألقاب رجال الدين هي نسخة من ألقاب الطبقات الأرستقراطية وألقاب البلاط، وعرف رجال الدين الشيعة أنفسهم، على الأقل منذ العهد الدستوري( المشروطة) وحتى الآن، بألقاب مثل "ثقة الإسلام" و "حجة الإسلام" و "حجة الإسلام والمسلمين" و "آية الله" و "آية الله العظمى".

علي شريعتي
1933-1977
عند النظر إلى ألقاب رجال الدين، يطرح هذا السؤال البديهي وهو من أين تأتي هذه الألقاب؟ ومن أية منظمة أو مؤسسة تصدرها؟ وبناءً على أية معايير وقواعد تمنح هذه الألقاب لرجال الدين؟
سنرى إجابة شريعتي على هذا السؤال في السطور أدناه، لكن دعونا نرى للحظة كيف ستكون إجابتهم إذا طرحنا هذا السؤال على رجال الدين أنفسهم.
إن شبكة "اجتهاد" المعلوماتية ، ويحررها رجل دين يدعى "سيد مهدي روح بخش" ويحمل عنوان "حجة الإسلام والمسلمين" وفي تقرير له بعنوان "التنافس على ألقاب الحوزة" ويتضمن حوار مع بعض أساتذة الحوزة والجامعة، الذين يجيبون على السؤال. يبدأ التقرير بمقدمة من شبكة الاجتهاد:
"شهدت ألقاب رجال الدين تغييرات واسعة النطاق عبر التاريخ ، ومع مرور الوقت نرى إنتاج واستخدام ألقاب الفخفخة. في الماضي ، هرب العديد من العلماء من هذه الاسماء والألقاب وحتى أنهم تجنبوا منصب المرجع. ولكن اليوم ، يتهافت البعض على الألقاب والمناصب. من بين هذه الألقاب وخاصة في العقد الماضي ، لوحظ هناك نمو غير مسبوق في لقب (آية الله) ، علماً أنه لا يوجد مركز لمنح هذا اللقب للأفراد، ويمنح البعض هذا اللقب من قبل رجال الدين أنفسهم أو بترويج من بعض بعض الطلبة من جهة أخرى. "
بعد هذا المقدمة من شبكة "الاجتهاد" ، تحدث "إسلامي" وهو نائب مدير مدرسة "مروي" حيث أشار إلى أن البحث في ألقاب الحوزة كما جرت العادة لا يعتمد على قاعدة محددة. فلو تلقى أحد الطلبة دروساً بهذا القدر أو ذاك فيطلق عليه لقب "ثقة الإسلام"، وإذا تخطى مرحلة جديدة من الدروس فيطلق عليه لقب (حجة الإسلام)..... وألخ ، وهذه االألقاب كما جرت العادة هي عرفية يتفق عليه الحوزويون".
وتحدث شخص آخر يُدعى "علي إلهي خراساني" وقال: إن "إحدى المشاكل التي نواجهها الآن هي أن هذه الألقاب تشير إلى رجال الدين الإداريين ورجال الدين السياسيين. وتبدأ المشكلة من هنا ، أي أن رجل دين لم يسبق له التدريس في الحوزة ولم يدرّس في المستويات العليا ويطلق عليه ببساطة لقب "آية الله" عندما يتولى رئاسة معهد ديني أو منصب سياسي. ينبغي على المراجع الدينية العليا أن توجه تحذيرات جدية تجاه إطلاق لقب آية الله على بعض الشخصيات والمسؤولين الإداريين، وأن تحرّم إطلاق مثل هذه الألقاب".
ويروى ناصر الدين أنصاري قمي ، معلم الحوزة في قم: " أن الكثير من رجال الدين عندما تطأ أقدامهم التلفزيون، يعرفون بـ "آية الله" ، وهو أمام أستاذ دين أو مدرس في الجامعة. وتنشر في المجلات والصحف لقاءات مع أشخاص يلقبونهم بـ "آية الله". علينا أن لا نسمح لأي شخص أن ينادينا بأي لقب نريده دون معرفة العبء الذي يقع على عاتقنا جراء ذلك، لأن الكثيرين يعتقدون أنهم ليس لديهم القدرة على القيام بذلك.". وقال آخر متحدث في هذا اللقاء ( محمد باقري شاهرودي ):" في الماضي ، لم يجأ الجميع على المطالبة بلقب المرجعية وتعريض أنفسهم للخطر. أما اليوم ، وللأسف، الوضع معكوس ، فبعضهم يلهث وراء الألقاب، وليس ببعيد عن تأثير بعض الأطراف السياسية".
وبعيداً عن تقرير شبكة الاجتهاد، لنستمع إلى أقوال شخصيتين بارزتين أخريين، هما مرتضى مطهري المفكر التقليدي ، ووحيد خراساني أحد مقلدي قم حول ألقاب رجال الدين. يعتقد الأول أن "انتشار الألقاب والألقاب المبالغ بها في مجتمع رجال الدين هو أمر فريد في العالم".
إنها نتيجة لشعبوية رجال الدين ، الذين يسعون بالتالي إلى مواصلة نفوذهم وسيطرتهم على الجماهير أولاً، وثانياً .. وعلى ما يبدو هو رد فعل على إعلان مرجعية خامنئي للسلطة، والبعض يرفس رفسة غيتحول إلى آية الله، ويرفس رفسة أخرى ليتحول إلى آية الله العظمى، وبرفسة أخرى يتحول إلى مرجع التقليد.
يشير الخطاب أعلاه بوضوح إلى أنه ، أولاً ، لا توجد معايير وقواعد علمية ومنطقية ومحددة للحصول على الألقاب في المعاهد الدينية. وثانياً ، الدافع الرئيسي لرجال الدين في استخدام ألقابهم الخاصة، في معظم الحالات، هو السعي وراء السلطة السياسية والمزايا المادية والوجاهة الاجتماعية.
مع وصف الألقاب التي يخلعها رجال الدين على أنفسهم ، يصبح من الممكن الآن فهم صحة نظرية علي شريعتي حول ألقاب رجال الدين، الذي يعتقد أن هذه الألقاب لا علاقة لها بالتعاليم والثقافة الإسلامية بل بالثقافة الطبقية والأرستقراطية والحفاظ على الفاصلة الطبقية والاجتماعية مع الجماهير:
"هل سلوك رجل دين هذا هو تصرف رجال البلاط أم تصرف محمدي وعلوي ؟! عندما يكتب الرسول رسالة إلى قادة أعظم القوى في ذلك الوقت، فلا هم ولا النبي يحملون أي لقب...والآن فإذا كانت لديك رسالة موجهة إلى آية الله...فقد يكتب على غلافها مجموعة من الألقاب...من أين أتت هذه الألقاب؟ ومن أي نظام؟ ومن أية ثقافة؟ إنها على وجه التأكيد قد نبعت من الثقافة الطبقية. فالثقافة الطبقية تحتاج إلى الألقاب. لماذا؟ للحفاظ على الفاصلة الكبيرة بينها وبين الجماهير على الدوام. وإذا ما أراد أحد الأفراد من الطبقة الدنيا التماس مع الطبقة العليا فعليه أن يمر بسلسلة من التشريفات المعقدة والإصطلاحات والآداب والمراسيم المحددة لكي يتحقق هذا التماس، فمن الصعب أن يتم طرق الباب والحديث مع رجل الدين. وهذه العلاقة هي علاقة بين ممثلي طبقتين! والعلاقة بين الفئتين يجب أن تمر عبر التشريفات والألقاب .. وبالتالي هناك حاجة ماسة للألقاب ،فكما يسعى هو لتأسيس "دوله" أو "سلطنة" ، فهو يصنع الألقاب أيضاً. وهذه مجرد نسخة، ونموذج لنظام البلاط من حيث ثقافة الطقوس. انظر إلى سلوك رجل دين، هل جاء هذا السلوك من الطبقة الأرستقراطية أم من محمد؟ وهو عندما يدخل ، يفكر منذ البداية أين يجب أن يجلس. من الواضح أن هذا السلوك يعبر عن الفئة التي ا ينتمي إليه هذا الشخص، ولا ينبغي الاستماع إلى الألفاظ التي تخرج من الفم. وما الآيات والسرد والولاية التي يقيرددها سوى هراء.
كما نرى فإن شريعتي على إعتقاد بأن الهدف الأصلي رجال الدين في التمسك بالألقاب هو الحفاظ على الفاصلة الطبقية بينهم وبين جماهير الشعب وإبراز مكانتهم الاجتماعية الممتازة. ومع ذلك فإن المشكلة ليست في كل قصص الألقاب لدى رجال الدين، فالقضية التي تتمتع بأهمية أكثر من وجهة نظر شريعتي هي أن الألقاب أصبحت وسيلة بيد رجال الدين لفرض سلطتهم والهجوم في مختلف ميادين وهو ما سنتعرض له لاحقاً.
رجال الدين الرسميون وطرد وقتل حملة الفكر الآخر
يعتبر الفكر والتفكير من السمات البارزة والمهمة للإنسان، حتى أن بعض الفلاسفة والمفكرين يعتبرون الاختلاف بين البشر وغيرهم من الأحياء كون البشر يتمتعون بمَلَكة قوة التفكير والقدرة على التفكير. ليس من قبيل الصدفة أن يذهب جلال الدين الرومي، الشاعر والمفكر الشهير والأنثروبولوجي والصوفي، بعيداً في إيلاء تلك الأهمية لمقولة الفكر والتفكير بأنه ينظر إلى الإنسان بكليته كفكرة: " أخوك هو الفكر نفسه، وما بقي هو العظام والشَعَر". وبعد قرون من رحيل جلال الدين الرومي ، جاء دور الفيلسوف الفرنسي الشهير ديكارت ، الذي قال ، في مدح الفكر هذا القول العميق: "إنني أفكر ...إذن إنه أنا".
إن شريعتي هو الآخر مفكر ويقدر الفكر والتفكير كثيراً، ويذكرنا مراراً وتكراراً بالحاجة إليه من خلال أعماله، إلى حد أنه يعتقد أن أحد أعظم احتياجات مجتمعنا هو التعود على الفكر والتفكير: "التعود على التفكير هو أعظم حاجة للمجتمع، فكل عمل آخر اجتماعياً كان أم ثقافياً أو اقتصادياً أو حتى سياسياً أو دينياً أو عقائدياً أو أخلاقياً ذو قيمة، ومن الممكن أن نصل إلى نتيجة عندما تتعود الأمة على التفكير وتتعلم التفكير....وعندما تبدأ الأمة بالتفكير فلا تستطيع أية قوة أن تهزمها.
وغني عن القول فإن الهدف من كل هذا هو أن الإنسان يتمتع أساساً بقوة الفكر والتفكير مما يمكنه من اكتشاف الحقيقة وازدهار مواهبه المتنوعة وسمو شخصيته الإنسانية، وإظهار هويته الإنسانية. ومن البديهي أن الفكر والتفكير يمكن أن يقودا الإنسان إلى الغاية؛ أي ينتقل من القوة إلى الفعل، أي أنه يخرج من المجال العقلي والداخلي ويدخل إلى المجال الموضوعي والخارجي ويتعرض لحكم الرأي العام. فالشرط الأول للاستفادة من الفكر والتفكير واستغلالهما هو أن لكل فرد الحق في التعبير عما يدور في ذهنه والتعبير عنه دون خوف. وهذا هو السبب في أن الفكر والعقيدة الواحدة في العالم الحديث قد فقدت مصداقيتها ويجري التشكيك فيها، وبدلاً عن ذلك يتم الاعتراف بالتعددية المعرفية والعقائدية لأنه، على حد تعبير شريعتي: "على الرغم من أن المجتمع يقوى وينمو بالقوة السياسية والأخلاقية، لكنه يتدهور ويتراجع بهيمنة الفكر الواحد. والمجتمع الذي الذي يلتزم بالوحدة الفكرية هو مجتمع لا يفكر فيه الجميع، بل يفكر فيه شخص واحد. وإن التباين والاختلاف الفكري هو مؤشر على الحركة، والعكس من ذلك هو علامة على السكون.
ومع ذلك، في العالم الحديث ، مازال هناك بعض المجموعات التي تواصل الدعوة إلى الرأي الواحد وتعارض تعدد الأصوات والتعددية، ولا تتحمل أي حالة من التنوع في الفكر أو العقيدة. وبحسب شريعتي، فإن رجال الدين الرسمي هم من صنف تلك الجماعات التي بسبب أيمانها بالمطلق والتعصب الأعمى في فكرها وعقيدتها، فهي تفتقر إلى أدنى قدر من الانفتاح والتسامح في مواجهة الفكر والمعتقد المعارض. وبالتالي فهي تكفّر أي فكر ومعتقد مخالف. وبحسب شريعتي فإن رجال الدين الرسمي "متعصبون" يكفّرون على الفور ما لا يتناسب مع مذاقهم، ويكفّرون من لا يوافق عليهم دون تردد ".
وبحسب شريعتي ، فإن رجال الدين الرسمي ، الذين يزعمون أنهم يمثلون الله وينصبون أنفسهم أوصياء على الدين ، يعتبرون خصومهم خصوماً لله والدين: "إنهم يعتبرون أنفسهم متولين رسميين للمذهب، خلافاً للمفكرين والعلماء وحملة الآراء من غير المذهبيين، ويعتبرون خصومهم خصوم الله والدين، وإنهم يمثلون الله وأصحاب امتياز رسمي من الله. إن مثل هذا الإدعاء والوهم، حسب شريعتي، "يتحول فوراً عند كل اختلاف فكري أو علمي فردي إلى جهاد مقدس بين الكفر والدين، الشيطلن والله، النجاسة والطهارة ، الظلمة والنور".
ثم يحيلنا شريعتي إلى التاريخ لمعرفة ما فعله رجال الدين الرسمي الذين يزعمون أنهم يمثلون الله في فترات تاريخية مختلفة مع خصومهم الأيديولوجيين، وعلى وجه الخصوص كيف ردوا على حركات التمرد والاحتجاج على "حكومة ولي الأمر":" منذ البداية...ومنذ أن شرع رجال الدين بإصدار الفتاوى ضد أبو ذر الغفاري بتهمة إثارة الإضطرابات وطرد حجر من صفوف المتدينين واتهم حسين بن علي بالخروج على الخلافة الإلهية واتهام السهروردي بالكفر وتوالى الشهداء الأول والثاني والثالث وتوالت الإتهامات بالعصيان والاشراك بحكم الله والرسول وصدرة الفتاوى بالإبادة الجماعية.
طبعا لم يعيش شريعتي عصر الاستبداد الديني الراهن في مجتمعنا ليرى أن طريقة التعامل مع الخصوم الأيديولوجيين والفكريين قائم على قدم وساق وأن "القاعدة الأولى" في العصر الحديث تشبه "القاعدة الأولى" لعصور وقرون ما قبل الحداثة حيث يُطرد المفكرون وتصدر الفتاوى بلا رحمة لقتلهم.
رجال الدين الرسميون والاستبداد الديني
يعتقد شريعتي أن رجال الدين الرسمي، بالألقاب والأوصاف التي يطلقونها على أنفسهم في مجال السياسة، هم أيضاً من المدافعين عن الرأي الواحد وخصوماً أشداء للتعددية في المجتمع. لنعود إلى وجهة نظر شريعتي هذه، ولكن من الضروري أولاً أن نتفحص ولو بإيجاز، نهج رجال الدين الرسمي في السياسة والسلطة السياسية.
يدعي رجال الدين الرسمي في الحوزة أن مؤسسة الحكم هي حق ذاتي واحتكاري لـ"الفقيه جامع الشروط"، وإن الحكومات الأخرى العرفية والبشرية هي غير شرعية وغير مقبولة وحتى إنها تغتصب الحق من "الفقيه جامع الشروط".
ويقوم هذا الادعاء على أسس عقائدية ولاهوتية معينة يمكن تلخيصها على النحو التالي: أولاً ، الإسلام، هو دين كامل ومتكامل له رسالة عالمية ولديه برنامج في مختلف المجالات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية والجنائية. ثانياً: يتطلب تحقيق وتنفيذ البرامج الإسلامية وجود سلطة تنفيذية، أي الحكومة. وتقوم هذه الحكومة بتنفيذ البرامج الإسلامية وخاصة الأحكام الشرعية في المجتمع ، وتستمد شرعيتها من الله وليس من الناس، وبالتالي فهي حكومة دينية مسؤولة أمام الله، وليست حكومة مدنية مسؤولة أمام الناس. ثالثًا: إن حكّام هذه الحكومة الدينية ووكلائها، كالرسول والأئمة، يختارهم الله، وفي زمن الغيبة، يتولى الفقيه وظيفة حكم الشعب الذي يعتبر خليفة بلا منازع للنبي والأئمة.
هذه القراءة الرجعية والفاشية للدين من قبل الحكومة هي باطلة تماماً لأنه لا يمكن العثور على وثيقة دينية وعقلانية ومبررة تسند هذه الفكرة من متن السنة، وهو موضوع يتفق المثقفون الدينيون جميعاً على مبدأ فصل الدين عن الدولة وفصل الدين عن السياسة، ونشر الكثير من الأبحاث والمقالات حول هذا الموضوع في السنوات الأخيرة.
إن الحكم الديني المنشود لبعض رجال الدين، ما هو في الواقع سوى المستبد الديني الذي نشهده قائماً اليوم في إيران الذي أثار ردود فعل سلبية لدى بعض المفكرين الدينيين المعاصرين والتقليديين. فالمفكر الديني عبد الرحمن الكواكبي كان على ما يبدو أول من استخدم مصطلح الاستبداد الديني، وكان يؤمن بعدم توافق المفاهيم الدينية لـ "التوحيد والعدالة" مع الاستبداد الديني. كما إعتقد فقيه فترة "المشروطة" محمد حسين الغروي النائيني (1869-1936) إن الإستبداد الديني يتعارض مع التعاليم الدينية حول "الحرية والمساواة".
ويعتقد شريعتي أيضاً أن حكم رجال الدين، الذين يعتبرون أنفسهم الأوصياء الرسميين على الدين وممثلي الله على الأرض ، يؤدي حتمًاً إلى الاستبداد الديني ، وهو ذا طبيعته أكثر عنفاً ولا إنسانية من الاستبداد العلماني المتعارف عليه. ويقوستطرد قائلاً:" إن الحكومة الدينية يديرها رجال دين بدلاً عن الرجال السياسيين، ويشغل رحال الدين المناصب السياسية والحكومية، وبعبارة أخرى ، حكومة دينية ، أي حكم رجال الدين على الأمة. إن تداعيات الإستبداد هي أولاً، أن رجل الدين يعتبر نفسه خليفة الله ومنفذ أوامره على الأرض، وليس منتخباً من قبل الشعب. ومثل هذا الحاكم غير المسؤول أمام الشعب مما يشكل بؤرة الإستبداد والديكتاتورية لأنه يعتبر نفسه ظل الله وممثل الله على أرواح ومال وناموس الناس. ولا يتوانى عن إرتكاب كل الإنتهاكات والظلم إرضاءاً للخالق كما يعتقد. فضلاً عن ذلك لا يعطي حق الحياة لأتباع المذاهب الأخرى، ويعتبرهم من المغضوب عليهم من قبل الله وضالين وأنجاس وأعداء الدين والحق، وكل ظلم يسلط عليهم هو ضرب من العدالة الإلهية. ويُعد الإستبداد الديني من أقشى وأشد أنواع الإستبداد الذي عرفته الإنسانية.
إن تجربة الإستبداد الديني خلال العقود الأربعة الماضي في إيران أكدت صحة وجهات نظر علي شريعتي، وخاصة إلقاءه الضوء على النتائج المدمرة لألقاب رجال الدين في الميدان الإجتماعي التي أصبحت بادية للعيان.
رجال الدين الرسمي واستغلال الناس
يعتقد شريعتي أن رجال الدين الرسمي متورطون بشكل مباشر وغير مباشر في استغلال الجماهير بفضل الألقاب التي يطلقونها على أنفسهم. ففي ثلاثيته الشهيرة "الذهب والقوة والتزوير"، يشير إلى إن النظام الحاكم في كل تاريخ البشرية يتكون من ثلاث قوى اقتصادية وسياسية ودينية، الأولى رمز الاستغلال والذهب ، والثانية رمز الاستبداد والعنف، والثالثة رمز الاستحمار والتزوير. ويورد قائلاً:" على حين غرة رأيت رجال الدين واقفين إلى جانب الفراعنة وأتباع قارون يشترون العبيد ويستعبدونهم وينصبون أنفسهم خلفاء للأنبياء".
وبحسب وجهة نظرشريعتي، فإن هذه القوى الحاكمة الثلاث قسمت المجتمع البشري إلى طبقات عليا ودنيا، من أجل ترسيخ واستمرار هيمنتها على الناس، ولديها حتما علاقة وثيقة مع بعضها البعض، ومن حيث المبدأ لن تكون قادرة على البقاء بدون هذه العلاقة والتعاون.
النقطة المهمة التي يشير إليها شريعتي في ثالوث "الذهب والقوة والنزوير" هي أن الهيمنة على الناس، رغم أنها تمارس من قبل السلطات الثلاث، إلا أن الدور الرئيسي فيها تلعبه السلطة الدينية. وبهذه الطريقة، تقمع السلطة السياسية صوت الناس، وتقوم القوة الاقتصادية بإفراغ جيوب الناس، وتقوم السلطة الدينية بإشاعة القراءة الكاذبة للدين وإنحراف الناس وإستغفالهم وتضليل وعيهم الإنساني والإجتماعي، وبذلك تمهد الطريق المناسب للإستغلال والإستبداد وتضفي المشروعية عليهما. وكما يورد علي شريعتي فإن:"الإنسان يصبح ضحية للتوجيه المذهبي والمذهب، ويجري تبرير العنف والذهب والخداع بإسم الدين، وتتعرض الجماهير إلى الذل والخنوع بإسم الدين".
هذه المقاربة عند علي شريعتي حول الدور المركزي للسلطة الدينية في الثالوث السابق ذكره، قادته إلى استنتاج هو أن :"السبب الرئيسي في المحنة هو ليس الاستبداد ولا الاستغلال، فكلها نتائج، إن السبب الرئيسي الأول هو الإستحمار والثاني هو الإستحمار".
ويستمر شريعتي في بحثه ويرى أن رجال الدين الرسمي، بالإضافة إلى إضفائهم الشرعية على هيمنة الطبقات العليا في مجتمعاتهم، فإنهم يستغلون أيضاً جماهير الشعب كي يتسنى لهم الوصول إلى الحقيبة المباركة باسم "الخُمس" و "نصيب الإمام"!. نحن نعلم أن الخُمس يتعلق أساساً بتوزيع غنائم الحرب في زمن النبي، ولا شيء أكثر من ذلك، وربما لهذا السبب يعتبر شريعتي نصيب الإمام ضرباً من الإستغلال، إذ يقول: "اليوم الإسلام الذي ينمو ويُقلد وينتشر هو الإسلام المرتبط بالحاج والملا، أي الأخذ واعطا. وهم يصوغون هذا النمط من الدين لهذه الدنيا. وتتبع فئات رجال الدين عند السنة والشيعة الطغمة الحاكمة في بلادهم. وهم متواطؤن ووكلاء للحكومة، وتغذيهم الطبقة الغنية التي تحصل على إيراداتها من نهب الشعب واستغلال الفلاح والعامل والعبد وظلم المستهلك ، وبأسم سهم الإمام!
يا له من مصطلح مريب وسيء! سهم الإمام!!!! هذا السهم الذي يستلمه الخليفة بإعتباره خليفة الرسول والآن يستلمه شخص آخر بإسم نائب الإمام. ... في حين أن جمع الذهب في المجتمع الإسلامي يجب في المجتمع الإسلامي يجب أن ييم ضمن مبرر شرعي. فإمتلاك معاوية لقصر أخضر والقرابة لأبي ذر الغفاري وعبد الرحمن بن عوف يتطلب وجود مبرر فقهي وغطاء ديني. هناك شركات تكسب المال وسماسرة يبيعون أركان الجنة وحتى يحجزون الأجنحة الخاصة بالنبي والإمام وشهداء بدر وأحد وكربلاء من هنا ، يذهبون إلى مكة ويستلمون ضريبة القدرة على تحمل التكاليف.
لم يعد علي شريعتي على قيد الحياة ليرى اليوم سلوك رجال الدين الرسمي ونواب الإمام الذين يستلمون الخمس والعطيات الدينية ويعملون لدنياهم، ويمسكون بكل مفاصل السلطات الثلاث الاقتصادية والسياسية والدينية وعلى نطاق واسع بهدف استغلال الناس، ويسطون على ثروات البلاد بأشكال متنوعة وصرفها على مؤسساتهم الدينية وتصدير أفكارهم إلى خارج البلاد.
رجال الدين الرسمي وعدم الالتزام بالأخلاق
يخاطب القرآن للنبي: "وَإنك لَعَلى خْلَقٌ عَظِيمٌ"، وفي رواية منسوبة إلى النبي:" انما بُعِثتُ لأُتمم مکارم الاخلاق".
هذه التعاليم تمثل شهادة على تمسك النبي بالأخلاق، فضلاً عن المكانة الخاصة التي تحتلها الأخلاق في فكره الديني ورسالته، وهي بالضبط عكس ما يحدث في مجتمع اليوم في ظل رجال الدين الرسمي الذين يدعون أنهم خليفة الرسول وأتباعه. فالفساد الأخلاقي المنتشر بشكل غير مسبوق يعم المجتمع من أعلاه إلى أسفله.
اليوم ، لم يعد سرا على أحد أن رجال الدين الحاكمين هم السبب الرئيسي في هيمنة وحدانية الفكر والعقيدة واحتكار السلطة السياسية والاستغلال والنهب في المجال الاقتصادي، ويشكلون أيضا عاملاً مهماً في الأزمة الأخلاقية والرذائل الأخلاقية في المجتمع. وليس من الصعب إثبات هذه القضية لأن الجميع يرى بالعين المجردة أن الحكام من رجال الدين، ومن أجل تبرير عدم كفاءتهم في إدارة البلاد، يبعدون كل من يختلف معهم وخصومهم الأيديولوجيين والسياسيين عن المجال العام وتشويه سمعتهم في أعين الناس وكيل الإتهامات الكاذبة والافتراء واختلاق القضايا الجنسية الصريحة والتجسس.
ولا يخفى على أحد، أو على الأقل على أصحاب الرأي، أن استخدام رجال الدين لهذه الرذائل الأخلاقية له ذراع طويل في خلق الاستبداد الديني السائد، والذي بدأ منذ أن أعلن الخميني دعمه للألقاب مثل "الإمام" ، "ولي المسلمين" و"المرجع الشيعي الأعلى" وأضحت تهم الأكاذيب والتجسس إلزامية حفاظاً على الإسلام !!، وقيل بصراحة أن الحفاظ على النظام واجب شرعي وأن مصالح النظام تعلو على الدستور والقواعد الدينية والقيم الأخلاقية. لذا، راح رجال الدين الحكام يكذبون ويفترون ويفبركون قضايا وهمية على مدى العقود الأربعة الماضية من أجل البقاء في السلطة ومنع تلاشي الاستبداد الديني، وسار النظام بالفعل في طريق "إمامه" واتبع فتاواه الدينية. ومع ذلك ، يبدو أن علي شريعتي كان على صواب تماماً في دعوته عند رؤيته للسلوك الميكافيلي لمتولي الدين وممثلي الله الذين يرون أنهم على حق والآخرين على باطل حين قال:" يجوز اللجوء إلى كل الوسائل من أجل إلحاق الهزيمة بالباطل وإنتصار الحق من أجل وضع حد للمؤآمرات المشينة والتزوير والكذب والتملق".
إن شريعتي، بصفته مثقفاً دينياً ينتقد تقاليد رجال الدين ويدافع ويروج للنقد العميق والجسور الموجه ضدهم، هو في الواقع يسعى ، بتجربته، إلى التقليل من المشروعية الدينية لرجال الدين وتضعيف الأسس الإجتماعية لرجال الدين الرسمي. ويورد علي شريعتي الجملة التالية:". منذ أن نشأت طفلاً في بيئة دينية وإنغمرت في دائرة الدين والمتدينين، إذ كنا جيراناً مع الملالي وبيئتهم الخاصة ولكن عن بعد. والآن بعد أن أصبحت مباشرة وجهاً لوجه وأراهم بلا رياء وبلا لباس ، وجدتهم ولعهم الشديد بالمادة وتمسكهم بالنزعة الأنانية والكذب والقسوة والذاتية وإنعدام العاطفة وقلة الوعي والزيف، وهم يلجأون إلى أية وسيلة وكل خيانة والإتفاق مع أي جهة يؤمن لهم منافعهم الشخصية. وأدركت أن خلف مظهرهم ووقارهم تختفي مظاهر الوحشية والخيانة التي لا مثيل لها بحيث يخجل منها حتى عملاء الأمن أثناء التحقيق والتعذيب".
يشير شريعتي في مكان آخر في جزوة واحدة وفي تسع صفحات إلى عدد من رجال الدين تحت عنوان "تعريف برسالة الإرشاد" وتتضمن جملة من التهم والأكاذيب التي وجهت له ورفاق دربه لمدة ثلاث سنوات ووزعت في المساجد والتكايا. ويؤكد شريعتي أن رجال الدين الرسمي يكنون كراهية وحقد لحملة أي فكر آخر وموقف سياسي ، ويركزون على الموقف الشرعي دون أن يعيروا أية أهمية للموقف الأخلاقي. "فالشعور والشرف في أتخاذ الموقف يتغير كالأمواج" من جهة أخرى ، أشار شريعتي إلى كتيب من تسع صفحات لعدد من رجال الدين بعنوان "مقدمة لخطاب الإرشاد" ، احتوى على القذف والكذب ضده وعلى شركائه ، ووزع في المساجد وغرف الصلاة لمدة ثلاث سنوات. إنه يؤكد بوضوح ويسرّع حقيقة أن رجال الدين الرسميين ، في نضالهم ضد المنشقين وخصومهم الأيديولوجيين والسياسيين ، لا يهتمون بالمعايير الدينية ولا يهتمون بشكل أساسي بالقيم الأخلاقية: "الوعي والشرف ينتشران من خلال هذا الحكم"! إنهم يوجهون الإتهامات ضد كل من يمسك بالقلم والورق لخدمة الدين ويتعرضون لتاريخ وسوابق الأشخاص وحياتهم الشخصية دون إراءة أية وثائق أو أدلة. وينشرون محاكمهم الشرعية بإسم التشيع، ويتهمون ويحكومن بأحكام ثقيلة على كل من يخالفه في الرأي.
تظل هذه التصريحات الإعلامية ، والصادمة ، التي أدلى بها شريعتي صالحة حتى الآن، لأن رجال الدين الرسمي من الذين يفتقرون إلى الحنكة السياسية الذين من هم هم الآن في السلطة أكثر عدداً بكثير مما كانوا عليه في عهد شريعتي. ويتولى هؤلاء توجيه جميع أنواع الاتهامات الملفقة التي لا أساس لها ضد المعارضين وخصومهم العقائديين والسياسيين دون أن يمنحوا الفرصة للرد والدفاع عن أنفسهم.
رفض المؤسسة الرسمية لرجال الدين
إن آراء شريعتي حول ألقاب رجال الدين ووظائفها في المجتمع هي شرح ودلالة على كل الظلم والنير الذي أرتكبه رجال الدين. فهو يعتقد أن رجال الدين الرسمي يرتكبون كل أساليب القمع براحة بال وبدون أدنى اهتمام بالناس والمعارضين وخصومهم التي تقوم على فرضية إنتقادية وكلامية.
الفرضية الأولى هي أن رجال الدين الرسمي يعتبرون أنفسهم ممثلي لله على الأرض، والخلفاء الشرعيين للنبي وأئمة الشيعة، والأوصياء والمفسرين الوحيدين بتفويض من النبي والأئمة وحتى الله نفسه.
الفرضية الثانية هي أن رجال الدين الرسمي ، بالإستناد إلى هذه الألقاب، يعتبرون أنفسهم مقدسين وغير معرضين للنقد. ونتيجة لذلك يعتبرون أية معارضة لهم هي معارضة لله والنبي والأئمة تستحق العقاب في الدنيا والآخر.
أن شريعتي لا يقبل بكلا الفرضين، ويسعى إلى أن يُظهر التعارض الأساسي بينها وبين الدين. وشرع بنقد لقب "رجل الديني"(روحاني باللغة الفارسية) وقال:" لا أعتبر إن مفردة رجل الدين هي إصطلاح إسلامي، واعتقد أن هذا الإصطلاح جاء بها الأكليروس المسيحيون في القرون الوسطى. فلا وجود لهذا اللقب مكاناً في الدين الإسلامي، ولا يستخدم هذا المصطلح (روحاني) إلاً في إيران دون سائر البلدان الإسلامية. وأعتقد أنه مصطلح جديد فلا وجود له في نصوصنا المذهبية والأدبية القديمة.
ولا يكتفي شريعتي بنقد لقب "رجل الدين" ، بل ويوضحه في أماكن أخرى بإعتباره عامل سيطرة على العقل والعلم وعقبة أمام التقدم والوصول إلى الحقيقة ويقول: "الإسلام بدلاً من رجل الدين الذي يمتلك القوة التي تتحكم بالعقل والعلم، ولكن وضع الأغلال في الرجل يعرقل الحركة والتقدم والحقيقة ومعرفة ويغلق الباب إلى العالم. وأخيراً حان الوقت لسماع آخر كلمة لشريعة عن الإكليروس الرسمي وألقابها: "الإسلام واسطة بين الإنسان والله، وأعلن لأول مرة عن علاقة مباشرة بين هذين القطبين، وبالتالي فإن مؤسسة رجال الدين لا علاقة لها ولا مكان لها في الإسلام، ولا في التنظيم الروحي الرسمي في الإسلام. وإن المناصب الدينية المختلفة غير معترف بها في هذا الدين، والقبول بالعقيدة والممارسات التعبدية للأفراد لا يخضع لإشراف ووساطة جهات رسمية خاصة؛ لذلك لا يوجد رجل دين رسمي أو خطيب رسمي أو مفكر رسمي أو مترجم رسمي أو خليفة رسمي أو شفيع أو وسيط رسمي.. جميعهم جنود، وفي الوقت نفسه دعاة للناس وليس الرابط مع الخالق، بل هم مفكرون منفردون ومستقلون ومسؤولون عن أفعالهم وعقائدهم ومذهبه م".
إن كلمات شريعتي حول ألقاب رجال الدين ووظائفها في المجتمع عميقة للغاية وشفافة. بعمق ووضوح شديد. لقد علمنا وأظهر لنا كيف أن ألقاب متوليان الدين الرسمي يمكن أن يخلقوا الكوارث ويحولوا وجودنا إلى لا شيء ، كما يجري الآن . فماذا الذي سنفعله الآن بهذه الألقاب التي أضافت الكوارث خلال العقود الأربع الأخيرة الماضية؟...إنه سؤال مهم وجدي.
قبل حوالي العام ، عندما اندلعت المشاجرة الكلامية بين صادق لاريجاني ومحمد يزدي على الساحة العامة، رد المجتهد الديني شبستري المفكر ونصير الحداثة الدينية على رجال الدين الرسمي وقال: "في سبيل الله ، ضعوا هذه العناوين الساحرة جانباً" وإنشروها فقط على مواقعكم في شبكات الإنصال الجماعي".
وأعلن شبستري في رده على ردود الفعل حول الصراع بين لاريجاني ويزدي، خلافاً لردود الفعل من قبل الآخرين بين ناقد وناصح، أنه لا يولي أهمية للخلافات بين الطرفين فكلاهما مسؤول في الدولة ويحمل لقب آية الله، وإن تحليل الاتهامات التي وجهها هذان المسؤولان الحكوميان البارزان ضد بعضهما البعض لا تقدم ولا تؤخر. ومع ذلك ، فإن نقطة شبستري الرئيسية هي أن كلا طرفي النزاع، وكذلك جميع المتورطين في النزاع لديهم لقب "آية الله" في بادئة أسمائهم، وهي ألقاب يحتاجون إليها أولاً لتوضيح واجبهم وهم يحملون هذا اللقب. وبحسب شبستري ، فإن لقب "آية الله" له وظيفتان سلبيتان وضارتان، وهما التقليل من مجد الله وعظمته، وسحر الناس على التوالي. ويكتب لاحقاً: "في هذه الأيام ، يتنازع بعض الناس على الممتلكات والألقاب والسلطات الدنيوية العليا. والجميع يقول لدي ما أقوله. إن ملاحظتي هي أن كل هؤلاء الأشخاص المتورطين في هذا الصراع هذه الأيام، وجميعهم يحملون لقب "آية الله" ، هم بشر مثل غيرهم من البشر في المجتمع. فإذا ورد إسم محمد يزدي وصادق لاريجاني وناصر مكارم وأحمد جنتي وحسين نوري همداني وغيرهم ، يمكن للناس بسهولة الحكم على أقوالهم وفقًا لتصرفات هؤلاء الأشخاص. ولكن عندما يُلحق لقب "آية الله" بهؤلاء الناس ويقولون "آية الله فلان مثلاً" ، فعندئذ يحشر إسم الله وتنفق عظمة الله وجلاله على المقاصد الدنيوية لهؤلاء الناس وينبهر عامة الناس. وعندئذ يفقد الناس جادة الصواب والخطأ ".
ويختتم شبستري كلامه بطلب من جميع هؤلاء أن يتخلو عن الألقاب" فهذه الألقاب سحرية وضد الشفافية، ولذا ومن أجل أن لا يصاب الناس بهذا السحر، فأرجو من جميع السادة التخلي كلياً هن هذه الألقاب، ويصبح رجال الدين مثل سائر خلق الله ويعرَّفون بإسمهم الأولي وبإسم العائلة. ويهذا يتجنب المجتمع طريق الإنهيار ويتخلص من المسؤولين عن الكارثة التي تحل ببلادنا.
مما قيل أعلاه، يتضح أن هؤلاء السادة الذين يحملون هذه الألقاب وتمتعوابالقدرة والثروة، فمن المستبعد أن يجيبوا جواباً أيجابياً على طلب الأستاذ شبستري، ولذا يجب التفكير بحل آخر. إن مقترحنا ورجاءنا أن يتخلى الجميع عن إستخدام هذه الألقاب في مقالاتهم وخطاباتهم، وكما يشير شبستري الإكتفاء بذكر الأسم الأول لهم ولقب العائلة فقط، وبإنتظار اليوم حيث يتخلى الجميع عن قيود هذه الألقاب والذي جلب الكوارث للناس وللدين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ*علي شريعتي (23 نوفمبر 1933 - 18 يونيو 1977 م) مفكر إيراني إسلامي مشهور،اسمه الكامل: علي محمد تقي شريعتي مزيناني. ولد قرب مدينة سبزوار في خراسان عام 1933، وتخرج من كلية الآداب، ليُرشح لبعثة لفرنسا عام 1959 لدراسة علم الأديان وعلم الاجتماع ليحصل على شهادتي دكتوراه في تاريخ الإسلام وعلم الاجتماع.
انضوى في شبابه في حركة مصدِّق وعمل بالتدريس واعتقل مرتين أثناء دراسته بالكلية، اعتقل في باريس بعد مشاركته في تظاهرة تضامنية مع باتريس لومومبا أول رئيس وزراء الكونغو منتخب الوالذي اغتالته الامخابرات البلجيكية. بعد عودته من فرنسا، أسس عام 1969م حسينية الإرشاد لتربية الشباب، وعند إغلاقها عام 1973 اعتقل هو ووالده لمدة عام ونصف. وأدى الضغط الداخلي والشجب العالمي إلى الإفراج عنه عام 1977، ثم سافر إلى لندن، ووجد مقتولا في شقته بعد ثلاثه اسابيع من وصوله إليها عام 1977 قبل الثورة الإيرانية بعامين عن 43 سنة. الرأي السائد أن ذلك تم على يد مخابرات الشاه.
دفن الدكتور علي شريعتي في مقام السيدة زينب في دمشق.




.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الطاعون اصاب رجال الدين و-شيوعيين-!
طلال الربيعي ( 2020 / 8 / 13 - 14:16 )

الكاتب المحترم
كل الشكر على ترجمتك الرائعة لهذا النص!
لا اعتقد اني اخرج عن الموضوع واذا فعلت فاني استميحك عذرا, ولكن اود الرجوع من ايران الى العراق, وبالاخص
الحزب الشيوعي العراقي الذي يرفع دوما -شعار وطن حر وشعب سعيد-.
وبالنسبة للجزء الاول من الشعار, فالحزب شارك في مجلس حكم الاحتلال اللاشرعي وحكوماته المتتابعة. والاحتلال هو عكس التحرر والحرية, اللهم الا اذا اعتبر الحزب قيم المحتل ونيوليبراليته اساس حرية الفرد والمجتمع بالرغم من قتله وتشريده لملايين العراقيين وتحطيمه الكامل للبنية التحتية واشاعته الفوضى -الخلاقة- بتعبير المحتل نفسه.
اما السعادة حسب ماركس فهي تتحقق بالغاء الدين
Religion is the opium of the people- is one of the most frequently paraphrased statements of ... Religion is the sigh of the oppressed creature, the heart of a heartless world, and the soul of soulless conditions. It is the ... The abolition of religion as the illusory happiness of the people is the demand for their real happiness.
A Contribution to the Critique of Hegel’s Philosophy of Right
يتبع


2 - الطاعون اصاب رجال الدين و-شيوعيين-!
طلال الربيعي ( 2020 / 8 / 13 - 14:20 )
https://www.marxists.org/archive/marx/works/1843/critique-hpr/intro.htm
في ظروف العراق يكون ذلك بفصل السياسة عن الدين, لكن الحزب عمل بعكس مفهوم ماركس للسعادة فاقر ان دين الدولة هو الاسلام- والدولة لا دين لها, وكأن هذا لم يكن كافيا فدخل في تحالف مع طرف من الإسلام السياسي الفاشي لأسباب ماكيافيلية التي هي نقيضة الماركسية.
نعم ان المسألة طبقية ولكن طاعون التفسخ والانحلال الطبقي لا يشمل رجال الدين فقط , بل يشمل ايضا جهات تسمي للأسف نفسها شيوعية!
مع مودتي واحترامي

اخر الافلام

.. وسام قطب بيعمل مقلب في مهاوش ????


.. مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمريكية: رئيس مجلس ا




.. مكافحة الملاريا: أمل جديد مع اللقاح • فرانس 24 / FRANCE 24


.. رحلة -من العمر- على متن قطار الشرق السريع في تركيا




.. إسرائيل تستعد لشن عمليتها العسكرية في رفح.. وضع إنساني كارثي