الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
الأل والألية في النص الديني
عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)
2020 / 8 / 13
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
الأل والألية
وردت تفضيلات الأل كثيرا في النصوص الدينية لتكرم مجموعة من الناس من الذين أرتبطت مسيرة حياتهم مع الأنبياء فصاروا محل تقدير وقداسة لهذا السبب، فهم بالقاعدة الدينية من المصطفين الأخيار والغالب فيهم تقديم الزوجة والأبن والبنت المباشرة في زمن واحد دون أن تمتد هذه الخصيصة لمن يخلفهم (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)آل عمران:33-34، الغريب أن الأصطفاء بحسب النص الديني مرة يأتي مفردا لشخص كآدم ونوح دون ذكر منزلة زوجة آدم مثلا التي هي أساس الوجود الآدمي كله ولم تذمها النصوص الدينية بشيء سوى ذكر التلمود لها بأنها سبب الخطيئة الأولى، وزوجة نوح الذي ذمها القرأن تحديدا لأنها خانت النبي وهلكت مع الهالكين، النصوص التي وصلتنا من الأديان القديمة تقول أن نوح كان متعدد الزوجات وآدم أنفرد وحده من دون كل الأنبياء بزوجة واحدة، في حين إبراهيم كما تقول التوراة والإنجيل متعدد الزوجات والقرآن لم يذكر إلا زوجة واحدة، أيضا أل عمران ذكرهم بالمجمل دون أن يكون عمران نبيا بل يعد بيت أو عشيرة مصغرة من بني إسرائيل.
التقدير الذي وضعه النص الديني لمفهوم الأل سواء أكان حقيقيا أو مقحم لا يعدو أن يكون مجرد تمجيد وتقوية للعامل النفسي الذي أهتز بسبب ما شرحناه سابقا من وجود مشكل أجتماعي في داخل منظومة الأل، فأل إبراهيم مثلا وأستنادا للنص التوراتي كانت السيدة سارة نموذجا سلبيا لا يتوافق مع التكريم لكل ما عملته مع شريكتها في الزوج، فهي لم تقف عند حدود المعتاد من الأمر بل حرضت على قتل هاجر وأبنها وتعاملت بلا إنسانية مع طفل صغير قد يكون عرضة للهلاك من هذا التصرف، كما أن تحريضها لزوجها النبي لأن يتخلى عن إنسانيته من أجل إرضائها وإرضاء نزواتها لا يمكن أن يتفق مع هذا التبريك والتعظيم لآل إبراهيم، ناهيك عن الكثير من التفاصيل التي يندى لها جبين الإنسان العادي.
فالقضية خارج سياق كونها نص ديني يجب أن تتوافق مع المثل العليا طالما أن النبي هو النموذج الأسمى، قد يقول أحد أن النص التوراتي غير صادق وهو محرف ولا يصلح القياس عليه، ولكن مع إيماننا أنه كذلك لكن اليوم العالم كله وليس التوراتيتين وحدهم من يؤمنون به، وهذا ما يجر على الدين الصورة اللا متناسبة مع عظمة الدور المناط به أخلاقيا، ليس الأمر متعلق فقط بعائلة إبراهيم لا سيما أن مصطلح الأل قد لا يتوقف في حدود العائلة الصغيرة بل يمتد لكل الشجرة المرتبطة به، فداود مطعون بنفس الصفة وأشد وشعيب أيضا والفضائح الأخلاقية لأنبياء بني إسرائيل في نصهم الديني تسقط الجميع ولا تستثني أحد من الأنبياء والرسل، وها يسقط معه وبالنتيجة مفهوم الأل حتى في الدين الإسلامي لم يسلم الأل بالمفهوم الواسع من هذه المحنة والمصيبة التي لا يمكن التبرؤ منها طالما أن الدين ساكت ولا يرد بجواب قاطع؟.
إذا هناك من يرى أن هذا الموضوع ليس حقيقيا وليس فهما دينيا من الله طالما أن الله عموما جعل من العمل وشخصانية العامل مدار التقدير ولم يفضل أجدا على أحد من أجل أحد (ولا تزر وازرة وزر أخرى) وأيضا (كل نفس بما كسبت رهين)، الفضائح الأخلاقية في بيوت الأنبياء لا تتوقف هنا، فأبن نوح كان (عملا غير صالح) وزوجته وزوجة لوط كانتا خائنتين، فلماذا لا يشملا بالتكريم أسوة بباقي الأل كقاعدة عامة عندما ينسب التكريم للنبي وتسترا على الأخطاء والميول الأنحرافية في محيطه الأسروي الضيق.
عندما يجعل الدين علاقة شخصية وزمنية محكومة بخصائصها جزء من منظومة يراد لها أن تكون جمعية أول مرة وأن تكون تأريخية بمعنى أمتدادها التاريخي مع الإنسان، فلا بد أن تكون لهذه العلاقة أهمية قصوى في ربطها مع الدين، قضية الأل مع أحترامنا لكل إنسان سواء بارك الله عليهم أم لم يبارك سلم عليهم أو لم يسلم ما هي القيمة الإصلاحية أو المصلحة في ذكرها في ثنايا الدين، خاصة مع أن النصوص الدينية لم تستقر على وجهة واحدة في التعامل مع الأل بشكل موحد، فمرة النص يذم ومرة النص يكرم ومره يذكر ومرة ينفي، هذا التخبط أو لنقل غياب وجهة النظر الواحدة تعزز إيماننا بعدم جدوى ذكر الأل ولا معنى للقيمة الإضافية التي منحها النص خارج القاعدة الرأسية (إن أكرمكم عند الله أتقاكم)، فالتكريم الحقيقي ليس ما يأت مجاملة أو سدا لموضوع عليه وفيه شكوك بقدر ما يأت من الفعل الذاتي للإنسان من خلال تفاعله مع محددات الدين تفاعل حقيقي وصادق.
ما يثير حقا هنا أن موجبات التكريم ومداه والأشخاص المشمولين فيه كان مصدرا من مصادر الخلاف داخل الطبقة الدينية وعليه فكل موضوع لم يحسم بالشكل الحقيقي ليستقر في الوجدان الديني لا يمكن عده ركنا إيمانيا لأنه يخالف هدفية الدين، مفهوم الأل واحدا من تلك المزعزعات الفعلية التي ضربت جذور الإيمان عند الناس مضافا لها حالة الشكوك التي تحيط بالأل من جهة النص أو من الجهة التأريخية، وقد ذكرت مثلا حادثة الأفك أو حادثة اللد التي سبقت وفاة النبي محمد وأتهام جزء من الأل بها، لكن النصوص الدينية كانت أكثر ضراوة في العرض وأشد وقعا في بسط القضية أمام الناس وأمام خصوم الدين، فتأملنا النصوص التي ذمت زوجات الأنبياء وأبناءهم مثل ابني آدم وأبن نوح وأبناء يعقوب وهو من جملة الأل، أرى أن تطبيق القداسة والعظمة والتكريم لم يكن متوافقا مه جوهرية وروح الدين بشكله العام.
لا يخلو هذا الأمر من وجوده أيضا في الدين الإسلامي مع أنه محفوظ ولا أحد يطعن بأنه مزيد أو محرف أو فيه تلاعب، أنظر النص التالي وإن كان طويلا بعض الشيء من سورة الأحزاب (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (28) وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآَخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا (29) يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (30)وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا (31) يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا (32) وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآَتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33)، الصياغة والهدف والرسالة التي أراد النص أن يوصلها للناس أولا وللأل ثانيا وللنبي ثالثا أن هناك خلل ما بدرجة ما على مستوى ما في هذه المجموعة المخاطبة، أولا كونها لا تتفق مع مواصفات الإيمان (الفاحشة) (حب الدنيا) (الخضوع للقول) (التبرج) (عدم إطاعة الرسول)، هذه المفردات ليست تحذيرية فقد حذر النص الديني كل المسلمين والمسلمات منها، لا فرق فيها بين زوجة النبي وباقي الناس، إنها تشير لحالات حسية قد تكون لها جذور في الواقع لكنها لم تصل لدرجة الحدوث الفعلي.
التكريم والتعظيم من الله للأل مع هذه النقاط التي أشار إليها النص هو خروج عن عدالة الله وعمومية الخطاب الديني للناس أجمعين، وبشرية مباشرة وتدخل في الصياغة قد لا نعرف من كان الفاعل فيه أو المحرض عليه ولكن في النهاية هو شكل من أشكال التفرقة والتعدي على الحق الرباني وعلى الحق الإنساني، هناك من يقول أن هذا التكريم شأن إلهي لا دخل لنا فيه ولا يضيف ولا يزيد من تكاليفنا العبادية وبالتالي فهو جزء من رؤية قد لا ندرك معانيها بالتحديد لكنها بالمجمل محمودة، هذا المنطق الأستسهالي هو جزء من إشكالية الإنسان مع الدين وخاصة أولئك الذين تصدوا لدراسة الدين أو تخصصوا في نقله للناس، الأمر الأهم أن لا نعلق ك شيء على أن غبائنا وتغابينا جزء من رحمة الله، وأن عقولنا دوما تبقى قاصرة ولا تدرك المعاني والدلالات وكأن الخطاب الديني لم يوجه إلينا بالتحديد كي نفهمه وأنه موجه فقط لطبقة مميزة لديها سوبر عقل وهي وحدها من تفهم وتدرك الدلالات وفهمها يكفي ومعرفتها تغني عن معرفتنا نحن وأنتهى الأمر.
النص الديني أو الحكم الديني ما لم أدركه بكلياته وأتوصل لحقيقة المراد القصدي منه على وجه اليقين يجعل مني أمرا بين أمرين، أما منافق يأخذ الأمور بشكل ويتصرف بالواقع بشكل مغاير فحينما لا أفهم النص أو الحكم لا موجب أن أتعبد به لأنه لم يبلغني بالمعنى الذي يريده الله وقد أفعل أو أتعبد بما يخالفه، في حين أني أتي بالفعل العبادي دون فهم معتمدا على أن أنال الذم من الناس أو حتى من الله فقط، الحالة الأخرة أن أكون جاهلا غير مقدر لا لقيمة الحكم والأمر أو العبادة، ولا مقدرا ولا مهتما بتماميته بالوجه الذي يرضي الله وبالتالي أنا مجرد أتعاطى مع شي لا قيمة له في العقل ولا قيمة له بالنتيجة وهذا هو الخسران المبين، وفي كلا الحالتين لا الدين يطلب مني أن أفعل على أي حال ولا المنطق العقلي يبرر هذه العبادة والتعبد الأجوف، هنا يدان الدين لو أمرنا أن نعبد دون فهم ودون عقل ودون بحث أو تمحيص بالرغم من أننا سألنا أهل الدين وقالوا لا يهم أن تعرفوا كل الحقيقة المهم أن تؤمنوا وتتعبدوا فقط والله يجازي على فعل القلوب وليس على دلائل العقل، هذا جواب المؤمن المتدين الذي يقول أن بعض الأحكام لا تدركها كل العقول وأن النصوص فيها مما لا يمكن أن يدركه إلا الراسخون في العلم.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
التعليقات
1 - شئ محير
على سالم
(
2020 / 8 / 14 - 04:56
)
انا فى حيره من مرى من هذا الكاتب , هل انت تعقد ان كتاب القرأن هو كتاب سماوى او كتاب بشرى من تأليف المدعو صلعم , ارجو الرد بصراحه
2 - رد
عباس علي العلي
(
2020 / 8 / 14 - 20:12
)
مساء الخير صديقي
لا يعنيك ما أنا عليه من أعتقاد سواء أكان يسعدك أو يزعجك فهو أمر يخصني لوحدي
لكن ما دعاني للرد على كلامك الذي أرى فيها ما يتعارض مع كوننا مدنيين تقدميين نؤمن بالحرية الشخصية ونحترم الأخر بخياراته طالما أنها في حدود الفكر أنك تحاول الأنتقاص من رمز يؤمن به الملايين وتسميه صلعم، أظن أنك لم ولن تفهم أن هذا الصلعم بعيدا عن تقيمي الشخصي له أو تقيمك أنت قد غير مجرى التاريخ وصنع وجودا له، مثلي ومثلك لا يمكننا أن نستهزئ بمثل هذا قبل أن نكون أفضل منه أو على الأقل بقدر ما أحدث في التاريخ من أثر.
صديقي لنرتقي قليلا بأفكارنا ونتعلم أحترام الأخر والسلام.
3 - استدراك
على سالم
(
2020 / 8 / 14 - 21:34
)
شكرا عزيزى كاتب المقال , توضيح بسيط للمفهوم البشرى العجيب , بدون شك عندما تؤمن امم او شعوب بمعتقد ما فهى تعتقد ان هذا المعتقد هو الوحيد الصحيح والذى ارسله الله لهدايه البشر ولذلك فهى تجذم ان عقيدتهم هى الحقيقه الخالصه واليقين الاكيد للبشر المحظوظين بهذا الايمان , لذلك تجدهم فى ثقه عاليه انهم اصحاب الفئه المؤمنه الخالصه من العقاب الاخروى , لكن ليس الامر بهذه السهوله , نحن نجد فى هذا العالم امم كثيره وتعدادهم كبير ربما تعدى البليون ومع ذلك هم فى نظر عقيده اخرى فئه مهرطقه ضاله ونهايتهم جهنم وبئس المصير , التعداد هنا ليس له اى اهميه او وزن ابدا , فأنت تجد مثلا امه الهندوس فى الهند وتعدادهم اكثر من البليون نسمه ويعتقدوا انهم اصحاب الحقيقه الخالصه الاكيده , هم ايضا ينظروا الى المسلمين على انهم كفره ومهرطقين ومعذبين فى الدنيا والاخره , اذن نحن الان فى مشكله كبيره الا وهى وجود اليقين فى هذا الوجود وكيف تثبته , ارجو ان تنحى تماما من عقلك ان الاسلام الذى يتعدى المؤمنين به قارب من البليون ونصف فهم هم فقط وفقط الامه الناجيه وليس لهم دليل على ذلك , القدسيه هنا اكيد مشكوك فى امرها وشكرا
4 - رد
عباس علي العلي
(
2020 / 8 / 15 - 00:40
)
صديقي انا لا أتكلم عن كون الأغلبية على حق أو على باطل بقدر ما تكلمت في ردي السابق على ما يخصنا نحن الذي نعتقده والذي يجب أن يكون، فليس بمقدوري ولا مقدورك أن تحدد من هو الحق ومن هو ضده، هذا الأمر لا يعنينا فلسنا حكام في سباق الأديان نعطي الفوز لهذا والخسارة لذلك، كل ما يهمنا أن نفهم كما قلت بيقينية جادة ما يجب أن يكون ولا ننسى أيضا أن الزمن في النهاية هو الحكم الأخير الذي يعول على قراره.
.. من أحد رؤوس الكفر إلى أهم الصحابة.. من هو الصحابى الذى دخل ا
.. الملكة كاميلا تنوب عن زوجها في القداس السنوي بكاتدرائية ووست
.. تسجيل صوتي لقائد حماس العسكري يدعو الشعوب العربية والإسلامية
.. حزب مودي يواصل التضييق على المسلمين ويغلق مدرسة إسلامية بولا
.. الشريعة والحياة في رمضان| مسائل فقهية في الزكاة والصدقات