الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تركيا الاردوغانية تريد بعث خلافة عثمانية جديدة بوصاية اميركية يهودية

جورج حداد

2020 / 8 / 14
السياسة والعلاقات الدولية


إعداد: جورج حداد*


في النصف الاول من شهر تموز 2020 اصدرت المحكمة العليا في تركيا قرارا بالسماح باعادة تحويل كاتدرائية "آيا صوفيا" (القديسة صوفيا) التاريخية الى جامع. واستنادا الى هذا القرار اصدر الرئيس "الاسلامي" رجب طيب اردوغان مرسوما جمهوريا في هذا الشأن. وفي 24 من الشهر ذاته اقيمت اول صلاة جماعة في هذا الصرح المسيحي التاريخي، وذلك لاول مرة منذ العام 1935، حينما اعلن كمال مصطفى اتاتورك "المتأورب" تحويل "آيا صوفيا" الى متحف. وقد حضر هذه الصلاة رجب طيب اردوغان ووزراؤه ونواب حزبه وجمهور غفير من انصار حزب العدالة والتنمية "الاسلامي" الذين توافدوا من كافة المناطق التركية وملأوا باحة الكاتدرائية وجميع الساحات والشوارع المحيطة بها. وقد امكن تمرير هذه العملية بدون طرح ومناقشة واصدار قانون من قبل مجلس النواب التركي، بل فقط بمرسوم جمهوري من قبل الرئيس اردوغان، باعتبار ان تحويل "آيا صوفيا" الى متحف سنة 1935 لم يتم بقانون، بل فقط بمرسوم صدر حينذاك عن كمال اتاتورك. وقبل الان لم يكن احد ليجرؤ على التشكيك بمراسيم اتاتورك وتغييرها. خصوصا وان الجيش التركي، الكبير والقوي، والذي يعتبر عماد الدولة التركية كما الجيش في "اسرائيل"، هو الذي يضطلع تقليديا بدور الوصي على "الجمهورية التركية" القائمة على "مبادئ" اتاتورك ومراسيمه. ولكن اردوغان كسر هذا "الطابو الاتاتوركي" وفعلها (!). وهو لم يجد اي اعتراض مكشوف من الجيش (حارس الجمهورية الاتاتوركية) المنغمس الان في المغامرة العسكرية الاردوغانية في سوريا والعراق وفي ليبيا خصوصا وشرقي المتوسط عموما. وبهذه الخطوة "الاسلاموية" ضد هذا الصرح المسيحي التاريخي، اكد اردوغان ان مرجعية الدولائية (او الدولانية) التركية لم تعد مبادئ الدولة الاتاتوركية، بل مبادئ الخلافة العثمانية التي ارساها السلطان محمد الثاني (الفاتح) على ارض القسطنطينية المغتصبة، وهو الذي اقام الصلاة لاول مرة سنة 1453 في كاتدرائية "آيا صوفيا" واعلن تحويلها الى وقف وجامع اسلامي، بالاضافة الى عشرات غيرها من الكنائس الاورثوذكسية التاريخية في القسطنطينية التي حولت الى جوامع لا تزال قائمة الى اليوم، عدا عشرات غيرها من الكنائس والاديرة التي تم احراقها بمن فيها من الراهبات والرهبان والناس العاديين الذين حشروا فيها وتم احراقهم احياء على ايدي الفاتحين العثمانيين.
ومن الخطأ الفادح النظر الى خطوة اردوغان بأنها مغامرة معزولة وقفزة في الفراغ. فهي خطوة مدروسة تماما وتأتي في السياق التاريخي لاستيلاء الغزاة العثمانيين على القسطنطينية خصوصا واغتصاب ودوس التاريخ العالمي للحضارة الانسانية عموما. وهذا ما يقتضي النظر فيه بروية وتمعن من قبل اي باحث تاريخي منصف، ومن قبل ـ بالاخص ـ جميع القوى التقدمية والوطنية والاسلامية والقومية العربية، المناضلة من اجل تحرير الشعوب العربية والاسلامية والشرقية من ربقة الامبريالية واليهودية العالمية والصهيونية والداعشية والعثمانية القديمة والجديدة. ومن جهتنا نحاول فيما يلي الادلاء برأينا المتواضع، وإلقاء نظرة على الخلفية التاريخية التي قامت عليها هذه المغامرة الاستفزازية الاردوغانية المدروسة:
في القرون السابقة على الميلاد اكتمل تفكك النظام المشاعي القديم، وبدأ ظهور النظام العبودي. وقد قدمت التجربة الانسانية انماطا مختلفة من النظام العبودي. وكان اكثرها "ديموقراطية" النمط "القرطاجي" الهجين: المشاعي ـ العبودي. واكثرها "اكتمالا" (كنظام عبودي) النظام العبودي الروماني، الذي قام على الحروب من اجل اغتصاب اراضي الغير واستعبادهم، والذي صهر في قالب واحد التمييز الطبقي والتمييز العنصري والقومي، فحوّل "الرومان" الى اسياد، والشعوب المغزوة والمقهورة الى "عبيد". والنموذج العبودي الروماني هو اول تمييز عنصري ـ طبقي في التاريخ.
و بالمنطق التاريخي كان من المحتم ان يصطدم النظامان "القرطاجي" و"الروماني" في ما سمي "الحروب البونية" التي بدأت في 264ق.م وانتهت في 146ق.م بالاحراق والتدمير الكامل لقرطاجة وابادة 300 الف من سكانها وتشريد واستعباد الـ400 الف الباقين. وبعد ازالة قرطاجة من الوجود (الا في ذاكرة التاريخ) اقتحم الغزاة ـ السادة الرومان مصر وشمال افريقيا وسوريا الطبيعية بما فيها فلسطين وقطعوا رأس يوحنا المعمدان وقدموه على طبق ثمنا لفراش عاهرة يهودية، وحكموا بالموت صلبا على السيد المسيح (كما تقول الرواية المسيحية ذاتها، واهل المسيحية ادرى بشؤونها) ثم استولوا على ميزوبوتاميا (العراق) واسيا الصغرى الاغريقية حينذاك والبلقان وشواطئ البحر الاسود، وكانوا يزمعون اختراق الاراضي التي تحولت فيما بعد الى "روسيا" حتى حوض البلطيق في الشمال ومهاجمة الاراضي الجرمانية العصية من الخلف. ولكن الجماعات السلافية ـ الروسية صدت الرومان بصلابة ومنعتهم من التقدم اكثر. ومذّاك، وعلى اقدام الجماعات الروسية البدائية، بدأت مرحلة افول الامبراطورية الرومانية القديمة.
ومنذ ظهور وهيمنة الدولة العبودية "النموذجية" الرومانية انقسم العالم القديم الى "معسكرين" وهما:
ـ1ـ الغرب الاوروبي الاستعبادي ـ الاستعماري،
ـ2ـ وشعوب الشرق المناضلة من اجل التحرر والاستقلال والتقدم.
ولا يزال هذا الانقسام العالمي، في جوهره، ساريا الى يومنا الحاضر.
وقد ضم "المعسكر الشرقي" القديم شعوب الشرق الاوسط الكبير والاغريق وشعوب البلقان وروسيا، باستثناء الامارات العسكرية للقبائل التركية المتوحشة التي لعبت على جميع الحبال من اجل السيطرة والنهب والسلب.
اما اليهود (العبرانيون) فقد انقسموا الى قسمين:
ـ قسم تبنى المسيحية الشرقية وتحول عن اليهودية وواجه الاضطهاد الروماني مع سائر المسيحيين الشرقيين.
ـ وقسم اخر (الكهان والتجار والمرابون والاتباع والرعاع) الذين حافظوا على ديانتهم اليهودية العنصرية والاجرامية، وساروا في ركاب روما.
وبعد ان تبنت روما الديانة المسيحية ومسختها وحولتها (بصيغتها الممسوخة) الى الدين الرسمي للدولة لخدمة اغراضها الاستعبادية ـ الاستعمارية، انشقت الكنيسة المسيحية الى "شرقية" معادية للعبودية الرومانية، و"غربية" عميلة وموالية للنظام الاستعبادي والاستعماري الروماني.
وفي القرن السابع وما بعد اقام اليهود الخزر ذوو الاصول الطورانية في محيط بحر قزوين مملكة خازاريا التي عاشت على الغزو والسلب والنهب والسبي ضد جيرانها الروس والبلغار وبيع الاسرى والسبايا الى اليهود العرب (العبرانيين) الذين كانوا يمسكون بزمام التجارة في الامبراطورية العربية ـ الاسلامية من الاندلس حتى سور الصين. وحينما نشأت اول دولة مسيحية شرقية روسية المسماة "كييف روس" كان اول عمل دولة قامت به تلك الدولة هو تدمير مملكة خازاريا اليهودية ومحو عاصمتها ايتل محوا تاما عن الخريطة، ومنع اليهود من الاقامة في محيط بحر قزوين. وشكل ذلك ضربة قاصمة للمخططات القديمة لليهودية العالمية التي كانت تطمح لتوسيع وتقوية مملكة خازاريا والانقضاض بها على "ارض الميعاد" التي وعد بها "يهوه" المشؤوم جراءه اليهودية.
وفي القرن 11 ميلادي اطلقت البابوية الرومانية موجتين من الحملات الصليبية:
الاولى ـ الحملات "الشرقية" ضد الشرق العربي ـ الاسلامي ـ المسيحي الشرقي وضد بيزنطية (المسيحية الشرقية).
والثانية ـ الحملات "الشمالية" ضد روسيا المسيحية الشرقية.
وقد مرت الحملات الصليبية "الشرقية" عنوة في الاراضي البيزنطية. ولكن البيزنطيين الذين تبنوا المسيحية الشرقية (الاورثوذكسية) رفضوا كليا الانضمام الى الصليبيين.
وفي الوقت ذاته فإن تلك الحملات مرت "تحت انف" الامارات التركية، التي واصلت اللعب على الحبال لاجل مصالحها السلطوية من اجل انتزاع السيطرة على العالم العربي ـ الاسلامي ولو بالتعاون مع الصليبيين.
اما الحملات الصليبية "الشمالية"، فقد كان مصيرها السحق التام على ايدي الروس، المدنيين قبل الجيوش. وسجل الروس اكبر انتصار لهم على الجيش الصليبي "الشمالي" السويدي الذي كان يعد 100 الف فارس مدرع تمت ابادتهم في معركة نيفا سنة 1242 بقيادة امير مدينة نوفغورود الكسندر نيفسكي، الذي طوبته الكنيسة الروسية فيما بعد كقديس، والذي قاد لاحقا انتصار الروس على المغول والتتار والتحرر منهم. وهكذا طُمر الصليبيون "الشماليون" في الارض الروسية، ولم "يزمط" منهم ولا فارس واحد الى الشرق العربي ـ الاسلامي. ولو ان الصليبيين "الشماليين" استطاعوا دحر الروس والوصول الى الشرق العربي ـ الاسلامي والاتحاد مع الصليبيين "الشرقيين" لكان التاريخ العالمي كله اتخذ مسارا آخر.
وبسبب موقف البيزنطيين المعادي للحملات الصليبية ضد الشرق، وفي وقت كان فيه العثمانيون ينتزعون الاراضي الاغريقية في اسيا الصغرى وتراقيا الاوروبية، وجهت البابوية الرومانية الحملة الصليبية الرابعة في 1202 ضد بيزنطية بالذات، حيث تم نهب القسطنطينية وذبح الالوف من اهاليها الذين فرت غالبيتهم باتجاه شمال سوريا والاحتماء بالحمدانيين ذوي الاصول التغلبية ـ المسيحية الشرقية. وقد اقام الصليبيون في القسطنطينية مملكة لاتينية (مسيحية غربية معادية للشرق) دامت حتى سنة 1264 حينما استعادها البيزنطيون.
وبنتيجة هذه الاحداث الدراماتيكية الكبرى، ضعفت الامبراطورية البيزنطية ضعفا كبيرا وتقلصت رقعتها الجغرافية لتقتصر على مدينة القسطنطينية وحسب، التي تحولت الى مركز تجاري (خاصة مع الشرق العربي ـ الاسلامي ومع روسيا)، والى منارة حضارية عالمية عمت فيها صروح العلم والثقافة وانشئت فيها اكبر مكتبة عالمية في زمانها حوت اكثر من 100000 نص مخطوط، وقد تم فيما بعد احراقها على ايدي الفاتحين العثمانيين الاوباش. وقبل سقوطها كانت القسطنطينية قد اقامت علاقات حضارية وثيقة مع المنارة الحضارية الاخرى في القرون الوسطى: الاندلس العربية ـ الاسلامية.
وفي هذه الاثناء كانت الدولة الروسية الصاعدة يشتد عودها وتقوى شوكتها. ونشأ احتمال تاريخي كبير ان يتم شكل من اشكال الاتحاد بين روسيا القوية والقسطنطينية الضعيفة، وان تتحول القسطنطينية موضوعيا الى همزة وصل وجسر تواصل بين روسيا المسيحية الشرقية والشرق العربي ـ الاسلامي، في المجالات الثقافية والدينية والتجارية والسياسية والعسكرية، وان يغسل المقاتلون الروس الاشاوس ارجلهم في المياه الدافئة لحوض البحر الابيض المتوسط، مركز العالم القديم قاطبة.
وامام احتمال هذا الخطر الداهم على الغرب الاستعبادي ـ الاستعماري، تفتقت العبقرية "الغربية" عن فكرة تسليم القسطنطينية الى الحلفاء الضمنيين للغرب الاستعماري الصليبي، اي الغزاة العثمانيين، لمنع "سقوطها" في ايدي الروس. وهذه هي الارضية الجيوستراتيجية العالمية التي قام عليها الفتح العثماني للقسطنطينية، بالتواطؤ مع البابوية الرومانية واليهودية العالمية وما يسمى "الفاناريوتي" (اصحاب المصابيح) البيزنطيين (اي الاغنياء اليونانيين الذين كانوا يضيئون قصورهم ليلا للتباهي). وقد تعاون هؤلاء الخونة الفاناريوتيون مع العثمانيين قبل وبعد سقوط القسطنطينية، ولا يزال "احفادهم" موجودين الى اليوم، ومنهم البطريرك الاورثوذكسي المسكوني الحالي برثولوميوس الموالي لاميركا واسرائيل وتركيا، والمعادي للروس والفلسطينيين والعرب.
وكان سقوط القسطنطينية بيد العثمانيين مقدمة تاريخية لسقوط شقيقتها الحضارية: الاندلس، ومن ثم لسقوط اميركا في يد الاستعمار الاوروبي الغربي، وابادة واستعباد سكانها الاصليين بمباركة الكنيسة الغربية، ومن ثم الغزو العثماني للاراضي العربية بعد معركة مرج دابق سنة 1516، واخيرا الغزوات الاستعمارية الاوروبية لاسيا وافريقيا بالطول والعرض.
ويخطئ خطأ جسيما من يظن ان خطوة اردوغان الاخيرة هي فعل "استقلالي" تركي. فهذه الخطوة تهدف:
اولا ـ الى تحدي روسيا ـ القاعدة الصلبة للمسيحية الشرقية ـ والانتقام منها لدورها في احباط المؤامرة العالمية لاقامة "الخلافة الداعشية" الاسلامية المزعومة في سوريا والعراق وما بعدهما.
وثانيا ــ الرد على التوجه الاسلامي المعادي للامبريالية والصهيونية الذي تمثله الثورة الايرانية، واعادة توجيه "البوصلة الاسلامية" في الاتجاه الداعشي ـ العثماني.
وقد تمت هذه الخطوة بالتواطؤ والتفاهم التام بين تركيا الاردوغانية واسرائيل واميركا.
وبالاضافة الى المغامرات التركية في ليبيا وشرق الابيض المتوسط، واستفزاز وتهديد قبرص واليونان، تأمل العثمانية الجديدة بزعامة اردوغان ان تثبت للعالم الغربي الامبريالي واليهودي انها لا تزال قادرة ان "تفعل شيئا" لـ"هذا العالم"، على غرار ما فعل الغزاة العثمانيون القدامى الذين "فتحوا" القسطنطينية.
ولكن عجلة التاريخ لا تسير الى الوراء. والعثمانية الجديدة تأتي متأخرة لا اقل من 600 سنة. وجميع الاساطيل والقواعد العسكرية الاميركية والناتوية والاسرائيلية والتركية في الشرق الاوسط الكبير وفي الشرق الاقصى على الحدود مع الصين هي اليوم رهائن لا اكثر في قبضة وتحت رحمة "المحور الشرقي الجديد" العظيم بنواته الصلبة روسيا والصين وايران. ومن المؤكد ان المعسكر الاميركي الناتوي الاسرائيلي التركي سيسقط في "الحرب الناعمة" السياسية والاعلامية والثقافية والتجارية والاقتصادية ضد "المعسكر الشرقي الجديد". ولكن اذا ركب الغرب الامبريالي ـ اليهودي رأسه ووقعت لا سمح الله واقعة "الحرب الساخنة" فإن الرهائن الغربية في الشرق ستسحق سحقا. واذا لم يردع ذلك الغرب الامبريالي ـ اليهودي فلن يبقى حجر على حجر في اميركا واسرائيل وتركيا. ومصير "الفاتح العثماني الجديد" اردوغان لن يكون افضل من مصير ""امير المؤمنين" اسامة بن لادن و"الخليفة الداعشي" البغدادي. وربما تولت اميركا ذاتها تصفية اردوغان بصاروخ توماهوك لغسل يديها من جريمة اغتصاب العثمانيين القدماء والجدد للقسطنطينية ولكاتدرائية "القديسة صوفيا" باسم الاسلام، والاسلام منهم جميعا براء!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*كاتب لبناني مستقل








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. توترات متصاعدة في جامعات أمريكية مرموقة | الأخبار


.. !الرئيس الألماني يزور تركيا حاملا 60 كيلوغرام من الشاورما




.. مئات الإسرائيليين ينتقدون سياسة نتنياهو ويطالبون بتحرير الره


.. ماذا تتضمن حزمة دعم أوكرانيا التي يصوت عليها مجلس الشيوخ الأ




.. اتهام أميركي لحماس بالسعي لحرب إقليمية ونتنياهو يعلن تكثيف ا