الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النسر المحلق / الدكتور نورالدين ظاظا وهلوسات الكاتب ابراهيم محمود

محمد مصطفى

2020 / 8 / 15
القضية الكردية


النسر المحلق
الدكتور نورالدين ظاظا وهلوسات الكاتب ابراهيم محمود
قرأتُ مؤخراً عدة مقالات عن ما كُتب عن الدكتور نورالدين ظاظا فوجدتُ عنواناً صادماً يسيئ الى تاريخه اللامع ودوره الوطني الناصع وفكره القومي والانساني الساطع الا وهو مقال الباحث ابراهيم محمود تحت عنوان (هل كان نورالدين ظاظا خائناً حقاً ؟ صورة طبق الاصل عن وثيقة سرية ) فيها أجحاف وتجني واضح على تاريخ هذا المناضل العتيد ويترك في نفس القارئ شعوراً عميقاً بالمرارةِ والأسى، وهنالك عدة مقالات أخرى مثل (نورالدين ظاظا واحداث 2011) و (الارتحال الى نورالدين ظاظا )، والسؤال هنا لماذا البت في حادثة حصلت حتى قبل ميلاد الكاتب نفسه بخمس سنوت ؟! وهل يليق مثل هذه الإِساءة بكاتب وقامة مثل ابراهيم محمود ؟وخصوصاً تطاوله على رمز قومي كان كالطائر النورس رائداً ومؤسساً للحركة القومية في سوريا وتوفى منذُ زمن بعيد في ديار الغربة في عام 1988، وهل من شيم الثقافة والمثقفين وضع الموتى في قفص الأتهام ونبشِ قبورهم والإساءة الى ماضيهم ؟ هذا لا يليق بمن نصب نفسه يوماً عمدة للمثقفين والمتثاقفين ؟ وسخر منهم في كتاباته من علياء النرجسية المحضة .
حتى الامس القريب كانت اللغة اللاتينية لغة الثقافة والمثقفين وكانت هناك حكمة دارجة في الاوساط الثقافية تقول : (عن الموتى لا تتحدث وإن تحدثت فليس بسوء) ولا ننسى الحديث الشريف " اذكروا محاسن موتاكم وكفُوا عن مساوئهم " أي لا يجوز على الميت إِلا الرحمة.
يتباهى الباحث ابراهيم محمود في مقاله بأنه باحث في قضاية إشكالية ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا ما جدوى الاثارة والاكشن في محاكمة الموتى ؟
خدم الدكتور نورالدين ظاظا شعبه أكثر من نصف قرن ورفض دراسة الطب وفضل ممارسة السياسة أي فضل خلاص الشعب على خلاص المرضى وتجرع مرارة الحياة منذُ صغره عندما وجد أباه واخوته على حافة المشنقة وعمه مقتولاً ومربوطاً على جذع شجرة في حفلة تعذيب جماعية إذ كتب يقول نورالدين ظاظا عن هذه الحادثة (والدتي وعمتي عُرضت مجوهراتهم للبيع واجبرنا الوضع على الافتراق بأسى ومرارة عن فرسينا والتخلي عن الجواد سكلاوي لاننا كنا بحاجة الى مبلغ ضخم لإنقاذ والدي وأخي).
كتب ابراهيم محمود في متنِ مقاله ما يلي : (غموض شخصية الدكتور المتنور وكذلك تسأولات هي أكثر من مثيرة لها علاقة هنا بمصداقية عمله المتعدد الاتجاهات داخل الوطن وخارجه وتحت أسم " الكورد الطابع " وحتى أستطيع أختصار الموضوع أُشيرُ مباشرة الى" ما يشبه الوثيقة" عثرتُ عليها بعد عمل تنقيبي شخصي ) .
يقوم الباحث بدور بوليس التحري بعمل تنقيبي إِلا أنه نسي أنه قد قال الشيء وعكسه في الوقت نفسه عندما قال " أُشير الى ما يشبه الوثيقة " وما لا يتناطح عليه عنزان في قريته تل عنز أن هناك فرق وتناقض بين كلمتي شبه الوثيقة والوثيقة التي وضعها في العنوان، وكلمة شبه الوثيقة تنفي صفة الوثيقة وشتان بين الوثيقة وشبه الوثيقة، هنا وضع الكاتب العملية برمتها تحت مجهر الشك، كالطبيب الذي يقول لمريضته انتِ شوي حامل!! وهنا الأصح القول انتِ حامل او غير حامل، وتثبت أنها من نسج خيال الكاتب او أوحى له به أحدهم.
ثم يعود الكاتب الى القول (وربما الوثيقة تلك تبرئ موقف أخرين وقفا موقفاً عدائياً كان يستحقه وإن الذين نهبوا مستودع الخاص بالمواد الصيدلانية بعد دخوله السجن وخروجه منه سنة 1961)، وهنا جعل من شبه الوثيقة وثيقة ولاحظوا شماتة الكاتب بالرجل الذي نُهب امواله التي تقدر بعد خروجه من الزنزانة بخمسين الف فرن سويسري من أدوية في ذلك الوقت، وشريكه السارق، كان كوردي وليس تركي او عربي.
وبعد وربما عاد الى القول : (تقول الوثيقة هذه عن ان الدكتور نورالدين ظاظا كان على علاقة وثيقة ب عبدالحميد السراج رئيس المكتب الثاني اي رئيس المخابرات السورية انذاك ).
مقاربة عقلية قاصرة
من المعروف أن عبدالحميد السراج اصبح وزيراً للداخلية في دولة الوحدة ثم نائباً للرئيس جمال عبدالناصر في أواخر عهد الوحدة ،كان اليد الطولى لعبد الناصر وظله في سوريا ،ضرب بيد من حديد كل المعارضين من شيوعيين وقوميين سوريين وبارتين وغيرهم، قام بالقاء القبض على اكثر من خمسة الاف سوري في ليلة واحدة معظهم من السياسين الكبار من امثال نورالدين ظاظا وفرج الله الحلو وكُتاب من امثال ادونيس ومحمد الماغوط وملىء السجون وحتى الاقبية بالوطنين والمناضلين واستورد اجهزة قمع وتعذيب خاصة من المانيا الشرقية وبذلك وضع اركان الارهاب في سوريا وقد وصف كتاب السلطان الاحمر، احداث تلك الفترة كيف اصبحت سوريا "جمهورية الرعب" وتحول اسم سجن المزة الى الباستيل السوري وكتب سامي جمعة مدير مكتب عبدالحميد السراج انذاك في كتابه " اوراق من دفتر الوطن " عندما زرتُ سجن المزة بعد اسبوعين من بدء حملة الاعتقالات :
لقد اصبحتُ في زهول من هول وفظاعة التعذيب وتجمدت الدماء في عروقي من رؤية مشاهد التعذيب للسجناء، في ظل هذه الاوضاع المأساوية بعد أن حول عبدالحميد السراج سوريا الى مرتع للأرهاب لم تشهده منذُ الاستقلال، قامت حملة عالمية ضد القمع والارهاب في الجمهورية العربية المتحدة من قبل الحركة الشيوعية العالمية والقوى والتقدمية والعمالية وضغط خورتشيف على عبدالناصر الذي قال انا لا أزور بلداً يُسجن فيه شيوعين ، بعد مقتل فرج الله الحلو وإِذابة جثته بالاسيد . كان جمال عبدالناصر بحاجة الى شراء اسلحة من الاتحاد السوفيتي وكذلك تدخل قادة دول عدم الانحياز مثل تيتو وسوكارنو للضغط على جمال عبدالناصر، وقامت احتجاجات امام السفارات الجمهورية العربية المتحدة في معظم العواصم العالمية وكما ويكتب نورالدين ظاظا عن هذه الفترة : (كما سلم اصاقائنا السويسريون المتعاطفون معنا التماسات موقعة من قبل مئات من الرجال الادب والفن والعلم للسطات المصرية_السورية وصمم واحد من اوفى اصدقائي المحامي والمستشار الوطني السويسري جيلبيرت بايشتولد على الحضور مع اصدقاء اخرين للدفاع عنا امام محكمة دمشق العسكرية كما اعلن كورد فرنسا والمانيا والسويد وبلجيكا وانكلترا وايطاليا واصدقاءهم تضامنهم معنا وطالبوا من ممثليات الجمهورية العربية المتحدة المتواجدة في بلدانهم باطلاق سراحنا.
وان كل هذه التدخلات والالتماسات ساهمت بشكل كبير في تخفيف حدة جنون السلطات السياسية تجاهنا ولهذه الاسباب تحولت العقوبات الابدية الى عام وعاماً والنصف وعقوبات 7-15 سنة الى عام وسبعة اشهر سجن.
تمكنت بفضل الاصدقاء والمجهولين النجاة من المقصلة...
بعد قضاء ستة شهور في مزة توجب نقلي ونقل رفاقي في الحزب الديمقراطي الكوردي السوري الى سجن المركزي لدمشق والذي لم يكن سوى تلك القلعة الحصينة التي بناها صلاح الدين .
أصدرت المحكمة حكمها يوم 15 اذار من عام 1961 وفي مساء 15 أعلمتنا دائرة مزة بأعداد انفسنا للمغادرة الى السجن المدني ) .
من الملاحظ إن الضغط العالمي على الجهمورية العربية المتحدة فعل فعله وترك أثره على السلطات ويذكر شهود العيان بأنه كان هناك صراع بين المشير عبدالحكيم عامر ووزير داخليته عبدالحميد السراج وقد قام المشير بنزع صلاحيات عبدالحميد السراج وأغلاق مكاتبه في سوريا ووضعه تحت الاقامة الجبرية لانه كان ينشر الإشاعات بين الضباط مما زاد من حدة الخلاف بينهما ولم يطلق سراح نورالدين ظاظا وسجناءه الاخرين إلا بعد الإطاحة بعبد الحميد السراج وتم نقله الى القاهرة بتاريخ 16 أب 1961 ونصبه جمال عبدالناصر شكلياً صفة نائب الرئيس إلا انه قدم استقالته قبل سقوط حكومة الوحدة بعدة اسابيع في 28 ايلول1961 والقيى القبض عليه بعد اربعة ايام من اختبائه في مزرعة بالغوطة والقيى به في نفس السجن الذي سجن فيه الدكتور نورالدين ظاظا وكانت السلطات قد اعلنت عن جائزة مقدارها 20000 ليرة لمن يقبض عليه وبقي فترة 8 اشهر في السجن ثم قام جمال عبد الناصر بتهريبه من السجن الى لبنان بمساعدة الرئيس اللبناني فؤاد شهاب الذي كان ناصري الهوى .
من الملاحظ أن الدكتور نورالدين ظاظا بقيى في السجن لغاية 8 اب 1961 ولم يُخرج من السجن إلا بعد نزع المشيرعبدالحكيم عامر لصلاحيات عبدالحميد السراج واغلاق مكاتبه في دمشق وهذا ما ينفي صلة الدكتور نورالدين ظاظا بعبد الحميد السراج، ونترك الامر لبناهة القارئ.
أن شريك الدكتور نورالدين ظاظا الكوردي الذي سرق خمسين الف فرن من ممتلاكته في ذلك الوقت يمكنه احضار اي وثيقة مزيفة من أي مكتب "لأشباح الليل".
من الجدير بالذكر ان عبدالحميد السراج كان في علاقة مصاهرة (صهر) مع آل زلفو اغا الكوردي عكيد حارة الاكراد انذاك ومن قادة المقاومة ضد الفرنسيين في جبل قاسيون وكانوا قد استضاف الدكتور نورالدين ظاظا وأخاه الدكتور نافذ عند هروبهم من تركيا الى حلب ثم الى دمشق، وكتب نورالدين ظاظا ما يلي :
(حينما وصلنا اليه اي الى بيت علي زلفو اغا كانت صالة الاستقبال مليئة باعداد كبيرة من وجهاء الحي ومن المنفيين ما عدا المغتربين والكورد الموضوعين تحت الرقابة الجبرية وكان هناك حاجو اغا وابناءه وابناء قدري جميل باشا وغيرهم ) .
يدعي الكاتب ان نورالدين ظاظا كان كاتب تقارير بارع، ومن المفارقات العجيبة قوله ان نورالدين ظاظا كان يملك جهاز صغير جداً ما كان بوسع ايً كان معرفته بسهولة ، وعندما توفى نورالدين في عام1988 لم يُعرف الهنود الحمر الموبايل ويضيف انه كان يملك جهاز شبيه بالكومبيوتر حيث امن له غطاء معلوماتي ومن خلاله عرفت وقت ذاك التحادث عبره وحتى وجدوا جيمس بوند مختبئاً في جيبته الصغيرة لمعطفه السويسري .
ولم تُعرف عشائر الزولو وسحرة الفودو الموبايل قبل عام 1988 وعالم الجواسيس كان يدار بشفرات لاسلكية وكاميرات واجهزة تسجيل صغيرة على شكل اقلام او سجائروغيرها، ومن الخطأ اللجوء الى المخيلة، ويشدد الكاتب باعتباره بوليس تحري بالقول : والاكثر من ذلك ان الدكتور نورالدين ظاظا عندما توفى ترك ورائه اوراق ووثائق لا تقدر بثمن ،مجهولة اماكن اقامتها او حجزها عدا عن اغراضه الشخصية والتي استفيد منها في تلمس جوانب غامضة من حياته ونشاطه الدؤوب اللافت وقد عثر احدهم ( "لم يسم في الوثيقة تلك" في جيب صغير داخل معطف سويسري له على جهاز صغير كان يرسل اشارات ) الملاحظ هنا ايضاً ان الكاتب يسلط الشك على الوثيقة عندما قال" لم يسم في الوثيقة تلك " ان من يقرأ بتأني ما كُتب سوف يستنتج ان الدكتور نورالدين ظاظا الكارزما ،المعروف بصراحته وعفويته ما كان الا جاسوساً متأمراً على شعبه وكان يُعلم فن الجاسوسية ل جمس بوند ولورنس العرب مثل ما علم ارسطو الكسندر الكبير إلا ان الحقيقة هي عكس ذلك فهو مجرد شخص نبيل متمرد على واقعه ضاقت به الارض، عاصر موجة صعود الفكر النازي والفاشي في المنطقة فقد ولى هارباً من تركياه منذ صغره طلباً للخلاص وكان نزيل السجون السورية وزنازنها بل حتى سجن في العراق لفترة تسعة اشهر وزج به في السجون في لبنان والاردن عندما كان يحاول الهروب من عالم الجحيم بعد ان وصل الى حافة الاحباط وتذوق مرارة الهزيمة بدء يبحث عن عالم اخر وعن وجود اخر تحت الشمس.
النسر المحلق
كتبت زوجة الدكتور نورالدين ظاظا السيدة جيلبيرت فافر ( لقد تعود نورالدين ظاظا ومنذُ الصغر على السير بأتجاه المعاكس وضد الكل ويخوض الصراع من اجل ان تنتصر الحياة والحقيقة وعلواة على ثقافة نورالدين الواسعة فقد امتزجت لديه الصفات الانسانية والنبل والنقاوة الفكرية حيث ان باضافة الى حفظه عن ظهر قلب قصائد الايلوار وناظم حكمت وتقديسه لفيكتور هيغو وموزر بعد سنوات من السجن والتعذيب والطفولة المعذبة بالابعادِ والنفي وبسجن اخوته وابيه واعمامه وكيف يُكمن نسيان جلسات التعذيب بينما بقيت الاثار على جسدتك رغم مرور اكثر من عشرين عاماً تلك الآلام المتكررة التي تؤلم كتفك حينما تشد البرودة الناجمة عن صيات المئة جلدة التي القاها الرجل المكلف بالتعذيب على الجسد في سجن المزة بدمشق وتكشرة الجلاد ) وكتب نورالدين ظاظا في عام 1982 عن ايام سجنه في زنازين عبدالحميد سراج عام 1960 :لا زلت اعاني لحد اليوم من اثار 100 جلدة على اكتافي ويحصل بأن احلم احياناً بمزة ويتراء امام عيني مشهد رجل الشرطة العسكرية وهم يحملون سياطاً ضخمة في ايديهم ويكشرون بأسنانهم ككابوس يفزوني من النوم ، وتابع القول كيف قام مدير السجن نفسه بتعذيبه امام خمسين سجيناً لكسر شوكته أذ يقول شرع المدير المتجهز بصوت ويهوي به امام العيون الشغوفة والفضولية للمتواجين وعيون خمسين سجين اخر على جسدي بضراوة وعنق مطلقاً كلمات نابية ومن كل الوان الفلكلور العربي بحيث لم يدخر لا والدي ولا امي ولا شقيقاتي ولا اسلافي ولا اسلاف اسلافي وشعبي وامتي ضربني علي عيسى بغضب وهياج غير معقول حيث انه تمكن من جلدي 100 مرة بلا توقف بما اني كنت لا أزال في الجلدة المائة واقفاً منتصباً بقوتي على الفخذيين لا اتحرك ولا انبس بكلمة ولا استجدي الرحمة فقد ترك مدير السجن سوطه وشدة قبطه ليلكمني بيمناه على فكي. كانت الضربة قوية الى درجة شعرت بأن الارض تتحرك تحت اقدامي وتسحبني معه حينما عدت الى وعي وجدت نفسي في عيادة السجن والعملاق ابو العبد يجبرني على شرب محلول مر تنبعث منه رائحة كحول قوية.
نورالدين ظاظا الانسان
كان سليل عائلة عريقة من البكوات الكورد عرفت بالنبل والاصالة يمتد جذورها الى 500عام وعاشوا كوكلاء للدولة العثمانية في مدينة مناجم النحاس مادن، كانت تضمن خبراء المان وجالية يونانية واخرى ارمنية وكوردية واخرى تركيا كانت مادن (مدينة كسموبوليتة) نموذجاً عن تركيا الصغيرة دارت فيها منذ الحرب العالمية الاولى صراعات عارمة شهدت مزابح الارمن وطرد الجالية اليونانية ثم واخيراً الصراع بين انصار السلطنة والجمهورية في عام 1925 .
كتب نوردالدين ظاظا عن هذه الفترة بعد ان اودع اباه في السجن كتب يقول في نهاية شهر ايلول وعدت ابي وشقيقاتي وججو (الطفلة الرمنية الصغيرة التي انقذها عائلة نورالدين ظاظا من مذابح الارمن) وحماري بوزو والخيول والاصدقاء ومعدن مع جبالها ووديانها لإقيم مع اخي الكبير لأعيش معه في ديار بكر .
ويذكر نورالدين ظاظا طرفة عن قدوم الضيوف الى دارهم ذات مرة وذبح الاهل جديه الصغير دون علمه واعلانه الاضراب عن اكل اللحم وكتب عن حزنه العميق وبكائه بالقول منذ هذا اليوم ولحد السادسة عشرة من عمري لم اكن استطيع التهام قطعة لحم واحدة .
ويتحدث نورالدين ظاظا بأن والده كان الناس يسمونه بالولي حيث كان يقوم عند مجيئ الليل وحلول الظلام ويوضع اكياس الطحين على عتبة ابواب المنازل العوائل المعدومة وقد احتفظ بهذه العادة الى يوم وفاته في عام 1933 ، حيث يحترم ويعطف حتى على الحيوان وقد رأيته يرفع قدمه ليتجنب سحق نملة .
كتاب حياتي ككوردي
ان كتاب نورالدين ظاظا "حياتي ككوردي" ترجمة خسرو بوتاني هي قصة انسان حقيقي هو عمل سردي وتاريخي ونثري فذ ، يجتمع بين السيرة الذاتية ونصف قرن من تاريخ الشعب حمل فيها هذا النسر المحلق من ضفاف بحيرة وان، كرجل في العاصفة حمل هذا الفارس المترجل احلامه على كتفه بعد أن سلب جواده السكلاوي فسار في ليلة ظلماء بلا نجوم نحو قدره ، ان كتابه أمثولة فريدة للسرد الذاتي والمعانات الآلم والاوهام الزائفة بالحياة السعيدة سطر نصف قرن من تاريخ شعب بأسلوب بسيط ورصين .
إن هذا المنجز الفذ يضاهي في اهميته المعرفية رواية مكسيم غورغي الام التي كتبت إبان ثورة عام 1905 الروسية، وكتاب حياتي ككوردي جدير بأن يدخل في المنهاج الدراسية لتعليم التلاميذ الكورد روح الاصالة والنبل وتاريخهم والقيم النبيلة الانسانية وتاريخ الحقيقي للانسان الكوردي ولا بد ان يقرأها كل مثقف كوردي .
وقد كتب جلبرد فافر عن نورالدين فقد بدا عليه الحزن الشديد والاسى بل الاياس امام الانشقاقات والانقسامات بين الكورد وامام سلوك بعض قادته والمسؤلية بالسير في طريق الضلال والتعصب والجهل.
لقد جرى تعتيم متعمد على دور هذا الفارس النبيل الذي ترك جواد السكلاوي في تركيا على ضفاف بحيرة وان قاصداً شام الشريف حاملاً أماله واحلامه على كتفه إلا انهم اركبوه حصان الوهم والخيبة وسرقوا احلامهم واضاقوا به الارض فولى هارباً حاملاً معه كل هزائم الكورد وخيباتهم والآلمهم معه الى بلاد الغربة البعيدة .
قال قيادي شبه أُمي ذات مرة والذي لم يدخل السجن ليوم واحد ان نورالدين ظاظا قد حول الحزب الى جمعية خيرية ؟.
ربما الوحيد الذي انصفه هو المرحوم عبدالحميد درويش، سمعته ذات مرة يقول في جمع ،لقد تعلمنا من نورالدين ظاظا، الصبر والثبات والصمود واقام مركز ثقافي بأسمه .
نافذ بك
عن دور اخيه الدكتور نافذ كتب نورالدين ظاظا يستقبل مئة مريض يومياً والمحتاج منهم يلتقي العناية الادوية مجاناً حيث انه كان يسجل على اوراق وصفاتهم الطبية الملاحظة التالية " على حسابي " واما الاخرون فلم يكن يطالبهم بأكثر من خمس ليرات سورية وحين سماعه الانتقادات من قبل اصحابه على الاجرة الضيئلة لمعاينته كان يرد عليه بصوت وديع ومقنع حينما لا اطالبهم بغير خمس ليرات فأنني اسعدهم وأضيف مفعولاً على تأثير الادوية التي اردتهم ليتناولوها وكطبيب لا يمكن وصف مقدار سعادتي حينما ارى زوال الم مرضاي بأسرع وقت ممكن، ثم يضيف وقف اخي بشدة ضد اطباء المشعوذين الذين لم يكتفوا بسرقة الضعفاء .
لقد دخل اسماء الدكتور نافذ والدكتور قاسم في الوعي والوجدان الشعبي في الجزيرة بأنهم كانو يعلون شأن الناموس على الفلوس وبروز الجانب الانساني لمهنة الطب وزاع صيتهم في كافة الطبقات الشعبية وتركوا ذكرى جميلة عند الناس وفي نفوسهم.
والسؤال هنا لماذا وجد ضالته في الدكتور نورالدين المتوفي وجعل منه البغل الأسود كما يقال في اللغات الأوروبية كمن يُصوب على الديب و يقتل النعجة .
وقل للشامتين بنا افيقوا ..... فأن نوائب الدنيا تدورُ ! (المتنبي)
ولماذا نصب الكاتب نفسه شاهداً على عصر ليس بعصره ويحاكم الرجل عبر الاثير ويعلب دور بوليس التحري والطبيب الشرعي يقول الكاتب :
( فأن ظاظا مات ومات ومات واستدعاه بمثابة عقوبة للاحياء .....من يريدون الاستهتار بشعب كامل، من هم داخلون في سوق نخاسة القضية الاعتبارية لوطن وشعب كامل...)
أن المثقف العضوي لا يحتاج الى أي أستدعاء أحد من القبر أو أستجرار للماضي مع ان موسوليني كان يقول: ( كلما اسمع كلمة مثقف اضع يدي على مسدسي إلا أن اغرامشي لم يبالي ) . فأذا كان الكاتب يرى بأن هنالك احد ما في الاحزاب الكوردية يبيع القضية الكوردية في سوق النخاسة ويتاجر بها ويحارب المثقفين في الحركة الكوردية ويدفع الشباب الى خارج الوطن ويفتعل التكتلات والانشقاقات فليواجههم ليس بالأنشاء المجازي والالتفاف حول الحقائق، بل بتسمية الأشياء باسمائها الحقيقية ببلاغة واضحة المعالم .
ملحق
تقول زوجة نورالدين ظاظا " جيلبرت فافر ظاظا " :
التقيت بنور الدين في خريف عام ١٩٧١ في هيئة تحرير مجلة "لإلوستر" في لوزان بسويسرا عن طريق بعض الأصدقاء المشتركين. عرفتني به رئيسة التحرير، والتي كانت صديقة الطفولة لأحد أصدقاء نور الدين، وهو “جلبر باشتولد” المحامي والمستشار الوطني في سويسرا. نور الدين وجلبر باشتولد عرفوا بعضهم البعض في فترة الدراسة الجامعية في لوزان في الخمسينيات ،.
عندما اعتقل نور الدين وعُذب؛ بسبب تأسيسه للحزب الديمقراطي الكوردي في سوريا، أرادت جلبر أن يذهب ليدافع عنه، وشن وقتها حملة إعلامية في سويسرا للإفراج عنه. جلبر ونور الدين بقيا صديقيّن حتى وفاة نور الدين عام ١٩٨٨.
لم التقِ في حياتي بشخص نزيه كنور الدين. كان شخصاً مثالياً يسعى لكي ينال الشعب الكوردي حقوقه الرئيسية, حيث دافع عن القضية الكوردية منذ طفولته.
في بيروت عام ١٩٧١ التقيت بأحد رفاق نور الدين من المدرسة الفرنسية في دمشق
كان كوردياً أيضاً. قال لي: بأن نور الدين كان يُعلّم وبشكل سرّي أهل “حارة الأكراد” في دمشق؛ اللغة الكوردية. وفي بيروت أيضاً كان قد كرّس الكثير من الوقت لتعليم الكورد هناك القراءة والكتابة بالكوردية. “حسان ملا” الذي كان قد استفاد من دروس نور الدين أكد لي ذلك.
نور الدين كان يحلم بشرق أوسط على النموذج السويسري (حيث الجميع, وبمختلف لغاتهم وثقافاتهم ودياناتهم أن يعيشوا سويةً). بشرق أوسط؛ حيث الجميع (كرداً وعرباً ودروزاً و آشوريون وأرمناً ويهوداً ...) لهم نفس الحقوق.
في عام ١٩٥٦ كان نور الدين متقدماً على عصره, بعد دراسته في أوربا. ومنذ عمر العشر سنوات تلقى نور الدين تعليمه في المدارس الفرنسية. كان أيضاً متقدماً على البيئة التي كان يعيش فيها, من كورد وعرب. الذين لم يكونوا منفتحين على العالم بعد.
نور الدين كان شخصاً مثالياً. لم يقبل يوماً أن يشتريه أحد (لم يبع نفسه لأحد).
أشهد بأنه رفض جميع طلبات التعاون (مقابل وعود مالية) تلقاها من اليونانيين (ضد تركيا) ومن العراقيين (ضد سوريا) ومن الأتحاد السوفياتي. لم يكن انتهازياً كبقية, لم يكن يعرف الكذب والسرقة وجمع الأموال مثل في الواقع هو لم يخلق للسياسة معظم السياسيين (في العالم) لانهم يكذبون ويسرقون ويخدعون .
عاش نور الدين في سويسرا حياة صعبة على الصعيد المادي ومات فقيراً. بقيت ذكرى نور الدين فينا كأب وزوج صادق ومثقف، لم يعرف الكراهية أو العداوة، كان رجلاً متكاملاً نبيلاً .
سُرق من قبل شريكه الكوردي في شركته لإستيراد وتصدير الأدوية الطبية. حيث تتواجد روحه الآن, فهو يرقد في سلام. إذا بحثتم في الانترنيت عن اسمه فستدركون بأنه حاضر دائماً (بمعنى يحكى عنه). لايهمنى إن كان بعض كورد سوريا نسوه أو لا يرغبون بالاعتراف بدوره السياسي كمؤسس لأول حزب كوردي في سوريا. لأن مافعله نورالدين للكورد قد تم. وإذا عرف بعض الكورد كيف يصبحوا من أصحاب الملايين, وهي ليست حالة نور الدين, فهنيئاً لهم .
يقول المثل الصيني : ليس للكفن جيوب








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جوزيب بوريل يدعو إلى منح الفلسطينيين حقوقهم وفقا لقرارات الأ


.. تونس.. ناشطون يدعون إلى محاكمة المعتقلين السياسيين وهم طلقاء




.. كلمة مندوب دولة الإمارات في الأمم المتحدة |#عاجل


.. فيتو أميركي يفشل جهود عضوية فلسطين الكاملة بالأمم المتحدة




.. الجزيرة تحصل على شهادات لأسيرات تعرضن لتعذيب الاحتلال.. ما ا