الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأطماع التركية.. والموقف الأوروبي المتذبذب!

فهد المضحكي

2020 / 8 / 15
مواضيع وابحاث سياسية


تشنّ تركيا حاليًا ثلاث حروب ونصف أولها في العراق، وهو النزاع الأقدم، وصولاً إلى تدخلها في سوريا، لتضيف عليه مؤخرًا تدخلها في الملف الليبي، أما (نصف الحرب) فهي المواجهة التركية مع اليونان.

الطموحات التركية باستعادة هيمنتها على المنطقة ستكون لها -حسب دراسة تحليلية لمركز دراسات مينا- تداعيات جمة، ولن تقتصر على دول المتوسط والدول الجارة لتركيا، بل إنها ستثير قلق الناتو الذي يضم تركيا منذ قرابة السبعين عامًا، وكذلك الاتحاد الأوروبي الذي لا تزال مفاوضات انضمام تركيا إليه مستمرة رسميًا، ولكن الصدام التركي الأوروبي يزداد حدة في جملة من القضايا، أهمها ملف اللاجئين وقضية الطاقة واحترام سياسة حسن الجوار مع الأوروبيين.

تدخلت تركيا عسكريًا وبشكل مباشر في سوريا، في الوقت الذي كانت تركيا تقاتل الجهاديين والدولة الاسلامية، كانت المواقف التركية متوافقة مع الاتحاد الأوروبي، ولكن الثقل العسكري التركي توجه بالكامل لمجابهة الأحزاب الكردية، والتي كانت في طريقها لتأسيس كيان مستقل لدولة في الشمال السوري أو على الأقل منطقة حكم ذاتي على الحدود مع تركيا، واليوم جزء كبير من الشمال السوري يرزح تحت الاحتلال التركي.

ثالث منطقة نزاع تشهد تدخلاً تركيا وهو الأكثر تهديدًا لمصالح أوروبا المباشرة هي الحرب الليبية. لطالما ارتبطت الحرب في ليبيا بثروات المتوسط الطبيعية، ونازعت تركيا جيرانها حقوق التنقيب عن الغاز، اليونان وقبرص بالإضافة إلى مصر تتبع الاتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار UNCCOS والتزام التنقيب في المياه الإقليمية المخصصة لكل دولة.

لم تعترف تركيا أبدًا بهذه الاتفاقية وكانت وحيدة في ذلك، حتى أقنع اردوغان الحكومة المضطربة في طرابلس العام الماضي بتقسيم جزء كبير من البحر الأبيض المتوسط الى «مناطق اقتصادية حصرية» بين تركيا وليبيا، ويعمل اردوغان الآن على دعم حكومة السراج وقد أخلّ ذلك بالتوازن الاستراتيجي في ليبيا، على عكس الوضع في سوريا، حيث الهيمنة التركية هناك محدودة ولا يزال حزب العمال الكردستاني والمليشيات المرتبطة به تكافح، وفي سوريا يجد اردوغان نفسه مرغمًا على التنسيق مع روسيا والحصول على موافقتها، في المقابل ليبيا أصبحت ملعبًا تركيًا بلا منازع تقريبًا.

يمنح هذا الموقف اردوغان الثقة لتحدي جميع جيرانه المتوسطيين في الوقت نفسه، اردوغان يتبادل التهديدات مع مصر، يرسل سفن الحفر التركية في المياه جنوب قبرص، ويهدد اليونان بأسطوله.

أردوغان الذي قام في فبراير الماضي بإرسال مجموعة من اللاجئين إلى الحدود اليونانية، كان قد أثار الجدل بصورة له أمام خريطة تظهر الجزر اليونانية في بحر ايجه ضمن نطاق المياه الإقليمية التركية، اردوغان لم يلبث يثير الشكوك وينتقد مرارًا اتفاقية لوزان التي أرست الحدود بين تركيا واليونان عام 1923.

تشكل ملفات عدة المواقف الأوروبية تجاه تركيا، أهمها ملف اللاجئين ومفاوضات الانضمام للاتحاد الأوروبي، وباهتمام أقل انتهاكات حقوق الإنسان.

مؤسس الجمهورية التركية الحديثة هو كمال أتاتورك الذي لم تتملكه الطموحات التوسعية للسلطنة العثمانية، وقد رأى ذلك سببًا في انهيارها، فقد تجاوزت في سبيل التوسع طاقاتها، لقد أراد تركيا «محايدة» ومكتفية ذاتيًا، وكان مبدأ سياسته الخارجية «سلام في الوطن، سلام في العالم». خلال الحرب الباردة توجهت تركيا غربًا وفي العام 1952 أصبحت عضوًا في الناتو، تعمّقت الروابط مع أوروبا مع رغبة في الانضمام للاتحاد الأوروبي.

في العام 2009 صاغ وزير الخارجية أحمد داود أغلو عقيدته الدبلوماسية الجديدة «صفر مشاكل» مع الجوار، والصفر هنا لا تعني عدم التدخل في دول الجوار، بل تعني التدخل كأخ أكبر للحفاظ على التوازن والنظام الإقليميين وبالتالي الـ«صفر مشاكل»، هكذا أرادوا أن ينظر إلى دورهم، وهذا ما أرادوا تحقيقه مع بداية ما يسمى الربيع العربي، لكن هذه الاستراتيجية لم تكلل بالنجاح، وفشلت المساعي التركية في قيادة حكومات عربية موالية منظوية تحت راية الاخوان المسلمين التي تروّج اليوم أكثر من أي وقت مضى للمشروع التركي التوسعي!

اليوم -كما تقول الدراسة- لم تعد تركيا على قواتها الناعمة، بل تعتمد على طائراتها دون طيار وسفنها الحربية، وكلما ابتعدت قضية الانضمام الى الاتحاد الأوروبي ازدادت طموحات الهيمنة على الشرق الأوسط، ولمواءمة رغبة الهيمنة ثمة عقيدة استراتيجية جديدة «وحيدًا ضد الجميع».

مع محاولات الانقلاب ضد اردوغان في 2016 وتضامن الاتحاد الأوروبي الحذر كما يراه اردوغان ازدادت عزلة الطرفين، في ذلك الوقت، وجد اردوغان حلفاءً جددًا بين القوميين وبعض اليسار في صفوف الجيش وفي السياسة، لديهم عقيدة عسكرية تسمى «البيت الأزرق» والتي تمثل مطالب الدولة في البحر الأبيض المتوسط. وفقًا للباحث السياسي «إلهان اوزغل» تستند هذه السياسة الخارجية إلى ثلاثة عناصر أساسية: العسكرة «الدفاع الوطني العابر للحدود» والتي تتضمن استخدام المرتزقة العرب من الإسلاميين، وتطوير صناعة الأسلحة، كما تشمل الانتشار طويل الأمد للجنود في الخارج، وهكذا يتم الدفاع عن أمن تركيا في الصومال أيضًا.

رسخت هذه التصورات قناعة منتقدي التوجهات الغربية من سياسيين، وضباط ونخب مثقفة، بضرورة الالتفات شرقًا، حيث يجب على تركيا أن تقترب أكثر من روسيا والصين وإيران، بالنسبة لهم أوروبا هي العدو. ازداد تأثير هؤلاء بعد الانقلاب الفاشل، ومع اقتراب اردوغان من اليمين القومي.

على الجانب الآخر، ترى أوروبا أن تركيا هذه لم تعد ذلك المرشح المؤهل والجدير للانضمام، لا يمكن لبلد أن يتوقع قبول انضمامه للاتحاد بعد إثارة هذه الشكوك، ولكن اردوغان يعلم أن استكمال مفاوضات الضم ما هي إلا لضمان البقاء في حلف الناتو، هي شعرة معاوية التي تؤمّن لاردوغان وزنًا أكبر في مفاوضاته مع روسيا وإيران، وقد استنكفت ألمانيا بالفعل عن إرسال التحذيرات الفاترة لتركيا، وعن إسداء النصح، والتي لم تعد تؤخذ على محمل الجد. كل هذا دفع أصواتًا أوروبية لمطالبة الاتحاد بدور عسكري أكبر في المنطقة، ومنهم نتالي توتشي مستشارة ممثل الخارجية الأوروبية جوزيف بوريل، والتي أوصت بمشاركة أكبر مع قوات حفظ السلام الأممية العاملة في ليبيا، مهمة قد تناسب من عليه تعلم «لغة القوة» كما جاء في توصية الوزير بوريل للاتحاد الأوروبي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صواريخ إسرائيلية -تفتت إلى أشلاء- أفراد عائلة فلسطينية كاملة


.. دوي انفجارات في إيران: -ضبابية- في التفاصيل.. لماذا؟




.. دعوات للتهدئة بين طهران وتل أبيب وتحذيرات من اتساع رقعة الصر


.. سفارة أمريكا في إسرائيل تمنع موظفيها وأسرهم من السفر خارج تل




.. قوات الاحتلال تعتدي على فلسطيني عند حاجز قلنديا