الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اعادة بناء النظام الدولي وهيكلته -الضرورة والحاجة -

فؤاد الصلاحي
استاذ علم الاجتماع السياسي

(Fuad Alsalahi)

2020 / 8 / 15
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية


منذ انهيار المعسكر الاشتراكي واعلان امريكا نهاية التاريخ عبر مستشاريها في الامن القومي والدخول نحو عالم بقطب واحد اهم سماته الانفلات مما كان محل توافق في العلاقات الدولية وفق ميثاق المنظمة الأممية والقانون الدولي الإنساني ومع اعلان الفوضى الخلاقة كنقطة رئيسية في الاجندة الامريكية تجاه الشرق الاوسط كان التدخل الاوربي والامريكي في تعميم الفوضى في المنطقة مستغلة بذلك انتفاضات شعبية في العام 2011 زاد الطين بله مع تحول سوريا الى مسرح عسكري كان لروسيا -ولايزال - دور فاعل تمكنت فيه من تحديد قواعد اللعبة السياسية بل وتقنين قواعد الاشتباك بين القوى الكبرى ضمن عملية تستهدف هندسة سياسية للشرق الاوسط ومعه اعادة هيكلة ورسم جغرافيا سياسية جديدة خاصة ان روسيا والصين لهما حضور عسكري واقتصادي بل وجيوسترتيجي. ومعهما كان اعادة احياء الادوار البريطانية والفرنسية التي راينا فاعليتها في الحضور الفرنسي الى بيروت وتشديد وجودها في مالي وعموم الشمال الافريقي . إضافة الى السباق المحموم بين أمريكا وروسيا وفرنسا والصين حول استملاك مساحات وافرة من الفضاء وارسال أقمار صناعية مدنية وعسكرية وهو ما أكده الرئيس الأمريكي انه لا يريد فقط تطوير برنامج الفضاء بل والهيمنة الامريكية فيه ونفس الامر قاله الرئيس الفرنسي. (هذا الامر بعيد جدا عن اهتمامات العرب وتفكيرهم ).
هنا تمكنت دول اقليمية مستغلة هذا المناخ بان تلعب وفق منظوراتها القومية في ظل غياب المنظور العروبي لغياب التكامل و التنسيق حتى في الحد الادنى من المواقف ..هنا تمكنت ايران من التغلغل في اكثر من خمس عواصم عربية وذات تاثير كبير وفق مرجعيتها المذهبية ،،ومعها تركيا اصبحت حاضرة بقوة في شمال المتوسط ولاعبة رئيسية في كثير من القضايا السياسية والدينية ناهيك عن الحضور في شرق المتوسط ضمن معالم ترسيم الحدود البحرية مع جيرانها والتنقيب عن الثروات النفطية الامر الذي خلق استفزاز امني مع اليونان ومع اوروبا كلها التي تمنح اليونان اولوية على تركيا في المساندة والدعم السياسي .
امريكا لا تريد حضور اقطاب جديدة منافسة .. لا .. من قبل الصين .. ولا ..من روسيا .. وهي لذلك تتخذ ضدهما عقوبات متعددة وتشكك في مستوى تطور البلدين في المجال الاقتصادي ، وتتحرش ببكين عسكريا في بحر الصين ومن خلال مواقفها من تايوان ، مع ان الصين اصبحت بقوتها الذاتية فاعلة اقتصاديا وسياسيا بل وعسكريا ولها حضور كبير منافس للحضور الامريكي والاوربي بل احيانا يكون حضور الصين فاعلا في الداخل الامريكي ذاته ..
امريكا لا تريد نمو الدور الروسي سياسيا وعسكريا مع انها حاضرة بقوة في سوريا بل وهي اللاعب الدولي الاكثر حضورا ويزداد حضورها في مناطق اخرى من الشرق الاوسط ..ومع الجائحة كورونا ربما تسبق الصين او روسيا او المانيا في اختراع علاج او لقاح يشكل سبقا كبيرا في الصناعة والمكانة لهذه الدول خصما من مكانة امريكا .. وزاد الطين بله ان الإدارة الامريكية قلقة ومتوجسة من التدخل الصيني الروسي في الانتخابات القادمة وهو ما عبر عنه الرئيس ترامب بل وجاهر بادعاءاته هذه وهو امر يثير السخرية من ان دول عظمى تخشى تدخل دول -تقول امريكا انها اقل شأنا - في العملية الانتخابية .
ولا احد يقلل من قوة امريكا العسكرية ونفوذها -واستمرار هذه القوة والمكانة لسنوات قادمة - لكنها تعاني ازمات اقتصادية كبيرة والوضع الاجتماعي في الداخل الامريكي واقصد التمييز العنصري ودلالاته في ممكنات تصاعد الصراع الاجتماعي والطبقي مما يقلل من مظاهر الاستقرار نحو مخاطر حقيقية خاصة بعد الاحداث الأخيرة المرتبطة بالجائحة كورونا واتساع الإصابات بين الفقراء ذوي البشرة السمراء والمهاجرين ودون تقديم خدمات طبية ذات جودة عالية إضافة الى مقتل جون فلويد على ايد شرطة بيض دون مبرر ودون جريمة حقيقية وهو ما شاهده العالم كله وحدثت انتفاضة شعبية بسببه ..
يبقى خطوة واحدة لو اتخذتها اوروبا سيهتز الدور الامريكي عالميا وتتمثل في بناء جيش اوروبا الموحدة دونما حاجة لحلف الناتو الذي تهيمن عليه امريكا هنا تتأسس وقائع النظام الدولي الجديد متعدد الأقطاب وهو الامر الذي يشكل توازن إيجابي في العلاقات الدولية ...لكن اوروبا لاتزال غير قادرة على اتخاذ هكذا خطوة ولاتزال ترتبط بالناتو رغم انتفاء مبرر نشأته ..
ومن المخاطر على مسار النظام الدولي وصول اليمين السياسي والديني للحكم في اكثر من دولة اوروبية اضافة الى امريكا وهو توجه سياسي معادي للمهاجرين وللحضارات الأخرى. ومعه ممكن تندلع بؤر نزاع كثيرة في اكثر من مكان بل ومعه قد تظهر أنظمة شمولية كما كان الحال في ثلاثينات القرن الماضي وما ترتب على ذلك من مخاطر تتوجت بالحرب الكونية الثانية .
أمريكا على وعي وادراك كاملين بقوة الاقتصاد الأوربي وهي لذلك تربطه بالشراكة مع أمريكا في مختلف المجالات وهي على دراية أيضا ان اوروبا كانت المهيمنة عالميا في القرن التاسع عشر وحتى النصف الثاني من القرن العشرين ولذلك ترغب ان يكون النصف الأول من الالفية الجديدة مسرحا للإدارة الامريكية تنفرد فيه بصناعة النظام الدولي .
والاتجاه الممنهج للنظام الأمريكي يتمثل في إعاقة تشكل او ظهور قطب سياسي واقتصادي كبير مثل الصين او روسيا او الاتحاد الأوربي ومنع ظهور دول إقليمية فاعلة بعيدا عن الاجندة الامريكية (وان حدث تصنفها بالدول المارقة ). . ومع انها تشجع بعض حليفاتها الإقليمية على لعب أدوار بضوء اخضر منها ولابأس ان تترك لها مساحة محدودة للحصول على بعض المصالح ، ومنها الأدوار التي تقوم بها تركيا وايران واسرائيل كما تتغاضى أمريكا عن سلبيات الأدوار التي تقوم بها دول نفطية تضح أموال كبيرة في الاقتصاد الأمريكي مثل السعودية والامارات .
صفوة القول اننا نعيش في اطار نظام دولي غير مكتمل في محدداته ومعالمه فيه انفلات كبير عن منظومة التوافقات الدولية السابقة والتي كانت ملزمة لجميع أعضاء الاسرة الدولية ، ومع انفراد أمريكا بإدارة شؤون هذا النظام الكوني ارتكزت فعاليتها على محددات القوة ، والبراجماتية ، ورفض ظهور اقطاب جديدة والعمل على عرقة ذلك الظهور ، اضافة الى اشعال بؤر نزاع متعددة في اكثر من مكان خاصة إقليم الشرق الأوسط ومعها بؤر نزاع في أمريكا اللاتينية(فنزويلا ) وفي افريقيا أيضا ومع الصين والتحرش بها في اكثر من مكان داخل حدودها .
وهكذا رسمت أمريكا صورة سيئة لنظام العولمة الذي يشكل واجهة ومظهر للنظام الدولي الراهن وجردته من إيجابياته الكبيرة التي تبلورت في التطور التقني وتقليص الحواجز بين الدولة وتعزيز الترابط الحضاري وتنقل الافراد الى حيث يشاؤون وفقا لسوق العمل .. هنا عملت أمريكا اصدار قوانين تمنع سكان عشر دول من الهجرة اليها ووفق قوانين مكافحة الإرهاب اصبح كثير من الشباب من العالم الثالث مهدد ومن ثم لا يستطيع التنقل بحرية ومن جهة ثانية تعزز أمريكا وحلفائها من القارة العجوز استدامة بؤر النزاع وعدم الاستقرار في اكثر من بلد الامر الذي يدفع الاف من الشباب للهجرة وفق مخاطر متعددة . كل ما سبق يؤكد عدم الرغبة لدى امريكا وحلفائها من ظهور نظام دولي جديد وفق تعدد الأقطاب متوازن في علاقاته يعمل وفق مرجعيات قانونية واخلاقية تم التوافق عليها منذ الربع الأول من القرن العشرين بل بعضها ترجع الى سنوات طوال قبل ذلك .
الجدير بالذكر ان اكثر الشعوب حاجة لهذه النظام الدولي الجديد هي دول وشعوب العالم الثالث التي تتضمن الشرق الأوسط وافريقيا وامريكا اللاتينية وغيرها من دول اسيا ..ونحن العرب اكثر حاجة لتغييرات جيوستراتيجية عالمية لاينفرد قطب واحد بالتاثير على مجمل المؤسسات الدولية خاصة المنظمة الأممية ومجلس الامن فيها ،، وهو المغزى من دور أمريكا في كبح ظهور اقطاب جديدة حتى تنتهي من عمليتها في إعادة هندسة الشرق الأوسط الكبير وفق صفقة القرن التي تتضمن التطبيع مع إسرائيل وما حدث بالأمس يؤكد ما نذهب اليه ، وسيحدث خلال الأيام القادم تطبيع مع دول أخرى إضافة التطبيع مع تركيا منذ زمن ..وتتولى المشاريع الاقتصادية الجديدة تعويم المنطقة في نشاط تجاري واقتصادي مجرد من المرجعيات السياسية والهويات الثقافية باعتبارها عائقا امام عملية التطبيع وهنا تضيع القضية الفلسطينية ومعها تضيع كثير من القضايا الوطنية والقومية .
في الاخير ..على الدول الفاشلة التي تحولت الى ميدان رماية وصراع إقليمي ودولي ان تبحث لنفسها عن قليل من الكرامة الوطنية لتخرج من دائرة الفوضى وفق اعتماد مصالحة على أساس وطني يتم معها إعادة بناء الدولة دونما نزعات الانفراد بالسلطة بل اعتماد نهج التوافق وتحقيق الاستقرار والتنمية والمواطنة .. ودون ذلك لا اهتمام دولي ولا إقليمي باي شعب واي مجتمع .. واذا لم تحترم النخب السياسية ذاتها في الداخل مع شعبها فانها لن تكون كذلك في نظر الخارج الذي ينظر اليها كوكيل محلي في إدارة الفساد والفوضى وتحقيق المصالح الخارجية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كاميرات مراقبة ترصد فيل سيرك هارب يتجول في الشوارع.. شاهد ما


.. عبر روسيا.. إيران تبلغ إسرائيل أنها لا تريد التصعيد




.. إيران..عمليات في عقر الدار | #غرفة_الأخبار


.. بعد تأكيد التزامِها بدعم التهدئة في المنطقة.. واشنطن تتنصل م




.. الدوحة تضيق بحماس .. هل يغادر قادة الحركة؟ | #غرفة_الأخبار