الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عصر مرحلة العولمة

فلاح أمين الرهيمي

2020 / 8 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


أهدي هذا البحث إلى (قناة الإنسان) المناضلة من أجل الإنسان ومن خلالها أقدم تحياتي واحترامي وتقديري الكبير إلى مشاهدي (قناة الإنسان) وتحيات عطرة وجميلة إلى الأستاذ الصحفي إبراهيم الجندي وإلى صديقي العزيز الدكتور سلام يوسف ججو الذي هو موجود الآن في الولايات المتحدة الأمريكية راجياً من أعماق قلبي أن يكون البحث يعجبكم وينال رضاكم .. مع جميل الشكر.

إن عصر العولمة يمثل مرحلة متقدمة من مراحل الرأسمالية الامبريالية العالمية وتعتبر العولمة مرحلة من المراحل المتطورة في التاريخ من المراحل المتعاقبة (المشاعية البدائية ومرحلة الرق والعبودية والإقطاعية ثم المرحلة الرأسمالية التي تعتبر العولمة امتداد لها وتمثل المرحلة الأخيرة فيها) لأن النظام الرأسمالي يمتلك طاقات لم تستنفذ ساعدته على الامتداد والانتقال إلى مرحلة العولمة بصيغة امبريالية عليا ذات طابع اقتصادي حيث أصبح الاستعمار يمتاز بصيغة أس اقتصادي وقد تنبأ كارل ماركس منذ أكثر من (170 سنة) أي منذ صدور البيان الشيوعي عام / 1848 بطبيعة الاقتصاد العالمي في مطلع القرن الواحد والعشرين وذلك مستنداً على تحليل المجتمع البورجوازي حيث حلل تطور النظام الرأسمالي على المستوى العالمي وأكد ولادة الاقتصاد الدولي المعولم كأمر ملازم لتطور الإنتاج الرأسمالي. وقد اختارت مرحلة العولمة فلسفة لمرحلتها التي تعتبر أعلى مراحل الرأسمالية بما يناسب سلطتها الجديدة على أساس تطورها وتقدميتها واحترام حرية الإنسان وتمتعه في كافة الأعمال السياسية والاقتصادية واحترام التقاليد والعادات الاجتماعية فاتخذت من الديمقراطية مفهوم الحق في الانتخابات والمساواة ومرجعية الشعب، ومن الليبرالية الاقتصادية أخذت الفردانية الاقتصادية بعد تحولها ونقلها من الحقل الاقتصادي الاستهلاكي إلى المجتمع لتأخذ طابع ذات فردانية اجتماعية، ومفهوم التعددية السلعية إلى تعددية سياسية ومن خلال هذا الدمج تحولت العولمة إلى عقيدة سياسية فلسفية من خلال دمج الديمقراطية التي تعود إلى سياق تاريخ مختلف بصفتها عقيدة سياسية بالليبرالية بصفتها عقيدة اقتصادية فأصبح لدى الرأسمالية المعولمة أطروحة عقيدة سياسية فلسفية اجتماعية اقتصادية شاملة تعرف بـ (الديمقراطية الليبرالية). هذه المرحلة (العولمة) تعتبر امتداد للنظام الرأسمالي الذي انتقل من طابع امبريالية عسكرية عن طريق الأحلاف والتكتلات والقواعد الحربية إلى طابع امبريالي اقتصادي عن طريق اندماج السوق العالمية في حقول التجارة والاستثمار المباشر وانتقال رؤوس الأموال والقوى العاملة والثقافة في إطارة رأس المال العالمي وخضوع العالم لقوى السوق العالمية مما يؤدي إلى اختراق الحدود الوطنية القومية وتدويل المتغيرات الاقتصادية يساعدها في ذلك الاخطبوط المدمر (صندوق النقد الدولي والبنك الدولي). هذه المرحلة (العولمة) تعتبر امتداد للنظام الرأسمالي وهي المرحلة المقصودة بمقولة لينين (الامبريالية أعلى مراحل الرأسمالية).
تزامن مع ولادة عصر العولمة في عملية قيصرية من رحم الرأسمالية الامبريالية المتعفنة ثلاث حالات أفرزت عوامل وأسباب ساعدت في ولادة وظهور ونشوء ونمو عصر العولمة وهي :
1) تفكك الاتحاد السوفيتي وانهيار النظام الاشتراكي في منظومة الدول الاشتراكية.
2) انبثاق الثورة المعلوماتية والاتصالات التي جعلت من العالم ما يشبه القرية الصغيرة والتقدم الهائل في التقدم العلمي والتكنولوجي واختراع الإنسان الآلي مما جعل الولايات المتحدة الأمريكية أن تنفرد في العالم وتصبح القطب الأوحد في الساحة الدولية سياسياً واقتصادياً.
3) بروز وإشاعة ظاهرة المحاصصة الطائفية والعنصرية القومية والشوفينية وتفكك الدول القومية وتحويلها إلى كتل وكيانات من حيث المضمون دول تنشغل بالمشاكل والفوضى الداخلية ضعيفة لا تستطيع الوقوف والتصدي للهجمة الاستعمارية الجديدة (العولمة) وفسح المجال واستغلالها من قبل الولايات المتحدة الأمريكية للتدخل في الشؤون الداخلية لتلك الدول وفرض سياسة العولمة عليها كما حدث في جمهوريات الاتحاد السوفيتي بعد تفككه وفي يوغسلافيا والدول الاشتراكية والعراق وغيرها وكما هو معلوم في سياسة الولايات المتحدة الذي يقوم على خلق الفوضى في الدول وتخلق السبب في تدخلها في شؤونها الداخلية وفرض سياستها عليها كما يشتغل بذلك الأخطبوط الاقتصادي (صندوق النقد الدولي والبنك الدولي) بحجة تقديم المساعدات لها أو بحجة امتلاكها أسلحة الدمار الشامل أو استغلال الفوضى التي تسببها النزاعات الطائفية والقومية.
ما هو النظام الاقتصادي لمرحلة العولمة ؟
يصبح الاقتصاد في جميع أنحاء العالم مترابط في كتلة واحدة تحت إشراف وإدارة سلطة الدول الصناعية الكبرى التي تحتكر العالم من خلال اتحادها واتفاقها على توزيع الغنائم والمكاسب بينها بشكل يرضى به الجميع كما تمتاز مرحلة العولمة باندماج السوق العالمية في حقول التجارة والاستثمار المباشر وانتقال رؤوس الأموال والقوى الفنية والعاملة في إطار رأس المال وخضوع دول العالم لقوى السوق العالمية مما يؤدي إلى اختراق الحدود الوطنية القومية كما أن مرحلة العولمة تعني عملية تدويل المتغيرات الاقتصادية ومن خلال ذلك يعتبر نشاطها ذا بعد تاريخي يرتبط بتطور العلاقات الاقتصادية الدولية والتجارة الخارجية وحرية انتقال رؤوس الأموال وعوامل الإنتاج الأخرى وحرية انتقال الأفراد والسلع والمعلومات وأشكال السلوك في التطبيقات بين دول العالم، وإن مرحلة العولمة لا تقتصر على الجانب الاقتصادي (اختراق حدود الدولة وفتح الأسواق والمال وفتح عمليات الاستثمار والتبادل التجاري وتجاوزاته بسلطة سياسية فوقية) وإنما نظام العولمة يعتبر نظام قسري وفكري واختزالي ضار ومؤذي إلى أبعد الحدود من حيث نظم الاتصال عبر الأقمار الصناعية وتدفق المعلومات والتسخين الكوني والتأثير على أوضاع البيئة والانفجار السكاني والجريمة المنظمة والهجرة المتبادلة والاضطهاد والاستغلال .. يصف الفيلسوف الألماني (بيترز لوندريك) في كتاب مقاربات في الحداثة وما بعد الحداثة فيقول : (إن النظام الرأسمالي في الدولة (الديمقراطية – الليبرالية) ليس غبياً حتى يكون أحادي التوجه ليسود نمط واحد من الفساد والارتشاء، إنه يمتلك مقابل احتكاره للسلطة والمعرفة وصهرها في بوتقة واحدة ميدانياً ثانياً يتمثل في تجديد نفسه وتفتيت سلطته وتنويع معرفته عن طريق سعيه الحثيث الدائم إلى اكتساح السوق واحتكارها حتى يصير بالإمكان التآمر ضد لعبة الاحتكار وتحويره بتأليب أنماط فساد أخرى وهذه لعبة تعددية لا أخلاقية. ويحدد المفكر دريدا مساوئ العولمة في كتابه (بيان الأطياف) فيختزل الجروح التي تنزف دماً من خلال التجليات العامة المعشعشة تحت الظاهرة اللماعة في جلدها وغطائها فيعدد صدى جروحها في النقاط العشرة التالية :
1) البطالة عن العمل.
2) الإقصاء الجمعي لمواطنين بلا مأوى.
3) الحروب الاقتصادية.
4) عجز السيطرة على التناقضات في السوق الليبرالية.
5) تفاقم الديون الخارجية.
6) صناعة الأسلحة والإتجار بها.
7) التوسع في نشر الأسلحة الذرية.
8) الحروب العرقية.
9) نمو سلطة أشباح المافيا المتخفية تحت خيمة الرأسمالية.
10) القانون الدولي وفبركته حسب ميول ورغبات صناع القرار.
وقد نشرت مجلة (ليموند دبلوماتيك) الفرنسية صورة شروط السيطرة والتحكم في منطق العولمة وهو ترجمة مصالح مجموعة من القوى الاقتصادية وخاصة مصالح رأس المال الدولي وحولتها إلى مصطلحات مذهبية ذات طابع شمولي وهذا يستلزم أولاً اجتيح الأفكار ودحضها لإثبات بطلانها ومعاكسة فكرها الأوحد عبر الأدوات والوسائل الكفيلة بإقرار حقيقتها كحقيقة بديهية ثابتة وغير قابلة للجدل والنقاش حتى يتسنى لها ذلك فإن من أول موجباتها إخضاع الفكر البشري كما يسمى (بغسل الدماغ) من كل خياراته التي تحول دون سيطرتها على السوق العالمية وفي سبيل ذلك لا يتوانى رأس المال العالمي عن القيام بمسح إلغائي معنوي أو جسدي حسب ظروف السوق ولفئات واسعة من البشر باعتبارها أعداداً وأرقاماً يجب أن تخضع وجودها لمعايير السوق حسب مفهوم الربح والخسارة وفق قاموسه غير المعلن.
إفرازات مرحلة العولمة
تؤدي طبيعة مرحلة العولمة على إشاعة أنماط حياة وسلوكيات غريبة وفاضحة من الأخلاقيات التي تتعارض مع أنماط الحياة والسلوكيات التقليدية والعادات والأعراف السائدة والشائعة في المجتمعات فهي تتجاوز القيم القابلة للتغيير فتستهدف الثوابت من القيم الاجتماعية للشعوب لاسيما العربية والإسلامية من خلال سيطرتها على وسائل الإعلام وتعتمد أسلوب الإبهار والإغراءات والتشويق كالأساليب الجنسية والرقص الشبه عاري التي تستهدف الشباب من أجل فرض وغرز أسلوب من الحياة المتسيبة التي تمتاز بالميوعة والتحلل واللامبالات الغرض منها تثبيط عزائمهم وتدمير طاقاتهم الإنتاجية والإبداعية الغرض منه فرض ثقافة عالمية بواسطة الثورة المعلوماتية والاتصالات مما جعل وسائل الإعلام المرئية تخترق جدران البيوت إلى العوائل والشباب بشكل خاص التي تقضي بالنتيجة إلى تراجع وانكسار الثقافة الوطنية القومية، كما يكون الإنسان في عصر العولمة يصبح منشغلاً بالأمور والمفاهيم الاقتصادية والمعيشية وظروف الحياة المادية القاسية مما يؤدي إلى عدم الاهتمام بالأمور السياسية والعائلية والثقافية والروحية الأمر الذي يؤدي إلى شيوع الأمراض النفسية وحب الذات والأنانية في المجتمع حتى داخل الأسرة الواحدة وإلى حصر الصراع بين الطوائف والملل والفئات وتصبح القيم الأخلاقية مهملة ومتسيبة.
إن أغلب الدراسات التي بحثت موضوع عصر العولمة تشير على أنها الاصطلاح الذي يطلق على كل العمليات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تجري خارج سيطرة الدولة القومية بوصفها وحدة للتحكم بعد أن كانت هذه العمليات تنطلق أساساً من الدولة القومية الوطنية باعتبار قصر العولمة على الجانب الاقتصادي وحده بشكل خاص كفتح الأسواق للسلع والمال وعمليات الاستثمار والتبادل التجاري بحيث يتجاوز أي سلطة سياسية وطنية قومية يعتبر نظام قسري فكري اختزالي وضار إلى أبعد الحدود إضافة إلى ارتباط عصر العولمة بنظم الاتصال عبر الأقمار الصناعية وتدفق المعلومات لسهولة إمكانية الاستحواذ على الأسواق في كافة أنحاء المعمورة والتصرف بها ومن إفرازاتها التسخين الكوني والانحباس الحراري والتأثير في التلوث البيئي والفقر والبطالة وانتشار الأمراض والانفجار السكاني والجريمة المنظمة والهجرة المتبادلة وتدمير الإنسان والطبيعة حيث تجعل من الإنسان كالسلعة في السوق حسب العرض والطلب واستغلال الطبيعة بشكل مدمر ومخرب، ونتيجة لتدفق السلع التي تنتجها المصانع الكبرى للدول الرأسمالية وتغرق بها الأسواق الوطنية القومية ومزاحمتها للإنتاج الوطني لتلك الدول تؤدي إلى منافستها وكسادها مما يؤدي إلى غلق المصانع والمعامل في تلك الدول النامية وإلى إفلاس مالكيها من البورجوازية الوطنية ورمي العمال في مستنقع البطالة والجوع والفقر وتعوض الدول الكبرى وتبادر إلى بناء المصانع والمعامل الكبيرة التي تعود إلى الدول الرأسمالية الكبرى في تلك الدول من أجل استغلال الأيدي العاملة الرخيصة واستغلالها ثرواتها الوطنية في تلك الدول وأسواقها مما تجعل الدول الرأسمالية هذه العمليات خارج سيطرة الدولة الوطنية القومية مما يعطي الشركات العملاقة التابعة للدول الرأسمالية الكبرى قوة اقتصادية ناشطة السلطة والسطوة والإرادة والتدخل في شؤونها الداخلية خارج سلطة الدولة الوطنية، كما تؤدي وسائل الاتصال الالكتروني المتطور إلى الاضطراب الفكري والثقافي الوطني والقومي نتيجة تأثير ثقافة تبنتها دول عصر العولمة المنفلتة الذي يؤدي إلى انكماش الثقافة والوعي الفكري الوطني ونتيجة هذه السلبيات من العولمة برزت أفكار وطنية وقومية مضادة لعصر العولمة من الاشتراكيين الذين يعتبرون العولمة خدعة امبريالية من صنع الولايات المتحدة الأمريكية للتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى وفرض سيطرتها على العالم وكذلك من الأصوليين الذين تأتي معارضتهم ونقدهم للعولمة لأنها تسلخ الإنسان (المسلم بشكل خاص) من قيمه الدينية والأخلاقية وتجعله بعيداً عن قيمه الأصلية عن الدين الإسلامي بشكل خاص وذلك من خلال تهجين الإنسان بالأفكار والقيم والتقاليد والعادات البعيدة عن طبيعته الدينية وكذلك يأتي النقد والشجب للعولمة من القوميين الذين يعتبرون العولمة وسيلة تعمل على إلغاء الهوية القومية والوطنية والخصوصية الوطنية وتعمل من أجل فرض النموذج المعولم على جميع شعوب الكرة الأرضية كما أنها تفكك الوحدة القومية بإلغاء الحدود الوطنية للدولة وتخلق كيانات عنصرية شوفينية وطائفية وفئوية ضعيفة والتي لا تستطيع التصدي للعولمة كما تناضل وتقف بوجه العولمة المنظمات والجمعيات الإنسانية كحقوق الإنسان والبيئة والرفق بالحيوان وتصحر الأرض والانحباس الحراري والفقراء والبطالة والبورجوازية الوطنية والطبقة العاملة وغيرهم ... كما أن عصر العولمة واستغلالها وإهمالها للإنسان التي تعتبره كالسلعة في السوق يعامل حسب قانون العرض والطلب من خلال شخصيته وجهده وعمله واضطهاده سوف تسبب عصر العولمة نظام اجتماعي جديد من أعماله الأولى (العمل المغترب) عندما تفرض على الشعوب وتتحكم بهم بنظام وعلاقات اجتماعية يخلقها نظام خارج عن طبيعة وسيطرة المجتمع فإن ذلك يمثل (الاغتراب) الذي تنعكس آثاره المأساوية والمدمرة والكارثية على كافة مجالات الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية وبشكل خاص العلاقات الأسرية فهي تشمل العلاقات الإنسانية وحرية الفرد تتحكم بها وتفرضها طبيعة النظم الاجتماعية تجعلهم بعدم السماح والقدرة عند الإنسان بالوصول إلى إمكاناتهم المبدعة وممارسة إرادتهم ورغباتهم الحرة التي تعتبر أجزاء أساسية من الطبيعة البشرية.
ملاحظة :- إذا كانت هنالك ردود أو استفسارات حول الموضوع أرجو إرسالها لي وسوف أجيب عليها وأرسلها إليكم مع الشكر الجزيل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -تكتل- الجزائر وتونس وليبيا.. من المستفيد الأكبر؟ | المسائي


.. مصائد تحاكي رائحة الإنسان، تعقيم البعوض أو تعديل جيناته..بعض




.. الاستعدادات على قدم وساق لاستقبال الألعاب الأولمبية في فرنسا


.. إسرائيل تعلن عزمها على اجتياح رفح.. ما الهدف؟ • فرانس 24




.. وضع كارثي في غزة ومناشدات دولية لثني إسرائيل عن اجتياح رفح