الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
مسؤوليتنا عن انفجار بيروت
راتب شعبو
2020 / 8 / 16مواضيع وابحاث سياسية
الراجح حتى الآن أن انفجار مرفأ بيروت كان حادثاً غير مدبر سببه الإهمال المزمن والغياب المزمن لمبدأ المحاسبة، وأن محاولات ربطه باسرائيل أو باقتراب موعد جلسة المحكمة الدولية الخاصة بلبنان بشأن اغتيال الرئيس الراحل رفيق الحريري، للنطق بالحكم، ينقصها الكثير من السند الواقعي. هذا يضع الوسط السياسي اللبناني (مسؤولون وحاشية وحزبيون ومحللون وجمهور متابع) في حالة قلقة ذلك لأن هذا الوسط معتاد إلى حد الإدمان على وضعيات الاستقطاب الطرفية التي تستهلك طاقة التغيير وتصرفها في صراعات عقيمة بين متشابهين، وتنتهي إلى إدامة الحال السياسي الذي يخبئ لنا في جوفه الانفجار تلو الآخر، وكان انفجار بيروت الرهيب أحدث ما تكشف من خباياه.
سوف يرتاح كثيرون للتحليلات التي تنتهي إلى اتهام الطرف الذي لا "يحبونه" بالوقوف وراء المصيبة، وسوف يثبتون لأنفسهم أنهم في الموقف الصحيح دائماً، ويراكمون طاقتهم الرافضة و"حقدهم الثوري" ضد هذا "الشيطان" الذي سيكون له، بدوره، أنصار يحملون في قلوبهم كراهية لا تقل عمقاً "لشياطين" أخرى تبرؤها التحليلات المذكورة من المسؤولية. وهكذا، عندما تستقر التحليلات والتحليلات المضادة، ويدخل الأنصار المتحمسون في دائرة السجال اللانهائي، سوف يتحفنا الواقع اللبناني بثنائية جديدة على شاكلة 8 و14 آذار الشهيرة. وفي الأثناء يواصل الخلل العميق حياته (وهو ابتعاد الناس عن شؤون حياتهم العامة)، بعيداً عن الخطر ومحمياً بهذا السجال القطبي الفارغ.
مسببات الانفجار في لبنان تشبه في طبيعتها مسببات الانفجار الذي شهدته سوريا في 2011. إهمال حقوق الناس وخنق أصواتهم وإقامة حاجز كتيم بين الناس وبين معرفة شؤون بلادهم. سيطرة مصالح الحزب والزعيم والحاشية على مصلحة البلد. انعدام المحاسبة لأن لكل مسؤول ظهر أمني أو سياسي يحميه، أكان من سلطة شديدة المركزية كما في سوريا، أم من سلطات موزعة على الطوائف والزعامات كما في لبنان. السبب الأم للانفجارين يكمن في حقيقة أننا نرى كيف تتكامل عناصر الكارثة ونتجاهلها، أو نوهم نفسنا أن المشكلة سوف تحل نفسها بنفسها مع الوقت، أو نوكل الأمر لقوة غامضة ما ونهرب من المشكلة لكي نجد أنفسنا في قلبها.
التقليد الدارج في تحميل مسؤولية خراب لبنان لجزء من التركيبة السياسية هو جزء من الخراب لا أكثر. موجة الغضب العارمة ضد كل الطبقة السياسية وشتمها ومطالبتها بالاستقالة، أمر مفهوم ولكنه لا يحمل ثمرة، وهو جزء من الوله العربي بالخطابة التي أجادها مرسيل غانم على قناة إم تي في في أعقاب الانفجار. الحق أن المسؤولية تقع على عاتق كل الزعامات قاطبة، ولكن طريق الحل لا يكون باتجاه بروز زعامات جديدة، بل باتجاه إنتاج مجتمع مدني نشيط تتوفر في لبنان شروط حياة مناسبة له أكثر من أي بلد عربي آخر. المقصود أن أهم نقلة في الوعي العام هي الخروج من تعظيم سلطة الفرد (الزعيم أو الزعماء) إلى تعظيم سلطة المجموع. الخروج من الرضى بإيكال الناس أمرهم لزعيم (حتى لو كان منتخباً) إلى القناعة بأن على الناس متابعة شؤونها وشؤون بلدها بنفسها من خلال منظمات مدنية ذات تخصص ولها مجالات شغل تشمل كامل الطيف الحياتي العام.
بعد ساعات من انفجار مرفأ بيروت، فتح بازار "المعلومات" الدقيقة والتفصيلية، وملأت صفحات التواصل سيناريوهات تفصيلية للحدث تبدأ من 2013، بالأسماء والتواريخ والنوايا الخفية والحجج الظاهرة. السؤال هو أين كانت تختبئ هذه المعلومات طوال هذه السنين؟ ولماذا نام أصحابها عليها، حتى راحوا يستعرضونها فقط بعد أن وقعت المصيبة؟ ولماذا تذهب مثل هذه الكتابات الواثقة إلى إدانة قطعية لجهة ما، في حين يحتمل الأمر العديد من التفسيرات، ومنها أن يكون الانفجار حادثاً بسبب طبيعة المواد المخزنة، فقد سبق أن شهدت مدينة تولوز الفرنسية مثلاً، في 2001، حادثاً مشابهاً بسبب انفجار 300 طن من مادة نترات الأمونيوم، في مصنع الأسمدة AZF وأدى إلى عشرات القتلى وآلاف الجرحى وتدمير ثلثي زجاج نوافذ المدينة؟
إذا كانت هذه المعلومات التي يجري استعراضها اليوم متاحة، كان من مسؤوليتنا جميعاً أن نكتب عنها ونتظاهر من أجلها وننشئ جمعيات تلاحق هذه المخاوف إلى أن تجد حلاً. وإن لم تكن متاحة فمن مسؤوليتنا أن نبحث عنها وأن نتيحها على نطاق واسع. ليس عجيباً أن يرتشي قاض ما وأن يهمل قضية خطرة كهذه، العجيب أن يكون مصير مدينة كاملة مع أهاليها، متوقف على نزاهة قاض. من مسؤولية (غير المسؤولين) أن لا يستندوا في شؤون حياتهم إلى نزاهة المسؤولين واحترامهم لمسؤولياتهم. فقط يقظة الجمهور وامتلاكه أدوات الكشف وإيصال الصوت، هو ما يجعل المسؤول "نزيهاً"، سوى ذلك فإن المسؤول فاسد، لأن "السلطة مفسدة" كما يسلم الجميع.
يكتشف المرء أن الرغبة في الإدانة والاستثمار السياسي في المأساة تتفوق على الرغبة في الفهم الموضوعي لأسباب الكارثة والمعالجة العميقة لأسبابها. التفسير هو أن الإدانة وتحميل المسؤوليات أسهل ولا ترتب على صاحبها سوى الكلام ثم تفريغ الغضب ضد الأطراف التي يوجه لها الإدانة. أحد الأطباء اللبنانيين قال لصحيفة نيويورك تايمز: "أتمنى لو أن الانفجار ناجم عن هجوم اسرائيلي، كان سيكون الأمر أسهل من أن تأتيك الضربة من داخل البيت، بسبب إهمال سخيف من قادتنا".
من الأسهل أن يكون المسؤول طرف خارجي، أصعب من ذلك أن يكون الداخل هو السبب، ولكن الأصعب إطلاقاً على النفس أن ترى مسؤوليتها في المأساة.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. الإدارة الأميركية تبحث إنشاء قوات متعددة الجنسيات لحفظ السلا
.. شاهد| دوي اشتباكات عنيفة في محيط مستشفى الشفاء بغزة
.. بينهم 5 من حزب الله.. عشرات القتلى والجرحى بقصف إسرائيلي على
.. بعد سقوط صواريخ من جنوب لبنان.. اندلاع حريق في غابة بالجليل
.. أميركا ترصد مكافأة 10 ملايين دولار مقابل معلومات عن -القطة ا