الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أزمةُ الشَرْقِ حَلَقةٌ مِنْ حَلَقَات تَذويبِ اَلسُّودان ..!

فيصل عوض حسن

2020 / 8 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


منذُ نحو شهر وأزمةُ رفض والي كسلا تزدادُ سخونةً يوماً بعد يوم، حيث بدأ الرَّفضُ باعتصامٍ شعبيٍ ما يزال قائماً، وإغلاقِ الشَّوارعِ والجسورِ الفرعِيَّة والرئيسيَّة. وحيال ذلك، وَعدَ الحُكَّام (عَسْكَر/مدنيين) بمُناقشة موضوع اختيار الوالي، مع المُكوِّنات الرَّافضة لتعيينه، رغم أنَّ ذات الحُكَّام سمحوا للوالي بأداء القَسَم ومُمارسة مهامه فعلياً، وسط تصريحات لا تخلو من التحدي و(الاستفزاز)! في ما رَكَّزَ أزلام الدكتور حمدوك والقحتيين، على (شَيْطَنَة) رَّافضي والي كسلا، واتِّهامهم بفِرْيَّتَيِّ (الكَوْزَنَة والعُنصُرِيَّة).
بدلاً عن اتِّهامِ المُعارضين بالعُنصُرِيَّةِ والكَوْزَنة، كان الأجدر السؤال عن كيفيَّة/آليَّة اختيار وتعيين هذا الوالي (دون غيره)، ومَدى (كفاءته) لِتَقَلُّد منصب والي، والذي يحتاج لقدرات وخبرات أكاديميَّة ومِهَنِيَّة عالية، تزداد أهمِّيتها بالنسبة لولاية مُلتهبة مثل كسلا! ثُمَّ السؤال عن (المعايير) الموضوعة لاختيار الوالي عموماً، وهل استندوا عليها (للمُفاضلة) بين هذا الشخص وبَقِيَّة المُرَشَّحين؟ وهل يتميَّز هذا الوالي بمزايا (حصرِيَّة/أُسطورِيَّة)، تجعل حمدوك وأزلامه يتمسَّكون به، ويُغامرون باستقرار وسلامة الولاية بكاملها؟ ثُمَّ كيف (يلتزم) حُكَّامُ السُّودان بمُناقشة (اختيار/تعيين) والي كسلا مع المُكوِّنات الرَّافضة، وفي نفس الوقت يسمحون له بأداء قَسَم التعيين ومُمارسة مهامه الاعتيادِيَّة، وإطلاق تصريحاته المُتلاحقة في أجهزة الإعلام الرسميَّة؟! ألا يُعتبر قرار تعيينه (مُجمَّداً)، وبالتالي لا يحقُّ له التصرُّف باسم الوالي حتَّى يُحسَم أمره، وفق ما وَعَدَ الحاكمون؟ لماذا (يتجاهل) حمدوك الحشود الشعبِيَّة ويتمسَّك بهذا الوالي، رغم المُهدِّدات المُفزعة المُترتِّبة على ذلك؟! وهل تعني المُؤسَّسيَّة التي يتَدَثَّر بها بعض أزلام حمدوك وقحتيُّوه، الاستخفاف برغبة وإرادة مُكوِّنات الولاية خصوصاً، وسَلْب حقَّهم (الأصيل) في اختيار مُمثِّليهم؟!
أمَّا الحديث عن العُنصُرِيَّة فهو يعكس (اختلالاً) مفاهيميَّاً كبيراً، لأنَّ العُنصُرِيَّة تعني الشعور بالتفوق والإقصاء/التمييز بين البشر، على أساس اللون أو الانتماء القومي أو العرقي، وهذا لا ينطبق على والي كسلا، لأنَّ المُكوَّنات الرَّافِضة له، لم تُمارس أي تمييز ضده أو ضد مُؤيِّديه، وإنَّما طالبوا بوالٍ (سُّوداني) دون تحديد قوميته، وهذه حقيقة لا يُنكرها الوالي المُرشَّح نفسه، حيث لا يُخفي انتماءه وولاءه لدولة إريتريا ويتباهى بذلك، وهذا حقُّه ولا غضاضة في ذلك، لكن وبذات القدر فإنَّ من حق أهلنا بكسلا اختيار مسئوليهم من أبناء السُّودان وهُم كُثُر، ويفوقون هذا الوالي أكاديمياً ومِهَنيَّاً، وهذا دَيْدَن العديد من الدول لحماية السيادة الوطنِيَّة، وليس جريمة أو سُبَّة على نحو ما يُحاول البعض إظهاره!
قد يستشهدُ البعضُ بالتَدَاخُلِ القَبَلي بين السُّودان وبعض دول الجوار، أو باللاجئين في العالم الغربي وتَقَلُّدِهم مناصب رفيعة، وفي هذا نقول بأنَّنا لسنا ضد التَواصُل بين القبائل المُتداخلة، شريطة الاحترام المُتبادل لحقوق وحدود كل دولة. وبالنسبة للاجئين في الغرب، فإنَّ المُتجَنِّس منهم يلتزم بقوانين الدولة التي نَالَ جنسيتها، ولا يَدَّعي (تَبَعِيَّة) أي جُزء من أراضيها لدولته الأصيلة، ولا يضُر بمُواطنيها أو يُخاطبهم بكراهِيَّة، على نحو ما يفعله الكثير من الإريتريين (المُجنَّسين) بالسُّودانِ الآن! واللَّافِت أنَّ والي كسلا، لم ينتقد خطابات الكراهِيَّة، والعبارات العُنصُرِيَّة الصَّارخة الصادرة من أهله ضد السُّودانيين، رغم المزاعم المنشورة في الأسافير بأنَّه إعلامي! وهذه المُعطيات المُوثَّقة، كافية تماماً لـ(إلغاء) تعيين هذا الوالي، حِفاظاً على السيادة الوطنِيَّة، واحتراماً لرغبة غالِبِيَّة مُكوَّنات الولاية، ودرءاً للفِتَنِ وحقناً للدماء، ولكن حمدوك وأزلامه تجاهلوا ذلك، واختاروا إطلاق (مَزَاعِم) العنُصُريَّة المفضوحة!
لقد كتبتُ مقالات عديدة عن (ثُقُوب) وتَناقُضات الدكتور حمدوك، و(ابتلاعه) لوعوده التي أطلقها بكامل إرادته، كمقالة (خِيَاْنَةُ اَلْثَوْرَةِ اَلْسُّوْدَاْنِيَّة) بتاريخ 22 يوليو 2019، و(إِلَى أَيْن يَقُوْدُنَا حَمْدوك) بتاريخ 24 سبتمبر 2019، و(المُتَلَاعِبون) بتاريخ 24 أكتوبر 2019، و(اِسْتِرْدَادُ الثَوْرَةِ السُّودانِيَّة) بتاريخ 2 فبراير 2020، و(مَتَى يَنْتَبْهْ اَلْسُّوْدَانِيُّون لِعَمَالَةِ حَمدوك) بتاريخ 12 فبراير 2020 وغيرها. لكنني لم أتوقَّع أبداً أن يصل استخفاف حمدوك وقحتييه، لانتهاج ذات المنهجيَّة الإسْلَامَوِيَّة في تمزيق السُّودان، الذي حَصرَه المُتأسلمون في محور (دُنْقُلَا، سِنَّار والأُبَيِّضْ)، واسْتَبْعَدُوا جميع المناطق الواقعة خارج ذلك المحور، والمُتمثِّلة في الجنوب (قبل انفصاله)، ودارفور والمنطقتين (جنوب كُرْدُفان والنيل الأزرق) والشرق وأقصى الشمال! حيث انفصل الجنوب بتآمرٍ دوليٍ/إقليميٍ ومحليٍ فاضح، وتَفَرَّغَ المُتأسلمون بعدها لتفكيك بقيَّةِ المناطق المُسْتَهْدَفة بسيناريوهاتٍ مُختلفة، تمَّ تنفيذها في آنٍ واحد، فأشعلوا الصِرَاع بدارفور والمنطقتين، وفرضوا التعييناتِ السِياديَّةِ والتقسيماتِ الإداريَّةِ استناداً للجِهَوِيَّة/القَبَلِيَّة، وأهملوا تنمية كلٍ من الشرق وأقصى الشمال، وتركوهما للاحتلالين المصري والإثيوبي، وباعوا ما تَبقَّى منهما للغير. وثَمَّة تفاصيل أكثر في مقالاتي (تكتيكات تنفيذ مثلث حمدي) بتاريخ 10 نوفمبر 2014، و(ملامح الفصل الثاني لمسرحية مثلث حمدي) بتاريخ 7 مايو 2015، و(اِسْتِكْمَاْلُ تَنْفِيْذِ مُثَلَّث حَمْدِي اَلْإِسْلَاْمَوِي) بتاريخ 15 مايو 2016، و(مَنِ اَلْمُسْتَفِيْد مِنْ رَفْعِ اَلْعُقُوْبَاْتِ عَنِ اَلْسُّوْدَاْنْ) بتاريخ 31 يوليو 2017، و(اَلْصِّيْنُ تَلْتَهِمُ اَلْسُّوْدَاْنْ) بتاريخ 5 سبتمبر 2017 وغيرها.
عقب (اختفاء) قادة المُتأسلمين تبعاً للحَرَاكِ الشعبي منذ ديسمبر 2018، شَرَعَ أزلامهم العَسْكَر بقيادة البرهان والمُرتزق حميدتي في استكمال المُخُطَّط، وأوضحتُ ذلك في عددٍ من المقالات مثل (اَلْمَشَاْهِدُ اَلْأَخِيْرَةُ لِمَخَطَّطِ تَمْزِيْقِ اَلْسُّوْدَاْنْ) يوم 21 أبريل 2019، و(حِمِيْدْتِي: خَطَرٌ مَاْحِقٌ وَشَرٌّ مُسْتَطِيْر) بتاريخ 29 أبريل 2019، و(اَلْسُّوْدَاْنِي اَلْأصِيل وَاَلْجَنْجَوِيْدِي اَلْمُرْتَزِق) بتاريخ 5 يونيو 2019، و(السُّودان بين مليشيات المُتأسلمين والجَنْجَوِيْد) بتاريخ 14 يونيو 2019، و(الغَفْلَةُ السُّودانيَّة) بتاريخ 26 مايو 2019 وغيرها. والواضح أنَّ حمدوك وقحتيُّوه يمضون في استكمال ذات المُخطَّط وبإيقاعٍ أسرع، وفقاً لعددٍ من الشواهد التي نحياها واقعاً الآن، ومن ذلك (افتعال) أزمة شرق السُّودان من العدم، وتجاهلها حتَّى بلغت حدود استخدام الأسلحة النَّارِيَّة والاقتتال. وهناك تَراخي حمدوك ومُساعديه الواضح تجاه الاحتلالين الإثيوبي والمصري، وإخفائهم المُتعمَّد لحقائق سَدَّ النهضة ومخاطره الجسيمة، وتجدون تفاصيلاً أكثر في مقالاتي و(السُّوْدان والاحتلالُ الأجنبي) بتاريخ 1 يونيو 2020 و(كَيْفَ نَحْمي السُّودان من أخطار سد النهضة؟!) بتاريخ 8 يونيو 2020، وهي تَندرجُ ضمن مسار تذويب ما تَبقَّى من البلاد والعباد!
قولُ الحقيقةِ مسئوليَّةٌ أخلاقيَّةٌ وإنسانِيَّة، ينبغي أداءها بِتَجَرُّدٍ وحِيَادِيَّة دون مُوَارَبةٍ أو تجميل، والدفاعُ الدَّائم و(المُغَالَى فيه) عن شخصٍ ما بِحُسْنِ نِيَّةٍ أو بدونها، يجعله صاحب سُلطةٍ مُطلقة، وطَاغِيةٍ مُتَكَبِّر يظلم نفسه والآخرين. وفتنةُ الشرق التي صنعها حمدوك وقحتيُّوه من العدم، كَشَفتَ (ازدواجيتنا) الصَّارخة و(اختلال) مفاهيمنا، ففي الوقت الذي نُناصِر الغُرباء، وننظِّم حملات التَضامُن في (الفارغةَ والمقدودة)، نصمت على عُنصُريَّة (الوافدين/المُجَنَّسين) وكراهيتهم السَّافرة للسُّودان وأهله، بل ونتضامن معهم وندافع عنهم بسذاجةٍ صادمة! فحينما نُطالِب بـ(تقنين) الوجود الأجنبي، وعدم تَجَاوُز القانون عند (تجنيس) الوافدين، وتحجيم تَغَلْغُلهم في مفاصل الدولة ومُحاربة تخريبهم للاقتصاد، وحَسم خطابات كراهيتهم للشعب السُّوداني، فإنَّ هذه ليست عنصريَّة، كما (يزعم) خَوَنة وعُملاء الدَّاخل، ومُغبِّشي الوعي وصَارفي الانتباه عن المخاطر الحقيقيَّة، وإنَّما حماية لسيادتنا الوطنِيَّة واستدامتها، والأهم من ذلك حَقَّ السُّودانيين المشروع في إدارة دولتهم!
إنَّ العديد من الوافدين نَالُوا الجنسيَّات السُّودانِيَّة بأطُرٍ مشبوهةٍ ومرفوضة، حيث حَوَّرَ المُتأسلمون القوانين لتجنيسهم، ومنحوهم العديد من المزايا المالِيَّة والعَينِيَّة خصماً على أهل السُّودان، بما في ذلك الاسْتِوْزَارِ وتغيير (ثوابت) التَّاريخ وإقحامها في المُقرَّراتِ الدراسيَّة، لكنهم لم يحفظوا فضل السُّودان وشعبه، وقابلوا الإحسان بكراهيَّةٍ شديدة، وبلغت جُرأتهم حدود ادِّعاء (تبعِيَّة) كسلا وغيرها لإريتريا، وهذه أمورٌ مُوثَّقة (صوت وصورة)! ومُطالبات السُّودانيين المُتزايدة بمُراجعة الجنسيَّات/الهُويَّات الشخصيَّة، إنَّما أتت كنتيجة لتآمر الوافدين على السُّودان وأهله، واستهدافهم لسيادته وأمنه الاجتماعي، إذ يستحيلُ التعايُش مع تصاعُد خطابات كراهِيَّتهم ضدنا، ونظرتهم (الغازِيَة) لشرقِنا الحبيب، الذي يُعدُّ (رئتنا) ومُتَنَفَّسنا وبوَّابتنا للعالم الخارجي، وليتنا نتَدَبَّر بعقولنا بعيداً عن العواطف و(السطحية) الماثلة، ونعي بأنَّ المُشكلة ليست شخصيَّة، وإنَّما وطنٌ وسيادة وأمنٌ واستدامة!
فالمُخطَّط أكبر من مُجرَّد قتالٍ أو صراع وقتي، وإنَّما هو غَزْو واستيطان واستعمار، يجب حسمه كلياً ومنع تَجَدُّده مُستقبلاً، وذلك يكون بمُراجعة جميع الجنسيات والأوراق الثُبوتِيَّة الصادرة منذ يونيو 1989، واعتماد المُتطابق منها مع القوانين التي كانت قائمة قبل ذلك التاريخ وإلغاء ما دونها، ومُحاسبة ومُحاكمة كل من يثبت تَورُّطه في استخراج تلك الأوراق. ولندعم هذه الخطوة بتعزيز تَلاحُمنا وحماية بعضنا، بذات الحماس الذي نتضامن به مع الغير، ضماناً لأمننا وسلامتنا الاجتماعِيَّة وسيادتنا الوطنِيَّة ومُستقبل أجيال القادمة.. وللحديث بَقِيَّة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استقطاب طلابي في الجامعات الأمريكية بين مؤيد لغزة ومناهض لمع


.. العملية البرية الإسرائيلية في رفح قد تستغرق 6 أسابيع ومسؤولو




.. حزب الله اللبناني استهداف مبنى يتواجد فيه جنود إسرائيليون في


.. مجلس الجامعة العربية يبحث الانتهاكات الإسرائيلية في غزة والض




.. أوكرانيا.. انفراجة في الدعم الغربي | #الظهيرة