الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ذكرى سمير امين..: اللا تبعية .. و اعادة بناء -الحكاية- التاريخية

اكرم هواس

2020 / 8 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


ربما كنت من القلائل الذين سنحت الظروف لهم ان يلتقوا بأثنين من اهم مفكري نظرية التبعية... سمير امين الذي حضر احدى ندواتي عن ظاهرة داعش في مركز الدراسات العربية و الافريقية في القاهرة بدعوة من الدكتور حلمي شعراوي حيث تحدثت حينها عن اللحظة التي انتجت داعش لتصبح عنصرا طاغيا ليس فقط في الاعلام و التحركات السياسية على مستوى العالم انما ايضا في فكر و اهتمام شخص مثل فيدل كاسترو الذي وقف بصلابة على مدى عقود في وجه هيمنة الولايات المتحدة منظومة العلاقات الدولية (الراسمالية و الامبريالية) ... هنا كان لحضور سمير امين للندوة معنى اوسع في دراسة ظاهرة اثبتت الايام انها لم تكن عابرة انما حلقة من اليات العولمة ( يمكن مراجعة طبيعة المناقشات عن الندوات و مداخلات سمير امين في سلسلة مقالاتي "عولمة داعش"..

اندري جونتر فرانك Andre Gunder Frank زارنا في مركز دراسات التنمية و العلاقات الدولية -dir-في جامعة البورغ Aalborg شمال الدانمارك و كنت انا المسؤول عن استقباله في المطار و ادارته احدى ندواته ... زيارته جاءت بمناسبة صدور كتابه الاخير ReOrient 1998...و قد ناقشناه ان كان العنوان يعني "اعادة توجيه".. او "فيما يتعلق بالشرق"... الرجل كان عندما يتكلم يشبه غيمة هادئة تنزل المطر دون رعد و برق لكن توقف لساعات و ساعات.. دون كلل او ملل .... طريقة حديثه و القائه المحاضرات تذكر كثيرا بروايات ماركيز حيث تطغى التفاصيل بشكل دقيق و مرهق احيانا للقاريء .. و لا ادري ان كان احدهما تأثر بالثاني... لكن يبدو ان هذه الطريقة كانت تنم عن محاولة جدية لتفكيك نسيج البنى الفكرية و اعادة ترتيبها املا في خلق اسس مختلفة للرؤية الاجتماعية و التاريخية ..

في كتابه الاخير (الذي بالمناسبة لم اجد له ترجمة و لذلك لا اعرف كيف يمكن ترجمة العنوان لانه كما قلنا tricky ) يحاول فيه غونتر فرانك اعادة تقويم او اعادة اعتبار للشرق او لدور الشرق في بناء راسمالية اخرى او عولمة اخرى ... او ربما رأسمالية او عولمة "اولى" قبل ظهور الراسمالية الغربية التي نهضت على جماجم العبيد الافريقيين كما صورها سمير امين بمنطق تاريخي واضح في كتاب Eurocentralism حيث يركز بشكل كبير على مفهوم "الثقافة الراسمالية "... لاشك ان كتابات سمير امين مثيرة و دائمة الحضور في مئات الندوات و الدراسات العلمية و الثقافية في العالم لكني اود هنا ان استعير من Martin Bernal اشادته بسمير امين و اهمية كتابه المذكور .. اهمية كلام Martin انه اصدر كتابا بعنوان 1987 ,Black Athena و الكتاب اعتبر مشاكسا Controversial من قبل النخبة الاكاديمية الغربية ... لان الكتاب يقلب اساس نظرية المركزية الاوروبية ويظهر ان الحضارة الاغريقية (اليونانية) التي تعتقد الانتلجيسيا الاوروبية بانها تمثل تراث اوروبي خالص كانت في الحقيقة نتاج تاثيرات الحضارة الافريقية و الاسيوية ... اي ان كتاب جاء ليقدم اثباتا غربيا لفكر سمير امين حول الايديولوجيا المؤسسة لاسطورة التفوق الرجل الابيض.. و عبء تثقيف الشعوب الاخرى و قيادة العالم..!!..

الصورة التي يرسمها سمير امين عن دور "الثقافة الراسمالية" في تسهيل الاستعمار تعيد لنا ايضا ذاكرة الرؤية النفسية في مشاهد استعباد الافريقيين في رواية "كوخ العم توم"
‏Harriet Beecher Stowe, Uncle Tom’s Cabin, المطبوعة سنة 1851 و التي يعتقد الباحثون التاريخيون انها ساهمت بشكل جدي في تحرر العبيد في الولايات المتحدة .. فهل كان سمير امين يحلم بتغيير جوهري بذلك المستوى .. لا شك في ذلك..

نحن اذن ازاء "رواية اخرى" لمسار التاريخ وفق غونتر فرانك .. او "تفسير اخر للتاريخ" كما وصفها سمير امين ... و ربما يمكن ان نسميه تفسير اخر لتبلور الفكر الرسمالي و اليات الهيمنة و انتاج ماكنة العولمة التي عادت مرة لتجاوز تجربة الدولة القومية ..

بكلام اخر... العولمة لا تعني فقط الاستعمار الميكانيكي اي الموارد و الجغرافية و السياسة و الطاقات و انما ايضا تعني استعمار تصورات الشعوب و ذاكرتها عن ذاتها و عن الاخرين ... و لذك كانت "الاعادة" ضرورية وفق روية نظرية التبعية ... اي ان التبعية تبدا من الذاكرة و ليست من المادة وفق منطق الانتاج الماركسي الكلاسيكي .. هل حاول جونتر و فرانك و سمير "اعادة" تقويم الفكر الماركسي.. ؟؟..ربما.. لان كلا الرجلين كان عالمثاثيين و و وطنيين و قوميين...ووو.. لكن من المؤكد ايضا انهما كانا نتاح المرحلة التطورية في الفكر الماركسي بين نقد التجربة الاشتراكية خاصة في المثال السوفيتي (راسمالية الدولة) و ظهور الماركسية الحديثة Neo-Marxism و طروحات جرامتشي و الشيوعية الاوروبية..لكن هذا موضوع اخر قد نبحث فيه مستقبلا...

في الخلاصة... التاريخ ما زال يسير بذات المنحى و ان كانت الراسمالية و الهيمنة تغيير من صورتها و آلياتها ... نحن الان في مرحلة ربما نكون تجاوزنا فيها مفهوم الرقص مع الذئب (رمز للراسمالية الوحشية كما يسميها البعض) و دخلنا في اطار مفهوم "الرقص مع كورونا" كما تصفها رئيسة وزراء الدانمارك Mette Frederiksen... فهل الرقص مع اليات العولمة هو استسلام لمنطقها ام ان ذلك المنطق مازال ممكنا تفكيكه و اعادة بناء حكاية اخرى للحياة و الادارة و العلاقات... ؟؟.. تساؤلات تظل بحاجة الى رؤى سمير امين و كل المفكرين من جيل الحالمين ....

تحية لذكرى المفكرين سمير امين وجونتر فرانك و الاخرين ..حبي للجميع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحذير من الحرس الثوري الإيراني في حال هاجمت اسرائيل مراكزها


.. الاعتراف بفلسطين كدولة... ما المزايا، وهل سيرى النور؟




.. إيران:ما الذي ستغيره العقوبات الأمريكية والأوروبية الجديدة؟


.. إيران:ما الذي ستغيره العقوبات الأمريكية والأوروبية الجديدة؟




.. طهران تواصل حملتها الدعائية والتحريضية ضد عمّان..هل بات الأر