الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شرط ، أم قيد ، أم نكتة مملّة

محمد أبو قمر

2020 / 8 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


قيل إن اللائحة الجديدة للمركز القومي للترجمة تتضمن شرطا يقول : ( ألا يتعارض الكتاب مع الأديان ، وألا يتعارض مع القيم الاجتماعية والأخلاق والأعراف ).
ألا يتعارض الكتاب مع الأديان ممكن تكون مقبولة إذا كان الهدف منها ألا يزدري الكتاب الأديان ، لكن ما أفهمه هو أن إزدراء الأديان غير نقد الفكر الديني ، فإذا كان نقد الفكر الديني السائد أو تقديم قراءات مختلفة للأديان غير القراءات والتفسيرات التقليدية مشمولا بهذا الشرط فلن تكون الترجمة في هذه الحالة إلا لكتب هزيلة وبائدة تزيد من تخبطنا وتغرقنا في أوحال لا نجاة لنا منها علي المدي القريب أو البعيد.
أما الجزء الثاني من الشرط وهو ألا يتعارض الكتاب مع القيم الاجتماعية والأخلاق والأعراف ، فإن الذي صاغ هذا الشرط يغفل أو يتغافل عن أن القيم الاجتماعية والأخلاق والأعراف تختلف من مجتمع لآخر ، وبالتالي فإن الانتاج الفكري والفلسفي والنقدي والأدبي والعلمي لكل مجتمع يتضمن أفكارا وقيم اجتماعية وأخلاقية وأعرافا مختلفة تمام الاختلاف عن مثيلتها في المجتمعات الأخري ، بل إن وظيفة الأديان في الحياة العامة سواء الحياة الفكرية أو العلمية أو الاجتماعية أو حتي الأخلاقية تختلف في أوروبا وفي الغرب عموما عن وظيفتها في مصر وفي الشرق العربي والاسلامي بصفة عامة.
لا أعرف من أين سيحصل المركز القومي علي كتاب في الفلسفة مثلا تتوافق أعرافه مع الأعراف التي يحاول المركز الحفاظ عليها في هذا الشرط.
هذا الشرط في مجمله ربما لا يتيح أي فرصة لتطورنا الثقافي والفكري ، بل ربما لا يؤدي إلا إلي ترجمة الفتات والبقايا التي تساقطت - من شدة عفونتها - من مسيرة الحضارة الإنسانية.
إن ما هو مجهول في هذا الشرط هو أن من صاغوه لم يقولوا لنا ما هي بالضبط القيم الاجتماعية والأخلاقية والأعراف التي يقصدونها ، هل هي ما يطبقونه هم أنفسهم علي حياتهم الخاصة ، أم هي التي يفرزها الخطاب الثقافي والديني المسيطر عبر الإعلام أو من خلال مناهج التعليم المختلفة ، أم هي المنتظر أن تفرزها حركة التطور العلمي والصناعي والحضاري والإنساني في المجتمع؟؟!!.
القيود البدائية المتخلفة العقيمة لا تؤدي إلا إلي مزيد من التخلف والتردي ، لكن حرية تداول الأفكار بل خوف وبلا حسابات شديدة الظلامية هي التي تمنحنا القدرة علي التواصل الحضاري والإنساني مع العالم من حولنا.
لقد مرت علينا فترات كانت حركة الترجمة فيها شديدة التنوع والتوهج ، وها نحن بهذه الشروط المتخلفة البائدة نتوغل أكثر في العتمة التي تحيط بنا من كل اتجاه ، وأنا صراحة لا أعرف ما إذا كان هذا الشرط قيد علي حركة الترجمة أم هو مجرد نكتة ساذجة من النكت شديدة الملل التي اجتاحت حياتنا الثقافية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نازحون فلسطينيون يحاولون العودة إلى منازلهم شمالي قطاع غزة


.. عودة على النشرة الخاصة حول المراسم الرسمية لإيقاد شعلة أولمب




.. إسرائيل تتعهد بالرد على الهجوم الإيراني غير المسبوق وسط دعوا


.. بتشريعين منفصلين.. مباحثات أميركية لمساعدة أوكرانيا وإسرائيل




.. لماذا لا يغير هشام ماجد من مظهره الخارجي في أعمالة الفنية؟#ك