الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نقض مفهوم الخلود لدى ابن رشد

هيبت بافي حلبجة

2020 / 8 / 19
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


نقض مفهوم الخلود لدى أبن رشد
بعدما إنتقدناه في أفكاره بصدد قدم العالم وحدوثه ، نود أن ننتقده في أفكاره بخصوص الخلود ، أو بخصوص قضية الخلود ، تلك القضية التي كشفت ، مع قضية قدم العالم أو حدوثه ، مدى المشكل الفكري الذي يعاني منه ابن رشد ، سيما فيما يتعلق بالإشكاليات الثلاثة التالية ، الإشكالية الأولى وهي تتعلق بمفهوم فلسفة الطبيعة ، الإشكالية الثانية وهي تتعلق بمحتوى التعارض مابين العقل والنقل ، الإشكالية الثالثة وهي تتعلق بموضوع الجسد البشري وقضية البعث والخلود :
الإشكالية الأولى : في مفهوم الفلسفة الطبيعية ، يعتقد ابن رشد وكذلك معظم الفلاسفة والمفكرين الإسلاميين إن فلسفة الطبيعة هي فلسفة الطبيعة في حدود المادة والأجرام والقوانين والظواهر الحسية ، أي فلسفة قوانين الفيزياء والرياضيات والكيمياء ، فلسفة العقل في حدود ظواهر الطبيعة ، فلسفة العلاقة مابين العقل والحواس والطبيعة ، لذلك مايزوا ، جهلاٌ وإعتباطاٌ ، مابين فلسفة الطبيعة والفلسفة الإلهية ، زاعمين وجود فلسفتين متباينتين منفصلتين مختلفتين في الأصل وفي التأصيل ، وهما فلسفة الطبيعة والفلسفة الإلهية ، وأكدوا على إن المفارقة الحقيقية مابين الفلسفتين ، هي إن العقل هو معيار حقيقة فلسفة الطبيعة ، في حين إن الوحي هو المعيار الوحيد لما سموه ووسموه بالفلسفة الإلهية . وأكدوا على إن لو تدخل العقل في مجال الفلسفة الإلهية لأفسدها ولتاه في سراديبها ، فهو لايملك الأداة ولا القدرة في تعقل تلك القضايا ، لإنه قد خلق أصلاٌ لتعقل قضايا فلسفة الطبيعة . وإعتماداٌ على هذه المفارقة ، التي هي قيد وشرط سلبي بالمطلق ، يتقدم ابن رشد بإطروحاته حول قضية قدم العالم أو حدوثه وحول قضية الخلود والبعث .
الإشكالية الثانية : في مفهوم التعارض مابين العقل والنقل ، يؤكد ابن رشد وكذلك معظم الفلاسفة والمفكرين الإسلاميين إن التعارض مستحيل في حدوثه ، فالعقل نور من إله الإسلام ، الله عزوجل ، كما إن الوحي نور منه ، ومن المستحيل أن يتعارض نوران قادمان من ذات المصدر ، فالعقل نور إلهي في الإنسان ، والوحي نور إلهي للإنسان ، ولكل منهما المجال المنفصل الخاص به ، ففلسفة الطبيعة للعقل ، والفلسفة الإلهية للوحي ، وهنا تكمن المفارقة الفعلية مابين تعقل الطبيعة والإيمان بالغيبيات ، المفارقة الحقيقية مابين قوانين الطبيعة و لاقوانينية الفلسفة الإلهية ، المفارقة الجادة والحصيفة مابين أخلاقيات سلوك الطبيعة و لا أخلاقيات سلوك المزاج الإلهي ، فعلى أي قاعدة رصينة يجتبي إله الكون الأنبياء والرسل مثلاٌ . ثم ماذا يعني هذا المفهوم ؟ يمكننا بكل بساطة ويسر أن نستنبط منه هذه المقدمات الثلاثة :
المقدمة الأولى : ثمت علمان علم إلهي ، لدني ، غيبي ، وعلم إنساني ، بشري ، طبيعي ، الأول يلقنه لنا الله عز وجل ، إله الإسلام من خلال الوحي ، والثاني نتعلمه من تجاربنا ، من عقولنا الخاصة ، من المقارنة ، مما تفرضه علينا طبيعة الأشياء ، طبيعة القضايا ، طبيعة الظواهر .
المقدمة الثانية من المستحيل علينا أن نستدل على الأمور في القضايا الإلهية بعقولنا ، فالعقل البشري ، مهما أوتي من القدرة والذكاء وعمق التجارب ، فإنه يتوقف عاجزاٌ عقيماٌ أمام صروح الأمور الإلهية ، فلذلك هو يخبرنا ، إنه قد خلقنا ، وهناك جنة وجهنم ، وثواب وعقاب ، وتشريع إلهي ، وأنهار من الخمر الإلهي هنيئاٌ للشاربين المخلدين في الجنة والنعيم ، وغلمان في آية الجمال والجاذبية ، وحوريات تمارسن الجنس ليل نهار ، وهذه هي وظيفتهن ووظيفة الغلمان ليس إلا .
المقدمة الثالثة : ليس ثمت أستدلال عقلي ضمن الأمور الإلهية نفسها ، وهذه قضية كبرى وكبيرة وخطيرة للغاية وظالمة بطبيعتها وجائرة بفوضويتها ، أي إن الإنتقال من أمر إلهي إلى أمر إلهي آخر ضمن مجال الفلسفة الإلهية ، هو خارج مفهوم الأستدلال العقلي والتحليل المنطقي وواقعية التجربة ، فالأمور الإلهية هي هكذا موجودة ومنفصلة ، إعتباطية لامعيارية ، لإنها مرهونة بإرادة إله الكون الخالق الأعظم ، ولما قضى زيد منها وطراٌ زوجناكها ، فلاضابط ولامقياس ولامعيار ، رغم إن زيد كان مسلماٌ ، ورغم إنه كان أبن نبي إله الكون !! .
الإشكالية الثالثة : في موضوع الجسد البشري وعلاقته بقضية البعث والخلود ، يتمركز مفهوم ابن رشد ، هنا ، حول ثلاثة نقاط جوهرية :
النقطة الأولى يرى ابن رشد إن الجسد البشري يتحلل وينحل ويذوي ويندثر ويفنى ، وليس من المعقول أن يحيى من جديد ، مخالفاٌ بذلك أمرين أساسيين ، الأمر الأول يتعلق بالآية الكريمة ، ويسألونك من يحيي العظام وهي رميم قل يحييها الذي أنشأها أول مرة ، مع إعتراضنا ، نحن ، على موضوع الآية الكريمة برمتها ، فإله هذا النص ماكان يدرك إن العظام لاتصبح رميماٌ ، الأمر الثاني إن رؤية ابن رشد لإنحلال الجسد تعتمد على العقل البشري مع إن إحياء الجسد البشري هو قضية تتعلق بمجال الفلسفة الإلهية .
النقطة الثانية يعتقد ابن رشد إن من اللامعقول أن يبعث المرء ويخلد بجسده في الجنة ، لما له من طبيعة أرضية ، طبيعة حيوانية ، لما له من ضروريات مطلقة ، كالتبرز ، كالتغوط ، كالتبول ، ولما له مايصيبه مايصيبه . وهكذا يخالف ابن رشد ثلاثة أمور أساسية ، الأمر الأول هو ينسى إن آدم كان في الجنة بنفس الجسد قبل أن يطرد منها ، الأمر الثاني إنه يخالف صريح معنى الآية الكريمة ، ويومئذ نبدل جلودهم بجلود أخرى ، الأمر الثالث إن رؤية أبن رشد ، هنا أيضاٌ ، تعتمد على العقل البشري مع إن القضية ، في جذورها ، تتعلق بمجال الفلسفة الإلهية .
النقطة الثالثة يقول ابن رشد في نهاية مؤلفه تهافت التهافت ، إن من الممكن أن يبعث المرء ويخلد في الجنة بجسد ، ليس هو هذا الجسد ، بجسد آخر ، وهو هنا يرتكب جملة مخالفات ، نذكر منها ، ماهي طبيعة هذا الجسد الجديد ، هل هو نور سماوي ، أم معدن ، أم شكل وهمي ، ثم كيف يمارس المسلم الجنس في الجنة مع الغلمان والحوريات إذا كان له جسد آخر لايحس بالنشوة واللذة ، ثم كيف يشرب المسلم تلك الأنهار من الخمر ويأكل تلك الأعناب والفواكة إذا لم يتذوق طعمها !! .
إن إدراك طبيعة هذه الإشكاليات الثلاثة يسمح لنا أن نفقه ، بصورة أجلى وأوضح ، مفهوم ابن رشد حول قضية الخلود ، والتي نختزلها في الآتي :
أولاٌ : لدينا ، هنا ، نقطتان جوهريتان :
النقطة الأولى إن الله عزوجل ، إن إله الكون ، لدى ابن رشد ، عقل مجرد ، أي إن إله الكون هو العقل المجرد ، ويرتكب هنا مخالفتين عظيمتين . المخالفة الأولى مامعنى العقل بالنسبة لإله الكون ، أي ماهو تعريف العقل ، ومهما يكن تعريفه فهو يتناظر مع العقل البشري ، أو مفهوم العقل لدى ابن رشد ، ويحل محله بالأصالة وبالإنطولوجية ، أي إن العقل المجرد هو إله الكون ، وهنا لا مجال لأية إمكانية للتأويل أو للترقيع ، وهذا الإختزال يلغي الكينونة عنه ويحول الكائنية إلى تماثلية بليدة ، وإلى تناظرية عديمة المعنى . المخالفة الثانية مامعنى أن يكون العقل مجرداٌ ، أي ليس مشخصاٌ ، وهل ثمت عقل مشخص ، وهل ثمت عقل ، ومهما يكن رأي أبن رشد ، فإن إلتحاف المجرد للعقل يجعل منه معنى صرف ، فقط معنى ، أي إن إله الكون ليس إلا معنى لايملك لا الكينونة ولا الكائنية ، فإذا كان يملك الكائنية أو الكينونية ، ناهيكم عن الإثنين معاٌ ، فلامناص ولامحيض ولامندوحة من أن يملك وجوداٌ عينياٌ ، وهذا مايهرب منه ابن رشد هروب المفارقة عن المقاربة .
النقطة الثانية إن العالم الآخر ، أي مايسمى بالعالم الاخر ، سوف يحدث على الأرض ، وكإن هنالك مفارقة مابين البعث والخلود ، فالبعث ، بمفهومه في النص الإلهي ، سوف يحدث ، حسب ابن رشد ، هنا على الأرض ، في هذا العالم ، العالم الحالي المرئي ، في حين إن الخلود سوف يكون في ( ... ) ، أي في ماوراء ذلك ، ففي الخلود نلتقي نحن وإله الكون في موضوع المجرد المطلق .
والسؤال الجذري هو لماذا يلتجىء ابن رشد إلى خلق هذه المواضيع التي تربك العقول ، وتناقض راديكالياٌ محتوى النص الإلهي : ابن رشد يدرك تماماٌ إن تفسير المقولات الدينية حسب النص الإلهي يعارض بنية الفلسفة الإلهية ، ويخلق حالة مليئة بالتناقضات ، من حالة التشبيه والتجسيم الإلهي ، حيث إن النص الإلهي مليء بهذه الكارثة ، إلى حالة الطبيعة الأرضية في الجسد البشري وفي العقل الإلهي والفلسفة الإلهية ، إلى حالة تحول إله الكون إلى جلاد فيما يتعلق بمفهومي الثواب والعقاب ، وموضوع الجنة والنار . لذلك ، ولكي يتخطى ابن رشد المئات المئات من هذه التناقضات التي لايقبل بها عقله ، ولكي يبقى إيمانه سليماٌ غير مجروح فيه ، يتفادى المشخص ويذهب إلى المجرد في كافة إطروحاته ، فإله الكون هو عقل مجرد ، حيث لاخيار له ، والخلود يحدث في عالم ( ... ) ، في ما وراء العالم الآخر ، ونزع الجسد البشري عن المرء ضرورة مطلقة . الحقيقة إن ابن رشد قد أبدع في إدراكه هذا ، أي في نفي حالة التشخيص ، لإنها تخلق ، فعلاٌ ، المئات المئات من الإشكاليات ، لكن إيمانه ببعض الثوابت أطاح ، هو الآخر ، بجمال إدراكه ، فلجأ إلى المجازية في النص الإلهي ، وهذه كارثة فلسفية حقيقية ، لإن المجاز نفسه يلغي مصداقية النص الإلهي . وإرتكن ، نهائياٌ ، إلى مفهوم المجرد الذي ، هو بدوره ، ينفي وجود إله الكون ، لإنه ينفي الوجود العيني ، ويجعل من الأشياء معنى فقط ، وينفي عنها طبيعتها ، فالكل ، الأشياء وإله الكون ونحن والكون ، نصبح شيئاٌ واحداٌ ، لافرق بين أحد .
ثانياٌ : لقد بات مدركاٌ وجلياٌ السبب الذي دفع بابن رشد أن يؤكد ، إن الخلود لايشمل النفس الإنسانية الطبيعية ، لايشمل النفس الفردية ، لايشمل النفس الواحدة ، إنما هو يشمل النفس البشرية عامة ، يشمل نفس النوع وليس الأشخاص ، يشمل النفس الكلية وليس الأفراد ، يشمل المجرد وليس المشخص ، يشمل المتصور اللامعين وليس المعين والمحدد . وليته توقف عند هذا الحد ، أي رفض الخلود الجسدي والنفس المشخصة ، إنما الخلود الفعلي هو خلود العلم والمعرفة ، فإنتاج المعرفة هو أساس إستمرارية البشرية ، وبالتالي هو أساس خلودها كنوع ، وهذا مايسميه بالعقل المستفاد ، الذي هو أساس العناية بذلك النوع وليس بالأفراد .
ثالثاٌ : لقد بات مدركاٌ وواضحاٌ لماذا يؤكد ابن رشد إن إله الكون قد أودع النظام في الطبيعة ، وليس نظاماٌ للطبيعة ، فالطبيعة كانت ثم خلق إله الكون العالم أي أودع في الطبيعة الحياة ، الحق ، القوانين ، وهذا مايفسر مفهومه للعالم من زاوية إن مادته قديمة ( الطبيعة كانت ) وصورته محدثة ( ثم أودع فيها الحياة ) أي خلقها بمفهوم ابن رشد ، وفي الحقيقة صنع العالم ، وهذا مفهوم أرسطو عن المادة وعن الصورة . فالصورة تمثل ، هنا ، كافة المشخصات من الأشياء والعناصر والمقولات والكائنات ، أي كافة الأشياء التي تماثل مفهوم صيرورة الخلق لدى ابن رشد ، بما في ذلك مفهوم العالم الآخر في النص الإلهي . وكل ماهو مخلوق ( مصنوع ، مفهوم الصورة ) لايمكن أن يشمله الخلود ، فالخلود الفعلي هو لما هو ليس مخلوقاٌ ، أي مفهوم مادة العالم ، الطبيعة . فالنفس الفردية ، النفس الواحدة ، عالمنا الحالي ، العالم الآخر ، أجسادنا ، الجنة والنار ، لإنها تنتمي إلى صورة العالم فلايشملها الخلود ، إذن المعادلة هي : إن كل ماهو ينتمي إلى مفهوم صورة العالم ، هو مشخص بالضرورة وليس مجرداٌ بالمطلق ، ولايشمله الخلود ، بالمقابل إن كل ماهو ينتمي إلى مفهوم مادة العالم ، هو مجرد بالضرورة ، ويشمله الخلود لنفس الضرورة ، فهكذا يكون إله الكون : عقلاٌ مجرداٌ ، وتكون النفس الكلية خالدة ، ويكون العالم قديماٌ في مادته . وهذا يفضي بنا إلى الإستنتاجات التالية التي هي مقدمات فلسفية لدى ابن رشد : الإستنتاج الأول إن قوة إله الكون هي نفسها قوة الطبيعة ، قوة مادة العالم ، الإستنتاج الثاني إن قانون الطبيعة الأزلي هو إرادة إله الكون نفسها ، الإستنتاج الثالث إن إله الكون ، لكي يبرهن على وجوده ، لايحتاج أن يتخطى الطبيعة ، ويتجاوز قانونها الأزلي ، بل هو يبرهن على وجوده من خلال تطبيق ذاك القانون الآزلي ، الإستنتاج الرابع إن مفهوم المعجزة ليس بإختراق قوانين الطبيعة ، قوانين مادة العالم ، وتعطيل قانونها الأزلي ، بل إن المعجزة هي الإتيان بتشريع صالح وسليم لعالمنا الحالي وتحقيقه وتطبيقه بنفس التوازن والتماثل والتناظر مع ذلك القانون الإزلي ، القانون الذي يجعل من إله الكون إلهاٌ ، ومن الطبيعة مادة للعالم .
رغم هذا الإبداع الفلسفي والرؤية الثاقبة ، بمقدورنا أن ننتقده في الآتي :
أولاٌ : إن الخلود في تعريفه وطبيعته ، في حدوده وتأصيله ، ينتمي ، إنتماءاٌ أنطولوجياٌ ، إلى إله الكون ، وهو قضية من قضايا الفلسفة الإلهية ، أي هو يخص الآلهة ولايخص أي كائن آخر ، وحسب القاعدة الفكرية ، سواء لدى أبن رشد أو معظم المفكرين وفلاسفة الإسلام ، إن عقلنا يختص فقط بالفلسفة الطبيعية في حين إن الوحي أي الآلهة يختص بالفلسفة الإلهية ، فكيف تسنى لابن رشد أن يحدد تماماٌ مفهوم ودالات الخلود بعقله البشري في قضية تخص الآلهة والفلسفة الإلهية فقط .
ثانياٌ : لدينا ، حسب رؤية ابن رشد ، ثلاثة عناصر خالدة ، العنصر الأول هو إله الكون ، العنصر الثاني هو مادة العالم ، العنصر الثالث هو النفس البشرية الكلية ، والسؤال الأول والأخير هو : ماهي رابطة الضرورة التي تجمع مابين هذه العناصر الثلاثة ، وفي حال غياب أية رابطة أنطولوجية فيما بينها تنهار كافة إطروحات ابن رشد ، ، ولكي تتضح الصورة أكثر نطرح السؤال البديل ، هل خلق العنصر الأول ، إله الكون ، العنصرين الآخرين ، يجيب ابن رشد نفسه بالنفي ، أي إن مادة العالم مستقلة عن إله الكون ، وعن النفس البشرية الكلية ، كما إن النفس البشرية الكلية مستقلة عنهما معاٌ ، ماذا يعني ذلك ؟ يعني إن الوجود الحقيقي القائم بذاته منقسم على ذاته مابين تلك العناصر الثلاثة ، ومجرد ان ينقسم الوجود على ذاته ، فإن إله الكون لن يكون هو ، بعد ذلك ، إلهاٌ للوجود ، وبالتالي تتحول تلك العناصر الثلاثة المفترضة من قبل ابن رشد إلى أشياء ، فقط أشياء ، عندها تزول وتذوي كافة دلالات الفلسفة الإلهية ، ولن تبقى إلا موضوعات الفلسفة الطبيعية .
ثالثاٌ : إذا كان إله الكون قد أصبح جزءاٌ من الوجود ، فكيف تسنى لجزء من الوجود أن يخلق شيئاٌ ما من جزء آخر من الوجود ، وهو مستقل عنه ، أي كيف خلق إله الكون صورة العالم من مادة العالم وهي مستقلة عنه أنطولوجياٌ . وإذا كانت الفرضية الأصلية صادقة ، وهي كاذبة للضرورة الإنطولوجية ، فهذا يعني بالضرورة إن إله الكون يتحكم في مادة الكون ، وهذا ما لايرضى ابن رشد به ، لإنه يدرك كل الإدراك إن القديم لايتحكم به قديم آخر ، كما إن القديم لايستطيع أن يتحكم بقديم آخر ، وإلا لتحول الجزء الثاني من الوجود إلى محدث ، عندها تنهار فلسفة ابن رشد .
رابعاٌ : إذا كانت النفس البشرية الكلية خالدة ، فهي بالضرورة قديمة لإن الخلود لا يعني فقط ماهو ذاهب إلى الأبد ، إنما ماهو قادم من الأزل . وقدم هذه النفس لايستقيم إلا تحقق أمران ، الأول أن تكون ، هي ، مستقلة في وجودها عن محتوى تعبيرها ، الثاني أن تكون دالتها ، في حال صدقها ، أن تكون محققة . في موضوع الأمر الأول نلاحظ إن تعبيرها هو الذي يدل على معناها وليس على وجودها ، فنقول مثلاٌ ، رأس هذا الذئب ولانقول إن هذا هو رأس الذئاب فلايوجد رأس هو رأس كل الذئاب ، وفي موضوع الأمر الثاني إذا صدق وجود رأس كل الذئاب ، فرضية كاذبة تصدق على النفس البشرية الكلية ، فلابد ان يكون هنالك لكل ذئب رأس ، أي إذا صدقت مقولة قدم وكذلك خلود النفس البشرية الكلية ، فلابد أن تصدق مقولة قدم وكذلك خلود النفس الفردية ، قدم وخلود النفس الواحدة ، وهذا ما يتناقض مع أساس إطروحات ابن رشد الذي إن قبل بالأمر إنتهت فلسفته .
خامساٌ : لقد تجاوزنا مفهومه عن خلود العلم والمعرفة ، وإعتبرناه نوع من الفنتازيا التي كانت تساعده في إدراك إن إله الكون عقل مجرد ، وإن النفس البشرية الكلية خالدة ، وتساعده أكثر في التخلص من التناقضات الحادة في النص الإلهي .
سادساٌ : لقد بات واضحاٌ إننا ندرك الكون وفقاٌ لقاعدتين أثنتين ، الأولى إن لاشيء ثابت في هذا الكون ولاحتى سرعة الضوء ، الثانية إن مفهوم الخلود ، والخلود نفسه ، ليس إلا سفاهة فكرية ، أضطرت إليها الفلاسفة والمفكرين لتبرير إطروحات تتعلق بالعقيدة ، وعلى رأسها وجود إله الكون المفترض ، تماماٌ مثل فرضية اللامنتهي . وإلى اللقاء في الحلقة السابعة والتسعين .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عاجل.. شبكة -أي بي سي- عن مسؤول أميركي: إسرائيل أصابت موقعا


.. وزراءُ خارجية دول مجموعة السبع المجتمعون في إيطاليا يتفقون




.. النيران تستعر بين إسرائيل وحزب الله.. فهل يصبح لبنان ساحة ال


.. عاجل.. إغلاق المجال الجوي الإيراني أمام الجميع باستثناء القو




.. بينهم نساء ومسنون.. العثور جثامين نحو 30 شهيد مدفونين في مشف