الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حقيقة السنة (الهجرية)

زهير جمعة المالكي
باحث وناشط حقوقي

(Zuhair Al-maliki)

2020 / 8 / 20
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


في كل عام يحتفل المسلمون في بقاع الارض في الاول من شهر محرم كبداية للسنة الهجرية الجديدة . ولو سالت اي مسلم في الارض لماذا الاول من محرم سيكون الرد هو لانه اليوم الذي هاجر فيه الرسول محمد من مكة الى يثرب التي اصبح اسمها بعد ذلك التاريخ المدينة . ويصاحب ذلك الاحتفال استذكار هجرة الرسول وما وقع فيها من مطاردات ومحاولات لقتل الرسول وهو في طريقة الى المدينة وماجرى في ليلة الهجرة . بل واصبح لهذا التقويم قدسية مستمدة من هجرة الرسول ومن شخص الرسول . ولكن هل توقف احد لمناقشة هذا الموضوع وماوقع المفاجأة على المسلم اذا علم ان يوم الاول من محرم لاعلاقة له بهجرة الرسول ولا بوصوله الى المدينة بل ان الرسول كان يؤرخ بيوم اخر ؟
ان الحقيقة الثابته هي اننا امة تجهل تاريخها وانه لا علاقة بين بداية السنة الهجرية وبين الهجرة ولا علاقة بين ما كان الرسول يورخ به وبين ما يورخ به المسلمون اليوم .ولنبداء الحكاية من البداية .
من أبرز من كتب في موضوع التقاويم من المؤرخين المسلمين أبو الريحان البيروني في "الآثار الباقية عن القرون الخالية"، وابن سيدة في "المخُصَّص"، والمسعودي في "مروج الذهب"، والقلْقَشَنْدي في "صبح الأعشى" والمرزوقي في "الأزمنة والأمكنة". والنويري في" نهاية الأرب " والسيوطي في رسالة بعنوان "الشماريخ في علم التاريخ" . وقد اتفقت اقوالهم على ان العرب قبل الاسلام كانوا يقسمون السنة الى 12 شهرا قمريا ولكنهم لم يتفقوا على اسماء تلك الاشهر بل كانت كل قبيلة لها اسماء خاصة بها وكذلك كان ترتيبها مختلف . يقول البيروني " ويوجد للشهور العربية أسماء أخرى قد كان أوائلهم يدعونها بها، وهي هذه: المؤتمر، ناجر، خوان، صوان، حَنْتَم، زبّاء، الأصم، عادل، نافق، واغل، هواع، بُرَك وقال ابن دريد: " المؤتمر المحرم، وناجر صفر، وخوان ربيع الأول، وقالوا خوان، وبصان ربيع الآخر، وقيل خوان يوم من أيام الأسبوع من اللغة الأولى، والحنين جمادى الأولى، ويسمى كذلك شيبان، وقيل هو كانون الأول، وربى جمادى الآخرة، ويسمى ملحان، وقيل هو كانون الثاني وسميا شيبان وملحان لبياض الثلج فيهما، شبها بالشيب والملح. والأصم رجب، وعاذل شعبان، وناتق رمضان، ووعل شوال، وورنة ذو القعدة، وبرك ذو الحجة. وللمسعودي رواية تقول: " وكانوا يسمون الشهور المحرم ناتق، وصفر ثقيل، ثم طليق، ناجر، سماح، أمنح، أحلك، كسع، زاهر، بزط، حرف، نعس وهو ذو الحجة ". وقيل " وكانوا يسمون الشهر المحرم ناتق، صفر ثقيل، طاليق، ناجر، أسلخ، أميح، أحلك، كسع، زاهر، برك، حرف أو نعس وهو ذو الحجة ". وهناك رواية ابن الكلبي، تقول: " كانت عاد تسمي المحرم مؤتمرا، وصفرا ناجرا، وربيعا الأول خوانا، وربيعا الآخر بصانا، وجمادى الأولى ربى، وجمادى الاخرة حنينا، ورجب الأصم، وشعبان عاذلا، ورمضان ناتقا، وشوالا وعلا، وذا القعدة ورنة، وذا الحجة برك . وذكر البيروني أن ثمودا كانوا يسمون الشهور بأسماء أخر، وهي: موجب وهو ( المحرم )، ثم موجر ( صفر )، مورد ( ربيع الأول )، ملزم (ربيع الثاني )، مصدر ( جمادى الأولى ) هوبر ( جمادى الثانية )، هوبل ( رجب )، موهاء ( شعبان )، ديمر ( رمضان )، دابر ( شوال )، حيفل ( ذو القعدة )، مسبل ( ذو الحجة ). قال وإنهم كانوا يبتدئون بها من ديمر، وهو شهر رمضان .
بالنسبة للعرب كانت السنة تنقسم الى جزئين الاول من ثمانية اشهر والثاني يتكون من 4 اشهر تسمى الاشهر الحرم وهي اربعة اشهر (ذي القعدة وذي الحجة ومحرم ورجب ) ويكون محرم هو الوقت الذي يقضي الناس ايام حجهم . في عام 412 وبعد ان استقرت المكانة الدينية لقريش بين العرب باعتبارهم سكان الحرم المكي تم عقد اجتماع برئاسة كلاب بن مرة وبحضور رؤساء القبائل العربية والوفود التي جاءت للحج الى الكعبة التي في مكة ، لتحديد أسماء جديدة للأشهر يتفق عليها جميع العرب وأهل الجزيرة العربية بعد أن كانت القبائل تسمي الأشهر بأسماء مختلفة، فتوحدوا على الأسماء الحالية حتى جاء الاسلام .
في حجة الوداع التي كانت اخر حجة للرسول وحسب ما يروي ابو داود في صحيحه "عن نفيع بن الحارث الثقفي أبو بكرة – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – خطب في حجته فقال: (إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض السنة اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم ثلاث متواليات ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر الذي بين جمادي وشعبان)" . اي ان الاسلام لم يغير اسماء الاشهر التي تم الاتفاق عليها في مؤتمر مكة الذي انعقد 150 سنة قبل البعثة .
بالنسبة لعلاقة محرم بهجرة الرسول فقد اجمعت كافة المصادر التاريخية على ان الرسول صلى الله عليه وسلم وصل الى المدينة في اليوم الاثنين الثاني عشر من شهر ربيع الاول كما ذكر ذلك الحافظ عماد الدين إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي في كتابه (الفصول في اختصار سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم) تحقيق عبد الحميد محمد درويش الصفحة 74 . وهو ما اكده كتاب بهجة النفوس واﻻسرار في تأريخ دار هجرة النبي المختار. للشيخ ابي محمد عفيف الدين عبد الله بن عبد الملك المرجاني الصفحة 178 من المجلد الاول تحقيق محمد عبد الوهاب فضل الصادر عن دار الغرب الاسلامي الطبعة الاولى 2002 . جاء في " تاريخ الطّبري " كان مقدم من قدم على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم للبيعة من الأنصار في ذي الحجّة، وأقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعدهم بمكّة بقيّة ذي الحجّة من تلك السنة والمحرّم وصفر، وخرج مهاجرا إلى المدينة في شهر ربيع الأوّل، وقدمها يوم الإثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت منه " كما جاء في تاريخ الطبري " حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق عن الزهري قال قدم رسول الله المدينة يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول " . ذكر ابن حجر في كتابه فتح الباري بشرح صحيح الامام ابي عبد الله محمد ابن اسماعيل البخاري ، الجزء السابع ، الصفحة 268 ما روي عن الزهري " من أن رسول الله(صلى الله عليه وآله) لما قدم المدينة مهاجراً أمر بالتأريخ، فكتب في ربيع الأول ". كما ان مراجعة مكاتبات رسول الله تبين ان الرسول كان يؤرخ بالسنة التي هاجر فيها حيث جاء في كتاب (ذكر أخبار أصبهان) تاليف ( الحافظ ابي نُعيم أحمد بن عبـد الله الاصفهاني ) منشورات دار الكتاب الاسلامي الصفحة 53 . ذكر ان سلمان الفارسي طلب من النبيّ صلى الله عليه وعلى اله وسلم ان يكتب له ولأخيه (ماه بنداذ) ولأهله وصية مفيدة ينتفع بها، فاستدعى رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله) عليّاً وأملى عليه اُموراً، وكتبها علي (ع)، ثم جاء في آخر تلك الوصية:وكتب علي بن أبي طالب بأمر رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله) في رجب سنة تسع من الهجرة . كما روى البخاري عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه قَالَ ( مَا عَدُّوا مِنْ مَبْعَثِ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم، وَلَا مِنْ وَفَاتِهِ، مَا عَدُّوا إِلَّا مِنْ مَقْدَمِهِ الْمَدِينَةَ)
اذن ماذا حصل في السنة السابعة عشر من الهجرة ؟ يذكر ابن حجر العسقلاني في كتابه فتح الباري بشرح صحيح البخاري – ج 7 – 63 - كتاب مناقب الانصار – باب التاريخ – من اين ارخو التاريخ .الصفحة 267-268 (أن رجلاً توجه إلى عمر فقال: أرّخوا، فقال عمر: ما أرّخوا؟ فقال: شيء تفعله الأعاجم في شهر كذا من سنة كذا، فقال عمر: حسن، فأرّخوا، فاتفقوا على الهجرة .ثم قالوا: من أي الشهور؟ فقالوا: من رمضان، ثمّ قالوا: فالمحرم هو منصرف الناس من حجهم وهو شهر حرام، فأجمعوا عليه. ومن هذا يتبين انهم جعلوا شهر الله المحرّم بداية السّنة الهجريّة لأنّه منصرف النّاس من حجّهم، كما قال عمر بن الخطّاب ، لا لأنّه شهر هاجر فيه النبيّ صلّى الله عليه وسلّم. وكذا قال ابن كثير رحمه الله في " فصول من السّيرة " ولكنّ الوهم سرى في أوساط المسلمين من أجل: أنّ الصّحابة رضي الله عنهم لمّا أرادوا التّأريخ، اختاروا السّنة التي هاجر فيها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولم يأخذوا الشّهر الّذي هاجر فيه - وهو ربيع الأوّل - بعين الاعتبار". . ذكر الموقع الإلكتروني لدار الافتاء المصرية، ردًا على الفتوى رقم: 3539 حول الهجرة النبوية – بتاريخ: 5-10-2015 :( وصل النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة في شهر ربيع الأول، لكن جُعِل شهر المحرم بداية العام الهجري لأنه كان بداية العزم على الهجرة؛ يقول الحافظ ابن حجر في “فتح الباري” (7/ 268، ط. دار المعرفة): [وَإِنَّمَا أَخَّرُوهُ -أي التأريخ بالهجرة- مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ إِلَى الْمُحَرَّمِ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ الْعَزْمِ عَلَى الْهِجْرَةِ كَانَ فِي الْمُحَرَّمِ؛ إِذِ الْبَيْعَةُ وَقَعَتْ فِي أَثْنَاءِ ذِي الْحِجَّةِ وَهِيَ مُقَدِّمَةُ الْهِجْرَةِ، فَكَانَ أَوَّلُ هِلَالٍ اسْتَهَلَّ بَعْدَ الْبَيْعَةِ وَالْعَزْمِ عَلَى الْهِجْرَةِ هِلَالُ الْمُحَرَّمِ، فَنَاسَبَ أَنْ يُجْعَلَ مُبْتَدَأً. وَهَذَا أَقْوَى مَا وَقَفْتُ عَلَيْهِ مِنْ مُنَاسَبَةِ الِابْتِدَاءِ بِالْمُحَرَّمِ) ولكن فتوى دار الافتاء المصرية اهملت ماجاء في نفس المصدر وفي نفس الصفحة ما ورد عن شبب اختيار عمر لشهر محرم قوله (بل محرّم لأنّه منصرف النّاس من حجّهم ) وهذا مما يؤسف له ان يصدر عن دار الافتاء المصرية محاولة لربط المحرم بالهجرة واهمال نفس المصدر الذي يشير الى سبب اخر .
اذن مما تقدم يتضح لنا ان الاسلام لم ياتي باسماء اشهر جديدة بل ان الاسماء التي نستخدمها ونحيطها بالقداسة هي اشهر كانت موجودة قبل الاسلام . ان التاريخ الذي يحتفل به المسلمون هو ليس تاريخ الهجرة النبوية وليس له علاقة لا من قريب ولا من بعيد بالهجرة النبوية . ان الرسول محمد ابن عبد الله كان يؤرخ بالتاريخ الحقيقي لهجرته والذي يختلف عن التاريخ الذي يعتمده المسلمين حاليا . ان السبب الذي دعا عمر بن الخطاب الاعتماد يوم الاول من محرم ليس له علاقة بالرسول ولا بالهجرة بل له علاقة بالحج كما كان معتمد في الجاهلية . ان الاحتفال بالاول من محرم ليس له علاقة بالهجرة النبوية .
نأتي الان الى موضوع المناسك في القران وعلاقتها بالتقويم فهل تتطابق مع التقويم الحالي المسمى الهجري ؟ نجد في سورة البقرة الاية 189 ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾. أي ان مواقيت الحج تكون بالهلال . ولكن في الاية 185 من نفس السورة ( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۗ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) . نرى ان شهر رمضان ارتبط بحادث معين وهو نزول القران وهذا يعني ان شهر رمضان يقع في وقت معين من السنة ولايمكن ان يتغير لان تلك الحادثة وقعت في وقت محدد من السنة ولاتتغير بحسب الهلال مثلا لو وقع نزول القران في الخريف فيجب ان يكون رمضان في الخريف دائما لان موعد نزول القران ثابت ولذلك لايمكن ان يكون شهر رمضان في الربيع ونزول القران في الخريف . ومادام شهر رمضان ثابت فيجب ان تكون الأشهر الباقية ثابته . هنا سيبرز سوال كيف ذلك والسنة القمرية تقل عن التقويم الشمسي ب 11 يوما والاية تقول (إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ ۖ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِّيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ ۚ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ) . الجواب يكون ان الزيادة في الكفر هو ما كان يفعله المشركين عندما كانوا يحلونه عاما ويحرمونه عاما أي ان الكفر هو التلاعب بالايام .
اذن نستخلص من هذا ان أسماء الأشهر القمرية لا علاقة لها بالإسلام بل هي موجودة قبل البعثة ، كما ان الأول من محرم ليس له علاقة بالهجرة النبوية ، والرسول لم يكن يستخدم التقويم الحالي الذي اعتمد سنة 17 للهجرة بعد وفاة الرسول بسبع سنوات . ان الأول من المحرم هو تاريخ انفضاض الحجيج من حجهم . كما ان الأشهر القمرية يجب ان تكون ثابته وليس متغيره .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عقوبات أميركية على مستوطنين متطرفين في الضفة الغربية


.. إسرائيلي يستفز أنصار فلسطين لتسهيل اعتقالهم في أمريكا




.. الشرطة الأمريكية تواصل التحقيق بعد إضرام رجل النار بنفسه أما


.. الرد الإيراني يتصدر اهتمام وسائل الإعلام الإسرائيلية




.. الضربات بين إيران وإسرائيل أعادت الود المفقود بين بايدن ونتن