الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العلمانية كمنفذ للمحنة العراقية

كمال سيد قادر

2006 / 7 / 2
ملف - 1 تموز 2006 - العلاقة المتبادلة بين العلمانية والدولة والدين والمجتمع


لو لم تبتكر فكرة العلمانية فى عصر التنوير فى الغرب، لتم ابتكارها اليوم لانقاذ العراق من وباء الحرب الطائفية التى اصابت جراثيمها بالفعل الجسد العراقى، لان الوضع الحالى فى العراق يشبه الى حد كبير الوضع السياسى فى اوربا فى القرنين السادس عشر و السابع عشر، قبل بداية عصر التنوير مباشرة حيث كانت تجتاح هذه القارة حروبا طائفية مدمرة بين البروتستانت كحركة اصلاحية ظهرت فى اوائل القرن السادس عشر، و الكاثوليك المتحفظ.

و العلمانية لم تكن منذ بدايتها حركة الحادية انشأتها شخصيات ملحدة معادية للمسيحية بل مصدرها كانت شخصيات مسيحية متدينة تسعى الى انقاذ المسيحية و اوربا من الحروب الطائفية.

و هى كحركة سياسية كانت تستهدف منذ بدايتها فصل الدين عن الدولة، بحيث لا دخل للدين فى شؤون الدولة و لا دخل للدولة فى شؤون الدين.

النظام العلماني فقط كان قادرا على انقاذ اوربا من الحروب الوحشية و ضمان حرية العقيدة و المساوات بين الطاوئف الدينية و منع ظاهرة العنصرية على اسس مذهبية.

مفهوم العلمانية فى العصر الحالى لا يختلف كثيرا عن مفهومها الاصلى فى عصر التنوير و لكنه الآن اصبح مفهوما عالميا لا يشمل فقط فصل الكنيسة عن الدولة بل ظاهرة فصل الدين عن الدولة بصورة عامة.

و العلمانية بمفهومها الحالى والاصلى لم تكن تعنى فى يوم من الايام الالحاد لان الالحاد هو انكار للوجود الالهى و العلمانية لا تنكر الوجود بل تفصل الدين عن شؤون الدولة، ولكن ليس عن شؤون السياسة لان للاديان وا لطوائف فى ظل النظام العلمانى وسائل مختلفة للتأثير على سياسة الحكومة فمثلا عن طريق جماعات الضغط و الاحزاب المقربة منها.

و الدولة العلمانية بالرغم من امكانية وقوعها تحت تاثيرات جماعات دينية و طائفية، فانها لا تمثل دينا او طائفة معينة بل تعامل كافة الاديان و الطوائف بصورة متساوية دون تفضيل اى واحد منها على الاخرى حتى لو تمتع دين او مذهب ما بالاكثرية.

و الدولة العلمانية هى غير المجتمع العلمانى، بحيث يمكن التعايش بين مجتمع متدين و دولة علمانية داخل حدود الدولة نفسها كما هو الحال فى الولايات المتحدة و الهند مثلا، فلهتان الدولتان دستوران علمانيان و فى نفس الوقت مجتمعان متدينان جدا.

و الدولة العلمانية لا تعنى حتى حكومة علمانية، بل يمكن لدولة علمانية ان تديرها حكومة ذات اتجهات دينية او طائفية كما هو الحال حاليا فى تركيا العلمانية ذات حكومة لها جذور اسلامية، او عندما يحكم حزب ديمقراطى مسيحى احد الدول الاوربية العلمانية.

النظام العلمانى فى عصرنا الحالى، عصر احترام حقوق الانسان بصورة عامة و حقوق الاقليات بصورة خاصة، اصبح ضرورة ملحة، ليس فقط لضمان الامن والاستقرار فى بلد ما، بل من اجل احترام حقوق الاقليات الدينية و الطائفية ايضا.
فتثبيت النظام العلمانى فى الدستور الهندي لم يكن فقط الهدف منه ضمان الامن و الاستقرار بل احترام الاقليات الدينية الاخرى ايضا بالرغم من وجود اكثرية هندوسية فى الهند تمنحها فرصة ادراج هذا الدين كدين الدولة الرسمى.
و حتى دستور الولايات المتحدة الامريكية ذات الاكثرية المسيحية، فضل النظام العلمانى احتراما لحقوق الديانات و الطوائف الاخرى.

الوجه الآخر للنظام العلمانى هو الجانب الديمقراطى، اى ان النظام العلمانى هو مرتبط ارتباطا وثيقا بالنظام الديمقراطى، بسبب وجود خلاف بين الديمقراطية و التيوكراتية لان الاديان عادة تحتكر الحقيقة لنفسها و لها نظام للتميز بين من بداخلها و من بخارجها مما لا يتناسب مع النظام الديمقراطى، لان النظام الديمقراطى يمكن اعتباره كسوق حرة للافكار والايدولوجيات و هى كاي بضاعة اخرى فى السوق فى منافسة حرة مع بعضها البعض منها تجد رواجا لدى الزبائن، اى المواطنين و منها ما تخفق فى ذلك و تنسحب من السوق، بعكس الدين او المذهب الذى يمكن ان تفرض عن طريق القوة فى النظام التيوكراتى.

فالدين او المذهب بسبب احتكاره للحقيقة يجد انه من حقه فرض نفسه عن طريق القوة لفرض هذه الحقيقة المزعومة على الجميع، و هو بذلك ينشأ بصورة تلقائية نظاما للقهر والاستبداد و التميز العنصرى على اسس دينية و مذهبية مما يؤدى بدوره الى وقوع المجتمع فى مستنقع حروب دينية و طائفية عاجلا ام آجلا.

و العراق هو الآن فى طريقه الى هذا المستنقع.

ألعراق و العلمانية:

من الصعب جدا تعريف النظام السياسى العراقى الحالى فى ضوء معايير العلمانية، لان الدستور العراقى الذى هو فى الاصل دستور توافقى يحتوى على عناصر علمانية و تيوكراتية و مذهبية مما يجعله مصدرا لعدم الأستقرار و خطرا على التعايش السلمى بين الاديان و المذاهب فى العراق، بسبب امكانية تفسير هذا الدستور بطرق مختلفة من قبل طوائف دينية و مذهبية كل حسب اتجاهاتها و رغباتها.

غموض الدستور العراقى تبدأ من ديباجته التى هى جزء ملزم منه أذ هى تحتوى على اشارات تتعلق بدين الدولة و مذاهب و مراجه دينية معينة دون التعامل مع كل الاديان و الطوائف العراقية بصورة متساوية مما يتعارض مع المبدأ الديمقراطى و عدم التميز الذى يدعى هذا الدستور تمثيله.

الغموض تزداد اكثر خلال قراءتنا للمادة الثانية من هذا الدستور.
حسب هذه المادة فان الاسلام هو دين الدولة الرسمى و هو مصدر اساسى للتشريع و لا يجوز سن قوانين يتعارض مع ثوابت الاسلام.
أولا لا يمكن ان يكون الاسلام دين الدولة الرسمى فى العراق لأن هناك طوائف و مذاهب اسلامية عدة فى العراق و لذا تصبح هذه الفقرة دون فائدة عملية اذا لم تحدد مذهب معين كالمذهب الرسمى للدولة يتفق عليه الجميع و هو امر مستحيل، لذا فان هناك امكانية فرض مذهب معين على الجميع و هو امر مناف للديمقراطية و حقوق الانسان و مبدأ المساواة.
و ثانيا ما معنى بان الاسلام هو مصدر اساسى للتشريع؟ فمن المعلوم بان الشريعة الاسلامية هى غير مدونة بل و ان هناك شرائع اسلامية تختلف عن بعضها البعض فى بعض المرات بصورة جذرية. فهل ترى اى مذهب سيكون مصدرا اساسيا للتشريع فى العراق؟
حتى لو كانت هناك شريعة اسلامية مدونة و موحدة فكيف يمكن فرض قوانين تستند على الشريعة الاسلامية فى بلد متعدد الاديان كالعراق دون المساس بالحقوق الاساسية للأقليات الدينية؟ و كيف يمكن اصلا اخضاع ديانات اخرى لشريعة دين معين؟
و من يقرر بما ان قانون ما يتعارض مع ثوابت الاسلام؟ هل هى مرجعيات دينية خارج نطاق الدستور، ام المحكمة الدستورية؟

ادراج مواد كهذه فى اى دستور لا يمكن ان يؤدى الى شئ غير الفوضى.

و بذلك فان الدستور العراقى بوضعه الحالى فتح باب التفسيرات المختلفة فيما يتعلق بدين الدولة الرسمى للعراق مما يمكن ان يؤدى الى خلافات حادة فى المستقبل، و الخلافات هذه هى موجودة بالفعل الآن تصل الى حد استعمال العنف و التطهير الطائفى و الدينى.

التفسير الخاطئ لهذا الدستور جعل بعض الاطراف ذات اتجاهات مذهبية، داخل و خارج دائرة الحكم، يفرض نظاما قانونيا و اجتماعيا خاص به على الآخرين عن طريق القوة و الاكراه، فبعض الوزارات اصبحت وزارات طائفية قبل ان تكون عراقية، و بعض المناطق تطبق فيها شرائع لا نجدها الى فى افغانستان زمن حكم طالبان. و وضع الاقليات الدينية و المذهبية فى العراق يشبه الى حد كبير وضع هؤلاء فى اوربا فى القرون الوسطى.

و لذا يجب ان يكون حل الازمة العراقية الراهنة نفس الحل الذى جلب السلم و الامان و التعايش السلمى بين المذاهب و الاديان المختلفة فى اوربا فى عصر التنوير. اى فصل الدين عن الدولة بصورة كاملة بحيث يتم تعديل الدستور العراقى بشكل لا يشير الى اى دين او مذهب معين اطلاقا، بل يكتفى بضمان حرية العقيدة و الدين كحق اساسى لكل الافراد و الجماعات.

و هذا ليس مطالبة بالالحاد، بل محاولة لانقاذ العراق من شبح الحرب الاهلية و تجارب القرون الوسطى فى اوربا. و بذلك نقول نعم لحرية العقيدة و الدين، و لكن نقول لاء لفرض دين او مذهب معين على الآخرين.

العراق يكمن ان يصبح هند ثانية من حيث التعايش السلمى بين الاديان والمذاهب فى ظل دستور علمانى.

و لا احد يطالب بابعاد الاحزاب الاسلامية عن السياسة، بل يجب على هذه الاحزاب عندما تأتى الى الحكم ان تضع خلفيتها الدينية او المذهبية جانبا و لا تمثل دينا او مذهبا معينا، بل العراقين جميعا و بدون تميز.

و هذا غير ممكن الا فى ظل دستور علمانى و محكمة دستورية كفؤة و محايدة تراقب تطبيق هذا الدستور.
و الدستور العراقى الحالى لا تتوفر فيه هذه الشروط.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صحة وقمر - قمر الطائي تجرب التاكو السعودي بالكبدة مع الشيف ل


.. لحظة تدمير فيضانات جارفة لجسر وسط الطقس المتقلب بالشرق الأوس




.. بعد 200 يوم.. كتائب القسام: إسرائيل لم تقض على مقاتلينا في غ


.. -طريق التنمية-.. خطة أنقرة للربط بين الخليج العربي وأوروبا ع




.. سمير جعجع لسكاي نيوز عربية: حزب الله هو الأقوى عسكريا لأنه م