الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العلمانية الدين والدولة والمجتمع

نصر حسن

2006 / 7 / 2
ملف - 1 تموز 2006 - العلاقة المتبادلة بين العلمانية والدولة والدين والمجتمع


إن مفهوم العلمانية هو جزء من التراث الإنساني بشكل عام له فوائده وله سلبياته وهي ليست نابعة من المفهوم نفسه بقدر ماهي ناتجة عن عدم واقعية بعض العلمانيين وسوء استخدامه وتطبيقه على المجتمعات
والشعبوب الذي يغلب عليه الشكل الإستهلاكي أي إستيراد مفهوم فكري والتعامل معه على أساس سلعة ,وفي
إطار هذه المشاركة نقتصر على النظر إليه في الوطن العربي وهو مفهوم شأنه شأن الكثير من المفاهيم
السياسية والفلسفية والفكرية والثقافية عانى ويعاني الكثير من سوء الفهم والإستخدام والتشويه خلال المرحلة الماضية والذي يعيشه الفكر السياسي العربي بشقيه الرسمي والشعبي بشكل مشوش ولم يستطع هذا المفهوم من فرض نفسه على الواقع السياسي العربي أو التفاعل معه وبقي أسير مجموعات هنا وأفراد هناك , ورغبة في المشاركة في هذا الموضوع من فرد في هذا المجتمع ومن المهتمين بالشأن العام وليس من موقع المختصين الأكاديميين الذين هم على دراية أعمق وأشمل في هذا الموضوع أقدم هذه المشاركة المتواضعة .
وتسلسلا ً مع فقرات عرضكم للموضوع نبدأ بالسؤال : ماهو مفهوم العلمانية ؟
المعروف أن مفهوم العلمانية نشأ في أوروربا الكهنوتية التي كانت الكنيسة تشكل الإطار السياسي للحكم على أرضية دينية وخلاصته هي أن الكنيسة تمثل إرادة الله وهي وكيلته على الأرض وكان ذلك بالمعنى السياسي هو الرغبة في السيطرة الفكرية الأحادية على المجتمع والذي يمكن أن نسميه اليوم شكلا ً ديكتاتوريا ً للحكم وأهم ظواهره هي امتلاك الصلاحيات غير المحدودة لرجال الدين والكنيسة مع تقليص مساحة الحريات الفردية وضرورة قولبتها بالشكل الذي يتجاوب مع دورالكنيسة الفكري والسياسي الكهنوتي وهو يمثل محطة في سلسلة التطور الإنساني بشكل عام ,وبشكل عابر نقول أن هذا لاينسحب على شكل الحكم في الإسلام والذي يمكن إختصارة بالخلافة الإسلامية وبعدها بالدولة الإسلامية الذي كان أساسه واقعي ولايملك عصمة ,ورجل الدين في الإسلام متساوي في القيمة الإنسانية والقانونية مع بقية أفراد المجتمع بالحقوق ويختلف عنهم بالواجبات ,أي في قدرته على تحمل مسؤولية الجماعة بشكل فاعل وصحيح , أي أن أساس الحكم في الإسلام غيرلاهوتيا ًبل حقوقيا ً أقرب إلى دولة العدالة الإجتماعية وهنا نتكلم بجوهر الأمور وليس في ظاهر
القشور,من رحم هذا الدور المطلق للكنيسة ولد دعاة العلمانية ,والعلمانية كمفهوم وكشكل سياسي يمثل رد فعل على هيمنة الكنيسة , ويمكن تعريفه بالتالي :
العلمانية هي فصل الدين عن الدولة , وتأسيس نظام سياسي جديد قائم على حرية الأفراد في تحديد الشكل الحقوقي لعلاقاتهم على أساس معطيات الواقع الإجتماعي وبعيدا ًعن سلطة الكنيسة ومفاعيلها الكهنوتية .
ماهي أهمية العلمانية ؟ سؤال لايمكن الجواب عليه سوى بالتخلص من الفهم السلبي لها والذي تعامل البعض معه على أنه القطع مع الماضي ,وأدى هذا إلى أن تكون العلمانية أشبه بنبتة في رمل لم تستطع النمو لعشرات السنين في الوطن العربي , وبقيت في إطار محدود وشبه معزول,لأنها لم تستند إلى حوامل إجتماعية واقعية بقدر مااستندت على أحلام أفراد ورغبات فكرية ليست نتاج حالة المجتمع الموضوعية , أي عدم بناء الأسس الفكرية السليمة للبناء السياسي عليها .
على أن أهمية العلمانية هي في تحديد مفهومها ومطابقته مع الواقع العربي وتفحص مدى قابلية المجتمع العربي بالتفاعل مع هذا المفهوم أولا ً وعدم التعامل بالشكل القسري بفرضه على المجتمع والذي تم اتباعه إلى الآن الأمر الذي أساء للعلمانية ولتطور المجتمع على حدٍ سواء ثانيا ً,وإجراء عملية حوار واسعة مع الجميع وخاصة ً الحوامل الدينية والإحتماعية الأساسية فيه ثالثا ً,وتجاوز التعامل النخبي السلبي مع المفهوم
الذي لايؤدي إلى هضمه من قبل معدة المجتمع ككل ,وبقي خطابا ً منبريا ً موسميا ً وفي معظم الأحوال لافتة غير واقعية لقلة تتظاهر مع أفكارها وبشكل معزول عن حركة المجتمع رابعا ً, وإعادة النظر في العلمانية من قبل دعاتها على الساحة العربية والذي تم فهمها بشكل مشوش وتم نقلها بشكل مشوه خامسا ً, بدأ مع تجميدها ونقلها إلى الواقع العربي الذي يغلي فكريا ً وإجتماعيا ً وإنسانيا ً وسياسيا ً فذابت في حرارة الواقع دون أن يتسنى للشعب من لمسها سادسا ً,وبقي روادها نظريين يرددون جمال العلمانية وحاجتها لكن من منظور سلبي للغاية وأحول واختصروها بعلاقة صدامية مع المكون الأساسي للمجتمع العربي وهو الدين وعلى أساس التناقض والإلغاء وليس التفاعل وإنتاج البديل المفيد للمجتمع المنسجم مع بنيتة سابعا ً, وإعطاء صورة بأنها نقض للدين ونفيا ً له ,أي عمل أدى إلى إساءة العلاقة بينهما وجعلهما في علاقة أضداد كل منهما يريد ويعمل على إلغاء الآخرثامنا ً, والأخطر من ذلك كله هو تبني العلمانية لدى البعض كان أشبه بهروب من دائرة المجتمع والعلاقات الإجتماعية السليمة إلى كهوف العزلة مما أعطى لها مفهوما ً فئويا ً كان أشبه بتحميل عقد قديمة على عقد جديدة الأمر الذي زاد الأمور تعقيدا ً والمفاهيم غربة ً والمجتمع حدة ً في الصراع تاسعا ً,وزاد الطين بلة في أن أصبحت العلمانية مرادفة للكفر ومخالفة للإيمان وكان أشبه بإضافة عامل تمزق جديد بين أوساط المفكرين والمثقفين لأنها أخذت طابعاً أشبه بمذهب جديد , في وقت يتتطلب فيه المجتمع تنشيط الروابط الإجتماعية وإلغاء المذهبية السلوكية وليس الفكرية عاشرا ً.
تأسيسا ً على ماتقدم إن المهم هو إعادة النظر في المفهوم نفسه وإعادة تشكيله على ضوء حاجة الواقع العربي وحتى لايفهم من الكلام أن الواقع العربي يجب النظر إليه على أساس من العزلة عن مسيرة التطور الإنساني بشكل عام , أقصد يجب إجراء عملية حوار مع الواقع العربي , حوار موضوعي عقلاني يفهم أسسه وماضيه وحاضرة والجسر السليم القادرعلى نقله إلى المستقبل حيث يكون طرفا ً في التقدم الإنساني وليس مشحوطا ًً أعيته وتيرة حركة التقدم العلمي والتكنولوجي في العصر الحديث وهو لازال يركض بمكانه في طرقات فكرية وثقافية وسياسية أوصلته إلى الضياع وقد يصل إذا استمر على هذا المنوال إلى الإفتراق عن العصر.
أهمية العلمانية في كونها علمية ومنهجيه وإجتماعية منفتحة على الواقع , وعصرية بمعنى إحترام إرادة الآخر وإرادة المجتمع وأفكاروقناعات أفراده وأديانها, أي أن تكون نابعة من الواقع نفسه وليست مادة استهلاكية مستوردة يتم المتاجرة والبيع والشراء فيها.
أهمية العلمانية في النظرة الصحيحة إلى جوهرالدين وليس إلى رجل دين قد يكون صادقا ً أو كاذبا ًمع نفسه ومع دينه ومع مجتمعه , أي يجب الحوار بين مناهج وأفكاروليس الحوار بين أفراد أو بائع ومستهلك , أي بناء خطوط محلية لإنتاجها حسب قياسات الواقع العربي والشخصية العربية والثقافة العربية , أي التوافق مع أخلاق المجتمع في جوهرها وليس في رواسبها التي تراكمت بشكل مخيف ووصلت إلى الحد التي غطت على جوهرها وعمت ظواهرها السلبية التي لايمكن أن تكون موضع قياس معياري لتقييم شخصية مجتمع ووضع برنامج لتطويرها .
باختصار لم يكن لدعاة العلمانية كأفراد والعلمانية كمفهوم ركائز مادية وإجتماعية وسياسية للبناء عليها لتصبح قادرة على التفاعل والتأثير في الحياة الفكرية بشكل عام وفي المشاركة في عملية تطوير الوعي الفكري والثقافي والسياسي والإجتماعي الفردي والفئوي بل زادت حدة التناقض بإضافة إشكال جديد إلى واقع المجتمع لم تستطع على حسمه لمصلحة الحراك العام في المجتمع, إذ وضعت الفرد في حالة التصادم بينه وبين هويته ,بل إلى حالة مواجهة بين الإلحاد والإيمان , وهذا ببساطة شديدة ليس مدخلا ًأوفعلا ً إصلاحيا ً.
وهنا أرى أن أهم الأسس التي يمكن أن تساعد في التفاعل معها ونشرها وترسيخها هي :
أولا ً- أن تكون علمانية واقعية وإذا تطلبت مصلحة المجتمع أن تكون مؤمنة ولاأقول دينية بل أقول إلى إعادة تصحيح علاقتها ونظرتها إلى الدين والإسلام تحديدا ً لأنه إلى الآن هو الحامل الفكري والثقافي والتاريخي الأساسي للمجتمع العربي ولا يمكن أن تتم أية عملية تطوير للمجتمع العربي إلا عبره وعن طريق التفاعل معه وإنتاج خطاب مفيد للمجتمع.
ثانيا ً- أن تكون علمانية إجتماعية عامة بمعنى أن تتخلى عن نخبويتها وانتقائيتها, بمعنى أن تخاطب الأكثرية الفكرية والثقافية والعددية في المجتمع لأن التطوير إذا كانت حوامله إجتماعية يتحرك في الإتجاه الفاعل
السليم ويصبح قادرعلى تحريك المجتمع بهذا الإتجاه والمساهمة في تطويره ويجنبه الكثير من الصراعات الداخلية , أي أن الكل النشيط يستطيع أن يتحرك بشكل أقوى وأسرع مع حركة الجزء الناشط أو حتى الكامن والعكس غير صحيح.
ثالثا ً - أن تكون علمانية علمية بمعنى أن يكون منهجها هو انعكاس لمتطلبات الواقع العربي وملائمة لشروط تطوره , أي عدم فصل البيئة الفكرية والإجتماعية عنها,أي إعطائها صفة الحركية والديمومة والحياة وعدم التعامل الموميائي معها , إذ تصبح في هذه الحالة مسألة عرض معلب لتراث الآخرين وثقافتهم وتجاربهم السياسية والفكرية في إطار ممارسة الحكم والرؤية لكيفية تطويره ليكون أكثرعدلا ً وأكثر تقدما ً وأكثر تجاوبا ً مع رغبات الأفراد والمجتمعات لكن في شروط إجتماعية وبيئية أخرى .
رابعا ً - أن تكون علمانية مرنة قادرة على التفاعل مع الواقع العربي , اي أن لاتكون جامدة غير قابلة على الإنتشار في وسط المجتمع , ومرونتها لاتعني الذوبان في الواقع العربي , بل التفاعل عبر الحوار الصادق والصريح والجريء بين مكونات المجتمع على قاعدة الوصول إلى حل للمشاكل العامة التي تواجه الجميع والقناعة بأن الفرد المتنور لايمكن أن أن يعيش بمفرده وفي وسط إجتماعي متخلف ومظلم .
خامسا ً- وهذا يتطلب حسم أكثر الأمور إشكالية في العلمانية وهو الموقف من ثقافة المجتمع ومعتقداته وهويته التي هي صيرورته التاريخية , وبشكل أكثر مباشرة يجب على العلمانية أن تحدد كيفية الفصل بين واقع متخلف وأفكار متخلفة وحوامل فكرية وإجتماعية متخلفة أيضا ً,وبين جوهرمعرفي فكري ثقافي ديني حي لكنه غير قادر بل ممنوع من الحركة وهو في حالة كمون وتحييد بل تقييد من قبل القوى السياسية التي تتحكم بالمجتمع وبالضد من فائدته ومصلحته في التطور وتبقي عليه أسير رواسب سلبية في الماضي رافقت فترة حكم هذا الإطارالعقائدي أوذاك في هذه الفترة أوتلك من التاريخ.
سادسا ً – الإقراربالدين والإعتراف بدوره في عملية الإصلاح على أرضية وطنية مدنية إذ لايمكن فصل المجتمع عن تاريخه وثقافته حيث يلعب الدين المحرك الأساسي في هذا المجال, وليس هناك ثقافة إنسانية لم يكن الدين أحد أهم مكوناتها , قد يجوز فصل الدين عن السياسية وعن مؤسسات الدولة لكنه لايجوز بل من الخطأ والعبثية محاولة إلغاء الدين من ذاكرة المجتمع والإنسانية , وهذا يكون المدخل الملحد للديكتاتورية وقد يكون أشد كارثية ً على المجتمعات والشعوب والإنسانية بشكل عام .
سابعا ً- يجب نقل التعامل مع العلمانية من حالة الصراع مع الثقافة إلى حالة الحوار معها ونقلها من المواجهة المعرفية إلى حالة التفاعل مع فكر المجتمع وطرح الموضوع على أساس سياسي يتعلق بعلاقة الأفراد مع بعضهم في إطار الدولة والبحث عن أسس جديدة للمساواة ,وليس على علاقة الأفراد مع الخالق , وهذا هو المدخل الوحيد لتطور العلمانية والدين على حد ٍ سواء .
واستطرادا ً كيف يمكن الإجابة على السؤال : هل العلمانية مناهضة للدين ومتناقضة معه فكريا ً واجتماعيا ً , وهل هي رؤية إلحادية ؟ وهل تعني فصل الدين عن الدولة أم عن السياسة ؟.
هنا يجب التمييز بين العلمانية كمفهوم في ظرفه التاريخي وهدفه السياسي وحامله الإجتماعي في مرحلة تاريخية معينة , وبين فهم معظم العلمانيين من خلال إسقاط علاقة غيرصحيحة على واقعهم الإجتماعي على وجه التحديد , وتحميله على أزمة النظرة الفئوية إلى المجتمع , وهذا الفهم الخاطئ أدى إلى ظهور عوارض مرضية جديدية في المجتمع بدل أن يكون علاجا ً لبعض ظواهره المرضية وتجاربه الفردية في الحكم , وتجريده من لحظته التاريخية والتعامل معه بدرجة عالية من الجمود في الفكرة والمفهوم الأمر الذي أفرغه من فوائده السياسية والإجتماعية التي إن فهمت بظروف كل مجتمع وراعت مراحل تطوره وثقافته ربما تكون مفيدة في تفعيل وتيرة التطور والنمو نحو الأفضل للمجتمعات والشعوب .
ولعل من المفيد الإشارة بأن مفهوم العلمانية شأنه شأن كل مفهوم فكري , يحكم عليه من خلال الوسط الناقل له بين مجتمع وآخر وطريقة التعامل معه وأسلوب التبشيربه , وبهذا الإطار فإن الموقف من العلمانية في الوطن العربي مرادف للإلحاد ومناهض للدين بل في تناقض كامل مع الدين والشريحة الكبيرة التي تؤمن بالدين ودوره في حياة الشعب , وبالتالي فهم على أن الهدف الأساسي منه هو إلغاء الدين وإلغاء الدور السياسي والإجتماعي والفكري للأكثرية وبالتالي الرجوع إلى مواقع الفردية ولكن من موقع الفكر العلماني هذه المرة مما أعطى الموضوع بعدا ً يتعلق بالهوية , وهذا أخطر مافي الفهم العربي للعلمانية , أي إلغاء ثقافة مجتمع وهويته وإحلال ثقافة أخرى غريبة عن شخصيته وعن ثقافته ولاتملك عوامل الإتصال الفكري والثقافي مع ماضيه وحاضرة .
بيد أن الذي أعطى للعلمانية طابعها الإلحادي هو التعامل التعسسفي وغير العلمي مع موضوع العلاقة بين الدين والحكم قديما ً , والدين والدولة حديثا ً, هذا التعامل الذي لم يستطع وضع حدود للعلاقة بين الدين والدولة , وانسحبت نظرته على الواقع بمنظار الماضي حيث لعب الدين الدور الأساسي في تكوين النظام السياسي في كل المجتمعات وربما قد يكون أفرز نظاما ً سياسيا ً مركزيا ً , من هنا جاء الفهم العلماني للدين خليطا ً بين الثقافة والسياسة بشكل مقصود حينا ً و غير مقصود حينا ً آخر , وبالتالي لم يحدد الآلية الصحيحة للتعامل مع
الدين , هل يلغيه ؟ وهذا يضعه في مواجهة ثقافة وهوية مجتمع ونمط حياة وطريقة تفكير وسلوك أفراد تحكم أدق تفاصيل الحياة في المجتمع العربي الذي يشكل الإسلام الغالبية المطلقة منه .
من هذا الفهم العلماني غير الواضح للدين وربما يكون واضح وغير معلن لدى دعاة العلمانية , وهذا يرجعنا إلى السؤال الأساسي ماهو مفهوم الدين لدى العلمانيين ؟ وهل العلمانية تريد من الدين أن يترك مواقع العقيدة وينتقل إلى مواقع السياسة ؟ وكيف تتعامل مع مجتمع كل مخزونه الثقافي هو إنتاج الدين ؟ .
لعل الخطأ المنهجي في العلمانية العربية هو محاولة فرض نظرة إصلاحية للمجتمع العربي المؤمن على حامل كافرغريب عنه ومضاد له , وبالتالي كانت بداية التأسيس للصراع والتناقض مع المفهوم جملة ً وتفصيلا ًً وهذا مايبرهن على عدم تمكن العلمانية من الإنتشار إلا في صفوف فئات محددة من المجتمع ولعوامل نفسية سلبية وليس تعبير عن حاجة وضرورة .
ولتصحيح هذا الإشكال يجب أن تحدد العلمانية بالضبط ماذا تريد أن تصل إليه ؟ هل تريد الوصول إلى بناء دولة حديثة تكون الروابط بين مكوناتها الإجتماعية غير دينية ؟,أي روابط مدنية تحكمها معاييرالتسامح والقبول بالآخر والعيش المشترك ؟ أم تريد تكسير أواصر تكوين مجتمع أنتجتها مسيرة طويلة من الصراعات والتفاعلات الإجتماعية ؟ وهل مفيد لعملية التطور التاريخية للمجتمع إلغاء أسسه النفسية وتفكيك روابطه الثقافية وهل يمكن ذلك ؟ولماذا الإصرارعلى إلغاء الدين بدل الحوار معه والتفاعل على قاعدة إنتاج البديل الأكثر تلبية ً لمصالح المجتمع والأكثر انسجاما ً وتجاوبا ًمع التطوروالبعيد عن الدخول في متاهات الصراعات ؟ وبشكل أكثر مباشرة هل تريد إلغاء دور الأكثرية عبر إفراغها من الشحنات الثقافية الإجتماعية الأساسية التي تعطي للمجتمع هويته وقوة حركته ؟ ولماذا هذا الإصرار على الدخول إلى مشاكل المجتمع عبر النوافذ الضيقة الجانبية ولم يتم الدخول من الباب الرئيسي مباشرة ً إلى المجتمع ؟ .
وعليه , هل يمكن تحقيق مجتمع مدني وعلماني وديموقراطي في ظل دولة تستند إلى الشرائع الدينية كمصدر أساسي للتشريع ؟.
مرة أخرى كل الأسئلة المطروحة للنقاش والوصول إلى فهم مشترك للعلمانية والدين والوصول إلى حل يكون لصالح المجتمع واستقراره تستند على الفهم الغير صحيح للدين , وربما المبطن بأهداف أخرى , فالدين والمقصود هنا الإسلام على وجه التحديد وفي نظرته الحقوقية إلى علاقة الأفراد مع بعضهم وعلاقتهم مع المؤسسة الدينية أي الدولة قائمة على أساس قانوني مدني ضمن وعاء ثقافي ديني , ولعل الإشكال هو تجميد الدين أولا ً وإسقاط كل رواسب التخلف والضعف عليه ثانيا ً والنظر إليه ضمن حدود هذه الصورة والتي هي غير صحيحة ثالثا ً,بل هي تشكل بعض الإفرازات للحكم وهذه مسألة معروفة ومفهومة وعادية لأن علاقة الحكم بالواقع لاتنظمه مسطرة دينية سحرية تحدد مسبقا ً كل شاردة وواردة في حركة الواقع رابعا ً, وهذا هو بعض أسرار التطور الإنساني ,الأمرالذي أدى إلى استنتاجات غير صحيحية , وهنا لانريد أن نخوض في جدل موقف الدين من القضايا الفردية وتفاصيلها ولكن بشكل عابر نقول: إن أهم شيء يحتاجه الفرد المجرد السليم عقليا ً ونفسيا ًفي كل زمان ومكان هو الحرية والعدل والتساوي ورفض التمييز وتنظيم علاقة الأفراد على أساس إنساني ورفض الظلم والعبودية وتنظيم علاقة المجتمع على أسس بعيدة عن العبثية وأقرب إلى فطرة الإنسان أي تنظيم علاقة الفرد مع نفسه ومع الآخرين على أساس عقلاني مفيد وربطها بهدف معين ,أي القرب من الواقعية وتلبية الرغبات الإنسانية على أساس هذه القواعد والمحددات الإجتماعية , هذا باختصار هو الدين والذي يعبر عنه يمنتهى البساطة ( إنما الدين المعاملة ) أي أسلوب علاقة الفرد بالآخرين ويجسده بشكل واقعي السلوك الإجتماعي للفرد ومدى قدرته على التعايش مع الآخر المختلف,أما الدخول في مسألة النظرة إلى المرأة وتعدد الزوجات وقطع يد السارق والحجاب وزواج المتعة والعصمة هذه أمور جزئية وظرفية وهي قابلة للحل وليست مستعصية عنه , وكذلك إن الدخول في الغيبيات هي مسألة فردية تنحصر بين الشك واليقين ,بين النسبي والمطلق , بين الكفر والإيمان , والإيمان هو سمو في النفس والفكرة وهي مسألة طوعية وضرورية للفرد وغير مؤذية للآخرين لأنها تمثل الإرتباط بهدف نهائي مطلق من الحياة وهذا عامل يساعد على نموالجانب الإنساني والإجتماعي والتوازن للأفراد والمجتمعات.
وعليه يجب حوار الأفكارمع بعضها وليس الحوار مع بعض الظواهر السلبية ,وعلى أساس منفتح يقبل بالآخروفي نية التفاعل الإيجابي معه , وليس البدء بعملية إلغاء الآخر, الحوار مع الآخر الذي يكون الهدف منه هو الوصول إلى قواسم مشتركة تقوي العلاقة بين الأفراد في المجتمع وتزيدها وحدة ً وتفاعلا ً وليس تماثلا ً , لأن التفاعل هو المؤشر الوحيد على الوجود الفاعل في الزمن وحركة التاريخ , وهذا هو الأسلوب الوحيد القادر على التصدي لكل الرغبات غير المشروعة والتي لها طابع غريزي غير متحضر وقد يكون مصدرها الفرد المؤمن أو الكافر ليس هذا مهما ً , المهم هو الإتفاق الإجتماعي على أنه خطرا ً على الجميع يجب إصلاحه وهدايته إلى طريق المجتمع والعلاقات الإنسانية المتحضرة .
وعليه إن مسألة التشريع في الإسلام تحديدا ً هي ذات طابع مدني بالكامل والتشريع في الإسلام بشكل عام هو تلبية لشروط واقع يعيشه الفرد على الأرض ويستجيب للتناقضات التي تفرزها الحياة البشرية وهو ليس شيء آخر,وهذا ينسحب على التشريع الإسلامي ككل , الذي أريد قوله هو ضرورة الحوار مع جوهر الدين وليس مع بعض إفرازاته الجزئية في هذه التجرية أو تلك , الحوار معه هو الطريق الوحيد الذي يحب أن تسلكه العلمانية للوصول إلى الإقرار بضرورة الديموقراطية وبناء الدولة المدنية ولا أرى أن هناك تناقض بين الدين وبناء الدولة المدنية بل هذا هو أساس الإسلام ولو لم يكن كذلك لما نجح الإسلام في بناء الدولة التي استمرت مئات السنين , ليس هناك تناقض بين الدين والديموقراطية وليس هناك أي سبب يمنع من الإستفادة من الدين في التشريع , التناقض هو في تقديم المصالح الفئوية على المصالح العامة , التناقض هو في النظرة المتشنجة إلى الدين , التناقض هو في النية المسبقة على إلغاء الدين , التناقض هو في النظرة الثأرية من الماضي , التناقض هوفي عدم الوصول إلى نقطة بدء الحوار بين كل مكونات المجتمع , التناقض هو في الإصرار على بقاء ثقافة الجزء وإلغاء ثقافة الكل , التناقض هو في عدم التجاوب من قبل الجميع مع ضرورات التطور والإصرار على الوصول إلى حل , ومصدر التناقض الأساسي هو عدم قناعة الجميع بالتحرك إلى منتصف الطريق وبدء الحوار والإتفاق على التفاعل الذي ينتج البديل المفيد للجميع .
وتأسيسا ً على ذلك نرجع قليلا ً إلى الواقع لنرى ماذا يقول وليخبرنا أين وصلت التيارات السياسية التي تبنت العلمانية في الوطن العربي وعلى امتداد نصف قرن من الزمن ,منها من وصل إلى الحكم ولازال فيه ومنها لم يصل وتأقلم مع الظروف على هامش الحكم الشبه علماني , نريد أن نرى النتيجة العملية لهذه الأفكارالجميلة والتي أخذت طابعا ً لفظيا ًسحريا ً من حيث الشعارات التي رفعتها ورسمت برامحها على أساسها ,باختصار شديد يجب أن نقف على أهم نتائجها , والنتيجة بالمحصلة هي المعيار الوحيد على سلامة الفكرة وجدارة الأداة وصحة الطريق,وبقدرتعلق الأمر بموضوعنا العلمانية ومستقبلها في ظل أنظمة فردية ديكتاتورية تجاوزت حدود الإستبداد السياسي إلى إهانة إنسانية الفرد وأحطت من كرامته وأرجعته إلى عصور ماقبل التاريخ ,عصور العبودية بكل ماتعنيه الكلمة من معنى الإنحطاط .
وتكثيفا ً للأموررغبة ً في رؤية حقيقتها حتى لانضيع في شططها وجزئياتها نأخذ النماذج التي لعبت الدور السياسي والثقافي الأساسي في المرحلة الماضية وهي :
أولا ً- التيار القومي بكل أشكاله , ثانيا ً- التيار الشيوعي بكل اتجاهاته, ثالثا ً- التيار الإسلامي بكل صوره.
وحرصا ً على حصر الموضوع في إطار مناقشة واقع العلمانية سيتم مؤقتا ً عدم التعرض لتقييم التيار الديني إلا بقدر تعلق الأمربالتأثير على حركة العلمانية , وهنا أرى أن نبتعد قدر الإمكان عن التحليل النظري ونترك الواقع يتكلم عن نفسه : من أين بدأت التيارات العلمانية وماهي مساراتها , وكيف كانت العلاقة بين أطرافها , وماهو موقفها من النظام السياسي العربي ,وإلى أين انتهت؟ المطلوب إجراء تقييم جريء وموضوعي وشفاف للنتيجة , وتحديد على أساس إلغاء الفاشل منها وتجديد أو تبديل المناهج الفكرية والحوامل الإجتماعية للتحرك الصحيح وفي الإتجاه نحو المستقبل من حديد .
لعل الشيء الواضح أن التيارات السياسية آنفة الذكر أعلاه كانت ليست بمستوى تحدي المرحلة وليست بالقدرة الفكرية والسياسية اللازمة لقيادة عملية التحول الإجتماعية من مرحلة إلى أخرى , حيث كانت معظمها صدى ً لأفكار خارجية أو إفرازا ً لمرحلة التحرر من الإستعمار, وباستثناء مرحلة قصيرة تلت الإستقلال والتي أفرزت بعض الإتجاهات التي تلامس الحاجة إلى التحرروبناء الدولة المستقلة على أسس غير فردية أقرب إلى صيغ الديموقراطية , ضغطت عليها بشكل مباشر حينا ً وبشكل غير مباشر حينا ً آخر قوى خارجية أو إفرازاتها وتحت واجهات نظرية تتعلق بالتحرر والتصور لبناء الدولة الحديثة على أسس إشتراكية وحتى علمانية , وشهد الوطن العربي حالة عرض غزيرة للأفكار المحلية والمستوردة بحالة من الفوضى والإبتعاد عن النظرة الواقعية للمجتمع , دخلت في نفق صراع أفكار حاد وتناقض برامج نظرية ولم تستطع الخروج منه إلى الآن ,وكانت في معظمها سرابية تركت المجتمع يعيش سلبيات تلك العلاقات المتناقضة مع أهداف المرحلة ومصلحة المجتمع في بناء الدولة , وغاب الأساس السليم لذلك وتاه الجميع في تناقضات يغذيها صراع القوى العظمى على المنطقة وعلى ثرواتها والنفط كان محرك الصراع وحرف رؤى التغيير عن أولوياتها وحصرها في حالة صدام مع بعضها هدفة العام الذي لم تستطع حركة التحرر العربية من استقراؤه في حينها ألا وهو إيقاف عجلة التطور لتثبيت التخلف وإبعادها عن الطريق أو إخلاؤه لقوى أخرى خارجية عبثت ولاتزال في المنطقة بشكل مخيف.
ولعل أبرزملامح تلك المرحلة هوالإنفعالية والسلبية في علاقة كل الأطراف السياسية مع بعضها وعلى وجه التحديد العلمانية منها التي غلب عليها نظرة امتلاك الحق والحقيقة ودفع أولويات الصدام إلى الساحة السياسية وأجلت أولويات الواقع ,أي كانت فردية غيرمتفاعلة بل متصادمة لأنها كانت إيديولوجية بشكل كبيروأحادية النظرة والنهج متطرفة في العلاقة مع أفكارها وأفكار الآخرين وحكمتها طريقة التعامل مع بعضها ومع الواقع ومع النظرإلى المستقبل " إما أبيض ناصع أو أسود قاتم " فأنتجت الإستبداد الذي فتك بها ولايزال ذرافاتا ً ووحدانا ً, باختصار كانت عاجزة عن إنتاج البديل الفكري السياسي الذي يحتاجه الواقع العربي , بل أكثر من ذلك كانت في مجملها عوامل كابحة لكل عملية تفاعل سياسي وفكري سليم , وكانت من حيث تدري ولاتدري العوامل التي ساعدت القوى الخارجية على تعطيل عملية التحول الفكري والسياسي وأدخلت المجتمع العربي كله في دوامة الصراعات الداخلية , فالحزب الواحد تفتت إلى أحزاب ,والحركة الواحدة تفتت إلى حركات والفكرة الواحدة تفتت إلى شظايا فكرية هنا وهناك وابتعد الجميع عن الطريق الصواب وأعطوا الفرصة الذهبية للإستبداد لكي يسيطر على كل شيء في المجتمع, الأمر الذي أدى إلى إجهاض مرحلة تاريخية بأكملها والأخطر منه هو إنتاج منظومة الهزيمة والفساد وتخريب المجتمع وتفتيته إلى كانتونات فكرية وسياسية وحتى طائفية وإذا استمرالوضع على هذا المنوال سيكون كل هذا مضافا ًإليه الأبعاد الجغرافية , ولعل أشدالصور وضوحا ً هو حزب البعث وهو محسوب على صف العلمانية نرى أنه بدأ من الوحدة ليصل إلى الطائفية السياسية والحكم الوراثي , وبدأ اليسار بكل صوره من الأممية ليصل إلى الشللية المتوزعة بين الإستبداد والإبتعاد عن التأثير في محددات الواقع وفي معظم الأحوال كانت السجون هي النهاية التي وصلت إليها والمقر النهائي لقيادة عملية الظلم واليأس والإحباط التي طبعت كل التيارات الفكرية والسياسية العلمانية بدون استثناء وأصبحت هي مفاعيل المرحلة الراهنة.
الإستبداد هي النتيجة التي وصلت إليها كل أطراف الحركة السياسية العربية وفي معظمها محسوبة على العلمانية , غابت كل مظاهرالتفاعل تحت سوط الإستبداد وغاب الحوار وحضرت الدولة الأمنية القمعية التي أحكمت سيطرتها على المؤمنين والملحدين , على المتدينين والعلمانيين , على القوميين والماركسيين وعلى الجميع الذي يتحرك ضمن دائرة الإستبداد ولم يستطع أن يفلت من سيطرتها, والشق الآخر من المعادلة الذي هو التيار الديني حوصر بشكل متسلسل إلى أن تم إبعاده بشكل غير سياسي وغير إنساني ودفع بالمحصلة ثمن أخطاؤه وأخطاء حركة التحرر العربية وعلى الأخص العلمانية منها , وبشكل عابر كان خطأ العلمانية الأساسي هو الطعم الذي وفره الإستبداد لها على أنه في بعض ملامحه علمانيا ً , فراهنت على الإستبداد ولم تراهن على معطيات الواقع ,وأقامت جسور فكرية وسياسية معه على أمل أن يتطور في المستقبل بحكم ظروف قد تأتي أو لا تأتي إلى بداية قطار العلمانية الذي يقود الوطن العربي نحو التحرر من الماضي فكان أن أرجعها إلى الماضي منهارة ً ومفتتة ً ومرهقة ً من سلوك الإستبداد معها ومتشائمة ً وحائرة ًأمام مظاهرالصورة الكارثية وهي ترى عرين العلمانية ينهارتلقائيا ً لأنه فقد نقاط ارتكازه ولم يعد قادرا ًمن الناحية المادية والفكرية والسياسية على الإستمرار.
مرة ً أخرى تحشر حركة التحرر العربية ومنها العلمانية بالرجوع في الإتجاه المعاكس للتاريخ وللتطورإلى نقطة الصفر ولكن فاشلة مرهقة مفتتة وحائرة ولاتدري من أين تبدأ في إعادة ترتيب أولوياتها من جديد : من الفكر ,من الفساد والفقر التي أفرزته ,من السياسة من الإلحاد من الإيمان من نظرتها إلى الواقع العربي , من نظرتها إلى النفس , من موقفها من الآخرين ,من الماضي من الحاضر , بصراحة يجب إعتماد الصدق والجرأة والإقرار بأن النتيجة الوحيدة التي وصلت إليها حركة التحررالعربية والعلمانية منهاعلى وجه التحديد هو خليط من الإحباط واليأس وفقدان الثقة بالنفس والقدرة على تحديد نقطة البداية الصحيحة من جديد .
الخلاصة التي وصلت إليها حركة التحرر العربية العلمانية هي تثبيت النهج الفردي الشمولي الذي تحول إلى أسوأ أشكال الديكتاتورية في العصر الحديث , ديكتاتورية على أسس طائفية ومذهبية تجاوزت الديكتاتورية السياسية بظلمها وظلامها وفسادها إلى ديكتاتورية مزقت المجتمع وفتت نسيجه الوطني والإجتماعي وعممت الجهل والفساد واليأس والهزيمة ,باختصار أوصلت المنطقة العربية والإنسان العربي إلى مرحلة الإنهيار .
ماالعمل ؟!والمجتمع وواجهاته السياسية كلها وفي معظمها علمانية حصرها الإستبداد في خانة العجز والقبول القسري حينا ً والإرادي حينا ً آخر بالتعايش معه والإقرار بالهزيمة أمامه .
ماالعمل ؟! ونظام الإستبداد يسرح ويمرح على الساحة الوطنية ويقمع الشعب ويحاصر العمل الوطني , ويشوه الديموقراطية وينتهك الحريات الأساسية للشعب ويلاحق نشطاء حقوق الإنسان ويقتل كل أمل بالسماح بحرية التعبيرعن الرأي ويلغي كل مظاهر الصحافة الشبه حرة ويهين كرامة المثقفين والنشطاء السياسيين السلميين ويقطع الطريق على الشعب ويمنعه من المشاركة ليس في التقدم والتطور ولكن بوقف حالة الإنهيار التي تشهدها الساحة العربية بشكل عام وسورية بشكل خاص .
ماالعمل ؟! والديكتاتورية في العالم العربي وأسوأ أشكالها في سورية وصلت إلى مرحلة الضعف والتداعي والفساد ولم تعد قادرة على ممارسة وظيفتها ومسؤوليتها أمام شعبها , لم تعد قادرة على ممارسة سوى دور الجلاد الذي حول الدولة كلها إلى سجن كبير, لم تعد قادرة على رؤية خطورة المرحلة التاريخية والظروف الراهنة التي يعيشها المجتمع العربي , لم تعد قادرة على فهم مايجري حولها بل حتى داخل بلدانها , لم تعد تعنيها كل هذه الأخطار التي تشبه الإعصار بقوتها التدميرية والتي بدأت تفكيك بنيتها الإجتماعية وثقافتها وحضارتها وحتى جغرافيتها في خطوة خطيرة تدفع الأمة إلى الإنهيار النهائي ,والذي سيحول المنطقة إلى( مايكرو) نظم سياسية طائفية تتنافس على خدمته وهي أشبه بدكاكين للنظام الدولي الجديد ولاتملك من أمرها شيئا ًسوى تنفيذ برامجه والعيش على فتاته وإدخال المنطقة كلها في نفق الجهل المطبق والتخلف والتمزق والضياع النهائي في متاهات العولمة وأزقتها.
ماالعمل ؟! والساحة العربية والإنسان العربي أصبح مختبرا ً للإستبداد وللنظام العالمي الجديد .
في ظل هذا الواقع المتخلف وفي ظل هذا التشتت والضياع بين حوامل التغيير الأساسية في المجتمع وفي ظل هذا التمترس الإيديولوجي والعقائدي لجميع الحركات السياسية والفكرية والثقافية كل في أفكاره والتي في معظمها تتحرك ضمن حسابات فردية فئوية ضيقة وأحيانا ً حتى طائفية ومذهبية مغطاة لفظيا ً بهدف عام عائم , وفي ظل هذا التناقض والتناحر بين القوى السياسية المحسوبة على صف الشعب والتغيير والإصرار على امتلاك الحق والحقيقة السياسية والفكرية بالشكل الذي يؤدي إلى تصادم قواها وضعفها وبالمحصلة تقوية الإستبداد ورفده المستمر بعوامل الإستمرار, في ظل هذا الهروب من أفكار الماضي إلى فوضى الأفكار الجديدة والمفاهيم الجديدة والتي تزيد من الضياع الفكري والمعرفي والسياسي , في ظل إفرازات العولمة والتي أصبح المجتمع العربي هو البوابة الرئيسية للمرور إلى النظام العالمي الجديد والذي يرى ويعرف الجميع مايدفعه الشعب من ثمن وبدون مقابل بل على حساب أمنه ووحدته وكرامة الإنسان فيه, في ظل هذا العجز المهين للنظام العربي الرسمي الذي وصل حالة الكمال الإستبدادية بكل ماتعنيه الكلمة من انهيار كامل للمجتمع . من كل هذا الحطام يتوجب على المفكرين أولا ً والمثقفين ثانيا ً والسياسيين ثالثا ً والشعب رابعا ً أن يراجعوا أفكارهم وقناعاتهم وبرامجهم وآلية التنظيم التي اتبعوها وطبيعة العلاقات السياسية التي غزلوها مع المجتمع وعلاقتهم مع الشعب باختصار يجب إعتماد الصدق والشجاعة بتأشير الخطاً وتجاوزه ولا أدرى فيما إذا كان في الماضي القريب صحيحا ً لتطويره ,واستطرادا ً يجب الإعتماد على الحوار وعلى أكبر مساحة فكرية وسياسية وإجتماعية وحتى طائفية ممكنه , الحوار على أرضية المساواة في الحق والحقيقة والإستعداد الصريح والصادق بقبول الآخر المختلف واحترام رأيه والإصرارعلى الوصول إلى حل من هذا الإستعصاء التاريخي الحضاري الإنساني الخطير .
وبالمقابل ليس هناك مستقبل لكل الأطر السياسية المطروحة حاليا ً وعلى الأخص العلمانية من أي مستقبل في العالم العربي التي يغطيه الإستبداد من شرقه إلى غربه ومن شماله إلى جنوبه مالم يعيد النظر كليا ً بعوامل فشله وتجاوزها وأولها هو أن العلمانية في العالم العربي تعاملت مع الإستبداد والواقع على حدٍ سواء كرد فعل عليه وليس كفعل يحاول تحريك الواقع وتطويره , فكان فعلها مشابه لفعل الإستبداد ومن نفس طبيعته , أي تعاملت مع المجتمع من باب الوصاية وليس من باب التفاعل المطلوب الذي يسبق كل عملية تحول تاريخية في حياة الشعوب .
والخلاصة الحل الأساسي يكمن في الإقرار بالحوار القائم على احترام مكونات المجتمع وبالذات الدينية منها لأنها في الإجواء الصحية يجب أن تكون إحدى حوامل التغيير الأساسية وليس كوابح له وهذا لايمكن أن يتم بغياب الديموقراطية , واستطرادا ً الحل يكمن في الإقرار من قبل الجميع بالحاجة إلى الديموقراطية وهي الدواء الوحيد لكل مشاكلنا , الديموقراطية والسلوك الديموقراطي هو الوحيد القادرو على إنتاج العقد الإجتماعي المفيد للجميع والذي صورته العملية هو الدولة المدنية , دولة القانون والعدل والمساواة في الحقوق والواجبات , في ظلها يتم التأسيس للروابط التي تجمع الجميع ويحرص عليها الجميع وتتجاوز الروابط العصبية والدينية والطائفية وترتقي إلى مستوى قيمة الكرامة الإنسانية وتلغي الفردية وتضع صيغ دستورية بعدم السماح برجوعها تحت أي ظرف من الظروف ,أي القطع مع كل الروابط التي تعيق بناء الدولة المدنية الحديثة دولة المواطنة الذي يشعر جميع أبنائها بقيمتهم الوطنية والإنسانية .
على أن الذي يجب أن يكون واضحا ًً للجميع هو التخلص من الإرث السياسي السابق الذى طغى عليه طابع الصدام والتناقض والإحتراب والقطيعة ,الذي أوصل الجميع إلى يكونوا تحت سوط الإستبداد أو أداة تخدمه, التخلص من علاقة الوصاية على الآخر والوصاية على الشعب والوصاية على الأفكار والوصاية على العلمانية أيضا ً , والمدخل الأساسي والوحيد هو إقرار الجميع بضرورة بل بحتمية الديموقراطية , الديموقراطية التي نفتقدها جميعا ً أفراد وأحزاب ومنظمات وشعب , الديموقراطية التي يعبرعنها بموقف وفعل وسلوك وليس التمسك اللفظي بها أو اتخاذها غطاء ً لضعفنا وفرديتنا والكثير من عقدنا وأمراضنا , الديموقراطية التي تؤسس للصدق والصراحة مع النفس ومع الآخرين والتي تساعدنا على تأشيرعوامل فشلنا والكثيرمن خوفنا من بعضنا ومن خوفنا من أن تكشف الديموقراطية عجزنا على احترام الآخر كائنا ً من كان والإقرار والإصرار على الوصول إلى حل لمشاكلنا ,الديموقراطية التي تساعد الجميع على أن المشكلة ليست بين مؤمن وكافر أو بعثي وماركسي أو بين رجعي وتقدمي أو بين ليبرالي ومحافظ أو بين الحداثة والمحافظة أو بين مذهب وآخر وإنما الصراع الأساسي هو بيننا جميعا ً وبين الإستبداد وهو في صورته العامة صراع بين الفرد والمجموع بين الحرية والعبودية بين التقدم والتطور بين الجمود في الماضي والرغبة في معايشة الزمن وبشكل عام صراع بين الإستبداد والديموقراطية وهذا هو الذي يجب أن يكون المحور الأساسي لحركتنا في اتجاه واحد نحو بناء الدولة الحديثة , الحديثة بعلاقة أفرادها وباحترام قيمة الإنسان والحرص عليها , وكل هذا ليس له ممعنى في غياب الديموقراطية وعشناه ودفعنا ماهومعروف وغير مألوف من ثمن مادي ومعنوي وإنساني وتخلف وتمزق في ظل الديكتاتورية والإستبداد , والنتيجة العملية التي وصلنا إليها هي أنه لامعنى لحقوق الإنسان ولالكرامة الفرد ولالكرامة الشعب والوطن , ولامعنى لمنظمات المجتمع المدني ولاأي منظمات شكلية لأنها كلها محكومة بحركة الإستبداد التي تلغي الآخر وتحوله إلى رقم وفي أفضل الأحوال إلى عبد.
كلمة أخيرة هي المفتاح الذي يجب أن نملكه لنتمكن من فتح الباب نحو المستقبل , الديموقراطية هي المفتاح الذي يجب أن نصر على التمسك به وبخلاف ذلك لامستقبل لنا جميعا ً ولا مستقبل للمؤمنين والملحدين ولا المحافظين ولا اليساريين ولا الفرد ولا المجموع ولا الدين ولا المذاهب ولا حقوق للإنسان ولاعلمانية ولا نتيجة لغيابها سوى الإنهيار والتخلف والمزيد من العذاب الإنساني الذي أرهقنا جميعا ً وأوصلنا إلى الضياع والإفتراق عن خط التقدم والعصر.....والخطوة الأولى في رحلة المليون ميل هي بدء الحوار.....








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بايدن يوقع حزم المساعدات الخارجية.. فهل ستمثل دفعة سياسية له


.. شهيد برصاص الاحتلال الإسرائيلي بعد اقتحامها مدينة رام الله ف




.. بايدن يسخر من ترمب ومن -صبغ شعره- خلال حفل انتخابي


.. أب يبكي بحرقة في وداع طفلته التي قتلها القصف الإسرائيلي




.. -الأسوأ في العالم-.. مرض مهاجم أتليتيكو مدريد ألفارو موراتا