الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأوضاع الجيوستراتيجية المصرية الحالية بين القوة الناعمة والقوة العسكرية (2)

جميل النجار
كاتب وباحث وشاعر

(Gamil Alnaggar)

2020 / 8 / 22
السياسة والعلاقات الدولية



في الوقت الذي شهدت فيه العلاقات المصرية الأفريقية تراجعاً في عهد مبارك، بعد محاولة اغتيال فاشلة عام 1995 على يد الإسلاميين الإرهابين القتلة في أثيوبيا واجهت السياسة الخارجية المصرية العديد من التحديات التي فرضتها عدة عوامل داخلية وخارجية؛ ألقت بظلالها القاتمة على العلاقات التي تربط مصر ببقية دول القارة الأفريقية.
بالرغم من أن إخواننا الأفارقة لم يكن لهم يد في محاولة الاغتيال. وكان السبب الرئيسي إسلامياً بالدرجة الأولى. فكانت العلاقات المصرية الأفريقية هي الضحية؛ ليبرهن على مدى تغلغل العقلية العربية/الإسلامية/الشرق أوسطية، المعروفة بمشاكلها التي أملتها البنية العقلية العربية/الإسلامية، في الإدارة المصرية وتأثيراتها السلبية على صنع واتخاذ القرار.
وقد أدى ذلك إلى تذبذب العلاقات المصرية الأفريقية بين ازدهار وانحدار على مدى فترات طويلة من الزمن.
وإن بدا ذلك آخذ في التغيير مع التطور الملحوظ في سياسة مصر الخارجية تجاه أفريقيا خلال السنوات الأربع الماضية تحديداً مع وجود بعض الظلال التي أوجدها بناء سد النهضة على النيل الأزرق صاحب حصة الثلاث أرباع كمية مياهنا النيلية دون اتفاق. وهو الأمر الذي إذا حدث؛ سنقع جميعاً في بئر المعاناة، وسوف تزول سمة "الوجه المبتسم على الدوام" من على محيا الشخصية المصرية وابداعاتها.
وخلال عقود الانحدار؛ فشلت مصر في صياغة وجود سياسي/اقتصادي، على مستوى البعد الاستراتيجي الجنوبي/الأفريقي، كان من الممكن أن يؤدي إلى تعزيز الأمن والازدهار؛ عندما نأت بنفسها عن أفريقيا ودول حوض النيل؛ من خلال عدم منحها الأولوية الجيوستراتيجية في إطار سياستها الخارجية وتقليص علاقاتها الاقتصادية والتجارية والثقافية معها.
فصارت مصر اليوم في حالة ارتباك، وباتت شبه عاجزة عن حماية أمنها القومي وحماية مصالحها الحيوية على طول البعد الجيوستراتيجي الأفريقي؛ فتأثرت بذلك كفاءة دبلوماسيتها وباتت السلطات الحكومية شبه عاجزة، ليس فقط في الدفاع عن أمنها ومصالحها في أفريقيا وحوض النيل الحيوي، بل وفي البعد الذي راهنت عليه، وأقصد به الشرق الأوسط بمشاكله السرطانية.
حيث أثبتت السنوات القليلة الماضية؛ أن الدبلوماسية المصرية لم تكن فعالة على الساحة الشرق أوسطية، في ظل تنامي قوة إيران وتدخل تركيا في المنطقة، والصراع الفلسطيني الداخلي (الورم السرطاني في غزة). وصراعها الخارجي مع إسرائيل وتظاهرات الكراهية العربية القديمة/الجديدة المتكررة أمام السفارات المصرية في العواصم العربية. وبدا أن دور مصر في المنطقة آخذ في التدهور، ولم تعد سلطة عظمى يُخشى بأسها.
والحق؛ بأن السياسة الخارجية المصرية بدبلوماسيتها العتيدة لها كل الأعذار، فيما يخص مستنقع الشرق الأوسط، لأن هذه المنطقة لها عقلية خاصة جداً؛ يصعب بل ويستحيل التعامل معها؛ وهذا ما حذر منه كل مصري وطني أصيل؛ فقد بُحت أصواتنا من تكرار توصياتنا بأن نوازن -لا نستبدل- بين البعدين الأفريقي (الأهم) والعربي (الذي يجب أن يأتي في المرتبة الثانية). لأن البعد الجنوبي هو مصدر رخائنا وشريان حياتنا بحق، هكذا تقول الجغرافيا.
فتراجع دور مصر القيادي وإشعاعها الثقافي يعكس ضعفاً بشكل ما في قوتها الناعمة. فلم يعد الأفارقة ينظرون الآن إلى مصر على أنها "النموذج" كما كنا في الماضي القريب. في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي؛ حين أذهلت مصر القارة الأفريقية برمتها بتبنيها سياسة المساعدات اللوجستية الداعمة للتحرر الوطني وتعزيز الحركات المناهضة للاستعمار في جميع أنحاء القارة.
وساعدت مصر هذه الحركات في الاستماع إلى مطالبها في الأمم المتحدة. كما سمحت للعديد من حركات التحرر الوطني من شرق وغرب وجنوب إفريقيا بفتح مكاتب سياسية لها في القاهرة، واستخدام القاهرة كمقر إعلامي لإنشاء محطات إذاعية تبث باللغات الأفريقية. ومع استقلال العديد من الدول الأفريقية، سعت مصر جاهدة لدعم تنميتها من خلال تعزيز التعاون معها في العديد من المجالات. ففي مجال التعليم، على سبيل المثال؛ قدمت مصر منحاً دراسية لطلاب القارة، ما ساهم لاحقا في نقل انتشار الثقافة العربية والإسلامية إلى ربوع أفريقيا، خاصة؛ جنوب الصحراء.
وإن لم تسلم القارة من الآثار الجانبية الموجعة لهذه الثقافة العربية المجيدة؛ فكانت "بوكو حرام" و"الدولة الإسلامية" بأفرعها في الصحراء الكبرى (ISGS)، والتي ظهرت للوجود بعد اندماج حركتي التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا (MUJAO)، والدولة الإسلامية في الصومال (ISS)، بعد انفصلت عن حركة الشباب مجموعة "أبناء الخليفة" التي يقودها عبد القادر مؤمن. صومالي/بريطاني الجنسية، وكينيا، وتنزانيا، وأوغندا (ISISSKTU). وتعرف بجهة شرق إفريقيا.
والدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى بمالي. وهم جميعا يتبعون استراتيجية الانشقاق والدمج حسب مقتضيات الظروف على الأرض. ويتركز مجالهم الحيوي بالقرب من حدود بوركينا فاسو والنيجر ومالي. وكانت أبرز ولاياتهم ولاية غرب إفريقيا الإسلامية التابعة للدولة الإسلامية (ISWAP). وأحدث فصيل لتنظيم الدولة الإسلامية في المنطقة، يعرف بالاختصار" (ISGS.h).
هذا بخلاف الأفرع العربية ويأتي على رأسها لواء الملثمين أو المرابطون (AQIM)، بقيادة مختار بلمختار، قائد القاعدة، سيئ السمعة في بلاد المغرب الإسلامي، والقائمة في بلادنا الموبوءة تطول. ورغم أن أفعال بوكو حرام المشينة هي الأشهر إعلامياً؛ إلا أن الغريب في الأمر أن الجماعات المبايعة للقاعدة تؤتي أفعالاً إجرامية أبشع مما أتته "بوكو".
وبالخروج من هذا الجحيم الخانق لثقافتنا الإسلامية والعودة إلى الحالة المصرية؛ نجد أن الحكومة المصرية قد أنشأت شركة النصر العامة للاستيراد والتصدير في عام 1958 وفتحت لها فروعا في القارة وصل عددها إلى 17 فرعاً؛ بهدف توسيع الوجود الاقتصادي المصري في أفريقيا. والانضمام إلى جهود التعاون القاري مع إنشاء منظمة الوحدة، التي عرفت لاحقاً باسم الاتحاد الأفريقي، والمساهمة في تنمية مشاريع تحديث الدول والمجتمعات في عدد من الدول الأفريقية، وتطوير العلاقات التجارية والاقتصادية معها.
ولم تبد الدبلوماسية المصرية ضعيفة قط كما كانت خلال أزمة اتفاقية الإطار التعاوني لحوض نهر النيل. بعد فشل الجولة الأخيرة من المفاوضات الجماعية في شرم الشيخ وتجاهل الآثار السلبية المحتملة لأعمالها، حيث وقعت خمس دول من دول المنبع اتفاقية تتجاهل الحقوق التاريخية لمصر والسودان في مياه النهر، وهي اتفاقيات دولية سارية لعدة دول.
وخففت الحكومة من حجم المشكلة بالتقليل من شأن الاتفاقية والتأكيد على أنها ليست ملزمة ولا تمثل سوى موقف أقلية صغيرة من دول النيل. ولما أحست مصر بأن معظم دول حوض النيل تبنت الاتفاقية، مما منحها زخماً إقليمياً حقيقياً؛ غيرت موقفها الرسمي، ودعت دول الحوض إلى العودة إلى طاولة المفاوضات، وأرسلت وفوداً إلى بعض العواصم في المنطقة. بدت دول المنبع وكأنها تتبنى مواقف مختلفة تراوحت بين الاحتياط الشديد والازدراء والاستخفاف من قبل بعد الدول الأفريقية، حيث نشرت إحدى صحفنا المصرية قصة رفض الرئيس الكيني إدراج الاتفاق على جدول أعمال القمة الرئاسية الكينية المصرية، بينما كانت كينيا آخر من وقع الاتفاقية).
وفي ظني بأن أسباب ضعف الدبلوماسية المصرية تتمثل في عدم وجود دور مصري نشط وفعال في حوض النيل ومحدودية العلاقات الاقتصادية والتجارية والثقافية مع دوله. بالإضافة إلى عدم الكفاءة،
وتعاملنا باستخفاف مع التصريحات المتكررة للمسؤولين الإثيوبيين والأوغنديين الرافضين لـ "الاستيلاء" من قِبل مصر والسودان على النيل؛ حسب تصريحاتهم. رابعا؛ تصرفت الدبلوماسية المصرية بمنهجية "ما بعد حلول الكارثة" من خلال التركيز على الإجراءات السريعة بدون استراتيجية واضحة والتعامل مع العواقب لا الأسباب؛ وهي استراتيجية تعكس تخبطنا في أوقات الأزمات؛ والناتج بالأساس عن العشوائية في التخطيط، تلك التي ورثتها لنا أفكار العقلية الشرق أوسطية.
فهل معنى ذلك أننا سنشهد لحظات تراجع كبيرة وفارقة في دور مصر في محيطيها الشرق أوسطي والأفريقي معاً؟ خاصة؛ بعد أن أصبح الجميع، خاصة؛ دول هذه المنطقة الموبوءة بأفكارها ومشكلاتها المتقيحة، الآن؛ ينظرون إلى مصر كأي دولة أخرى، لم تعد مؤهلة لممارسة دور الريادة والقيادة. رغم أن البعض من المسؤولين الحكوميين يشيدون، ببعضٍ من مساحيق التجميل، إلى هذا الدور المرموق (بتاريخها الطويل) ونحن في ظل أزمة حقيقية تخص اتفاقية الإطار التعاوني لحوض نهر النيل وانعكاساتها الخطيرة على توزيع مياه النيل وحصة مصر منها.

وللحديث بقية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عاجل.. شبكة -أي بي سي- عن مسؤول أميركي: إسرائيل أصابت موقعا


.. وزراءُ خارجية دول مجموعة السبع المجتمعون في إيطاليا يتفقون




.. النيران تستعر بين إسرائيل وحزب الله.. فهل يصبح لبنان ساحة ال


.. عاجل.. إغلاق المجال الجوي الإيراني أمام الجميع باستثناء القو




.. بينهم نساء ومسنون.. العثور جثامين نحو 30 شهيد مدفونين في مشف