الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الامبراطورية الامبريالية الاميركية اليهودية في طور التآكل الذاتي والسقوط

جورج حداد

2020 / 8 / 24
العولمة وتطورات العالم المعاصر


إعداد: جورج حداد*


في التجربة التاريخية ان اي امبراطورية عالمية كان بامكانها الاستمرار بالوجود طالما انها قادرة على التوسع المتواصل على حساب الشعوب والبلدان الاخرى، مستخدمة المبدأ الروماني القديم "فرّق تسد". وحينما تتعطل تلك الامكانية تبدأ مرحلة العد العكسي لوجود تلك الامبراطورية. والولايات المتحدة الاميركية ليست شذوذا عن هذه القاعدة، بل هي تأكيد معاصر لها.
فمع انهيار الاتحاد السوفياتي والمنظومة السوفياتية السابقين، في العقد العاشر من القرن الماضي، طويت صفحة الانقسام العالمي الى قطبين (شرقي بقيادة روسيا وغربي بقيادة اميركا)، وطرحت الادارة الاميركية حينذاك، في عهد جورج بوش الاب، شعار "بناء النظام العالمي الجديد" ذي القطب الاوحد: الاميركي.
ومنذ ذلك العهد، وفي كل العهود التي اعقبته، فإن مجمل السياسات الاميركية كان يتمحور حول مهمة جيوستراتيجية اساسية هي: بناء وتوسيع الامبراطورية الامبريالية العالمية الاميركية بمذنبها اليهودي، التي تطمح الى الهيمنة على العالم بأسره وتحويله الى ملحق او تابع لاميركا.
ولهذه الغاية وضعت الطغمة المالية الاميركية ـ اليهودية نصب عينيها مهمتين رئيسيتين:
الاولى ـ التخلص من الكابوس التاريخي الذي تمثله مقاومة روسيا للغرب (منذ روما القديمة وحتى هتلر) وذك بالعمل لتحطيم القوة العسكرية لروسيا وتخريب اقتصادها وتدمير مجتمعها وتجويعها وتقليص عدد سكانها الى ما لا يزيد عن 50 مليون نسمة كما خطط سبيغنيو بريجينسكي، وفي الاخير تحويل روسيا الى رقعة جغرافية كبيرة تكون مصدرا للطاقة ومنجما كبيرا للخامات التي يجري تصنيعها في اوروبا، وتجني اميركا الارباح منها، ولا تبقي لاوروبا الا الفتات.
والمهمة الثانية هي ـ تحطيم الهالة الحضارية للشرق الاوسط بوصفه مهد الابجدية وامهات العلوم الاساسية، ومهد المسيحية التي اصبح يدين بها الغرب ذاته، وذلك بالاحتلال الاميركي المباشر لبلدان الشرق الاوسط وتمزيق شعوبه وتفتيتها، وفرض الداعشية الهمجية عليها لنزع اي صفة حضارية عنها، وكل ذلك لتبرير تحويل الشرق الاوسط الى حقل كبير للنفط والغاز الذي تسيطر عليه اميركا (واسرائيل واليهودية العالمية) سيطرة تامة وتتحكم بواسطته بالاقتصاد الاوروبي والعالمي.
ولكن الجيوستراتيجية التوسعية الاميركية تعرضت لنكستين كبيرتين:
النكسة الاولى هي ان التيار القومي ـ الاورثوذوكسي في روسيا، بقيادة فلاديمير بوتين، اسقط حكم يلتسين الخائن الذي كان فاتحا ابواب روسيا امام العصابات الاميركية والغربية واليهودية. ودخلت روسيا في طور استقلالي جديد من تاريخها، معاد بشكل خاص للامبريالية الاميركية ـ اليهودية.
والنكسة الثانية كانت في الشرق الاوسط الكبير، وتجسدت في صمود الثورة الاسلامية في ايران وتنطحها لمقارعة سياسة التوسع الامبريالية الاميركية ـ اليهودية، في منطقة الشرق الاوسط بأسرها.
وبالرغم من الاختلاف الكبير، الديني والايديولوجي والسوسيولوجي، بين روسيا وايران، فقد تعاونتا بينهما تعاونا وثيقا يلبي المصالح الوطنية للبلدين ويساعدهما على الوقوف معا بوجه سياسة التوسع الامبريالي الاميركي ـ اليهودي.
وادى التعاون الوثيق والنزيه بين روسيا وايران الى تحقيق انجاز جيوستراتيجي هائل وهو استقطاب العملاق الصيني الى جانبهما. وبذلك تشكلت النواة الاولى الكبرى لـ"المحور الشرقي الجديد" (روسيا، الصين وايران)، الذي اصبح يمثل عاملا رئيسيا في الجيوستراتيجية العالمية، والذي يقف بصلابة منقطعة النظير بوجه السياسة التوسعية العدوانية للامبريالية الاميركية ـ اليهودية، ويقف عقبة كأداء امام مطامحها الامبراطورية.
وبنتيجة هذه التطورات الكبرى على الساحة الدولية بدأت مختلف الدول والبلدان، بما فيها دول اوروبا الغربية الحليفة التقليدية لاميركا، وخاصة المانيا وفرنسا، ـ بدأت تحاول التملص من التبعية والخضوع لاميركا التي ظلت تصارع لفرض الهيمنة الاحادية على جميع دول العالم.
وحينما بدأت الدول والشعوب والاراضي والموارد التي كانت اميركا تطمع في "ابتلاعها" تتمرد على الاملاءات الاميركية، واخذت تصبح، بهذه الدرجة او تلك، صعبة على الابتلاع من قبل الامبراطورية الامبريالية الاميركية، بدأت هذه الامبراطورية توجه سهام نزعتها التسلطية الاستبدادية نحو داخلها بالذات. والحالة التي تمر بها الولايات المتحدة الاميركية الان ليست فريدة، بل هي حالة نموذجية لكل امبراطورية دخلت في مرحلة الانحطاط.
وفي حين ان دول المحور الشرقي، والى جانبها العديد من الدول الاخرى، بدأت تنهض اقتصاديا وسياسيا وعسكريا، رافضة التحول الى مصدر للموارد تابع للامبراطورية الاميركية، فإن اميركا اخذت توجه نزعتها التوسعية "داخليا"، ضد حلفائها، بل وضد سكانها انفسهم. وبدا ذلك بشكل صارخ في الحملة التي شنتها ادارة ترامب ضد نظام الضمانات الاجتماعية في اميركا. وتسعى الطغمة الامبريالية الاميركية لانتزاع المزيد من الاموال من الحلفاء ومن المواطنين الاميركيين للتعويض عن خسائرها الواقعية والافتراضية، ولتأخير الانهيار التام لنظامها العالمي الجديد القائم على الاحادية القطبية لاميركا، وتأخير ظهور نظام عالمي بديل متعدد الاقطاب.
ولكن هذا الارتكاس الاميركي الى الداخل واجه ردود فعل شعبية اميركية تجلت بشكل خاص في الحركة الاحتجاجية التي اندلعت في نيويورك ثم في سائر المدن الاميركية سنة 2011، واخيرا حركة الاحتجاجات العنيفة التي اندلعت منذ ثلاثة اشهر ضد قيام الشرطة الاميركية بقتل مواطن اميركي من اصل افريقي بطريقة تعسفية ووحشية. وقد سقط في تلك المظاهرات عدد من القتلى برصاص الشرطة الاميركية، التي تلقت الدعم الكامل من ادارة ترامب. وتم اعتقال الالوف. وهذا كله ينسف اكذوبة "الدمقراطية الاميركية".
وعملت السلطات الاميركية دوما على تشويه وتزييف وتزوير الاسباب الحقيقية لحركة الاحتجاجات في اميركا، والادعاء بأنها انما تتم بفعل التدخل الخارجي، ولا سيما الروسي، في الشؤون الداخلية الاميركية. ولهذه الغاية افتعلت السلطات الاميركية اكثر من مرة الازمات الدبلوماسية مع روسيا، وطردت بشكل مسرحي عشرات الدبلوماسيين الروس، وضيقت الخناق على عمل الصحفيين الروس في اميركا. وفي هذا الصدد نشير الى ان الباحث الجيوسياسي الاميركي المشهور فريدريك وليام اينغدال اجرى بحوثا مؤثرة، برهن فيها ان الاضطرابات والحركات الاحتجاجية في اميركا ليست ـ كما تدعي الادارة الاميركية ـ وليدة تدخلات واسعة النطاق في الشؤون الاميركية لمواجهة المصالح الخاصة لاميركا، انما بالعكس هي نتيجة حتمية للمساعي المحمومة لواشنطن لتحقيق المصالح الخاصة للامبريالية الاميركية.
والواقع الذي لم يعد بالامكان تجاهله هو ان العالم بأسره بدأ يتملص بالتدريج من نير الزعامة الاميركية الشاملة. وقد توصلت شعوب ودول عديدة الى تحقيق هذا الهدف ليس فقط بتقديم الشكاوى الكثيرة الى الامم المتحدة، بل بعملها لتقديم بديل عن نظام الهيمنة الذي تقترحه اميركا على العالم. والصين هي افضل مثال على الدولة التي راهنت على تطوير الصناعة والبنية التحتية بوصفها بديلا لـ"التوظيفات" الاميركية، وتوريد الاسلحة المنفوخة الثمن اضعاف سعرها الحقيقي، والتدخل السياسي المكشوف في شؤون الدول الاخرى. فبدلا عن ذلك يقوم الصينيون ببناء السدود، والسكك الحديدية، والمصانع، ويزودون شركاءهم بالاسلحة بدون ان يفرضوا عليهم اية تقييدات او شروط سياسية.
ومن جهتها تعرض روسيا على الدول في جميع انحاء العالم بدائل تبدأ بالتزويد غير المشروط بالاسلحة بالاسعار العادية، وبالوقود، وتصل الى اقتراح تشكيل التحالفات التجارية والاقتصادية والامنية التي تحفظ مصالح جميع الاطراف.
وبالرغم من الحصار والعقوبات الاميركية الشديدة، تقوم ايران بتقديم المساعدات النزيهة للدول والشعوب التي تناضل ضد الهيمنة الاميركية ـ الاسرائيلية. وقد قامت في الاشهر الاخيرة بتحدي اميركا وجها لوجه بارسال المساعدات الى الشعب الفينزويلي المحاصر والمظلوم.
ان مشكلة اميركا هي انها منذ وقت غير قصير اخذت تتخلى عن البناء والانتاج، وان تركز جهودها على الاكراه، والاستغلال، والاستيلاء على موارد الغير، والمكائد والالاعيب المالية.
ولكن كل ذلك قد انقلب سلبا على اميركا حينما بدأ الاخرون بالبناء وانتاج السلع الضرورية والاسلحة، وبدأوا يعملون لحماية بلدانهم وشعوبهم من نظام الاحتيال المالي واللصوصية الاميركية، وتوصلوا الى انشاء انظمة مدفوعات، بديلة عن نظام الدولار، وتؤدي الى تمويل المشاريع الواقعية الآيلة الى التقدم الحقيقي.
والواقع ان هذه السيرورة التحريرية هي التي تحولت الى العامل الجيوسياسي المهيمن في عالمنا المعاصر، في حين ان الامبراطورية الامبريالية الاميركية ومذنبها اليهودي تسير نحو السقوط. ولن يجديها نفعا انقضاضها من حين الى اخر على خصومها، وعلى حلفائها واخيرا على سكانها بالذات.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
*كاتب لبناني مستقل








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قوات الاحتلال تقتحم بلدة شرقي نابلس وتحاصر أحياء في مدينة را


.. قيادي في حماس: الوساطة القطرية نجحت بالإفراج عن 115 أسير من




.. هل باتت الحرب المفتوحة بين إسرائيل وحزب الله أقرب من أي وقت


.. حزمة المساعدات الأميركية لأوكرانيا وإسرائيل وتايوان..إشعال ل




.. طلاب جامعة كولومبيا الأمريكية المؤيدون لغزة يواصلون الاعتصام