الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الكون الواسع والعقول الضيّقة 20

مؤيد الحسيني العابد
أكاديمي وكاتب وباحث

(Moayad Alabed)

2020 / 8 / 24
الطب , والعلوم


The vast universe and narrow minds 20

جاذبيّة الثّقب الأسود والزّمن 2

فكرة الجاذبيّة كفكرة مسليّة جداً كما أستشعرها! لاحظ كلمة الجاذبيّة: من الفعل جذبَ إي قرّب إليه! يا سلام كم هي جميلة الجاذبيّة! تصوّر وأنت تقف في مكان ما وهناك من يجذبك (أقصد من تجذبك!) بنظرة بارزة حاذقة ناكزة تحرّك خوالجك كلّها فتقوم بكتابة قصيدة عصماء، سيقال عنها: من نظرة واحدة جَذَبَتْه، فكتب القصيدة! واوووو!
هل تعلم أنّ مثل هذا الفعل يكون في الثّقب الاسود! إلّا من قصيدة! فلا شاعر يكتب ولا إحساس يظهر!لكنّ المشكلة حول الجاذبيّة المذكورة ليس في الثّقب الأسود بل في نظريّة تعدّد الأكوان، حيث، حين تعدّدها ستضيع الجاذبيّة من خلال ضعفها كما تقول ليزا راندال. كما أشرت الى ذلك في الحلقة السّابقة (إذا انتشرت الجاذبيّة عبر أبعاد إضافيّة كبيرة، سوف تضعف قوتها).
كيف يكون الكون متعدّداً؟
عند الحديث عن النظريّة الكميّة يكون حديثا جميلا بنكهة الكمّ!
إذا تحدثنا عن الكون المتعدّد (سنتحدّث عن ضعف الجاذبيّة ولو أنّها مشكلة عويصة لا نريد أن نركّز عليها، ولكن إضطراراً دعنا قليلاً نتحدّث عن تعدّد أكوان لا كون واحد!) فوجب أنْ نتطرّق الى التسلسل الزّمنيّ من وجهة نظر نظريّة الإنفجار الكبير مرّة، ومن وجهة نظر فرضيّة أخرى لا علاقة لها بهذه النظريّة كي يكون الحديث شاملا ومنطقيّا وفق التصوّر العقليّ الطبيعيّ (إذا إستثنينا الجانب الوجدانيّ أو الفطريّ أو الجوانب الأخرى، وهي مهمّة لا تقلّ أهميّة عن الجانب العقليّ بإعتبار أنّ العقل ليس في كلّ الظروف تكون النتيجة من خلاله إيجابيّة إلى حدّ الإطلاق أو كاملة، تامّة).
لقد أشارت نظريّة الإنفجار الكبير إلى التسلسل الزّمنيّ لنشأة الكون بإعتبار مراحل تكوينه عبارة عن تأريخيّة وجوده أو خَلْقه. وكذلك الإشارة إلى مستقبل الكون من نفس تصوّر هذه النظريّة.
لقد ذكرنا، أنّ عمر الكون وفق النظريّة المذكورة حوالي 13.8 مليار سنة أو 13.4 مليار سنة (حسب المصادر المتعدّدة في الإصدار وفي التنوّع او التعدّد في الحسابات أو القراءات) بمستوى من الدقّة تصل إلى 68% وتكون عمليّة التكوين بخمس مراحل، لا يهمّني منها سوى إثنتين في بحثي هذا. المرحلتان هما المرحلة الأولى، مرحلة فترة بلانك والمرحلة الخامسة هي الفترة الحاليّة.
هذه الفترة او المرحلة هي مرحلة النشوء ما بعد الخَلْق مباشرة حيث كانت درجة الحرارة فيها عالية جداً الى الدرجة التي لم يكن للجسيمات مادون الذرية قدرة على التشكّل، وقد إعتقد العلماء على أنّ هذه المرحلة هي مرحلة التوحّد الكامل للقوى الأربع، وهي الجاذبيّة والكهرومغناطيسيّة والقوّة النوويّة الضعيفة والقوّة النوويّة القويّة. لكن يبقى السؤال المهم هو كيف كان فعل الجاذبيّة ضمن هذا التكوين والذي تمثّل بقوّة (أو جزء القوّة آنذاك!) ترتبط مباشرة بالمادّة والتي مازالت المادّة قد تشكّلت بها ومعها؟! إن كان الحديث عن الخلق كخلق فلا يمكن الا ان افصل بين المادّة والجاذبيّة، وأمّا إن كان الخَلْق وفق التصوّر الوجوديّ العلميّ الذي يستند أو ينبغي أن يستند إلى القوانين الكونيّة فسيكون لدينا مادّة مع خاصيّتها المسمّاة بالجاذبيّة!
تقول النظريّة التي تتطرّق الى تعدديّة الكون أو الأكوان المتعدّدة إلى أنّ كوننا الحاليّ ما هو إلّا جزء صغير من أكوان متعدّدة مع خلفيّة متضخّمة إلى الأبد، تولّد بإستمرار ما يطلق عليها باكوان جيبيّة
pocket universes
تشبه كوننا الحاليّ! والغاية من هذا التّوضيح يقول جوث:(إذا كان هذا هو الحال،حتى لو كنّا مقتنعين بأنّ هناك عالماً جيبيّاً فرديّاً فسيموت هذا الكون (أو سيموت هذا العالم!) في نهاية المطاف من خلال التّبريد. فستكون الأكوان الأخرى المتعدّدة (بإستثناء كوننا الذي له المميّزات المذكورة والتي وصل بها إلى الموت الحراريّ!) مستمرّة في العيش إلى الأبد! مع خَلْق جديد لحياة جديدة في كلّ عالم من العوالم الجيبيّة، ويقصد بذلك بالأبديّة، هو المستقبل القادم غير المعروف وإن كان بصفة الأبديّة كجزء من الفرض العام بالإستمراريّة!
لماذا التطرّق إلى الكون المتعدّد ثانيةً؟!
الجواب لأنّني عوّدت القاريء الكريم على تفكيك المسائل واحدة تلو الأخرى. فلو مررت إلى نتائج مهمّة حول الزّمن على أساس الكون الواحد، فينبغي أن أطرح النموذج أو الفرضيّة الأخرى التي أشرت إليها سابقا بغير تفصيل، خاصّة عند الحديث الآن عن الجاذبيّة التي تكون جزءًا من تركيب المادّة، والتي سأتطرّق إليها بشيء من التفصيل. وكذلك أشير إلى الزّمن في الكون المتعدّد وبالتالي إلى اللازمن في مثل هذا النّموذج من الكون المتعدّد.
في حالة فرضيّة الكون المتعدّد حقيقياً (وفق الواقع الفرضيّ طبعاً) وفق النظريّة الكميّة، التي تعتبر من النظريّات الأقرب إلى الواقع الفيزيائيّ الخاصّ والعامّ إلى حدّ كبير. على الأقل في الوقت الحاليّ! ففي حالة كون التعدديّة في الكون موجودة، سيكون لدينا إحتمالان: الأوّل: إنّ هذين الكونين (أو أكثر من إثنين)، يكونان متماثلين في التكوين، بحيث يكون وجود مواصفات جسم في أحدهما يؤدي إلى وجود نفس المواصفات لجسم آخر في الكون الآخر. والإحتمال الثاني: إنّ الكونين (أو أكثر) يكونان غير متماثلين، أي يكون الجسم في إحدهما بمواصفات تختلف عن مواصفات جسم توأم له في كون آخر (أو أكثر من كون). حينها ووفق الإحتمال الأوّل، سيكون هناك زمن لحدث ما في الكون الأوّل هو نفسه في الكون الثاني. وبالتالي سيكون الزّمن هو هو (ذلك المرتبط بالمكان كما هو زمننا الذي نتحدث عنه دائما). أمّا الزّمن الذي أسمّيه ذاتي الإنتساب أي غير المرتبط بالمكان، سيكون هو هو، لا علاقة له بأيّ مكان، إن كان في الكون الأوّل أو في الكون الثاني. لأنّ جنسه هو هو، بتعريف ذاتيّ محوريّ دلاليّ من خلال مسمّاه وتكوينه ووجوده... وبالتالي سيكون من خلاله، اللازمن كذلك، قد وجد منذ ما قبل زمن حدوث الحدث ويكون هو نفسه اللازمن في الكون الآخر!

أمّا إذا كان الإحتمال الآخر فسيكون هناك زمن بمواصفات خاصّة، ويكون هناك زمن آخر، لا علاقة له بالزّمن الأوّل بمواصفات خاصّة به. تختلف عن مواصفات الزّمن الأوّل. وبالتالي سنتعامل مع زمن بعلاقات وفق ظروف خاصّة بالكون الأوّل وزمن بعلاقات وفق ظروف خاصّة بالكون الثانيّ. حيث لا علاقة للمكان بأيّ مسمّى من مسمّيات الزّمن في أيّ كون من الأكوان! ونتعامل من خلال نظريّتنا الكميّة، إن أخذناها بنظر الإعتبار لغرض تقريب التفسيرات المطلوبة (بإستثناء علاقة الزمن المرتبط بالمكان!)، حيث تكون نظريّة الكمّ من النظريّات الناجحة على المستوى العلميّ وتفسّر سلوك الأجسام الصّغيرة جدّاً. حينها ستكون هذه النظريّة دليلا مهمّا لنا بالرغم من بعض المميّزات التي لا تستطيع هذه النظريّة حلّها عند الحديث عن الزّمن المتفرّد الذي لا علاقة له بالمكان!
حينما يتمّ الحديث عن النظريّة الكميّة في هذا المجال يكون من الضروريّ الإشارة إلى أنّ هذه النظريّة تتعامل مع تنبؤات، للعديد من الظواهر (كما يشير إلى ذلك العديد من أهل الإختصاص) كشكل الجزيء والتفاعلات التي تتمّ بالضوء، ومن خلاله، ويتمّ التعامل مع كلّ ذلك من خلال الصفة الموجيّة للأشياء أو المواد المتفاعلة، ومنها الضّوء بصفته الموجيّة للقيام بالدّراسة المهمّة للدّالة الموجيّة للفوتونات الضوئيّة.
لقد تطرّقنا إلى النظريّة الوتريّة وفرعها الذي يبحث في النظريّة المتعلّقة بتعدّد الأبعاد. لكنّ الذي أريد قوله هنا أن ليس حديثي عن تعدّد الأكوان وبالتالي لا يكون الحديث عن تعدّد الفرضيّات في تعدّد الزّمن الذي ذكرته آنفا، إلّا لكي أقول أنّ الأبعاد المتعدّدة لا يعنى بها الأبعاد الأربعة المكانيّة أو الخمسة المكانيّة، والتي بالتالي يسري عليها ما يسري على تعدّد الأكوان بأيّ عدد من الأبعاد. المسألة ليست هكذا. بل في أنّ التعدّد المفهوميّ للزّمن يأتي إفتراضًا لا واقعًا، مطلقا كما أشار إليه بعض العلماء، وفي مقدمتهم ألبرت أنشتاين.
يقول كلاوزة في فرضيّته التي أصبحت جزءاً من نظريّة النسبيّة العامّة (كما أعتقد من خلال الكثير من الآراء التي طرحها على أنشتاين وقد حاول الجمع ما بين القوتين الجاذبيّة والكهرومغناطيسيّة في مجال البحث عن نظريّة المجال الموحّد. حيث تطرّق إلى الأبعاد الخمسة ماعدا أبعاد المكان والزمان المعروفة): هناك عناصر لنظريّة خماسيّة الأبعاد: العنصر المتريّ أو القياسيّ،معادلات المجال،معادلات الحركة، تنسور الجهد ـ الطاقة والشرط الإسطوانيّ. مع عدم وجود بارامترات حرّة، فيوسّع النسبيّة العامّة إلى خمسة أبعاد. ولا أريد أن أسهب في آراء كلاوزة كي لا يدخل إليك الملل! فله آراء حلوة بحلاوة ما يحلو بعينك الكريمة! لكن أقول أنّ الأبعاد الإفتراضيّة تلعب دورا مهمّا في فهم الزّمن وحتى اللازمن. وهذا الموضوع (أقصد تعدّد الأبعاد والزّمن، الذي ربّما يكون متعدّدا كذلك في تعدّد الأكوان! كما ورد أعلاه)، موضوع حسّاس أي ذو حساسيّة تجعل أصحاب الفيزياء النظريّة في عِطاس وزكام دائم لا يقوى أحدهم على تحمّله كما أعتقد! حيث أنّ كلّ الإنطلاقات التي أشرتُ إليها هي بالإعتماد على زمن واحد وزمن ثابت وهو بُعْدٌ من الأبعاد. حتى في حالة كون الأبعاد المكانيّة تعدّدت، فهو يبقى متفرّدًا سيّدا مستقلاً (طبعا ليس كإستقلال بعض الدول التي يلعب بها المحتلّ بينما سياسيّوه يتكلمون عن لغز لا يعرفونه، إسمه السيادة والإستقلال! حتى باتوا نكتة على لسان الكثير من الناس!
أقول أنّ الزّمن هنا كما أوردته سابقا في تعدّد الأكوان يفترض علي القول أنّ هناك إمكانيّة أن يتعدّد الزّمن. إمّا في الأكوان المتعدّدة أو في الكون الواحد حين الحديث عن زمن أوّليّ وزمن أخرويّ أو زمن داخليّ وزمن خارجيّ في بعض الحلقات التي أشرتُ فيها إلى زمن الرؤيا المناميّة أو السهو حين اليقظة! وهكذا. والحديث عن تعدّد الأكوان لا يكون بعيدًا عن ذهننا ونحن نعيش في كوننا الطّيب هذا! ولكنّ هذه الأكوان غير مرئيّة ولا يمكن الوصل إليها.
وأشير هنا إلى سؤال:
في مرحلة اللازمن، كيف كان الكون؟
لقد أشرنا إلى الفرضيّة التي نعتقدها، وهي مرحلة اللازمن، وهي المرحلة التي لم يكن فيها الكون قد بدأ بالتكوين من خلال نظريّة الإنفجار الكبير. وفي مرحلة اللازمن يكون الكون قد إمتلك خواصًا تختلف عن خواصّ الكون المتداولة جميعها إلّا من جانب واحد هو عكس ما نشأ عليه الكون في مرحلة إستعداده. وهي المرحلة التي كان فيها الزّمن ذاتيّا لا علاقة له بالمكان الذي أشرنا إليه في حلقات سابقة. والتساؤل الآن كيف يكون الكون ويكون الحديث عنه وهو بعدُ لم يتكون حتى من الناحية الفلسفيّة؟! الجواب، ما نعنيه هو هذا التكوين الذي نتحدّث عنه عموما وليس هذا الذي نحن فيه، ونحن جزء منه في الحاضر. حيث كما يقول كرايغ كاليندر# (لا تخبرنا معادلات الفيزياء عن الأحداث التي تحدث الآن - فهي مثل خريطة بدون الرمز (أنت هنا)) وهو يقصد أنّ كل ما يتطرّق له في الفيزياء والعلوم الأخرى إنّما هو عن ماض قدّ ولّى! ربّما يتكرر بنفس الظروف (إلّا من الزّمن طبعاً!) فتكون النتائج قريبة إلى واقع التصديق، أو لا تتكرر الظروف فيكون عند ذاك نتائج غير تلك الظاهرة والتي لا تنطبق على الوضع الجديد تماماً.
مرحلة اللازمن
يمكن أن نعرّف مرحلة اللازمن على أنّها المرحلة التي تسبق الخَلْق ومابعد عمليّة التفاعل الذهنيّ لإيجاد الشيء وخلقه. اللازمن لم يكن فيه الزّمن موجودا بإعتبار أنّ الزّمن يبدأ ( إن كان مستقلاً ذاتاً أو مرافقاً للمكان أو لأيّ شيء آخر!) مع وجود أو إنبثاق الحدث. إلّا الخالق تعالى فلا مراحل عنده وفق قياس يتفرّد به هو تعالى من أمر، كُنْ فيكون.
ماهي ظروفها؟
للبحث عن وضع المادّة في تركيبها الأساس (إن كانت هي هي في تلك المرحلة بإعتبار أنّ المادّة إرتبطت على لسان العلماء بوجود الكون بإعتبار أنّ المادّة أو الشيء، أساس ذلك الكون أو الوجود) حينما كانت تلك المادّة عبارة عن تركيبات إفتراضيّة من تكوينات تشبه جزيئات وذرّات عالمنا (تصوراً طبعاً!) وكانت درجات الحرارة في الهاوية، أي تحت درجة الصّفر المطلق (يعبّر عن الصّفر المطلق في الفيزياء على أنّه درجة الحرارة التي ينعدم فيها ضغط الغاز المثالي والتي تكون فيها طاقة ذرّات المادّة أقلّ قيمة، ولتقريب المفهوم لتلك الدرجة نقول أنّ درجة حرارة الغرفة مثلاً 25 درجة سلزيوس أمّا في قياس كلفن الذي يتضمّن الصّفر المطلق فتكون درجة حرارة الغرفة المطلقة حوالي 300 كلفن بإضافة 273 تقريبا لل25 والحديث تقريبيّ في حسابنا!حيث المجموع 298 مع الكسر المتعارف عليه 0.16) إنتبه الى ذلك حيث تكون قوانين الثرموديناميكا في قانونها إلى أن درجة الحرارة لا يمكن أن تصل إلى الصّفر المطلق تماماً
من حقّ السائل أن يسأل وماهو الدليل على هذا الطرح الذي أطرحه حول موضوع مادون الصّفر المطلق ومتعلّقاته؟!
أقول:
ليس سهلا الحديث عن درجة حرارة مادون الصّفر المطلق، خاصّة إذا ما علمنا أنّ قانونا من قوانين الديناميكا الحرارية يرفض أن يصل بدرجات الحرارة لأيّ مادّة من المواد (من خلال الغاز المثاليّ إلى المواد الأخرى) الى مادون الصّفر المطلق. أيّ وفق قياس كلفن لدرجات الحرارة يكون من غير الممكن الوصول إلى درجة مثل هذه الدّرجة، والسّبب أنّ حركة جزيئات الغاز عند الصّفر المطلق والتي تعتبر معيارا لقياس سلوك الغازات، تكون كلّما كان الغاز أكثر برودة كلّما كانت حركة الجزيئات أبطأ. وفي حالة الصّفر المطلق تتوقّف الحركة الفوضويّة تمامًا وتختفي جميع الإضطرابات. ويقول الفيزيائيّون أن لا شيء يمكن أن يكون أكثر برودة من الصّفر المطلق على مقياس كلفن. ونشير إلى أنّ الوصول إلى ما دون درجة الصّفر المطلق وفق مقياس كلفن يشير إلى وصول إلى درجة سالبة في القياس. وهذا الأمر دفع الفيزيائيين إلى البحث عن سلوك للغاز يخضع فيها لهذه الظروف. وبالفعل قد حصل هؤلاء على غاز ذريّ في المختبر يحتوي على قيم كلفن سالبة غريبة. حيث لم يحدث أيّ إنهيار للغاز حينما بدأت ذرّات الغاز تجذب بعضها البعض فنشأ ضغط سالب. وهذه السلوكيّات تفسّر لنا إفتراضًا، ما يحدث عند وجود الطاقة المظلمة. وحينما يكون الحديث عن الطاقة المظلمة يجب أن نتوقّف قليلا عند تلك المميّزات لتلك الطاقة لأنّها نافعة لنا في وضع التعريف المناسب للزّمن ولاللازمن.
لماذا الطاقة المظلمة والزّمن واللازمن؟
حينما نتحدّث عن وصول الغاز الى مادون الصّفر المطلق وتمتّعه ببعض المميّزات غير المتعارف عليها في المنطق الثرموديناميكيّ (كما كان الحديث عن القانون المعروف) يكون لزامًا علينا أن نفهم أنّ درجات الحرارة في مقياس كلفن ليس هو المطلق الذي يمكن أن نقول أنّه المقياس الذي لا يمكن أن نتجاوزه إن كان للغازات او للمواد الأخرى. ولدراسة سلوك الجزيئات في ظرف معيّن يجب القول أنّ الحركة التي يمتلكها الكمّ الجزيئيّ تتوزّع بشكل غير منتظم. أي أنّ الطاقة الحركيّة ليست متساوية لجميع الجزيئات. فلو إرتفعت درجة الحرارة تدريجيّا سيكون لدينا سيل من الجزيئات التي تختلف في طاقاتها الحركيّة وتختلف كذلك في درجات حراراتها. أي يمكن للمرء أن يقدّر قياسا ما معنى أن تكون درجة الحرارة سالبة هنا!
لقد أكّد شنيدر بتعليق حول توزيع بولتزمان المقلوب والذي يعتبر الصفة المميّزة لدرجة الحرارة المطلقة السالبة، بقوله (ولكنّ الغاز ليس أبرد من صفر كلفن ولكنّه أكثر سخونة من أيّ درجة حرارة موجبة، حيث يكون مقياس درجة الحرارة ببساطة، بحيث لا ينتهي عند اللانهاية، لكنّه يقفز إلى القيم السالبة بدلا من ذلك). وهنا يقول الفيزيائيون (لا يمكن تحقيق درجة حرارة سالبة إلّا مع حدّ أعلى للطاقة). وسنعود إلى هذه العلاقات في حلقة قادمة إن شاء الله تعالى.
لكنّ الذي أثرته هنا، أين الزّمن من هذا؟ لقد أشرت في حلقة سابقة إلى أهميّة العودة إلى الطاقة المظلمة والمادّة المظلمة:لقد قلت أنّ الطاقة المظلمة المستقرة يعبّر عنها بقوّة مفترضة تسرّع من تمدّد الكون وأنّ المادّة المظلمة أو السّوداء تشكّل %25 من الكون بينما تمثّل الطاقة السّوداء %70. والإشكاليّة التي يعاني منها العلماء هو عدم قدرتنا على رؤية المادّة المظلمة ولا الطاقة المظلمة. بل يمكن لنا القول إنّ ما إكتشف أقلّ بكثير من ذلك المخفيّ عنّا!ومازالت المادّة المظلمة والطاقة المظلمة لغزا أو لغزين! لكنّ ذلك لا يعني أنّنا لا نقرّ بوجودهما لأنّ البراهين الرياضيّة العديدة تثبت الوجود المذكور. ولو أجرينا الآن المقارنة ما بين وضع جزيئات الغاز وهي في وضع تحت الصّفر المطلق وبين المجرّات التي تعتبر من خواصّها المهمّة أنّ المادّة المظلمة أو السّوداء تسمح للمجرّات بالتواجد. ومع وجود الجاذبيّة في تلك المجرات سيكون هذا التجاذب ما بين مكوّنات المجرّة في وضع المادّة المظلمة، بحيث يكون بعكس الخاصيّة آنفة الذكر عن جزيئات الغاز الذريّ الذي أنتج ضغطا سلبيّا، وبالتالي يكون للزّمن معنى آخر بإعتبار الزّمن منطلقا إلى الأمام إلى المستقبل (بالمعنى التقليديّ!). وهنا سيكون للزّمن معنى آخر وهو نوع آخر من معاني الزّمن حيث التجميد أو التبريد، وبعدم وجود الضوء المحفّز على الحركة (حيث وجود خاصيّة الظُلمة يؤدّي إلى أنّه لا يكون إنعكاس للضوء المارّ من خلال التكوين المجرّي ولا يتم إنبعاثه. ووجود المادّة المظلمة يكون كافيًا للإعتقاد بوجود المواد الغريبة التي نطلق عليها بالجسيمات الشاذّة المعقّدة والتي يمكن لها أن تحتوي على الزّمن المحتمل. ومع توسّع الكون تزداد نسبة المواد والطاقات المظلمة كما يقول هابل في أبحاثه في عام 1929 حيث إنحراف الموجات الضوئيّة نحو الجانب الأحمر من على الطيف الكهرومغناطيسيّ. والذي جعل هابل يصرّ على القول بأنّ الكون يتوسّع. وهذا التوسّع يملأ كلّ فراغات الكون إن وجدت. لذلك يبدو أنّ الطاقة المظلمة هي نوع من الطاقة المتصلة بالفضاء الفارغ. وهذه الطاقة قويّة إلى درجة لا يمكن مقارنتها مع أيّ شيء قويّ وكلّما مضى الزّمن تزداد قوّة. أي أنّ الفضاء الفارغ لديه أكثر قوّة من أيّ شيء في الكون. ولو هناك من الأفكار العجيبة التي تزيد اللبس، هو أنّ الطاقة المظلمة ليست شيئاً، بل هي خاصيّة للفضاء!والفضاء الفارغ له طاقته الخاصّة به.ويمكنه أن يكوّن المزيد من الفضاء بإعتباره فعّالا ونشطاً (بل وله زمنه الخاصّ به! بل وله ذلك اللازمن في حالته ما قبل التكوين!). وقد ذكرت ذلك سابقاً.
ولنا عودة
مؤيد الحسيني العابد
Moayad Al-Abed
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) https://en.wikipedia.org/wiki/Chronology_of_the_universe
https://www.space.com/31465-is-our-universe-just-one-of-many-in-a-multiverse.html(2)
عالم من علماء الفيزياء النظريّة والرياضيات. ألماني ولد عام 1885 وتوفي عام 1954 كلاوزة ويكتب بالشكل التالي(3)
Kalusa
صاحب نظريّة مهمة سميت باسمه تتطرق الى تعدد الاكوان. ومن الطرائف يجيد عددا من اللغات بضمنها العربية.
Craig Callender (4)
Scientific American v.27,nu:2 2018 page 15
https://ar.wikipedia.org/wiki/ صفر_مطلق(5)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اتفاق تشاوري حول المياه الجوفية بين الجزاي?ر وتونس وليبيا


.. غزة: انتشال 332 شهيدا من المقبرة الجماعية فى مجمع ناصر الطبى




.. ما الجديد الذي استحدثته مايكروسوفت في برنامج الذكاء المصغر؟


.. إطلاق مبادرة -تكافؤ- لدعم طلاب الجامعات التكنولوجية النابغين




.. ما أبرز الادعاءات المتداولة على الإنترنت حول العملية العسكري