الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأوضاع الجيوستراتيجية المصرية الحالية بين القوة الناعمة والقوة العسكرية (4)

جميل النجار
كاتب وباحث وشاعر

(Gamil Alnaggar)

2020 / 8 / 24
السياسة والعلاقات الدولية


مصر بقوتيها: الناعمة/الداعمة والعسكرية/الجراحية الجارحة
مصر، في هذا الخصوص، تمتلك عدة معطيات/ضوابط تدعم من قوتها الناعمة. من أهمها تاريخها وجغرافيتها السياسية وثقافتها المنفتحة على الجميع. وتظل المشكلة في الدين الذي مثَّل حجر الزاوية في تشكيل الوعي الجمعي وطريقة التفكير الأصولي/ التكفيري لدى أغلب الناس. وما أحدثته الراديكالية الدينية للإسلام السياسي من إرباك لعموم المشهد على الساحتين الداخلية والخارجية.
ما يجعلنا مضطرين لتحيده (أي الدين) وابعاده من جملة الضوابط والمعطيات الحضارية؛ لِما أحدثه هذا الفكر من أضرار لازالت ماثلة أمام المنطق الموضوعي على جبهتنا الشرقية التي مزقتها العقلية الإسلامية على أرض سيناء، وكذلك التواجد الحالي لنفس العقلية الممثلة في أردوغان تركيا وجماعاته من المرتزقة الإسلاميين في ليبيا.
ولكن يظل التراث التاريخي القديم للعقلية والنفسية المصرية غير العدوانية وميراثها الحضاري العظيم على كل المعطيات الجيوستراتيجية لمصر شكلاً آخر من أشكال الاستثمار الثقافي، وفي رأينا المتواضع، أن هذا العامل هو ما قد مكَّنها من البقاء على خارطة السياسة الدولية كأحد أهم اللاعبين في النظامين الدولي والإقليمي حتى إشعار آخر.
وحبذا لو بنينا - بالمزيد- على ما قامت به مصر من تطوير لعدة مشروعات تعاونية مع دول حوض النيل. عندما ساعدت وزارة المياه والري المصرية في تمويل 90٪ من مشروع أوغندي لحماية المنطقة الغربية من البلاد من الفيضانات المفرطة. كما قدمت لأوغندا 1.5 مليون دولار كمساعدة إنمائية. وساعدت جنوب السودان على تطوير أنظمة الصرف الصحي والري وحفر 180 بئراً في كينيا. في فبراير 2018، أطلقت وزارة الزراعة مبادرة زراعية مشتركة مع الحكومة الإيريترية. لم تكن هذه هي المبادرة الأولى في مجال الزراعة حيث سعت لنشر نظام المزارع النموذجية كجزء من استراتيجيتها لتعزيز نفوذها في إفريقيا. والتركيز على أهمية البنية التحتية وتطويرها وإمدادات المياه النظيفة. كما رعت مشروع الربط البحري بين بحيرة فيكتوريا والبحر المتوسط. كمشاريع تعاونية تعضد من القوة الناعمة لمصر.

أما بالنسبة للقوة العسكرية؛ لم يذكر التاريخ أن مصر اعتدت على أحد من جيرانها، طمعاً في ثرواتهم، بل العكس هو الصحيح. فبدءً من التاريخ القديم ومحاولات القبائل الليبية من الغرب وبدو الجزيرة العربية والشام هم من كانوا يغيرون؛ تحت وطأة الجوع الناتج عن بيئتهم الصحراوية الطاردة غير المعطاءة. وسجلت الوثائق التاريخية الحملات العسكرية المصرية التي كانت تهب لتأديبهم بعد كل غارة. وذلك على عكس ما تروج له الآن بعض العقليات الشرق أوسطية اللولبية العجيبة من أن المصريين (أصحاب النيل) يطمعون في المياه الجوفية لليبيين؛ وتنعتهم بالخطر القادم من الشرق؛ وليتهم طرحوا أطماع مصر في بحيرة النفط الليبي؛ التي يسيل لها لعاب الكبار كإيطاليا وفرنسا وحتى الولايات المتحدة؛ لكان ذلك الأقرب إلى المنطق العقلي.
ما يعكس بأن هذه العقلية المعتوهة والنفسية غير السوية لم ولن تتغير أبداً؛ ولم يأتوا على ذكر تركيا وأطماعها المعلنة في النفط الليبي وفي غيره من الاستثمار في كافة القطاعات بالاقتصاد الليبي. تلك الأطماع التي اصطدمت بالآلة العسكرية المصرية التي أعلنت محور سرت – الجفرة خطاً أحمر لصون الأمن القومي المصري ضد الإسلاميين المخربين؛ فحرموا أردوغان من ما نسبته 80% من النفط الليبي. هكذا تسير الأمور، ويسير معها منطق الأشياء. فأنَّ لهذه العقلية من منطق أو حتى الحد الأدنى من العقلانية؟!
ولم نسمع أبداً بأن المصريين، بجيشهم القادر، حاولوا مثلاً؛ الاستيلاء على نفط الليبيين في الغرب أو الأراضي الصالحة للزراعة ولم تجد من يستزرعها بالسهول الفيضية الخصبة الفسيحة في السودان. ولو أراد الجيش المصري أن يجد فسحة للاكتظاظ السكاني الخانق في الجزء الأدنى من حوض وادي النيل بمصر؛ لاستولى على الأراضي الشاسعة بالسودان؛ التي يمكن أن تكون متنفس رحب للفلاحة المصرية العتيدة. لكن المصريين لم يفعلوا ولن يفعلوا؛ لأنهم من الشعوب الوديعة المسالمة بطبيعتها التي أصقلتها الحضارة القديمة ودجنتها منذ البواكير.
ومن ناحية الكفاءة القتالية؛ فالجيش المصري مشهود له في كل المعاهد والأكاديميات العالمية بالفاعلية والكفاءة، بل وله تكتيكات تدرس في كل المعاهد العسكرية. لكن قبل استعراض القوة؛ يجب الإقرار بأنه لا توجد دولة في الوقت الحالي، باستثناء الولايات المتحدة الأمريكية، تستطيع أن تتحمل كلفة أي حرب؛ بلغة الاقتصاد. تليها عن استحياء دول مثل روسيا والصين والهند. فالحرب الخاطفة/القصيرة أو الحرب الشاملة تعنيان إضعاف اقتصاد الدولة وربما القضاء عليه نهائياً. فلا يسعى إلى الحرب في تاريخنا المعاصر؛ إلا كل أحمق؛ حسب الخبراء الاستراتيجيين. فاليوم لم يعد كالأمس في كل شيء.
لكن إذا اضطرت أي دولة إلى دخول حرب؛ فسوف تحارب تحت أي ظرف. كما فرضت على مصر حالياً، حالما تم المساس بأمنها القومي بتحرشات "إخوانية/أردوغانية"؛ وقفت واستنفرت، وكانت لها عملياتها الذكية الدقيقة غير المعلنة في عرض البحر المتوسط وعلى محور سرت/الكفرة بالأراضي الليبية؛ فأوقفت زحف الإسلاميين على الجبهة الغربية حتى إشعار آخر.
وكل استراتيجي ملم بتاريخ العسكريات والامبراطوريات بدءً من الإمبراطورية المصرية القديمة في عهد أحمس - تحتمس الثالث وحتى الامبراطورية الأمريكية الحالية. يقر بأن الجندية التركية، بمجمل التاريخ، هي جندية عدوانية، يتسم الجندي التركي فيها بعقلية شرق أوسطية/أناضولية قوامها التهور والاندفاع الأرعن/الأحمق. واتسم أغلب جنودها في العصر الحديث، بالنعومة التي طغت. بينما الجندية المصرية غير عدوانية، يتسم فيها الجندي المصري بالتفاني والمثابرة والتؤدة والدهاء وشيء من العبقرية والخشونة.
ومن حيث ميزان القوى والتسليح؛ لا توجد فوارق كبيرة بين مصر وتركيا. باستثناء أن مصر تحتل مرتبة أعلى من تركيا، ففي حين أن مصر تحتل المرتبة التاسعة عالمياً؛ فإن تركيا تقبع في المرتبة الحادية عشر. وفي الجيش المصري يبلغ إجمالي عدد الأفراد العسكريين 920000 فرداً، بينما تم إدراج 36075104 فرداً على أنهم "لائقون للخدمة". بينما في تركيا؛ هناك 355000 فرداً عسكريا نشطاً و 380000 جندي احتياطي في البلاد. أي أن الجندية التركية تقدر بثلث الجندية المصرية من حيث عدد الأفراد في تفوق كبير لصالح مصر.
وفيما يتعلق بالقوة الجوية، فإن إجمالي القوة المصرية يبلغ 1054 قطعة، منها 215 مقاتلة و 294 طائرة هليكوبتر و 81 طائرة هليكوبتر هجومية و 387 مدرباً. بينما تمتلك تركيا 206 طائرات مقاتلة و 80 طائرة نقل و 276 طائرة تدريب و 497 طائرة هليكوبتر. في تفوق نسبي للمقاتلات المصرية ومثله لتركيا في الهليكوبتر.
وفي تصنيف القوات البرية؛ يمتلك الجيش المصري 4295 دبابة و 11700 عربة مسلحة و 1084 جهاز عرض صاروخي، من بين أسلحة حربية أخرى كالمدفعية المتفوقة والصواريخ. في حين تمتلك القوات البرية التركية 2622 دبابة و 8777 عربة قتال مدرعة و 1278 بندقية ذاتية الدفع و 1260 قطعة من المدفعية المقطوعة و 438 صاروخًا متعدد الإطلاق.
تتكون القوات البحرية المصرية من 316 مجموعاً من الأصول، من بينها حاملتا طائرات و 7 فرقاطات و 8 غواصات و 0 مدمرات. بينما تمتلك البحرية التركية 16 فرقاطات و 10 طرادات و 35 زورق دورية و 11 سفينة حربية ألغام و 12 غواصة. في تفوق تركي بالفرقاطات يبلغ الضعف وأربع غواصات زيادة عن مصر؛ وأخبرتنا وسائل الإعلام بأن اثنتان منهم قد ضاعا بطواقمهما في عرض البحر؛ ولم يستدل على الفاعل.
وإذا كانت لمصر بقاعها الساخنة فللجيش التركي أيضاً نقاطه الساخنة التي تمثل للجيش التركي تحديات/تهديدات محتملة ناتجة عن الحرب الأهلية السورية المجاورة وكذلك من تورط روسيا في أوكرانيا المجاورة وأي خطر يمثله تمرد حزب العمال الكردستاني. فضلاً عن أنها تلعب بنار الإسلامين؛ ومعروف تاريخياً بأنهم سرعان ما ينقلبوا على داعميهم؛ وليس مثال أمريكا التي دعمتهم في حروبهم بأفغانستان مع الروس ببعيد.

التوصيات
وعند تحليلنا الأعمق لهذه المعطيات والآثار السلبية المعقدة لمأزق مصر الحالي، على عكس المعالجات السطحية التي ابتعدت كثيرا عن الموضوعية والحيادية وتقدم بها بعض المعلقين والمحللين. والتي استندت بسذاجة مفرطة على نظرياتٍ أدمنتها عقليتنا العربية/الإسلامية كنظرية المؤامرة ودور إسرائيل في حوض النيل وأفريقيا الكبرى؛ فإسرائيل لا تخشى إلا من العدوات التي رسختها الأديان في عقولنا الجمعية والتي تحضنا على كراهية اليهود، وهي مثلها مثل الصين تبحث لها عن تواجد وسط حلبة التنافس الاقتصادي، ولم تعد تبحث عن عداوات معنا كدولة مثل تركيا الآن.
وكذلك نظرية الكراهية غير المبررة في بعض دول المنبع لمصر، أو التهديدات باستخدام القوة العسكرية للحفاظ على الأمن المائي لمصر. وفي الواقع، الوضع أكثر تعقيداً بكثير من مثل هذه الرؤى الشخصانية. ولكي نتعامل مع تداعيات الأزمة بنجاح وفعالية قبل الكفاءة؛ يتطلب أولاً وقبل كل شيء اعترافًا بوجود مشكلة حقيقية في إدارة علاقاتنا مع القارة الأفريقية عموماً، ودول حوض النيل على وجه الخصوص.
ونركز على البعد الثقافي من بين بقية الأبعاد الأخرى ثانياً، ونضرب بيدٍ من حديد على رؤوس العقليات العربية العنصرية التي تزدري الأفارقة، كما يزدري أغلب الأعراب، للمفارقة العجيبة، كل المصريين وكل ما هو مصري. وذلك لتنقية العلاقات مع أشقائنا الجنوبيين؛ ونقضي على أسباب الكراهية أولا. فمصر أفريقية قبل أن تكون عربية، وسلوا نهر النيل الذي حمل لنا طميهم الذي شكل تربتنا السمراء الغنية ومياههم؛ لنأكل ونشرب فنحيا من عطايا الجسد الأفريقي، لا رمال الصحراء البغيضة.
ثالثاً؛ تفترض الأوضاع الحالية لمصر أن الدولة لديها موارد محدودة ولديها استعداد لإدارة السياسة الخارجية (حتى وإن كانت غير قادرة). وبدلاً من ذلك؛ يجب علينا التركيز سياسياً وعسكرياً على مناطق معينة من العالم. فالتوجه للسياسة الخارجية للدولة لا يتعامل فقط مع عمليات التحفيز أو صنع القرار. وبالتالي؛ فإن الاستراتيجية الجغرافية للدولة لا تحركها بالضرورة عوامل جغرافية بالمطلق، أو حتى عوامل جيوسياسية. وعليه؛ قد تُضطر الدولة إلى إظهار قوتها في موقع ما؛ لأسباب أيديولوجية أو مجموعة مصالح أو حتى بسبب نزوة زعيم ما ببساطة، كما في حالة رئيس كينيا.
وعليه؛ يجب تبني الاستراتيجية الجغرافية رابعاً، والتي تدور حول تأمين الوصول إلى طرق تجارية معينة واختناقات استراتيجية وأنهار وجزر وبحار. وذلك يتطلب وجوداً عسكرياً واسع النطاق؛ كما فعلنا في اريتريا، ويكون ذلك متزامناً مع افتتاح المحطات العسكرية الخارجية وبناء سفن حربية قادرة على عرض قوة أعماق البحار المفتوحة والمحيطات. ويجب أن يكون تركيزنا هنا على التواجد بقوة في القرن الأفريقي وعلى طول البحر الأحمر وعرضه، خاصة؛ باب المندب.
كما يتطلب شبكة من التحالفات مع قوى عظمى أخرى تشترك في أهدافها (كالولايات المتحدة وروسيا والصين) أو مع "دول محورية" أصغر تقع في المناطق التي يراها الخبراء الجيواستراتيجيون مهمة (كالسعودية). فالاستراتيجية تشير إلى التطبيق الشامل والمخطط للتدابير لتحقيق هدف مركزي أو الأصول الحيوية ذات الأهمية العسكرية.
والجيواستراتيجي المحنك يدمج الاعتبارات الاستراتيجية مع الاعتبارات الجيوسياسية. والتعامل الدقيق مع الدول المحفزة من الناحية الجيوسياسية، بما يتماشى مع المصالح المزدوجة لمصر في الحفاظ على، المدى القصير، على قوتها الإقليمية والعالمية (إن أمكن في المدى المنظور)، وفي التحول طويل المدى من هذا الوضع إلى تعاون عالمي مؤسسي بشكل متزايد. والانخراط الدولي في تثبيت وتفعيل المتطلبات/الضرورات الكبرى الثلاث للاستراتيجية الجغرافية الإمبراطورية (أي الأوسع نطاقاً) في منع التواطؤ. والحفاظ على التبعية الأمنية بين التابعين المتحالفين. والحفاظ على الروافد مطواعة ومحمية. وإبعاد الإرهابيين البرابرة عن تكتلات تلك الدول المتحالفة للحفاظ على الأمن والسلم الدولي.
خامساً، دعونا نعترف بأن الدبلوماسية المصرية في أمس الحاجة إلى تبني نهج واقعي تجاه دول حوض النيل، والبحث مرات ومرات عن فرص لإعادة تحقيق التوازن بين مصالح مصر ومصالح دول المنطقة الأخرى. ونستمع إلى دول حوض النيل الذين يروا بأن المصالح المصرية تتعارض مع مصالحهم.
سادساً؛ وهو الأهم، البحث عن طرق بديلة تُحي في الجسد الجيوسياسي المصري "القوة الناعمة" التي باتت باهتة وغير فعالة. وإعادة ترتيب البيت الثقافي لمصر، المرتبط ارتباطاً وثيقاً بتحولاتها إلى دولة علمانية مدنية حديثة ديمقراطية تساوي بين الجميع دون استثناءات وإعادة تطهير الدستور من هناته العنصرية لتثبيت المواطنة وتحديث الحكومة بحيث تصل إلى الحوكمة فنبدو للجميع كنموذج يحتذى به.
وما نقترحه من تعديل؛ كأن تكون المادة الأولى من الدستور؛ "مصر دولة علمانية حديثة، نظامها ديموقراطي يقوم على المواطنة والشعب المصري جزء لا يتجزأ من الشعوب الأفريقية والعربية؛ يعمل على تحقيق الوحدة الأفريقية الشاملة". مع إلغاء التمييز الديني بالمادة الثانية ويحل محله القانون المدني وحقوق الإنسان؛ كمصادر أساسية للتشريع. بهذا سيحترمنا الجميع؛ ونكون المثل والقدوة والنموذج.
وننصح في بعدنا الاستراتيجي الأفريقي الالتزام باستخدام القوة الناعمة بكافة معطياتها التاريخية/الحضارية/الثقافية/الفنية/الاقتصادية؛ ونستضيف أكبر عدد ممكن من المهرجانات والفاعليات والأحداث الأفريقية المتنوعة. ونذهب إليهم بفرقنا الفنية والرياضية ونشارك/نتشارك كافة الأنشطة الفنية والثقافية وحتى الاجتماعية.
فالأفارقة من الناحيتين الاثنوجرافية والأنثروبولوجية أناس طيبون ويحبون الفكاهة وليسوا لئام على وجه العموم. وهذه صفات مشتركة معنا نحن المصريين، على عكس الشخصية الشرق أوسطية، التي انغمسنا فيها حتى أذاننا ونالنا ما نالنا من جراحٍ عميقة في نفسيتنا المصدومة وأذىً وصل إلى حد التعدي على كرامة المصريين؛ وأخبار العمالة المصرية لا تخفى على أحد.
هذه المنطقة المعروفة بمشاكلها العقلية/النفسية الكؤود؛ أصبحنا في غنى عنها، ويجب أن ينحصر التعامل في حدود المصالح المشتركة ومعاملة المثل بالمثل؛ وحتى في هذا تنازل كبير من المصريين. وطالما أن جهودنا في سبيل وحدتها قد باءت بالفشل؛ فلا ضير في أن نتحول إلى العمل على إحياء حلم الوحدة الأفريقية.
ومثل هذا التعاون الأفريقي هو غيض من فيض لازم وضروري لتعزيز وجودنا بقوة في القرن الأفريقي، وكافة أرجاء القارة، والتي لازالت فيها بعض المساحات التسويقية التي تنتظر من يملأ فراغاتها؛ فلنسارع قبل فوات الأوان ونجلس نتباكى كعادتنا بعقليتنا العربية/الإسلامية الشرق أوسطية المعهودة فينا على مدار التاريخ.
ونمسك بتلابيب القانون الدولي ونتمسك بمبادئ التعاون والاحترام المتبادل وحسن الجوار واحترام الاتفاقيات الدولية وتحقيق المنفعة المشتركة. ولتحقيق أرضية مشتركة بين دول حوض النيل، يجب الاتفاق مع الدول المعنية على تشكيل لجنة دولية من الخبراء الفنيين لفحص الدراسات الهندسية الإثيوبية.
ولا ننساق وراء دعاة الحل العسكري؛ لأن الحروب غالباً ما تأتي بنتائج عكسية نحن في غنى عنها. ونأمل في أن يقودنا المسار الدبلوماسي بمساعدة قوتنا الناعمة إلى حلول جذرية للمشكلة ولغيرها من مشكلاتٍ مستجدة. ولا نضطر إلى اللجوء للجراحات العسكرية، التي وبلا شك ستكون لها أضرارها وآلامها وجراحها التي لن تندمل بسهولة. ولا نلجأ إلى الحل العسكري إلا ونحن مضطرون، وتكون عمليات محدودة كجراحة تخلص الجميع من آلامه.
وإذا كانت المستجدات ضاغطة علينا من جهة؛ وجب علينا التفكير بجدية في البدائل، من جهةٍ أخرى. ومنها تغيير عاداتنا المتخلفة/السيئة. فطرق الري القديمة لم تعد تأتلف ومتطلبات المرحلة، خاصة مع ظهور مشاكل طبيعية كالتغيرات المناخية؛ فتغير المناخ يمثل خطراً آخر. مع ارتفاع درجات الحرارة، قد تفقد مصر 30٪ من إنتاجها الغذائي في المناطق الجنوبية بحلول عام 2040، وفقاً لبرنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة. وقد أدت موجات الحر بالفعل إلى خفض إنتاجية المحاصيل وتقليص المساحات المزروعة؛ هذا ما أفاد به مزارعون كُثر. فوجب علينا تعديل سياستنا تحسباً لأي نقص في الموارد.
فطرق الري الحديثة، الأكثر كفاءة، باتت مطلباً ملحاً والآن قبل الغد. وزراعة بذور ذات فترات حياة أقصر تتطلب كميات أقل من المياه. وإعادة تدوير المزيد من مياه الري. ومعالجة المزيد من مياه الصرف الصحي واستخدامها في الزراعة. ويجب طرح عدد من الإعلانات التي تعلم عامة الناس من البسطاء ضورة ترشيد استهلاك المياه؛ ولتكن اسرائيل أقرب جارة متمدنة لنا. ونتعلم منها كيف استفادت بأقل القليل من المياه في زراعات تصديرية.
وبالمناسبة؛ ليس في هذا أي عيبٍ على الإطلاق؛ هذا إذا كنا سنُطلِّق عقليتنا الشرق أوسطية اللوغاريتمية/اللولبية تلك، ونفكر بموضوعية وواقعية كما يفعل العقلاء حول العالم. ولأن الأسوأ قادم، بعيداً عن سد النهضة؛ فإن نصيب الفرد عندنا في كل الأحوال سيتناقص إلى ما دون الحد الإنساني الآمن المتفق عليه. حيث يعتبر علماء الهيدرولوجيا أن أي بلد يواجه "ندرة المياه"؛ إذا انخفضت الإمدادات المائية إلى أقل من 1000 متر مكعب للفرد سنوياً.
أما الجبهتين الغربية والشرقية؛ فالحل الأوحد الناجع لمثل هذه العقليات التي تدير العمليات على الأرض في الجبهتين؛ هو الحديد والنار؛ اللازمين لاجتثاث الأورام الفكرية/ الجهادية/السرطانية. فمن المؤكد أن عملية القتل الوحشي الأخيرة لعدد 305 من الصوفيين المسالمين في بئر العبد يمثل تصعيداً خطيراً في الجبهة الشرقية بسيناء. كما أنه أحد أشهر أعراض التوسع الدراماتيكي للإرهاب عبر شمال إفريقيا والشرق الأوسط خلال العقد الماضي. ووفقًا لقاعدة بيانات الإرهاب العالمي؛ شهدت مصر زيادة حادة في عنف الإسلاميين المتطرفين
والتي قدرت بعدد 2976 بعد العام 2013.
وللحد من عملياتهم الخسيسة؛ يجب التركيز على التعاون الاستخباراتي مع السكان، ونشر طبقات إضافية من مراقبة الشرطة في الأماكن المزدحمة والاستثمار في علاقات أكثر ذكاء بين الشرطة والمجتمع. تتضمن الاستراتيجيات الأخرى إعادة تشكيل منظر المدينة، بما في ذلك الحواجز المادية غير المزعجة حول المواقع السياحية والمكاتب الحكومية والشركات الكبرى.

انتهى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قصف مستمر على مناطق عدة في قطاع غزة وسط تلويح إسرائيلي بعملي


.. عقب نشر القسام فيديو لمحتجز إسرائيلي.. غضب ومظاهرات أمام منز




.. الخارجية الأمريكية: اطلعنا على التقارير بشأن اكتشاف مقبرة جم


.. مكافأة قدرها 10 ملايين دولار عرضتها واشنطن على رأس 4 هاكرز إ




.. لمنع وقوع -حوادث مأساوية-.. ولاية أميركية تقرّ تسليح المعلمي