الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دولة الإمارات العربيّة البراغماتيّة المتّحدة

زاهر رفاعية
كاتب وناقد

(Zaher Refai)

2020 / 8 / 25
القضية الفلسطينية


"علي" شاب ينحدر من المغرب العربي كان يسكن في العمارة التي كنت أسكن بها. يعرّف "علي" عن نفسه بأنّه عربي مسلم والحمد لله, مع أنّه وفي كلّ مرة ألتقي به أرجو منه أن يكلّمني بالألمانيّة لأنّني لا أفهم تسعة أعشار عربيّته. أمّا من ناحية أنّه مسلم فمن غير النّطق بالشهادتين من العسير بمكان أن تعرف من أسلوب حياته إلى أي دين أو لادين ينتمي صاحبنا. لكنّ عليّ هذا شابّ مهذب محترم من أولئك الذين تشعر بأنّهم لم يفقدوا آدميّتهم بعد, أي أنّه إنسان وهذا كلّ يعنيني منه كونه جاراً لي في العمارة. فهذه الآدميّة في حسن الجوار هي كلّ ما أكترث له فيه وليس العروبة ولا الإسلام الذين ما يفتأ يذكّرني بأنّهما تجمعاننا وتشكّلان هويّة مشتركة لنا, لأنه وببساطة حين أستذكر بيني وبين نفسي كثيراً من السفهاء الذين آذوني في مختلف مراحل حياتي, أكتشف أنّ أكثرهم ويا للمصادفة ما يجمعني بهم هو الإسلام أو العروبة أو الاثنين معاً.
علاقة "علي" بالعروبة والإسلام تذكّرني بعلاقة القضيّة الفلسطينيّة بهما. فالقضية الفلسطينيّة هي قضيّة إنسان بالدرجة الأولى والأخيرة, لا تختلف عن قضيّة الهنود الحمر ولا عن قضيّة الأكراد ولا عن قضيّة ضحايا الصّين على أيدي الغزاة اليابانيين. لكن للأسف أنّ الذي حصل ويحصل أننا تعلّمنا بموجب عروبتنا أو إسلامنا مبدأ العصبيّة القبليّة القائم على أسوأ شكل من أشكال العنصريّة ألا وهي الحكم على الجريمة بموجب انتماء المجرم والجلّاد وليس على أساس موضوعي قائم على التحليل سواء المنطقي أو العملاني.
بالله عليكم فليقل لي أحدكم لماذا يتوجّب عليّ أنا أن أشعر بتضامن مع قضيّة تهجير الفلسطينيين من أراضيهم على أيدي الصهاينة بشكل أكبر مما يجب أن أشعر فيه بالتضامن مع قضيّة تهجير الألمان من شرق ألمانيا على أيدي البولنديين وضمّ أراضيهم لدولة بولندا بعد الحرب العالميّة الثانية؟
هل فقط لأنني عربي أو مسلم؟ لا أعتقد ذلك, بل لأنّ المهجّرين الألمان آنذاك لم يتعاملوا مع الواقع بالمظلوميّة وتسوّل إيقاف عجلة التاريخ والدعاء بالويل والثبور, وعليه لم يصبح هناك قضيّة عالميّة خالدة يتحمّل وزرها كل ناطق بالألمانيّة مدى التاريخ اسمها "القضيّة الألمانيّة". فاللاجئون الألمان شرعوا آنذاك على الفور ببناء حياة جديدة في شرق ألمانيا خلف النهر الذي رمتهم خلفه بولندا. آنذاك استقبل الألمان هؤلاء المهجّرين وتعامل الجميع مع الوضع القائم بكل عقلانيّة ومنطقيّة وباشر الجميع على الفور بإرساء قاعدة "الإنسان لا التراب" وعليه نجح الألمان في فترة قياسيّة ببناء وطن بديل لهم فوق التراب الجديد. الفكرة أنّ كِلا الجانبين من الألمان "المقيمون و الوافدون" لم يتوقّف الزمن عندهم عند لحظة التهجير, ولم يبنوا لأنفسهم مخيّمات وملاجئ وعشوائيات في انتظار أن ينطق الحجر قائلاً يا أيّها الألماني هناك بولنديّاً خلفي تعال فاقتله!
هذا الرّبط الحصري للقضيّة الفلسطينيّة بالعروبة والإسلام هو أسوأ ما حصل للقضيّة الفلسطينيّة على مرّ التاريخ, فبالإضافة إلى حقيقة أنّ هذا الرّبط جعل القضيّة الفلسطينيّة تفقد التضامن العالمي نجد أنّ ثقافة التضامن العربي الإسلامي هذه هي بحدّ ذاتها إمّا ثقافة تضامن عنف أعمى على طريقة الحماس البدوي أو ثقافة انكسار سلبي على طريقة التضامن بالدعاء وتفويض الأمور لخالقها. بينما لو تكلّمنا عن ثقافة التخطيط الاستراتيجي والتعامل الموضوعي مع الحركيّة التاريخيّة فالثقافة العربيّة الإسلاميّة تعيش خارج التاريخ بلا منازع.
قبل أن يكيل لي أحد القرّاء الأكارم حسنو النيّة ممن يستهويهم كلام الخطاب والإنشاء الاتهامات بأنني معدوم الإحساس والتعاطف مع المهجّرين أودّ الإشارة إلى أنني أنا شخصيّاً لاجئ مهجّر إلّا أن الفرق أنني لم ولن أطالب الآخرين بحمل مسؤولية مصيري وقدري فقط لكونهم ينتمون لذات الدين أو يتكلّمون ذات اللغة. الفرق هو أنني ومثلي كثر ومنذ أول لحظة وجدنا فيها أنفسنا ليس لنا إلّا أنفسنا قبلنا بأنفسنا لنا وطناً. لم أقل للعربي المقيم في بيته هانئاً أن يشاطرني منزله وبؤسي حين اضطررت يوماً للنوم في مقابر تركيّا, ولماذا أعاتب العربي؟ فقط لأنّه يتكلّم لغة يمكنني أن أشرح له بؤسي بكلماتها؟ وبصراحة حتى لو كان لي عتب أو حقّ فلن يكون على العربيّ أكبر منه على الأميركي, لأنّ بمقدوري أن أقول ذات العبارة باللغة الإنكليزيّة كما أقولها باللغة العربيّة بل وربّما بشكل أبلغ. فأن تكون صاحب حقّ شيء وأن تعيش سلبيّاً طيلة حياتك وأنت تلطم وتلوم الآخرين شيء آخر.
أمّا بالنسبة لمن يقول بوحدة التضامن مع القضيّة الفلسطينيّة على أساس الانتماء لدين الإسلام فهو يغفل عن أنّ هذه المطالبة هي واحدة من أحطّ أشكال العنصرية! ماذا لو كان الفلسطينيّون هندوساً أو تاويّون وحصل لهم ما حصل؟ هل سيجعلهم ذلك مستحقّين للتشرّد والتهجير والقتل الذي حصل لهم منتصف القرن الماضي؟ لن أجيب.. سأدع القارئ يجيب.
لنفترض الطيبة وحسن النوايا, ماذا لو أنّ عملاقاً مدججاً بمدفع رشاش اقتحم منزلي ورماني خارجاً ثمّ استولى على البيت. اجتمع أهل الحي الذين لا يملكون سوى خيزرانات ثم انهالوا على العملاق بالشتائم والصراخ تحت الشرفة بينما مكثت أنا بحقيبتي على الرصيف. لم يكتفوا بذلك بل قرروا تخصيص كل يوم ساعة في الصباح وأخرى في المساء للاجتماع تحت الشرفة والبصاق على عديم الشرف هذا. ثم مضت الأيام والأسابيع وهم يوفون بنذرهم ولم يتغيّب واحداً منهم عن اجتماع واحد ولم يوفّر واحداً منهم بصقة في حلقه. إلّا أنني كنت طوال تلك الأيام قابعاً على الرّصيف تارة تحت الشمس اللاهبة وأخرى في البرد القارس, ومن حين لآخر يجود أحد منهم بكسرة خبز وأخرى بقميص مهلهل. والسؤال: بالله عليكم على أي شيء يمكن أن أكون شاكراً لهؤلاء وحامداً؟ لربّما سأكون شاكراً نبل موقفهم الذي عبروا عنه في أول ساعة بعد وقوع الكارثة, ولكن إن أخذ التعاطف هذا الشكل السلبي المستدام فلن أنظر لهم سوى أنّهم حفنة من الأغبياء الذين لا حسن تقدير للأمور عندهم, مثلاً لو أنّ ساعات البصاق والشتائم تلك قضوها في رفع انتاجيتهم الاقتصاديّة لجنوا من وراء ذلك من المال ما أمكنهم أن يشتروا به شقّة لي بدلاً من تلك التي لا سبيل لاسترجاعها بهذه الإمكانات الخيزرانيّة المضحكة.
المهم ثمّ وفي خضمّ تلك المهزلة اليوميّة التي امتدّت أكثر مما ينبغي ولم تقدّم لي سوى المزيد من الأمراض والتعاسة جرّاء نومي في العراء تقدّم واحداً منهم وعقد اتفاقاً مع العملاق بأنّه سيكون أوّل من سينسحب من جوقة الشتم هذه لو أنّ العملاق سمح لي أن أسترجع فقط قبو المنزل! بالطبع سيكون ذلك ظلماً, ولكن المؤكّد أنني سأكون شاكراً لهذا العاقل من بينهم وسأقتنص تلك الفرصة كي أبني لنفسي مسكناً وأخرج من حالة التشرّد, كما سأنتظر من البقيّة أن يحذوا حذوه, فيا حبذا لو أنّ واحداً منهم يعينني في تمديد خراطيم المياه وآخر يتبرّع بدهان القبو وهذه الجارة الطيّبة ستقدّم لي غسالتها القديمة و جارنا سيقدّم لي فرصة العمل عنده في الورشة وهكذا ستحلّ مشكلتي طالما أنّه وبناء على المعطيات التي لا ينكرها إلّا أعمى أو مختل فإما هذا الحل أو سأبقى طريداً مشرّداً متسوّلاً طيلة حياتي دون أن يكون بمقدور أهل الحي مجتمعين بكل ما بأيديهم أن يزعجوا العملاق ولا حتى بصوتهم, حيث أنّ أول ما قام هذا الحقير بفعله بعد الاستيلاء على المنزل هو تركيب نوافذ سميكة مضادة للبصاق والشتائم.
الخلاصة: إن كانت دولة الإمارات ستجني من وراء اتفاق التعاون الذي عقدته مع الكيان الصهيوني مكاسب عملانيّة تخفف من بؤس الشعب الفلسطيني, وأقصد بكلمة مكاسب "أرقام وإحصائيات تدلّ على تراجع مستوى البؤس عند الفلسطينيين" وليس "أشعار وأغانٍ حماسيّة" فإنني أهنّئ الإماراتيين على حكمتهم وتعاملهم الموضوعي مع أزمات المنطقة. وهذا بالطبع ما سننتظر من الأيّام برهانه.
كما أودّ تذكير القرّاء الأكارم أنّ أفضل أوضاع معيشيّة يعيشها اللاجئون الفلسطينيّون حول العالم هي في الدول الغربيّة التي لم تقم فقط بالتطبيع الكامل مع إسرائيل منذ تأسيس أول عصابة صهيونيّة في العالم, بل هذه الدّول تحديداً هي التي أنشأت وموّلت مشروع الصهاينة بامتطاء اليهوديّة وتأسيس شبه دولة لهم على حساب الآخرين. فلماذا حين يقوم العرب والمسلمون بالتفكير بطريقة عملانيّة في حلّ مشكلاتهم تقوم قائمة المنظّرين وأبطال المنابر ويستلّون على الفور سلاح التخوين والتكفير والتسفيه. يا أخي كفاكم ترديداً لعبارة "بذل الدّماء رخيصة" فلا رخص إلا لدماء من يسترخص دماء الآخرين. متى ستصبح العروبة مصدر قوّة للعرب وليس مجرّد صالة عزاء ونواح!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمطار غزيرة تضرب منطقة الخليج وتغرق الإمارات والبحرين وعمان


.. حمم ملتهبة وصواعق برق اخترقت سحبا سوداء.. شاهد لحظة ثوران بر




.. لبنان يشير إلى تورط الموساد في قتل محمد سرور المعاقب أميركيا


.. تركيا تعلن موافقة حماس على حل جناحها العسكري حال إقامة دولة




.. مندوب إسرائيل بمجلس الأمن: بحث عضوية فلسطين الكاملة بالمجلس