الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من مفكرة سجين بحريني عن غزو الكويت ( 5 - 5 )

رضي السماك

2020 / 8 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


الخاتمة :
وبعد ؛ فقد حرصت مما تقدم نشره في الحلقات الأربع الماضية على تناول جانب واحد من يومياتنا في السجن خلال المغامرة الصدامية بغزو الكويت بعد مضي سنتين فقط على انتهاء مغامرته الأولى التي استمرت ثماني سنوات في حربه مع ايران ( 1980 - 1988) ، وتحديداً حول كيفية متابعتنا لأخبار تلك المغامرة ، أما الجوانب الاخرى المتعلقة بالظروف السياسية لاعتقالاتنا والتحقيق الذي اُجري معنا ؛ وما تلقيناه خلال التحقيق من وجبات تعذيبية استمرت أياماً ؛ والمحاكمات الصورية التي اُجريت لكل منا ؛ وكذا حياتنا المعيشية طوال إقامتنا الطويلة في سجن القلعة فلم أتطرق إليها في هذه المناسبة ؛ وإن كنت تناولت بعضها لماماً في الحلقات الاربع الماضية ؛ على أمل أن تسنح الفرصة لي مستقبلاً لتناولها مفصلاً ، مع مراعاة بالطبع ترك ما يختص بتفاصيل تجربة كل رفيق على حدا . لكن وبوجه عام يمكنني القول أن ما قدمناه من تضحيات لم يكن سوى نقطة من بحر في تضحيات شعبنا العظيم وطبقتنا العاملة وسائر الكادحين على مدى عشرات السنين في سبيل الحرية ونيل حقوقه المشروعة كاملة ؛ ناهيك عما قدمه مناضلون وقادة اُمميون في العالم - منذ انبثاق نور الفكر الإشتراكي العلمي - من تضحيات هائلة في سبيل المثُل العليا للإشتراكية التي آمنوا بها وكرسوا حياتهم واستشهد العديد منهم من أجلها ؛ و منهم قادة ومناضلون في أحزاب شيوعية شقيقة ، كانوا جميعاً مصدر إلهام لنا في طريقنا النضالي الطويل .
وثمة نقطة اخرى جديرة بالتوضيح في هذه العجالة تتعلق بتركيزي على دور الرفيق أحمد الذكير في تلك الحلقات دون سائر الرفاق ؛ فلم يكن ذلك إلا لصلته بما قام به من دور هام خلال فترة ذلك الحدث التاريخي باعتباره " راصدنا الإخباري " الوحيد لالتقاط أهم الاخبار من نشرة يومية ، والتي سرعان ما جعلناها نشرتين في اليوم من " راديو لندن " ، وقد أدى هذا الدور بكفاءة عالية في ظروف أمنية ومناخية قاسية صيفاً داخل السجن ، ذلك بأن بقية الرفاق الآخرين - كما قلت - كانت لهم جميعهم أدوارهم المهمة المتعددة ، سواء في التحليل والخبرة التنظيمية والنضالية ؛ والتي أفادتنا في إسهاماتهم خلال مائدة الحوارات الأرضية المشتركة التي نعقدها حول القضايا الراهنة والمستجدة ، أم في تأدية المهام اليومية في تقاسم العمل المشترك . كما كانت فترة السجن - كمحطة استراحة للمناضل - مفيدة لنا على المستويين الذاتي والعام ، ومن ذلك الكتابات وممارسة الهوايات في الأعمال الفنية المختلفة وكذلك الرياضية . وكان للرفيق " أبو طلال " على سبيل المثال محاولات تجريبية في الكتابة القصصية استمد بعضها من فترة تمضيتنا اليومية في الشمس في الفناء المكشوف الواقع بين العنابر والمعروف محلياً ب " الفنس " ، حيث يُسمح لنا بتمضية نصف ساعة فيه يومياً ، وأهم محاولاته في هذا الصدد : للشمس طعم البرتقال ، وللحب رائحة التفاح ، حكايات وادي الحنين . وقد عمل على طباعتها تباعاً بعد خروجنا من السجن وكنا أول المتلقين لاهداءاته نسخ منها إلينا .
وعلى الصعيد العام فقد كان أهم كتاب وصلنا على الإطلاق وسعدنا به السفر التراثي العلمي الهام للباحث اللبناني المفكر التراثي السياسي الشهيد الدكتور حسين مروة الموسوم " النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية " بجزئيه الأول والثاني . ولا يوجد بيننا من لم يقرأه مرتين على الأقل ، وهو من الكتب التي كانت محور حوارات قيمة جرت فيما بيننا لفترة من الزمن . ومع أن هذا الكتاب كان ضمن مقتنيات مكتبتي المنزلية وقت الاعتقال ولم يُصادر ؛ لكن لم تسنح الفرصة لي آنذاك لقراءته . أما أهم المجلات التي كنا نسعد أيما سعادة بوصولها من أهالينا فهي مجلتا " العربي " الكويتية و " الهلال " المصرية . ومثلما كان اليوم الذي يخصص لزيارة أهالي أحد الرفاق يوماً سعيداً حيث ننتظر عودة الرفيق من الزيارة لنستقبله بالعناق ؛ ثم لنتحلق حوله ليروي لنا تفصيلا عن أجواء الزيارة ؛ وعن حال الأهل وما تيسر له خلال الزيارة سماعه من الأحبة من شذرات سريعة من الاخبار الاجتماعية والسياسية ، كذلك هو الحال في اليوم الذي توصل فيه - لأي رفيق منا - رسالة من الأهل ،وعادة ما تكون مفتوحة وتمرر بعد أن يقرأها على الجميع بغرض التسلية وقراءة ما متوفر بين سطورها من أخبار عامة. وفي كثير من الأحايين نمضي شطراً من يومياتنا في إنشاد الأغاني الجماعية لفرقة " الطريق " العراقية أو " أجراس " البحرينية وعدد من فناني الإغنية الوطية العرب مثل مارسيل خليفة ، وجعفر حسن ، وفؤاد سالم والشيخ إمام ، وعدلي فخري ، وغيرهم . ولا نعدم أحياناً إنشاد أغاني الحب والحياة والجمال والطبيعة وسائر الأغاني العاطفية العربية الشهيرة . كما نتسلى في أحايين اخرى لخلق أجواء البهجة في غياهب سجننا الموحش الطويل بتبادل الطرائف تجاه بعضنا بعضاً ؛ بما فيها اللاذعة بغرض اختلاق النكتة وكسر روتين السجن .
ومع دخولنا شهر شعبان استشعرنا من خلال النشرات اللاحقة -بعد الحرب - بأجواء الارتياح العام الذي غمرت نفوس الأسر الحاكمة لدول مجلس التعاون بالنجاة من الجاثوم الصدامي الذي أطبق على المنطقة الخليجية طوال سبعة شهور ، وتوقع أغلبنا باحتمال أن يصدر إفراج عام يشملنا مع قدوم عيد الفطر القادم ، لكن فوجئنا بتحقق هذا التوقع في الأول من رمضان المصادف السابع عشر من مارس / آذار 1991 ، وكان من حسن الحظ بأن سُمح لنا باصطحاب كل حاجياتنا الخاصة في السجن ومنها الكتب والرسائل التي كانت تصلنا من ذوينا . ومع أن بعضنا تمكن من استرداد كتبه والمجلات التي صودرت في مداهمات الاعتقالات بعد انتهاء محاكمته أثناء السجن ؛ ومنهم بعض المناضلين الأشدبيين ( المنتسبون لاتحاد الشبيبة الديمقراطي البحراني ) والذين تم إطلاق سراح معظمهم قبل عامين من الغزو تقريباً ، لكن البعض الآخر من الرفاق الحزبيين فشل في هذا المسعى - ككاتب هذه السطور- الأمر وهو ما كان مثار حنقي واستيائي الشديدين ، لاسيما أن أكثرها كان يُباع في السوق المحلية ، كمجموعة كبيرة من مجلة " دراسات إشتراكية " المصرية التي صودرت مني ، رغم أنها كانت تصل شهرياً للبحرين مثل سائر المجلات المصرية الشهرية ، علماً بأنه تمت تبرئتي من تهمة اقتنائها كدليل من أدلة الاتهام . أمابعض كتبي الاخرى النظرية والفكرية المصادرة والتي لم تنفد بعد من المكتبات المحلية فقد تمكنت من إعادة شرائها . كما سلمني أحد الأصدقاء " السابقين " بعد أيام قليلة من الإفراج مجموعة من الكتب الجديدة الصادرة عن دار الفارابي اللبنانية والثقافة الجديدة المصرية ودور تقدمية اخرى الصادرة جميعهاخلال الفترة التي أمضيناها في السجن . وحرصت من جانبي على شراء مجموعة جديدة رأيتها ذات أهمية لمتابعة الأحداث التاريخية الهامة التي وقعت خلال فترة السجن ؛ وعلى الأخص الكتب المتعلقة بالمنظومة الاشتراكية التي انهارت وتحليل سبب الانهيار ، وكتب اخرى تتناول الاتحاد السوفييتي الذي تابعت انهياره المؤسف الصادم خلال العام الأول من الإفراج عنا 1991 ؛ وكان بعد أن تم فصلي الرسمي من وزارة العمل حيث كنت أشغل فيها قبل اعتقالي الأول منصب - رئيساً لقسم العلاقات الدولية - فخرجت من السجن عاطلاً عن العمل إلى أن التحقت بعد ستة شهور تقريباً من خروجي منه بصحيفة " الأيام " الجديدة التأسيس بوظيفة رئيس قسم " الأرشيف والدراسات " و دشنت أول عملي بسلسلة من الدراسات الصحفية عن تداعيات وأبعاد الإنقلاب على آخر زعيم للاتحاد السوفييتي " جورباتشوف " ونُشرت تلك الدراسات بدون ذكر إسمي في الصحيفة بطلب مني . كما أعددت في نهاية عام 1991 مخطوطة دراسية موسعة عن أسباب انهيار المنظومة الاشتراكية ملحقة بثبت طويل من المصادر والمراجع ، واتفقت مع إحدى الصحف الإماراتية القومية على نشرها على حلقات حتى ولو بدون مقابل ؛ لكن أحد الإخوة الفلسطينيين من لهم اليد الطولى في تقرير النشر والعاملين تحت رئيس التحرير الإماراتي بعدما وعدني خيراً في زيارة لي قمت بها للإمارات خصيصة لهذا الغرض لم يفِ بوعده بعد فترة طويلة من المماطلات معي ، فاضطررت إعادة تنقيحها وترتيبها بما يصلح نشرها كمقالات متباعدة منفصلة غير مسلسلة في بعض الصحف البحرينية واللبنانية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نداءات لتدخل دولي لحماية الفلسطينيين بالسجون الإسرائيلية | #


.. غارات إسرائيلية استهدفت بلدة إيعات في البقاع شرقي لبنان




.. عقوبات أوروبية منتظرة على إيران بعد الهجوم على إسرائيل.. وال


.. شاهد| لحظة الإفراج عن أسرى فلسطينيين من سجون الاحتلال الإسرا




.. مسؤول أمريكي: الإسرائيليون يبحثون جميع الخيارات بما فيها الر