الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نحو أدب مغاير

المهدي لعرش

2020 / 8 / 25
الادب والفن


Vers une littérature différente




هذا هو مفهومي الخاص عن الكتابة، عن طبيعة الأدب الذي أعتقد بأني أنتمي له، وعن دوره في الحياة المعاصرة. أنا أسميه بالأدب المغاير. إنه ترياق، ديناميت، ظاهرة متفردة في قتل الملل، ومعاداة التكرار والابتذال والتفاهة. أنا أكتب لأنني كنت وسأبقى دائما مجرد قارئ يقلد. ما أخطه أحيانا هو مجرد اقتراب تقني من شيء ما يمكن وضعه بجانب تلك النصوص التي أفضلها. كل كتابة هي قبل كل شيء اعتراف. نحن نكتب لنعترف. لنقر بعدم مشاركتنا في لعبتهم الاستعراضية. كل كتاب ننجزه دليل واضح نعلن به أمام الجميع، بأننا بعيدون، مغفلون، وسذج، لدرجة الانتشاء بألم ما نمر به، ما نراه، وما نتصيده من جمال في قاع الجحيم هذه.
ثمن الأدب الجيد مكلف جدا. لأنه يقتات على حياة الكاتب، وقته، جسمه، روحه، ودمه. الكاتب هو أجمل إنسان بشع. كائن مأساتي بالضرورة. اللغة عذاب والكاتب شهيد. الكاتب شهيد اللغة. كل كاتب يدرك بشكل بديهي أن سر الفن هو الأسلوب. الحرف هو الأسلوب والأسلوب هو الحرف. إذا كانت لديك جملة تتكون من خمسين حرفا، فأنت تملك خمسين أسلوبا لكتابة تلك الجملة. من السهل الحديث عن الأسلوب الذي لا يقهر، والكتابة الفنية التي تقترب من أن تكون كمالا إعجازيا. لكن ما أصعب الكتابة! ما أصعب أن تحقق شرط الكتابة الفنية العظيمة، والعميقة، البسيطة في عظمتها وعمقها. شرطها الصعب هذا هو خلق العقدة. العقدة هي ما يحتاج الكاتب لخلقه كي يحقق نصا يبهرنا بفرادته. لنتأمل ما قاله الكاتب الأمريكي تشاك بولانيك «لا أحتاج لعقدة في كل فصل، بل أحتاج لعقدة في كل جملة». نرى من خلال هذه العبارة كيف أنه يجب على الكاتب امتلاك رؤية تقارب مختلف الكليات العامة، والتفاصيل الجزئية الدقيقة كذلك للنص الذي ينوي كتابته.
الأدب المغاير لديه أيضا كتابه. تلك الكائنات اللغوية، شبه العدمية. التي لا تجيد سوى القراءة. يقرأون كل شيء. يقرأون كمن يحاول نسيان شيء ما للأبد. الأديب المغاير إما كاتب كبير أو حالم يعتقد أنه كاتب كبير. كل فعل يأتي به، كل حركة يؤديها، أمام الناس أو لوحده، يرى عيون الكون كلها تراقبه أثناء ذلك. أفعاله كلها، واختياراته، وأقواله، والصور التي يلتقطها لنفسه، والجمل التي يكتبها، كلها في اعتقاده ستبقى في التاريخ. من سيمنعه من الإيمان بذلك؟ لا أحد.
ما يميز الكاتب كما يقول ماجد هجلس هو أن كل ما يقوم به في الحياة، وكما الكتابة أيضا؛ يقوم بذلك دون أن يتخلى عن الكتابة نفسها. أعتقد أن ما يميز الكاتب كذلك هو ألمه. ألم الكتابة شيء أساسي في التكوين النفسي لأي كاتب. وهو يأتي نتيجة للتردد، وعذاب الشك بين الرفض والإنفتاح. كل كلمة جادة تركت مكتوبة، كان وراءها شعور عميق بالخيبة والأسى. ماذا بقي؟ كلمات، وكتب. هذه الكلمات والكتب يجب كتابتها بأناقة، بترو، وحذر. يجب كتابتها بأسلوب يعكس روح الكاتب وذاته وإيمانه. الكتابة بلا أسلوب هي مجرد تقليد آلي لفعل الكتابة. ارتجال قولي تم تدوينه. الأسلوب هو ما يمنع الكتابة من أن تكون دعوة للتطبيع مع الملل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فنانون يتدربون لحفل إيقاد شعلة أولمبياد باريس 2024


.. السجن 18 شهراً على مسؤولة الأسلحة في فيلم -راست-




.. وكالة مكافحة التجسس الصينية تكشف تفاصيل أبرز قضاياها في فيلم


.. فيلم شقو يحافظ على تصدره قائمة الإيراد اليومي ويحصد أمس 4.3




.. فيلم مصرى يشارك فى أسبوع نقاد كان السينمائى الدولى