الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القراءة التاريخية كيفاً _ عبد الكريم سروش مثلا 7

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2020 / 8 / 27
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


النبي ساعي بريد
إن رفض فكرة كون النبي ليس مجرد ساع بريد بين الوحي وبين الناس لا بد أن تقابلها فكرة خرى نرفضها أيضا، وهي أن ليس من حق النبي أن يكون راسل ورسول ومرسل إليه في أن واحد، لأن في ذلك نفي عقلي وأمتناع منطقي حقيقي لأن التسليم في ذلك ينفي أن هناك عملية بعث وارسال وهذه هي المسألة الأولى في أعتراضنا على فكرة أن النبي مجرد ساعي بريد، فالمنطق العقلي يقول أن الرسول أو النبي عليه أولا أن يترجم إرادة من بعثه على نفسه ويتقيد بها كونه المأمور الأول، ثم يجسد مفهوم الرسالة كما وصلته ويبسطه في الواقع ليكون قدوة لغيره، هذا يحتم مسألة ذات أهمية قصوى في التعامل مع الأمر الرباني كحقيقة واقعة قبل أن يباشر في نقل الرسالة لغيره، فهو وإن كان ناقلا فعليا للرسالة ولكنه بالدرجة الأولى معني قبل غيره في تطبيقها على الأرض وهذا يخرج طبيعة الرسول من كونه ساعي بريد.
وأن الموضوع بهذه الشكلية أو الإدعاء بأن النبي مزج أولا روحيته الخاصة بالرسالة قبل أن ينقلها للناس، كل ذلك وبرمته مجرد خداع عقلي لا يستند إلى مقومات الرسالة وشروطها الثلاث خارج الموضوع وداخل الذات وطبيعة الوسيلة للربط بينهما.
نفهم من ذلك أن من الضروري أن يكون المرسل إليه الأولي والذي سيكون بدوره رسولا نهائيا تابعا للراسل الباعث الموجه، وليس للرسول أن يدعي أحقية في التوجيه ويتعامل مع الوسيط الرسالي ولا مع الباعث من هذا المنطلق (فكلما جاء به النبي فهو حسن وجميل. وبما أنّ كلامه لا يصدر عن الهوى فهو عين الهداية. ولذلك فإنّ الدين هو التجربة الروحية والاجتماعية للنبي، ومن هنا يكون الدين تابعاً للنبي، وبما أنّ هذه التجارب لا يكون اعتباطية بل تعني تأييداً ودعماً لشخصية النبي الإلهية فينبغي على جميع الأتباع وكذلك شخص النبي أيضاً الالتزام بهذا الدين وامتثال أوامره. ). هذا الخطل الفكري الذي يجعل من الدين الذي هو أمر الله بالتسليم المنطقي لكلامه تابعا للنبي وتجربته الروحية كما يقول، وأن النبي بذاته تابع لمن هو بالفرض أن يكون واجب الأتباع له، لذا فهذا التشويش والخلط بين نكران الوحي من جهة وأعتبار كلام النبي هو وحي يوحى لا يبدو متسقا في الطرح وفض التناقض الذي وقع فيه سروش، ليدور في فكرة (الدائرة المغلقة) التي لا توحي ببداية ولا تؤشر إلى نهاية محددة.
المسألة الثانية _ كون أن هذه النتيجة التي يقررها تتناقض بالكلية مع افتراض أكيد أن ما جاء به الوحي من خلال الأنبياء كخبر معرض للصدقية والتكذيب لان في ذلك هدم لمفهوم الوحي كونه رسول الصادق العالم الكامل، هنا يفترض الدكتور سروش ان الباعث للوحي قابل أن يكذب أو يصدق بالذاتية كونه خبر وقد جزم بذلك، ليصل إلى تأسيس مفهوم نقض المعصومية عن الوحي، وبالتالي تصبح القضية الدينية برمتها من حيث التكوين والمصدر معرضة للنقض والتكذيب حسب المنطق لأن الخبر يحتاج لبرهان عملي لأثبات مصداقيته ويقينيته على أقل تقدير، وأن على الإنسان أن يصحح لله مورد الخطأ والنقص وممارسة التصويب (ولكننا نقول إن السير في الطريق الصعبة غير المعبدة، والسقوط والنهوض، والصلح والحرب، والخطأ والصواب، والتخطئة والتصويب، هو الذي يصحح المسار وييسر الارتقاء).
المتن الفكري لسروش إذا في واقعه بسيط جدا ويتلخص بأن كل التفكير البشري حول الدين هو صورة للفهم على أنه فكر تاريخي وغير معصوم من الخطأ، بل يفترض بناء على ما يؤمن أنه اصلا قابل للنقض ومحكوم بجزء كبير منه بذلك، بهذه الفكرة يقطع ليس في عصمة الرسالة والنبي بل يتجاوز بذلك ما هو اكثر عمقا بهدفيته وهو وجود الله كمنظم خارجي ذي قوة وسلطان على الخلق وفي عقلانية الايمان بالله، لأنه إذا كانت كل المعرفة الإنسانية عن الدين كجوهر وكممارسة على حد السواء معرضة للخطأ، فلا أحد يمكنه أن يطالب بتطبيق الشريعة الإسلامية باسم الله، وبالتالي هدم مرتكز الإيمان أصلا لأن في وجود الله محل شك وقد لا يكون هناك رب حقيقي يمكن ن ننسب إليه هذا الدين، لأننا نؤمن بالله كما يقول من خلال إيماننا بالدين الذي نزعم أنه أرسله لنا.
نعم علينا أن نفرق بين الفهم التاريخي للدين وبين أن نجعل أسس الدين شيء من فهم التأريخ الذي يجب أن ينظر على أنه بحاجة للتغير في قواعده ومرتكزاته، في الحال الأول الفهم متغير متنوع وقد يتبدل بحسب معطيات الزمن وأحكامه وهذا مما لا شك فيه وحسب معطيات ومقدمات القراءة نفسها، أي أن الفهم هو ذاتيا يحمل قوة التنوع والتعدد، وبالتالي النتائج لا يمكن ضمان وحدتها أصلا ،لكن الإشكالية تثور عندما نؤمن بالحال الثاني وهو حاجة الدين للتغير بدل حاجته لتغير القراءات وتغير الأفهام، وهو ما يخلط كثيرا فيه الدكتور سروش فيقول مثلا (مكِّن الرؤية الإنسانية للقرآن من التمييز بين الجوانب الجوهرية للدين وجوانبه التاريخية. بعض أجزاء الدين محددة تحديدا تاريخيا وثقافيا ولم تعد اليوم ذات أهمية). ، أي علينا أن ننقي الدين من بعض جوانبه تماشيا مع قراءتنا التأريخية له ونستعيض بدلا عنها بما يفرضه لواقع من أحكام مستجده نصبغها إكمالا له وهو ما يتعارض أصلا مع إيمان المسلم بالأكتمال التشريعي لا أكتمال التجربة {أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }المائدة3.
هذا الأنكار يمتد أفقيا وعموديا في موضوعية الدين عند سروش ويعتبره من قبيل الخلل الناقص لكمالية الدين بالوحي وتمامية الرسالة بالمؤديات فيقول نصا في غاية الغرابة (ليس الخلل في فهم الدين فحسب، بل يمتد إلى الدين نفسه حيث تمّ جعل الكثير من الأحاديث على لسان رسول الله وأولياء الدين ممّا جعل علماء الدين يواجهون صعوبة كبيرة في تمييز الصحيح من السقيم من هذه الأحاديث)، أذن هو يتكلم هنا في فهم الفهم البشري للدين وليس بفهم الدين كمشروع تام وكامل بذاته لا من خلال القارئ أو المتفهم له، هذه المقدمة متفق عليها ولا أظن أن عاقلا ينكر تأثيراتها على فهمنا للدين ولكن الأخطر هو التالي، حينما يزج مفردة بين مجموعة حقائق لتؤسس لشرخ كبير في عقيدة الدين فيواصل القول (فما وصل إلينا من النصوص الدينية «مجموع الكتاب والسنّة» لا يمثل الوحي بأجمعه ولا أنه خال من الوحي بأجمعه «أي أنه غير خالص» فما أكثر الروايات التي لم تصل إلينا، وما أكثر الروايات الموضوعة التي بقيت في أيدينا، وما أكثر الأسئلة والأجوبة التي بإمكانها كشف الغبار عن حقائق مهمة لم يسألها الأصحاب من النبي(صل الله عليه وأله) والأئمّة (عليهم السلام) أو سألوا عن مسائل معينة ولكنهم لم يجيبوا عنها بسبب التقية أو بسبب آخر).
العبارة المحشوة بين قوسين «مجموع الكتاب والسنّة» هي مصدر الغرابة وموضوع الشرخ عندما ينفي أن يكون الدين كله قد تم تنزيله وحفظه ويزرع بذور الشك في القرآن كونه (ناقص غير تام وفيه موارد حكمية قد حذفها العامل البشري تعمدا) لغرض منه إخفاء أحكام وتصورات قد تكشف حقائق مخفية أو تخفي حقائق موجوده هذا أولا، ومن جهة أخرى هدم اليقينية والمعصومية لكتاب الله الذي لا يأتيه الباطل بفعل زيادة أو نقصان أو حتى تبديل أو تحريف {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}فصلت42، ومسألة حفظه والمحافظة عليه كما وردتا في النص التالي {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ }الحجر9.
القول بعدم اكتمال الدين يفتح الباب للتأويلات والتداخلات التي منها ينفذ الكثيرون للطعن بالدين ذاته من خلال أولا، عدم الجزم بأهلية الكامل لأن يكون متكامل ومتفاعل حقيقي مع الوجود ومنها الفهم التام الذي يستوعب كل القضايا في زمنه وفي الزمن اللاحق، ومن ثم الطعن أصلا بمشروعية الدين ومنها الحاجة إلى ن يكون لهذا الدين تتمة إذا أردنا أن يكون محرك فاعل للمجتمع، وهنا يدخل العامل لبشري المكمل له حسب رأيه ليؤسس مشروع التدخل البشري من غير وحي ولا إلهام ولا وظيفة تخصصية من رب الدين، وقد تثار إشكالية جديدة تتمثل بالتفاضل بين البشري الذي جاء نتيجة التجربة التاريخية الإنسانية والمستجيب لها، وبين الغيبي الذي من ضعفه وركاكته لم يجعل الدين متأهلا أصلا ليحل كقانون محكم.
إن إيراد هذه العبارة وحشوها مع سياق الكلام وما ينتج عنها من تداعيات سوف تستثمر على المدى البعيد والقريب لنسف أهلية الدين، كونه القاعدة التي ننطلق منها كمجتمع وكفكر ليكون العامل الذي يسوق بتفاعله مع العقل ومع الزمن حركة الوجود، لأن النقص الحاصل فيه لا بد أنه ترك الكثير من الزوايا التي بحاجة إلى معالجة حقيقية بلا رؤية وبلا تصور ممكن، وهنا لا بد من أستدعاء العامل البشري كما قنا لإكماله، وما يكمله العامل البشري مع افتراض سروش الأصلي ببشرية الدين نصل لنتيجة مفادها، (أننا يمكننا أن نستبدل هذا الدين بدين أخر من صنع الإنسان أو حتى رفضة نتيجة للعامل السابق ونتيجة للفشل المتواصل من قبل هذا الدين لأن يتفاعل بتأريخيته مع الوقائع والمواضيع التي تهم الإنسان وتهتم بوجوده)، هذه الغائية النهائية من طرح الفكرة وإن لم يصرح به إجمالا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص


.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح




.. مباشر من المسجد النبوى.. اللهم حقق امانينا في هذه الساعة


.. عادل نعمان:الأسئلة الدينية بالعصر الحالي محرجة وثاقبة ويجب ا




.. كل يوم - الكاتب عادل نعمان: مش عاوزين إجابة تليفزيونية على س