الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاشكال الرمزية

عبدالله احمد التميمي
فنان وباحث

(Abdallh Ahmad Altamimi)

2020 / 8 / 28
الادب والفن


تكمن قدرة الانسان على استخدام الأشكال الرمزيّة من أجل التعبير عن مشاعره وأحاسيسه وحاجاته الخاصة، والتواصل مع الاخرين للدلالة على ما يدور في خلده. وقد شكّل استعمال الرموز الدالة على الشكل الى استثمار الوظيفة الرمزيّة لمعاني الاشكال، وبذلك أعطى هذا التطور مكانة بارزة للأسطورة والفنّ والعلم وجعل الفن يحتلّ مكانة بارزة بالمقارنة مع مختلف الإبداعات الادبية الاخرى. ويعتبر الترميز ملكة مميّزة للإنسان، للتعبير عن حسّه الجمالي بواسطة اللّغة الفنيّة والإبداع الجمالي وخوض التَّجربة الإنشائيَّة الافتراضيّة، وبالتّالي أنّ الوظيفة الرمزيّة هي الخاصيّة المميّزة للإنسان. وأنّ الطريق المؤدي إلى الأنثروبولوجيا هو دراسة الحقول الأساسيَّة الّتي تتفرّع منها ثقافة الأشكال الرمزية في التاريخ والخيال واللّغة والفكر. ويتحدّد مضمونها بما تضيفه تلك الثقافة من معطيات حول طبائع الانسان، عبر تطوّره وارتقائه من الأشكال الأوّليّة للحياة الى ما هو عليه الان، ودراسة أنماط سلوكه والتغيّرات التي تطرأ على بيئته الاقتصاديّة والاجتماعيّة والرقمية.
ويعتبر الرمز شكل من اشكال الابداع الفني، حيث يهدف الى التعبير عن المدلول العام لصفة الموضوع وهو مرتبط بالصياغة الفنية والجمالية كوسيلة لتحقيق الاستجابة البصرية للشكل الدال المعد لغرض وظيفي وان قيمة ومكانة الرمز ترتبط بمدى تحقيقه لهذا الهدف. وهو بمثابة علامة تدل على شيء ما له معنى وجودي قائم بذاته يمثله ويحل محله، بحيث تكون العلاقة بين الاثنين هي علاقة الخاص بالعام. ولا يتحقق الرمز الا بالشكل الوظيفي الدال على المعنى، وهو وحدة يقوى على احداث انفعال حدسي بصري ذات قيمة اتصالية، والغاية من الرمز هي الاشارة الى شكل انتاجي او خدمي او ثقافي، يكون ذات فكرة او موضوع معين مرتبط بالمعني الظاهري للشكل، كوسيلة لتحقيق الاستجابة البصرية. وما تحمله الرموز من اشكال مرئية تكون في الغالب ذات معاني ودلالات رمزية معدة مسبقاً لغرض انتاجي وظائفي، وان طبيعة العلاقة بين الشكل والرمز تتحدد بمدى التأثير البصري عن مدلول الفكرة، التي أدت الى اكتساب الشكل الرمزي صفة تعبيرية، وهذه العلاقة تكون نظاماً مفرداً يشكل معنى، والمعنى ليس في الشكل فقط بل بالنظام المحدد لتلك العلاقة الكامنة بالأشياء التعبيرية. والاشكال الدالة لا تكون ذات دلالة الا برمزيتها وانتقالها من معنى الى معنى. حيث تشكل الموائمة بين الشكل والمعنى وسيلة الفن للوصول إلى درجة المثال، الذي تشكل عناصره وحدة واحدة تتجاوز الزمن وتصل إلى عالم المطلق، بحيث يكون الشكل المجسد على سطح اللوحة، بما يحمله من رموز ودلالات، تصبح مجردة من كل مظاهر الطبيعة، من أجل تشکيل بنية بين جزئيات العمل الفني، للوصول إلى المعنى نتيجة تداخل الخطوط والالوان وتراكيبها وتناسقها وتنظيمها في جزئيات ضمن مستويات سطح اللوحة الفنية
وتصبح عملية توظيف الرمز قوة داخلية محركة للعناصر الصياغات الفنية، هذا الوعي الإبداعي للجمال المحسوس، يضفي على العمل الفني غموض في الفكر والتعبير، والعمل الرمزي يجب ان لا يكون مثالياً وحسب لان المثالية تقتصر على الاقصاء من الطبيعة، بل يجب ان تكون فكرية ايضاً، ومجسدة للأفكار لان مثالية الشكل تكمن في التعبير عن الرموز التي تفسر هذه الفكرة بالأشكال المدركة من الذات. من حيث التركيز على استخدام الخطوط والالوان والاكثار منها بصورة متراكبة ومتداخلة مع بعضها، واثناء تشكيل تلك الرموز الفكرية، يبدأ الفنان باستخدام تقنياته الفنية عند صياغة تلك الرموز والشفرات، وتقديمه بصورة جديدة والخروج عن المألوف والسائد، بحيث تكون للفلسفة الفكرية دورة في اختزال الكثير من التكوينات والعناصر، للوصول إلى المعنى ورمزية الشكل في اثارة الفكر والشعور بالعوالم المتميزة التي تحملها اللوحة الفنية، وتلك النزعة التي بلجأ البها الفنان في تفسيره لكل معطيات الواقع وتجرده، بحيث تكون هناك مساحة واسعة من التأمل والخيال للنظر إلى ما وراء الشيء حيث يكون الفن رمزا والعمل الفني شكلاً رمزياً.

وبذلك تشكل الفكرة – المضمون وهو الاساس الجوهري للوحة الفنية الرمزية التي تتحقق رمزیتها بالخطط والالوان والكتلة والشكل المجسد، ليكون بعيدا عن الواقع، اذا اللوحة الرمزية المرتبطة بالمدرسة التجريدية في مضمونها تحتاج إلى شكل يشير الى الفكرة التي يقصدها الفنان، ويعبر من خلالها إلى مضمون فکري متجسد في الواقع الافتراضي، ويستطيع الفنان أن يبرزة عبر الشكل المادي المتجسد، ومهما تنوعت تلك الأشكال التي لها خصائص مادية غرائبية في طريقة صياغتها وتركيبها اذ انها تحتوي بداخلها على الفكرة المعبرة عن الرمز والشفرات والدلالات، التي بنم تنظيمها وتناسقها سواء من حيث الاشارة او الايحاء، او الحركة الظاهرة او الضامرة للإشكال، فالظواهر المحسوسة هي ظواهر بسيطة معدة لمحاكاة الأفكار، وعليه فالأشكال الرمزية قبل كل شيء تستعمل للتعبير عن ذاتها بشكل فني مميز.
وتقوم الرمزية على رفض المادية المثالية والغوص بعيدا في العقل الباطن المتمثل بالشعور والتأمل الداخلي اللوحة واعطائها قيمة فكرية، بحيث تفصل بين المادة والشكل المتجسدة في الفكرة ، والرمزية لا يمكن صياغتها بقالب نمطي يتسم بأحادية الفكر، فهي تحافظ على ذاتها بقوة الفن او ما يرمز اليه ويوحي به. والشكل في الفن الرمزي يكون هو نتاج التجريد في ألية التوظيف، من حيث استخدام تقنيات متجددة في عملية تشكيل الخط واللون والاشكال الهندسية، بغية اعطاء صفة التداخل بين المدرسة التجريدية التي تسعى الى تجريد الواقع الى أشكال رمزية.
وبتراكب المعاني الرمزية يتضاعف المعنى الداخلي في تشكيل الموضوع، عبر توظيف العديد من الرموز والشفرات والدلالات التي تجعل المتلقي بنقاد لا شعورياً في متابعة المنتج وتكون هناك مشاركة عاطفية لفك تلك الرموز والشفرات، كما هو في بعض رموز العلامات التجارية، او الرموز الرياضية، للإشارة والتنبيه الى الشكل المدرك كعلامة تعارف تحاكي شيئاً اخر، او شكل الحمامة لتكون رمزاً للسلام، او شكل الاسد للرمز على القوة والشجاعة، او شكل الميزان للدلالة على صفة العدل، وقد لا يتطابق مدلول الرمز عن ما يمثله من دلالات، حيث بالإمكان استخدام اشكال اخرى للتعبير عن العدل والشجاعة كالسيف على سبيل المثال، لذلك يمكن اعتبار كل الرموز المحيطة بنا انها تحمل افكاراً مجردة للشكل، حيث يتم تمثّيل هذه الأفكار المجرّدة في أشياء مدركة نسمّيها رموزا، تكون ملحقة بالغرض الوظيفي الذي ترمز إليه الفكرة، وهنا يمكن واعتبار العلاقة بينهما علاقة محاكاة طبيعية مرتبطة بسياق الزمان والمكان، فالرمز بهذا المعنى يحاكي الفكرة والغاية القائمة على الغرض الذي يوحي اليه الشكل، ومن جهة اخرى قد يمثل الرمز قوة داخلية، وهو ما يعطي للرمز نوعا من الاستقلالية الذاتية عن الغرض الذي يشير إليه الشكل. مثل رمز زهرة اللوتس في الطقوس الفرعونية، فقد أبدع المصريين القدماء على تمثيل الاشكال بالرموز في كل مناحي الحياة ومجالاتها سواء كانت اجتماعية، أو دينية، أو ثقافية. او قد تعبر الرموز عن المشاعر والحب بالرغم من الاعتقاد الشائع بأن الحب يمثل شكل القلب، لكننا جميعاً نعلم أن شكل قلب الإنسان الحقيقي يختلف عن شكل الرمز المحاكي له. ومع ذلك هناك نظريات متعددة حول هذا الرمز، فقد يكون شكل البجعات عندما تلتقي بعضها مع البعض في منتصف البحيرة، مشكلة بذلك شكل رمز الحب وتندمج اشكالها مجتمعة مكونة شكل الوفاء والإخلاص، وفي ذلك رمزية أن البجعات تظل وفية لبعضها البعض طوال الحياة. وهناك اعتقاد في الطقوس اليونانية أن رمز القلب يحاكي شكل حوض الانثوي والارداف. ولذلك فقد قاموا بإنشاء معبد أفروديت وتم استخدام ذلك الرمز للدلالة على الحب، ويعتبر هذا المعبد هو الوحيد في العالم لعبادة الحب والأرداف.
وعلى الرغم من ازدحام حياتنا بالكثير من الاشكال والرموز؛ بدءًا بالأحرف المسمارية والهيروغروفية الى الأبجدية، والأعداد الفارسية واللاتينية، والأسماء والشارات العامة والوطنية والرموز الدينية والدنيوية. الا ان ثمة غريزة متأصلة بالنفس البشرية تدفع الانسان الى خلق واستخدام الاشكال الرمزية في التعاملات الحياتية. ويمكن ملاحظة ذلك في مخطوطات كافة المعارف والعلوم المقدسة في العصور القديمة، فهي كانت على شكل رموز لتلخيص المعارف الانسانية والعلمية، وفي هذا العصر يمكن مشاهدة الرموز في الاجهزة الخلوية واجهزة الحاسوب، حيث يرمز للصفحة الرئيسية بشكل البيت على هيئة " كوخ". مما شكَّل من هذه الرموز لغة رمزية ذات معاني متعددة، يمكن تفسيرها على الصعيد الشكلي للطبيعة والكون أو على الصعيد الانساني. لذلك ان مفاتيح الرموز تكشف لنا طبيعة الاشكال التي توفر لنا أجوبة ما عن حقيقية تلك الاشكال في أذهاننا. حيث تتناول بعض الرموز الاشكال الهندسية لتحاكي قضايا كونية، فقد تمثِّل الدائرة، شكل الكواكب كما أُشير إليها في الطقوس البابلية، وإذا وضعنا نقطة في منتصف هذه الدائرة تتشكل لدينا معانى الروح في الفضاء الكوني. ويمكن ان ترمز الدائرة لدى بعض الحضارات على البيضة الدلة على الرمز المقدس في نشأة الكون الذي وُلدت فيه كل العوالم والكائنات الحية، أما إذا كان شكل الدائرة يحاكي الشكل الحلزوني، فإنها تمثل التطور والتغيُّر والنمو. وتتجسَّد فكرة الرمز ايضاً في شكل المثلث المتساوي الأضلاع. فالنقطة العليا للمثلث، ترمز للحياة و التي تنبثق منها ثنائية الروح والمادة التي والتي تجسد فكرة الطاقة والجوهر، والتي تعتبر مصدر جميع الأشياء. كما يحاكي تقاطع الضلعين الى الصليب الذي يرمز الى الحياة الأبدية في الديانة المسيحية وعند المصرين القدماء وعند البوذيون في الهند، وترمز فكرة الصلب ايضاً على تجسُّد الألوهية كما في المسيح المصلوب. وهذه اشارة على العلاقة القائمة بين التشخيص والرؤية البصرية من خلال تمثيل الشكل على هيئة رمز ليكون ذات تأثير نفسي قادر على الاقناع.
من كتابي كيف تقرأ الشكل الدال








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/


.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي




.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و


.. كل يوم - د. مدحت العدل يوجه رسالة لـ محمد رمضان.. أين أنت من




.. كل يوم - الناقد الرياضي عصام شلتوت لـ خالد أبو بكر: مجلس إدا