الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة نقدية أولية للقانون الإطار 51-17

انيس منون

2020 / 8 / 28
التربية والتعليم والبحث العلمي


تــــقــــديــــــــم :


في وضع يشهد أزمات متتالية للنظام الرأسمالي على المستوى العالمي، وفي محاولة من القوى الإمبريالية العالمية التنفيس عن هذه الأزمات بمختلف الطرق والوسائل، تتغير طبعا مع تغير الزمان والبقعة الجغرافية. إلا أن الهدف واحد ألا وهو إطالة ما أمكن من عمر هذا النظام المتصدع. ولو على كاهل الشعوب المقهورة في أرجاء الكرة الأرضية، بل الأصح قولا هنا "خصوصا على حساب الشعوب المقهورة" بحيث تلجأ الإمبريالية العالمية إلى مستعمراتها القديمة الجديدة الموكلة للأنظمة التبعية من أجل استخلاص أكبر ما يمكن من فائض القيمة من خلال عصر الطبقات الكادحة، ولأن الرأسمالية حولت كل شيء إلى سلعة، وأعطت لكل شيء سعرا وجعلته قابلا للبيع والشراء، فهي تحاول جاهدة الاستلاء على القطاعات الحيوية وتفويتها للخوصصة لإرضاء المستثمرين، كانوا محليين أو أجانب،
وبما أن ما هو عام يؤثر جدلا في ما هو خاص، و باعتبار المغرب بلد تبعي لسياسات الإمبريالية العالمية، ينال وطننا حقه من هذه المخططات الطبقية التي تجهز سنة تلو الأخرى على المكتسبات المادية و المعنوية التي ضحى عليها شعبنا البطل و قدم عليها آلاف الشهداء و أضعاف عددهم من المعتقلين السياسيين و المنفيين، خصوصا قطاع التعليم باعتباره قطاع حيوي و باعتبار التعليم حق مقدس لأبناء العمال و الفلاحين و عموم الكادحين، إلا ان تسايل لعاب المستثمرين على هذا القطاع من جهة، والضغط الذي يشكله صندوق النقد الدولي عبر تقاريره و توصياته من جهة أخرى، يجعل هذا القطاع يشهد إنزالا من البنود التي يروج أنها لغرض إصلاح هذه المنظومة و تقويمها، لكن في باطنها يظهر بجلاء أنها بنود تصفوية هدفها حرمان أبناء الشعب من حقهم المقدس بغية تفويت الحقل للخوصصة، هذه البنود التي تأتي دائما ضمن رؤى و مواثيق و استراتيجيات تحمل شعارات رنانة تروج لها ترسانة النظام الإعلامية، آخرها و ليس أخيرها ما يسمى بقانون الإطار 51-17 المزعم تطبيقه على مدى عدة سنوات ابتداء من الموسم الدراسي المقبل.
سنحاول التطرق لمضامين هذا الإطار ونقوم بتحليل ومناقشة محتواه رفعا لأي لبس وفضحا لأي غطاء كان فوق الأهداف الحقيقية له.

قانون الإطار 17-51
تتكون مذكرة تقديم مشروع هذا القانون من 40 صفحة يفتتحها سياق مشروع هذا القانون-الإطار واعتبارات وضعه وتم عرض أهدافه في الثلاث صفحات الأولى، بينما خصصت بقية الصفحات لعرض بنية هذا المشروع تم توزيعها على عشرة أبواب وتضمنت ما مجموعه 57 مادة.
يتضمن الباب الأول أحكاما عامة إضافة إلى شرح بعض المصطلحات المستعملة...
يفتتح الباب الثاني بمبادئ منظومة التربية والتعليم والتكوين والبحث العلمي وأهدافها ووظائفها حيث جاء في المادة 3 أن هذه المنظومة تعمل على تحقيق العديد من الأهداف لعل أهمها:
الإسهام في تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة من خلال إكساب المتعلم المهارات والكفايات اللازمة التي تمكنه من الانفتاح ولاندماج في الحياة العملية..
تعميم التعليم وفرض إلزاميته بالنسبة لجميع الأطفال في سن التمدرس باعتباره حقا للطفل، وواجبا على الدولة ولأسرة..
تأمين فرص التعلم مدى الحياة وتيسير شروطه...
احترام حرية الابداع والفكر والعمل على نشر العلوم والمعرفة...
محاربة الهدر والانقطاع المدرسيين بكل الوسائل المتاحة...
بينما تذكر المادة 5 أن منظومة التربية ت.ت.ب.ع تقوم من أجل تحقيق هذه الأهداف المشار إليها أعلاه بالوظائف التالية:
التعليم والتعلم والتكوين والتأطير
نشر المعرفة والاسهام في تطوير البحث والابتكار...
ادماج البعد الثقافي في البرامج... بما يكفل تعريف الأجيال القادمة بالموروث الثقافي الوطني بمختلف روافده وتثمينه...
بينما جاء في المادة 6 ما يؤكد أن تحقيق هذه الأهداف أولوية وطنية ملحة، ومسؤولية مشتركة بين الدولة والأسرة وهيئات المجتمع المدني، والفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين، ويتعين على الدولة أن تتخذ ما يلزم من تدابير تشريعية وتنظيمية ومالية لتحقيق الأهداف المذكورة والسهر على تنفيذها، كما يتعين أن تساهم الجماعات الترابية والقطاع الخاص ومختلف الهيئات الأخرى في تحقيق هذه الأهداف وان تنخرط في مسلسل تنفيذها...
تبدوا هذه الأهداف في ظاهرها نبيلة وجد سامية، بل وتحفز كل المعنيين كل من موقعه للعمل على بلوغها وتحقيقها اليوم قبل غد. وهذه الأهداف المذكورة أعلاه تكاد لا تختلف عما سبقها من اهداف سواء التي سطرها الإصلاح الجامعي أو الميثاق الوطني أو الرؤية الاستراتيجية...
لكن يبقى الحبر على الورق شيء وتحقيقه على أرض الواقع شيئا آخر. طبعا مع الأخذ بعين الاعتبار الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للبلاد. فمثلا نرى أن من بين الأهداف المذكورة تأمين فرص التعلم مدى الحياة وتيسير شروطه لكن في الواقع نرى أن الولوج للتعليم العالي أو الجامعة خصوصا يستعصي سنة بعد سنة، وتكثر في كل موسم الشروط التعجيزية-الإقصائية تتجلى مثلا في عدم تسجيل الطلبة حملة شواهد البكالوريا التي تتجاوز سنتين، أو الطلبة المجازين، وفي شعب معينة يكون من بين الشروط ألا يتجاوز الطالب سنا معينة إلخ ...

يتعلق الباب الرابع بكيفية الولوج إلى منظومة التربية والتعليم والتكوين والبحث العلمي وآليات الاستفادة من خدماتها ويتكون من 7 مواد سنتطرق لأهم ما جاء فيها.
المادة 17 : من أجل تعميم التعليم الإلزامي بالنسبة لجميع الأطفال البالغين سن التمدرس، يتعين على الدولة خلال أجل لا يتعدى ست سنوات، تعبئة جميع الوسائل اللازمة، واتخاذ جميع التدابير الملائمة لبلوغ هذا الهدف طبقا لأحكام المادة 3 من هذا القانون-الإطار، ولا سيما منها التدابير التالية:
تفعيل دور جمعيات المجتمع المدني المهتمة بالشأن التربوي، ولا سيما منها جمعيات آباء وأولياء التلاميذ
وضع نظام خاص لتحفيز وتشجيع الأطر التربوية والإدارية على ممارسة مهامها بالأوساط القروية وشبه الحضرية...
المادة 18 : تسهر الدولة على اتخاذ التدابير اللازمة من أجل تمكين المتعلمين في مختلف مستويات منظومة التربية والتعليم والتكوين والبحث العلمي من الاستفادة من الخدمات الاجتماعية التالية :
خدمات الإيواء والإطعام بالنسبة للمتعلمين من ذوي الاحتياج
نظام التغطية الصحية
نظام للمنح الدراسية لفائدة المستحقين الذين يوجد آبائهم أو أوليائهم أو المتكفلون بهم في وضعية اجتماعية هشة..
نظام للقروض الدراسية لفائدة المتعلمين الذين يرغبون في الاستفادة من هذه القروض قصد متابعة دراستهم العليا...
المادة 20 : تعمل الحكومة بشراكة مع جميع الهيئات العامة والخاصة وفعاليات المجتمع المدني، على اتخاذ جميع التدابير اللازمة لضمان استدامة التعلم والقضاء على الامية ومسبباتها ومظاهرها، في أجل أقصاه ست سنوات، ولاسيما من خلال :
تعبئة الموارد المالية اللازمة وتعزيز الشراكات وتكثيف التعاون الثنائي ومتعدد الأطراف، لتمويل برامج ومشاريع محو الأمية وتشجيع الاقبال على التعلم والتثقيف...
قد يبدو ظاهر هذه المواد واضحا كسابقاتها، لكن لفهم جوهرها وجب تفكيكها وربطها لكشف الغرض الحقيقي منها، ما جاء في المادة 17 وما ذكرته من دور للجمعيات لاسيما جمعيات آباء وأولياء التلاميذ في تعميم التعليم الإلزامي لا يمكن أن يطبق على أرض الواقع، فواقع هذه الجمعيات لا يخول لها القيام بأدنى نشاط من داخل المؤسسة التابعة لها، حيث أن هذه الجمعيات لم تعد تعرف مشاركة ولا انخراط اباء واولياء التلاميذ بها، وأصبحت جمعيات شكلية ومتواجدة على الورق فقط، يعرفها التلميذ والولي او الاب من خلال ذلك المبلغ المدفوع لصندوقها بداية كل موسم دراسي، وتختفي بعدها تماما الى بداية الموسم المقبل، فكيف لمثل هكذا جمعيات أن تساهم في تعميم التعليم الإلزامي وهي غير موجودة أصلا؟ أو يتحكم بها أشخاص معدودون على رؤوس الأصابع وغالبا ما يكونون أساتذة بنفس المؤسسة في أفضل الحالات..
بينما في المادة 18 تم ذكر خدمات الإيواء ونظامين للمنحة والقروض الدراسية.. هنا توضع أكثر من علامة استفهام على كل سطر من أسطر هذه المادة، فما المقصود بـ"المتعلمين من ذوي الاحتياج" وما الغرض الحقيقي من إعطاء وصف فضفاض كهذا خصوصا في ما يتعلق بخدمة تعتبر أساسية ولا غنى عنها بالنسبة لعدد كبير من أبناء الشعب، إن المراد من إعطاء وصف مبهم كهذا هو إعطاء مجال أكبر للتعديل والتلاعب بالشروط المطلوبة من أجل الولوج لخدمة السكن و الإطعام حسب كل جهة، بغية التحكم أكثر في اعداد الملتحقين والمستفيدين من هاتين الخدمتين.. نفس الشيء ينطبق على نظام المنحة الدراسية، حيث أن ذكر شرطين أساسيين هما 1–الاستحقاق- 2–الوجود في وضعية اجتماعية هشة-... نتساءل هنا أيضا ماذا يقصد بالاستحقاق؟ هل سيتم اجتياز مباراة من اجل الظفر بالمنحة؟ أم يجب الحصول على نقطة معينة أو معدل معين كحد أدنى.. كما ذكرنا سابقا يبقى الهدف من هذا الغموض هو تيسير صياغة الشروط الاقصائية حسب الشروط لكل جهة أو حتى لكل مؤسسة...
آخر نقطة ذكرت في المادة هي نظام القروض والذي يخص الدراسات العليا فقط، لكن هو قرض من أجل ماذا؟ ما الهدف من وراءه؟ هل فعلا مساعدة المتعلمين أم شيء آخر؟ طبعا هو قرض يأخذه الطالب من أجل دفع رسوم تعليمه العالي، و يقوم بإرجاعه بعد تخرجه وحصوله على وظيفة (كحال الطلبة في بعض البلدان الأوروبية وأمريكا) فإذا كان التعليم شبه مجاني، ما الغاية من القرض الدراسي؟ لمحاولة معرفة الإجابة نلقي نظرة على وضعية التكوينات الخاصة والباهظة الثمن التي في اغلب الأحيان تحتاج الى قرض، فمع تزايد عدد الشعب والتكوينات وكذا الماسترات الخاصة في كل الجامعات المغربية، ومعادلتها للدبلومات العمومية، إضافة إلى الترويج والدعاية المستمرتين لها تكثر من الاقبال عليها فيأتي القرض الدراسي كحل سهل من أجل الولوج لهذه التكوينات، خصوصا انها أصبحت اكثر تفرعا وتخصصا من نظيراتها العمومية، فنجد أن عدد الاجازات المهنية الخاصة اكثر من نظيراتها في القطاع العام، بل وداخل أسوار المؤسسات العمومية (المدرسة العليا للتكنلوجيا كمثال) نجد عدد الاجازات المهنية الخاصة اكثر منه عامة. كذلك دبلومات الدراسات الجامعية العليا و الماسترات أكثر عددا من نظيراتها العمومية.. (المدرسة الوطنية للتجارة والتسيير كمثال).. هذا كفيل بإظهار الغرض الحقيقي لهذا النظام ألا وهو التمهيد الغير مباشر لخوصصة قطاع التعليم العالي (وجب الإشارة الى انه سيتم استبدال نظام الاجازة الحالي بنظام البكالوريس).. ليس هذا النظام الوحيد فقط بل عدة مواد تمهد للخوصصة سنتطرق لها في الأسطر القادمة.
الباب الخامس : المناهج البرامج والتكوينات
المادة 25 : تحدث لدى السلطة الحكومية المختصة لجنة دائمة تعنى بالتجديد والملاءمة المستمرين لمناهج وبرامج وتكوينات مختلف مكونات منظومة التربية والتعليم والتكوين والبحث العلمي، مع مراعاة خصوصيات كل مكون من هذه المكونات. تتولى اللجنة إعداد دلائل مرجعية للمناهج والبرامج والتكوينات ويجب على اللجنة ان تراعي المبادئ والقواعد والاليات التالية :
التنسيق الوثيق بين مختلف مكونات منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي ومستوياتها، والاسترشاد بالتجارب الأجنبية الناجحة والممارسات الفضلى في هذا المجال،
التخطيط التوقعي لحاجات المتعلمين وخصوصياتهم، مع الاخذ بعين الاعتبار المتطلبات المحلية والجهوية لمحيطهم الاجتماعي والاقتصادي؛
المادة 31 : تقوم السلطات الحكومية المعنية، خلال أجل لا يتعدى ست سنوات بمراجعة شاملة لنظام التوجيه المدرسي والمهني والإرشاد الجامعي، من أجب مصاحبة المتعلم ومساعدته على تحديد اختياراته في مساره التعليمي، وتوفير الدعم البيداغوجي المستدام له، وذلك من خلال اتخاذ التدابير التالية:
الاعتماد المبكر على التوجيه والإرشاد نحو الميادين التي يمكن فيها للمتعلم إحراز التقدم المدرسي والمهني والجامعي الملائم لميولاتهم وقدراتهم؛
تعزيز البنيات والوحدات المكلفة بالتوجيه والإرشاد والإعلام وتقويتها، ووضع موارد بشرية متخصصة رهن إشارتها؛
مع وجود مواد أخرى تتضمن نقاط ضبابية وغير واضحة، إلا أن ما جاء في المادتين 25 و31 كفيل بإعطاء فكرة عن الغرض او الهدف الحقيقي للباب الخامس من هذا القانون-الاطار حيث نلاحظ أنه تم التركيز على محورين أساسيين هما التوجيه أو الارشاد إضافة إلى الاخذ بعين الاعتبار المتطلبات المحلية والجهوية لمحيطهم، ولو استحضرنا ما ذكرناه سابقا عن ترويج أبواق النظام للتكوين المهني والاجازات والماسترات المهنية المتخصصة في مجال معين يسهل علينا فهم أن الغرض من هذا التوجيه او الارشاد هو اقتياد التلاميذ والطلبة للشعب او التخصصات التي يطلبها سوق الشغل في محيطهم الاقتصادي، فما ذكر خلاف هذا هو إما تضليل أو تدليس، فإذا كان الغرض المروج له هو مساعدة التلاميذ والطلبة في متابعة شغفهم ودراسة المواد او الشعب المفضلة لديه فلا يمكن بأي حال من الأحوال أن يتأثر الشغف بالتغيرات الاقتصادية.. هذا ما يوضح بالملموس أن هذا القانون-الاطار على مستوى المناهج والبرامج والتكوينات ما هو إلا قانون من أجل تبضيع التلاميذ والطلبة ومتدربي التكوين المهني وتقديمهم كيد عاملة لتلبية حاجات سوق الشغل والمستثمرين وما التوجيه والإرشاد نحو الميادين التي يمك للمتعلمين فيها احراز التقدم المدرسي والمهني والجامعي الملائم لميولاتهم وقدراتهم إلا سراب وأوهام...

الباب الثامن : تمويل منظومة التربية والتعليم والتكوين والبحث العلمي
المادة 42 : تواصل الدولة مجهودها في تعبئة الموارد وتوفير الوسائل اللازمة لتمويل منظومة التربية والتعليم والتكوين والبحث العلمي، وتنويع مصادره، ولاسيما تفعيل التضامن الوطني والقطاعي، من خلال مساهمة جميع الأطراف والشركاء المعنيين، وخصوصا منهم الأسر الميسورة والجماعات الترابية والمؤسسات والمقاولات العمومية والقطاع الخاص، مع مراعاة المبادئ والقواعد المنصوص عليها في هذا القانون-الاطار.
المادة 43 : تضمن الدولة مجانية التعليم الالزامي، ولا يحرم احد من متابعة الدراسة بعد هذا التعليم الإلزامي لأسباب مادية محضة، إذا ما استوفى الكفايات والمكتسبات اللازمة.
المادة 44 : يحدث بموجب قانون للمالية صندوق خاص لدعم عمليات تعميم التعليم الالزامي وتحسين جودته، يتم تمويله من طرف الدولة والجماعات الترابية والمؤسسات والمقاولات العمومية ومساهمات القطاع الخاص وباقي الشركاء.
المادة 45 : تعمل الدولة طبقا لمبادئ تكافؤ الفرص على إقرار مبدا المساهمة في تمويل التعليم العالي بصفة تدريجية، من خلال إقرار رسوم للتسجيل بمؤسسات التعليم العالي في مرحلة أولى وبمؤسسات التعليم الثانوي التأهيلي في مرحلة ثانية، وذلك وفق الشروط والكيفيات المحددة بنص تنظيمي، مع الأخذ بعين الاعتبار مستوى الدخل و القدرة على الأداء.
المادة 49 : تشجع الحكومة سياسة الشراكة والتعاقد في انجاز برامج ومشاريع البحث العلمي، بين مؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي وهيئات ومؤسسات القطاع الخاص، وبصفة خاصة منها المقاولات الوطنية،...
إن ما جاء في الباب الثامن بصفة عامة، والمواد المذكورة أعلاه بصفة خاصة، يؤكد بالملموس على ما ذكرناه سابقا، حيث أن الدولة تتهرب من مسؤوليتها تدريجيا وبطريقة غير مباشرة عبر المواد الغامضة والضبابية، حيث أن المادة 42 تدعو عددا من الأطراف من أجل توفير الوسائل اللازمة لتمويل منظومة التربية والتعليم والتكوين والبحث العلمي، المادة 42 تطرح أكثر من سؤال، ما المقصود بالعائلات الميسورة وكيف ستساهم هذه العائلات في تمويل المنظومة؟ كيف سيساهم القطاع الخاص وهل هي مساهمة بنية حسنة أم بمقابل شيء ما؟ هل ما جاءت به المادة 43 يحصر التعليم الإلزامي في المستوى الابتدائي وفقط؟ ما المقصود بالكفايات والمكتسبات اللازمة التي تحمي المتعلم من الحرمان بعد هذا التعليم الإلزامي لأسباب مادية محضة؟ إذا كان الحرمان لأسباب مادية محضة، هل هذا معناه أن التعليم الإلزامي فقط هو ما سيكون مجانيا مستقبلا؟ جل هذه الأسئلة تجيب عنها المواد الموالية لها، ومجرد تحليل بسيط سيجيب عن الأسئلة الباقية وسيكشف عن غطائها ويرفع كل لبس عنها.
المادة 49 تذكر تشجيع الحكومة سياسة "الشراكة والتعاقد" أي ان القطاع الخاص سيدخل في شراكة مع الدولة من اجل تمويل قطاع التعليم ولن يكون ممول سخي فقط كما حاولت المادة 42 أن تصفه في إطار ما سمي بـ"التعاون الوطني" وبما أن القطاع الخاص ككل هدفه الأول هو تحقيق الربح، وباعتباره شريك في التمويل فبالضرورة أن ينال نصيبه من الأرباح، أي أن مساهمة القطاع الخاص في تمويل منظومة التعليم ما هو إلا استثمار مباشر تمهيدا لخوصصة تدريجية للقطاع، هو بالضبط ما تفسره المادة 45 التي تذكر أن الدولة تعمل طبقا لمبادئ تكافئ الفرص على إقرار مبدأ المساهمة في تمويل التعليم العالي من خلال إقرار رسوم للتسجيل بمؤسسات التعليم العالي و الثانوي التأهيلي في مرحلتين، ففي الوقت الذي ينص فيه هذا القانون-الإطار على احداث صندوق خاص لدعم عمليات تعميم التعليم الإلزامي. يتم تمويله من طرف الجماعات الترابية والمؤسسات والمقاولات العمومية ومساهمات القطاع الخاص وباقي الشركاء حسب ما جاء في المادة 44.. يصرح المشروع نفسه بإقرار رسوم التسجيل. فأي تكافؤ فرص تتحدث عنه الدولة؟ كيف لإقرار رسوم التسجيل أن يكون منصفا ومكافئا للفرص؟ وقبل كل ذلك، تكافؤ الفرص بين من ومن؟ إن امرا كهذا هو لمتوقع فبعد خوصصة كل من المطاعم الجامعية وبعض الاحياء الجامعية وخوصصة بعض المرافق الحيوية لبعض الجامعات والكليات (المكتبات وقاعات المطالعة بكلية الحقوق بالرباط كمثال)
إن هذا القانون-الاطار ما هو الا امتداد لسابقيه من قبيل (الميثاق الوطني للتربية والتكوين) و غبره من المواثيق و الرؤى التي في ظاهرها تبدو انها تسعى لإصلاح هذه المنظومة وكذا تطويرها لكن في باطنها تحمل مخططات طبقية تسعى الى تحقيق اهداف لا تخدم باي شكل من الاشكال الشعب المغربي بل العكس تماما حيث انطلاقا مما رأيناه فان هذا القانون-الاطار يخدم وبالواضح المصالح الاقتصادية للإمبريالية سواء المحلية او العالمية عن طريق جعل القطاع الخاص شريكا في تمويل هذه المنظومة، كذلك خلق يد عاملة فعالة ورخيصة عبر تكييفها حسب احتياجات سوق الشغل وكذا التطورات التكنلوجية والصناعية العالمية..
إذا جاء هذا القانون-الإطار بهذه الصيغة الضبابية والغامضة، فإنا نتوقع أن يكون إنزاله على شاكلة بنود سيكون في غاية الوضوح، والطبقية والإقصاء أيضا، طبعا مع مراعاة شروط وخصوصيات كل منطقة وكل موقع جامعي لكن الجوهر لا يختلف.
بالنظر الى الوضع الذي يشهده قطاع التعليم وأن المرحلة المقرر فيها إنزال هذا الإطار تتزامن نسبيا مع مخططات أخرى (التعاقد..) نرى وبالملمس أن النظام يستهدف هذا القطاع الحيوي ويريد تمريره للقطاع الخاص اليوم قبل غد، لكن النظام يعلم علم اليقين أن تمرير هكذا مخططات ليس بالأمر الهين إطلاقا، فالشعب المغربي ضحى في سبيل قضاياه قبل الاستقلال الشكلي وبعده، ولازال يضحي ويناضل (نضالات الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد..) فلا خيار للحركة الطلابية خاصة، والجماهير الشعبية عامة إلا مواجهة هذا المخطط الطبقي حيث أن هذه المعركة هي معركة شعب بكامل فئاته، لا الحركة الطلابية وفقط.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمجد فريد :-الحرب في السودان تجري بين طرفين يتفاوتان في السو


.. اضطرابات في حركة الطيران بفرنسا مع إلغاء نحو 60 بالمئة من ال




.. -قصة غريبة-.. مدمن يشتكي للشرطة في الكويت، ما السبب؟


.. الذكرى 109 للإبادة الأرمينية: أرمن لبنان.. بين الحفاظ على ال




.. ماذا حدث مع طالبة لبنانية شاركت في مظاهرات بجامعة كولومبيا ا