الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ايران والاقليات والثورة -سطور من تاريخ الثورة الاسلامية في ايران-

ربيع نعيم مهدي

2020 / 8 / 29
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


(1)
ان خريطة ايران الحالية تُشكل التركة التي أورثها نظام الشاه للملالي، وهي لا تختلف عن غيرها من دول المنطقة في كونها تحتضن خليط غير متجانس من العرقيات والاثنيات الدينية، لكن ايران تختلف عن جيرانها في انها استحوذت على اقاليم مختلفة بعكس دول المنطقة التي فرض عليها ترسيم الحدود وتركيبة سكانها قبل اعلان استقلالها.
في عام 1935 تم اعتماد اسم "ايران" بدلاً عن "فارس"، والتي لم تكن في حقيقتها دولة مستقلة، فبرغم وجود الشاه على رأس سلطة حاكمة إلا ان البلاد كانت خاضعة للنفوذ الانكليزي، والحاميات البريطانية منتشرة في البلاد تحت مظلة معاهدات ابرمت بين الطرفين، فالكل يعرف ان الشاه رضا بهلوي وصل الى السلطة في ايران بمساعدة بريطانية في عشرينيات القرن الماضي، وكذلك نجله محمد، والذي تم فرضه من قبل البريطانيين والسوفييت بعد احتلالهما لإيران في الحرب العالمية الثانية في عام 1941م، بذريعة حماية حقول النفط وامداداته.
(2)
واذا بحثنا في تاريخ ترسيم الحدود الايرانية سنجد ان لبريطانيا اليد العليا في هذا الامر، فمعاهدة كلستان التي رسمت حدود ايران مع الامبراطورية الروسية كانت بإعداد الدبلوماسية البريطانية، وكذلك الحدود مع إمبراطورية الهند البريطانية – الهند وباكستان حاليا- والحدود مع افغانستان رسمت ايضاً برعاية وفرض بريطاني، والامر لا يختلف بالنسبة لترسيم الحدود مع العراق.
ان الدور والتأثير الذي مارسه التاج البريطاني في تشكيل الخارطة السياسية في ايران، ومساعدة رضا بهلوي للوصول الى عرش الدولة، لم يكن في حقيقته إلا جزء من استراتيجية بعيدة المدى لمنع امتداد نفوذ الاتحاد السوفيتي الى مناطق الخليج العربي، إذ سمحت بريطانيا لرضا بهلوي بتنظيم حملات عسكرية للاستحواذ على عدد من الامارات ذات الصبغة القبلية المنتشرة في المنطقة وضمها الى دولة فارس، فالعمليات العسكرية التي بدأت في 1925 باحتلال الاحواز ، وبلوشستان الغربية، و لُرستان، لم تنتهِ إلا في سبعينيات القرن الماضي بالاستحواذ على بعض الجزر في الخليج.
في المحصلة انتجت هذه السياسة عدداً من المشاكل، أهمها فشل الحليف – المتمثل بنظام الشاه - في إداء دوره بالتصدي للمد اليساري، مما استوجب البحث عن بديل مناسب، والذي توفر في تيار اسلامي راديكالي تمثل في الخميني وانصاره.
أما ما كان من المفترض ان تكون مصدر قوة لنظام الشاه – وهي الخريطة السياسية لإيران الموحدة- فقد تحولت الى مشكلة يصعب احتوائها، وهي التركيبة المجتمعية الايرانية، والتي تكونت من خليط تشكل فيه القومية الفارسية نوعاً من الاغلبية، في ظل تواجد اقليات رئيسية كالأذريين والتركمان والأكراد والعرب والبلوش والـُلر – المعروفين بالأكراد الفيليين- ، وتعيش بينها اقليات دينية كالأرمن واليهود والبهائيين وغيرهم.
وهنا لا بد من الاشارة الى ان المقال لا يهتم بنسب هذه الاقليات أو تعدادها، بل يهتم بالبيئة السياسية للمجتمع في ايران.
(3)
ان حملات رضا بهلوي العسكرية رافقتها مساعي لبناء هوية ايرانية ذات صبغة قومية فارسية تنصهر فيها هوية الاقليات المحكومة بالدولة المركزية الفتية، من خلال الترويج لسرديات تاريخية محورها حضارة فارس، وبغض النظر عن مصداقية هذه السرديات إلا انها خلقت على الارض العديد من الاشكاليات والمتناقضات في المجتمع الايراني، فالبلاد في حقيقتها لا تعرف الوحدة الثقافية إلا شكلياً، واللغة الموحدة بالفرض تنسحب الى مرتبة ثانوية في الاماكن التي تسودها الأقلية.
أما بعد الثورة فان مساعي الملالي لصهر المجتمعات غير الفارسية في اطار اسلامي ايراني لم تستطع الخلاص من تأثيرات الأفكار القومية التي تظهر في سلوك المجتمع الايراني على مستوى الاغلبية الفارسية والاقليات الاخرى، لذلك نستطيع القول ان تركة المشاكل التي أورثها الشاه للملالي لم تقتصر على اقتصاد منهار وخليط من القوى اليسارية الفاعلة في الشارع الايراني، بل تتعداها الى ازمة لم تجد لها حلول مناسبة تتعلق بالهوية.
وبالرغم من الدور الكبير الذي لعبته الاقليات في ثورة 1979، إلا ان الملالي تعاملوا مع الاقليات بذات النهج الذي استخدمه الشاه، لا لأسباب عنصرية بل لأسباب اقتصادية واستراتيجية، فعلى سبيل المثال تشكل موارد الاحواز النفطية والغازية ما نسبته 85% من اجمالي الانتاج الايراني، فيما يشكل اقليم بلوشستان النافذة الكبرى للسيطرة على مضيق هرمز، وكذلك الحال بالنسبة لكردستان وبعض الاقاليم الاخرى.
(4)
ان محاولة تبسيط وفهم دوائر العلاقات بين المجتمعات الإيرانية ليس بالأمر الهيّن، فتعقيدات السياسة الداخلية لا تقف عند الحكومة في محاولاتها لصناعة استقرار مقبول، بل تشمل حتى قوى المعارضة التي تنظر الى بعض اصوات الاقليات الداعية الى الفدرالية على انها تهديد لوحدة ايران، وهذا ما يُثبت تأثير الفكر القومي على المجتمع الايراني.
علماً ان الأقليات في ايران لها خطاب مماثل تحاول من خلاله الحفاظ على هويتها، خصوصاً مع تزايد الضغوط الخارجية، وتحديداً العقوبات الامريكية التي انهكت الاقتصاد الايراني، وباعتقادي ان الازمات الاقتصادية التي تسببت في اسقاط الشاه يتم الآن اعادة صناعتها لعلها تأتي بثمار ثورة تنهي حكم الملالي في البلاد.
أمر آخر لا بد من الاشارة اليه عند الحديث عن الاقليات في ايران والثورة، فبعد سقوط نظام الشاه بفترة قليلة لم تتجاوز الشهرين اندلعت في ايران عددا من الانتفاضات في مناطق مختلفة من البلاد، والتي غالباً ما تمت مواجهتها بقوة مفرطة، منها انتفاضة ومواجهات مسلحة في كردستان استمرت لعام تقريباً، واخرى في الاحواز، وانتفاضة في بلوشستان في الجنوب وأخرى تركمانية في الشمال، وجميع هذه الاقليات كانت مشاركة في الثورة، وكأن واقع الحال يشير الى ان مشاركتها اسقاط الشاه لم يكن إلا لأهداف بعيدة المدى تتعلق بالسعي للاستقلال عن ايران.
(5)
اضافة الى ما تقدم فان الاقليات الايرانية لا زالت تتأثر بمحيط البلاد، وهو عامل مؤثر جداً في حراكها السياسي، فحلم كردستان الكبرى لا زال حياً في ذهنية الشعب الكردي المقسم بين عدة دول، كذلك الاقاليم التي يقطنها الاذربيجان، فبعد انهيار الاتحاد السوفييتي واستقلال اذربيجان تتعالى بين فترة وأخرى دعوات ومطالب في الداخل الايراني للاستقلال والالتحاق بجمهورية أذربيجان، والامر ذاته بالنسبة للتركمان الذين يسعى البعض منهم الى تحقيق الانفصال والالتحاق بجمهورية تركمانستان، أما القوى العربية في الأحواز فهي تسعى الى الاستقلال فقط.
وهنا تجب الاشارة الى ان اغلب الاقليات تمتلك تنظيمات البعض منها تتخذ من العمل العسكري اساساً لعملها، وبالرغم من القوة التي تتمتع بها اجهزة الامن الايرانية وخصوصاً الحرس الثوري الا انني اعتقد ان قوة هذه التنظيمات ستتعاظم في ظل استنزاف الجهد البشري والاقتصادي للجمهورية الاسلامية بسبب الدعم الذي تقدمه ايران لما يسمى بمحور المقاومة في عدد من دول الشرق الاوسط.
وفي ختام المقال أوّد التنويه الى ان الضرورة التي دفعت التاج البريطاني الى مساعدة رضا بهلوي لتشكيل ايران المعاصرة قد انتهت – وهي زوال خطر الاتحاد السوفييتي – وان اللاعب الرئيسي بعد تراجع الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس هي بلاد العم سام التي من الصعب فهم سياساتها بالرغم من اهدافها المعلنة، ومن المتوقع ان يكون لها دور مؤثر في حراك الاقليات الايرانية في المستقبل القريب لتحقيق مصالحها في المنطقة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تصريح عمر باعزيز و تقديم ربيعة مرباح عضوي المكتب السياسي لحز


.. طقوس العالم بالاحتفال بيوم الأرض.. رقص وحملات شعبية وعروض أز




.. يوم الأرض بين الاحتفال بالإنجازات ومخاوف تغير المناخ


.. في يوم الأرض.. ما المخاطر التي يشكلها الذكاء الاصطناعي على ا




.. الجزائر: هل ستنضمّ جبهة البوليساريو للتكتل المغاربي الجديد؟