الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجندر في ضوء حقوق الإنسان

السيد إبراهيم أحمد

2020 / 8 / 29
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات


المقدمة:

تعاني المرأة في مناطق كثيرة من العالم من أوضاع تمس كرامتها وآدميتها بشكل كبير الأمر الذي جعل جميع الهيئات الدولية الحقوقية تندد بمثل هذه التصرفات التي تخالف اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة - سيداو (CEDAW)، والتي صدرت مع العديد من المواثيق والاتفاقيات الدولية بصدد التصدي بشكل عملي لحمايتها، وحفظ حقوقها، بل أن دساتير العالم أصبحت تتضمن موادًا حول دستورية هذه الحقوق.

ولقد حققت المرأة في ظل هذه المواثيق، في كثير من الدول، حماية لحقوقها التي كفلها لها القانون، مثل: قانون الأسرة، وقانون الإرث، إلا أنه على الرغم مما يبذل من جهد مازالت المرأة تعاني من التمييز، ومن العنف ضدها الذي صار يتنامى بمعدلات تجاوزت حدود سلامتها في مناطق كثيرة من العالم، وقد ساهم في تزايده عدم وفرة التشريعات القانونية الكافية مما يسمح بإفلات الجناة دوما من العقوبة، غير أن القوانين الصادرة في هذا الصدد لا تراعي ظروف كل دولة، وثقافة كل شعب، ومعتقداته الدينية التي يحترمها، وهو ما يجعل دول كثيرة ومنها الدول العربية تتحفظ على بعض القرارات التي تنادي بالمساواة التامة بين الرجل والمرأة في الميراث، وغيرها من القضايا.

لقد جرى تعميم حقوق الإنسان والمساواة بين الجنسين في جميع المستويات اهتمامات الأمم المتحدة بداية من التخطيط الاستراتيجي إلى محاولة الاندماج في الأنشطة التنفيذية في المجتمعات بصفة عامة طبقا لمفهوم الجندر وقضايا النوع الاجتماعي، مع الوضع في الاعتبار تطبيق أساليب قائمة على هذه الحقوق في جميع أوجه التعامل مع المرأة بشكل خاص في ضوء حقوق الإنسان والنوع الاجتماعي، وحقوق المرأة دوليًا ومجتمعيًا، وفي ظل الاتفاقيات الدولية بما يكفل تنفيذ المواد القانونية المتضمنة في دساتير العالم، وفي اتفاقية سيداو أيضا. وعلى الرغم من التقدم الذي حققته بعض الهيئات الدولية في الدفاع عن الحقوق الأساسية للمرأة وتعزيزها، فإن تلك الحقوق باتت غير محترمة من حيث التطبيق في بعض مناطق من العالم.

مفهوم الجندر في ضوء حقوق الإنسان:

مفهوم الجندر وإشكالية تعريبه:

عندما نشرت منظمة الأمم المتحدة مفهوم "الجندر" في كونه تعبير إنكليزي "gender"، وقد ترجم هذا إلى العربية بـ "النوع الاجتماعي"، استنادًا إلى اختيار بعض مراكز المرأة العربية في عام 1995م، ويكمن الهدف من نشره هذا هو التطبيق، وإن كان في أساسه يعتمد مفهوم تقسيم العمل على أساس غير نمطي يأخذ في الاعتبار هذا المفهوم الجندري الذي طاله التعريب حتى صار النوع الاجتماعي القائم على منع التمييز بين الذكر والأنثى طبقا للتصورات البيولوجية التقليدية، وتعديل هذا التقسيم بما يتلاءم مع وضع المرأة، وهو ما يستوجب الفرق بين الجنس والنوع الاجتماعي؛ فالجنس يعني الفوارق البيولوجية الطبيعية بين الذكر والأنثى وهي فوارق تولد مع الإنسان ولا يمكنه تغييرها، وقد أوجدها الله لأداء مهام وظيفية معينة في الإنسان.

إن الجندر في ضوء التعريب له بما يعرف بـ "النوع الاجتماعي" لم يُفهم على أنه أدوار اجتماعية تخلقها المجتمعات بناءً على وظيفة بيولوجية بحتة تتعلق بالذكر أو الأنثى من خلال تصرفاتهما في إطار معين، وبناء على أدوار يعتمدها المجتمع ويرسمها لهم في إطار دقيق من التحديد تتماشى مع عاداته، وقيمه، وتقاليده، وتراثه التي لا يمكن الخروج عنها أو عليها، على أنه ينبغي التنبيه على أن الأدوار صناعة بشرية في الأساس، والجندر يقصد به الاختلاف في الأدوار التي يقوم بها كلا من الرجل والمرأة طبقا للالتزامات الجديدة والمسؤولية غير التقليدية وهو معنى مازال غير مألوف ومثير للمشاكل التي تتأكد كل يوم من خلال الرفض للجندر كمفهوم، وللنوع الاجتماعي كتعريب أيضا.

مفهوم الجندر في ضوء حقوق الإنسان:

الجندر يحمل في تركيبته اللغوية والإنسانية مفهوم عدم التمييز وعدم التهميش والمساواة القائمة على الجنسين، أي أنه يعتبر من أكثر المفاهيم اتساقا مع حقوق المرأة؛ فمفهوم حقوق الإنسان يعني الحقوق الطبيعية الموجودة منذ وجود الإنسان على الأرض، يحميها القانون الطبيعي ابتداء، ثم عرفت طريقها إلى المواثيق والعهود الدولية بناء على القانون الطبيعي، والهدف من تطبيق هذه الحقوق هو حماية الحرية الفردية للإنسان أيًا ما كان، ولقد سار العمل به وفق آلية منضبطة على مستوى الهيئات الدولية، فكان أن تحولت المواثيق إلى مواد قانونية ملزمة من خلال اتفاقيات دولية تؤكد مساواة النساء بالرجال، كما تضمن حقوق المرأة عبر منهجية شاملة ومنها: حقوق المرأة السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية.

على أن اللافت للانتباه أن حقوق المرأة وحقوق الإنسان قد مضيا متزامنين معًا منذ انطلاق عصبة الأمم المتحدة في عام 1919م والذي ضمن للمرأة حقوقًا في اتفاقيتين هامتين، ولكنه لم يذكر المساواة تلك التي جاء ذكرها في ميثاق الأمم المتحدة الصادر في عام 1945م والذي أقر من خلال أحد بنوده التي بلغت مائة وإحدى عشر مادة بالمساواة الكاملة بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات، ثم استتبعتها الاتفاقيات الدولية التي عززت هذا الحق بالعديد من البنود التي أكدت حقوق المرأة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، ولم تكتفِ بهذا بل حولت بعض هذه البنود إلى مواد في القوانين العرفية وألزمت الدول باحترامها وتطبيقها، كما أن دساتير العالم المختلفة قد تضمنت موادها حقوق للمرأة تأتي في أولها المواطنة، وعدم التمييز بين الرجل والمرأة على أساس الجنس بما يتيح الاعتراف لها بكافة الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والمساواة الكاملة التامة ولا علاقة بالاختلافات العضوية أي بالتكوين البيولوجي للذكر أو للأنثى في المساواة بينهما.

حقوق المرأة في إعلان حقوق الإنسان من خلال المؤتمرات:

حقوق المرأة في إعلان حقوق الإنسان:

أقرت منظمة العمل الدولية باعتبارها أقدم منظمة دولية بحقوق الإنسان بصفة عامة وحقوق العمال بصفة خاصة، غير أن المنظمة في نفس عام تأسيسها عام 1919م أقرت اتفاقيتين لحماية حقوق المرأة، وجاءتا متتابعتين في الترتيب رقم (3) و(4)؛ فأما الأولى فكانت بشأن حماية حق الأمومة للمرأة، وأما الثانية فقد جاءت بخصوص عمل المرأة الليلي.

غير أن الاتفاقيتين لم تتناولا فكرة المساواة، والتي تناولتها مواد ميثاق الأمم المتحدة في عام 1945م، والذي أشار إلى احترام حقوق الإنسان وحرياته من غير تمييز قائم على أساس الجنس والدين واللون واللغة، وأنهى الفقرة (ولا تفريق بين النساء والرجال)، والذي جاء ليقر مبدأ عدم التفرقة بين الناس بسبب الجنس، فجعل للرجال والنساء حقوقاً متساوية، كما ورد في نصوص مادتيه: الأولى والثامنة، بل تم تأسيس "لجنة مركز المرأة"، وفي عام 1948م، صدر"الإعلان العالمي لحقوق الإنسان" شاملاً كافة حقوق الإنسان المدنية، والسياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية التي يجب أن يتمتع بها كل فرد.

نتيجة لما تقدم بيانه، اعترفت كافة الدساتير في العالم بحقوق المرأة، حيث أن الدستور هو القانون الأساسي الذي يحدد ملامح وشكل الحكم في الدولة، وحقوق وحريات المواطنين، وتأتي في مقدمتها المواطنة، وتنعم بها المرأة تمامًا كالرجل مع اقتسامها معه الحقوق والواجبات بالتساوي، كما تتضمن هذه الدساتير الرفض التام لكافة أنواع التمييز ضد المرأة، مع الاعتراف لها بكافة الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، مثلما يقر لها بمبدأ التكافؤ في الفرص بينها وبين الرجل في كافة المجالات طبقا للمساواة بين الرجل والمرأة التي تأتي في إطار الاعتراف بالنوع الاجتماعي القاضي بعدم التمييز.

حقوق المرأة في ﻤﺅﺘﻤﺭﺍﺕ ﺍﻷﻤﻡ المتحدة:

استدعت المعاملة التمييزية التي تلقاها المرأة إضفاء الصفة العملية لقرارات الأمم المتحدة من خلال إقامة المؤتمرات والتي تصدر عنها الإعلانات، ويتم فيها توقيع الاتفاقيات الضامنة لحقوق المرأة، والملزمة لكافة الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بمجرد التوقيع عليها الذي يوجب التنفيذ بعيدا عن القوانين المعمول بها في هذه الدول وتشريعاتها الخاصة بها، وخاصة الدينية منها، وقد ظهر هذا الاتجاه لعقد المؤتمرات في سبعينيات القرن الماضي من خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة، وقد اتجهت هذه المؤتمرات في التعويل على الجوانب الاجتماعية والاقتصادية التي من خلالها تعمل على تحسين أوضاع المرأة السياسية والاجتماعية والاقتصادية ومن أبرز المؤتمرات والاتفاقيات الدولية التي تعنى بقضايا المرأة وتحسين أوضاعها:

ـ المؤتمر العالمي للمرأة في مكسيكو سيتي عام 1975م الذي جاء في نفس الاحتفال بعام النساء، الذي اعتمد خطة عمل عالمية تتبناها جميع الدول المنضمَّة إلى هيئة الأمم المتحدة، ويكون هدفها ضمان مزيد من إندماج المرأة في مختلف مرافق الحياة.
ـ مؤتمر كوبنهاجن بالدانمارك عام 1980م، الذي عقد تحت شعار: "عقد الأمم المتحدة للمرأة العالمية: المساواة والتنمية والسلام"، وقد وجه هذا المؤتمر اهتمامه نحو قضايا العنف المثارة ضد النساء، وكان به عديد من القضايا التي تخص نساء العالم الثالث.
ـ مؤتمر نيروبي/ كينيا عام 1985م، وقد تم عقده لاستعراض التقدم الذي تم إحرازه في تنفيذ خطة العمل العالمية بعد مرور عشر سنوات على وضعها قيد التنفيذ، ولدراسة العقبات والمعوقات التي حالت دون تنفيذها كاملةً في جميع بلدان العالم، وقد تشابه هذا المؤتمر في توصياته مع المؤتمرات السابقة عليه، وأهمها ضرورة الالتزام بحقوق المرأة.

ـ مؤتمر بيجين الذي عقد عام 1995م بالصين، وقد اشتهر هذا المؤتمر نظراً للتغطية الإعلامية التي حظي بها، ولطبيعة النقلة النوعية في المطالب والدعوات التي قدمت فيه؛ فقد انعقد بعد عامين من الإعداد الجاد على كافة المستويات الوطنية والإقليمية والعالمية، وقد حظي بحضور كبير من مائة وثمانين دولة مثلها وفود شارك فيها أكثر من خمسين ألف مشارك، وجاء ترتيبه الرابع بعد ثلاثة مؤتمرات عقدت قبله لقد تخطت منظمة الأمم المتحدة قضايا التمييز الممارس ضد المرأة بجميع صوره وأشكاله إلى الاهتمام بمنع العنف ضد المرأة، وبرزت قضايا أخرى في مؤتمر بكين جاء على رأسها الاهتمام بقضايا حق المرأة في صنع القرار، بل بوجوب احترام وجهة نظر المرأة وتضمينها وإشراكها في رسم السياسات أي بأخذ مصلحة المرأة بعين الاعتبار عند رسم أي سياسة مجتمعية أو وضع الاستراتيجيات الكلية للدولة، وهو مراجعة الآثار لهذه السياسات والاستراتيجيات وانعكاسها على المرأة ، تأسيسا على مبدأ المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة.

كما أتى هذا المؤتمر في إطار المؤتمرات العالمية التي دأبت منظمة الأمم المتحدة في عقدها في إطار التشارك حول موضوعات متصلة بشعوب العالم، ومنها: مؤتمر "ريو دي جانيرو" في البرازيل عام 1992م وناقش موضوع البيئة، ومؤتمر "فيينا" الذي عقد في عاصمة النمسا عام 1993م لمناقشة قضايا حقوق الإنسان، والمؤتمر العالمي للسكان والتنمية بالقاهرة عام 1994م، ومؤتمر التنمية في العاصمة السويدية استوكهولم عام 1995م، وقد تناول المؤتمر قضايا تأنيث الفقر ورفضه تماما في ارتباطه بالمرأة، وخاصة انتشار الفقر بالمناطق الريفية في العالم واتصاله بالنساء في تلك المناطق وكذلك النائية والصحراوية، وهو ما يعني أن شريحة كبيرة من النساء الفقيرات معرضة للزيادة كل يوم، غير أن المؤتمر المشار إليه قد أوضح أن قضايا المرأة لا يمكن أن تتم معالجتها دون النظر في القضايا المجتمعية ككل بنظرة أكثر شمولا ووضوحا.

حقوق المرأة طبقا لاتفاقية "سيداو" وإشكالياتها:

أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1976م القضاء على التمييز ضد المرأة، وفي عام 1979م تصدر اتفاقية "سيداو" الخاصة بالقضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة، وأصبح الشغل الشاغل للقانون الدولي هو العمل على مساواة الرجل والمرأة مساواة تامة، مع وضع حماية خاصة لها من حيث تنظيم مواد قانونية أخرى لمجابهة العنف ضد المرأة، والإتجار بالنساء واستغلالهن، سواء أكان هذا الاستغلال اقتصاديًا أم جنسيًا.

لقد تحولت هذه الاتفاقيات في المواثيق إلى مواد في القانون الدولي العرفي بحيث أصبحت ملزمة لجميع الدول في تطبيقه لأن جذوره تمتد بالأساس إلى الثقافة وليس الطبيعة، هذا ما يريد أن يفهمه كل فرد في المجتمع من مفهوم النوع الاجتماعي وهو ما يتم تطبيقه، ومنها حق المرأة في المشاركة السياسية، من خلال التصويت وحقها في الانتخاب، وحقها في تقلد الوظائف العامة، وقد جاء هذا طبقًا للمادة السابعة من الجزء الثاني من اتفاقية سيداو، والتي دعت إلى إزالة كافة العوائق وكل أشكال التمييز من أجل ممارسة المرأة لكافة حقوقها السياسية، غير أنه خلق إشكاليات بين الدول الأعضاء.

والواقع يشهد بأن عدد من الدول قد استجابت لمشاركة المرأة في العمل السياسي ومنها الكثير من الدول الإسلامية وذلك لأن حق المرأة المسلمة في المشاركة السياسية حق أصيل لها قبل أن تعرفه حقوق الإنسان؛ فقد أجاز الإسلام للمرأة أن تشارك في السياسة فيما عدا تولي الإمامة العظمى، وحين أجاز لها هذه المشاركة وضعها في إطار من الضوابط التي تليق بها كامرأة مسلمة تلتزم بغض البصر، وبارتداء الزي الشرعي، وعدم الخلوة بالرجال، كما أن لها أن تتساوى في الحقوق مع الرجل، وقد نجحت في وظائف كثيرة تولتها بل كان لها أحيانًا قصب السبق عن الرجال، وقد ثبت أن هناك قضايا للمرأة لا تستطيع أن تثيرها إلا امرأة مثلها، وهناك نساء في المجتمع يحببن الحديث مع نساء مثلهن.

إشكالية اتفاقية "سيداو" بالنسبة لحقوق المرأة الجنسية والإنجابية:

على الرغم من أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يمنح المرأة الحق في اكتساب الجنسية والاحتفاظ بها أو تغييرها متي أرادت، ولا يلزمها أن تفقد جنسيتها إذا تزوجت من شخص أجنبي إلا أن المرأة العربية لم تزل تكافح من أجل الحصول على قوانين تسمح لها بأن تمنح المتزوج بها وأولادها جنسية بلدها التي تنتمي إليها، وهذا الأمر لم يطبق إلا في دولتي الجزائر والمغرب فقط، وهو ما يعني أن المساواة الكاملة لم تتحقق للتمييز.

كما لم يطبق في كثير من البلدان العربية حق تحديد المرأة لحقها الإنجابي والجنسي وذلك عند إعلان إرادتها في عدم الإنجاب من خلال أيًا من الوسائل والموانع، وتتعرض بعض النساء في بعض الدول العربية لعقوبات لاستخدامهن مثل هذه الموانع، كما أن الإجهاض ليس مسموحًا به في كثير من الدول العربية، ومن أول الدول التي طبقته كانت دولة تونس شريطة أن يكون في الثلاثة أشهر الأولى من الحمل، ولدى أسرة المرأة الحامل لديها خمسة من الأبناء، كما تسمح بعض الدول العربية بإجراء الإجهاض إذا كان في استمرار الحمل والولادة خطرًا على صحة الأم، ويُسمح بالإجهاض في بعض الدول غير العربية لظروف نزول الجنين مشوهًا، أو جاء نتيجة زنا محارم، أو اغتصاب، أو كانت الفتاة الحامل أقل من سبعة عشر عامًا أو أكبر من أربعين عامًا، أو أن الولادة ستعرض حياة الأم لخطر داهم.

واتساقًا مع مبدأ المساواة بين المرأة والرجل النابع من المواثيق الدولية في مجال حقوق الإنسان، أصبح من حق المرأة أن تمارس دورها في النشاط الاقتصادي والميدان المالي تمامًا كالرجل،
وقد أتاح لها القانون تحت هذا البند نوعين من الحقوق، هما: حق التملك، وحق العمل:

ـ حق التملك:

أن يكون لها الحق في التملك بالشراء وعن طريق الوراثة والوصية والهبة، كم أن لها حق التصرف في أملاكها، في إطار القوانين المعمول بها في البلاد.

ـ حق العمل:

يأتي هذا الحق انبثاقًا من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يرى أن الناس متساوون في الأجر دون أدنى تمييز مادام قد تساووا في العمل، ومادامت المرأة تملك الشهادات والمهارات المطلوبة في العمل الذي تود أن تلتحق به، فليس هناك ما يمنع من مشاركتها. كما أن لها الحق في التدريب، وتقاضي المكافآت تمامًا كالرجل، ولها أن تحصل على الأجازات، ومكافأة التقاعد، وكافة التعويضات شأنها في هذا شأن الرجل دون أدنى انتقاص، وإلا سيكون مخالفا لحقوق الإنسان طبقا للمفهوم الجندري.

ومن حقوق المرأة التي كفلتها لها الاتفاقيات الدولية حقها الاجتماعي الذي يتمثل في حق الرعاية الصحية الذي يحترم الاختلاف الفسيولوجي وطبيعة المرأة من حيث الإنجاب، وحق رعاية الطفل، والتي تأتي اتساقًا مع الرعاية الصحية للإنسان بشكل عام طبقًا لهذه الاتفاقيات وموادها، وأول بنودها خفض نسب الوفيات بين الأطفال، انطلاقًا من أن الوقاية خير من العلاج، والعمل على تنظيم النسل، وتوفير الرعاية الصحية للمرأة في مراحل الحمل، والولادة، وما بعد الولادة، ورعاية الجنين أيضًا، وحقها الثقافي في التعليم والثقافة. ولهذا جاء هذا الحق استنادًا إلى مبدأ المساواة الكاملة في الحقوق والواجبات بين الرجل والمرأة وأن التعليم ضرورة وحتمية، وحق التعليم مكفول للجميع، والمرأة أيضًا، وأن منعه عن المرأة منعها لحرية من الحريات التي كفلتها لها المواثيق والعهود الدولية، ذلك أن الحق والحرية يتكاملان ولا يتضادان، بل هما مترادفان تماما.

مقاربة حقوق الإنسان لتحقيق مساواة النوع الاجتماعي بالإدماج:

لقد ثبت أنه لابد أن تتم مقاربة حقوق الإنسان لتحقيق مساواة النوع الاجتماعي بتوظيف هذا المنظور الذي يأتي تأصيلا لثقافة تعمل للقضاء على كل صور التمييز بين الجنسين، ذلك أن الجندر يعني التساوي في التشارك في بناء المجتمع عبر علاقات وأدوار جندرية لا تتعلق بالمفهوم البيولوجي، كما يتصور البعض، بل على مستوى إمكانية وقدرة وطاقة كل جنس في عطائه.

ليس من مطالب الجندر أن تتخلى المرأة عن أنوثتها انحيازا للمساواة بين الجنسين في كونها اكتسبت حقا مجتمعيا يجعل منها ندًا للرجل، كما يشاع، وليس مطلوبا منها أيضا أن تتخلى عن دورها كأم ترعى أطفالها لتحل محلها مربية ونقول أن هذا مكسب وإضافة للمرأة في حين أنها تخلق مشكلة أكبر بالنسبة للأجيال وللمجتمع أثر وأكبر مما حققته لذاتها، ولهذا تبقى أدوار الجندر ترجمة لما يقوم به الجنسين من أدوار تخلقها الظروف المجتمعية بحسب الثقافات السائدة، ويصبح الحل الأمثل لأن تسود ثقافة حقوق الإنسان في تهيئة المناخ الاجتماعي لكي يطبق سياسة إدماج المرأة في كافة الجوانب المجتمعية وأهمها التنمية لأن تهميش المرأة بمثابة إهدار لقيم حقوق الإنسان وتفعيل التمييز.

يجب على المجتمع أن يفكر في هذا الإدماج إذا كان راغبا في التنمية والمساواة والاستفادة من الطاقة الانتاجية الكبيرة للمرأة، ومن الأفضل الأخذ بالمساواة الجندرية في التعامل مع حقوق الجنسين الذي يتعذر دون مشاركة المرأة على مختلف المستويات مع تمتعها بحقوقها الإنسانية كحقها في المشاركة السياسية، والتمكين بأنواعه طبقا لمفهوم النوع الاجتماعي في المساواة بين الجنسين طبقا لمفهوم إدماج النوع.

الخاتمة:

لقد تبين أنه على الرغم من الإشكاليات التي يخلقها مصطلح "الجندر" عند تعريبه وترجمته، غير أنه هو المصطلح المناسب لكي يتوافق مع حقوق الإنسان في إعلانه لأنه أنما يهدف إلى خلق المساواة بين الجنسين على أساس التنوع الاجتماعي الذي يستند على الأدوار الجندرية للمرأة في التنمية المجتمعية والتي تبين أنها والرجل شريكان في بناء المجتمع معا، وأن الاستناد إلى تصورات نمطية عن المساواة البيولوجية بين الجنسين تحكمها الثقافة التراكمية المتجذرة في المجتمع والتي تفترض التنوع.
كما تبين التزامن الذي جمع بين نشأة عصبة الأمم المتحدة والإعلان عن حقوق الإنسان التي ترجمتها هيئة الأمم المتحدة في إقامة مؤتمرات تسعى لتحويل كل ما هو نظري إلى واقع، وكل ما هو مجرد تصورات إلى قوانين ملزمة لكافة الدول الأعضاء التي أصبحت تحت سكين المساءلة والعقاب إذا تهاونت في التطبيق أو أهملت أو سوفت عمدا أو بدون قصد.

مراجع لمن أراد التوسع:

1ـ القاطرجي، نهى (2008)، قراءة إسلامية في اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة "سيداو".. دراسة حالة لبنان، كلية الإمام الأوزاعي للدراسات الإسلامية، بيروت.

2 ـ جعفري، رهام (2012)، دعم هيئة الأمم المتحدة للمرأة والمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة للأولويات التنموية للنوع الاجتماعي في القطاع الحكومي الفلسطيني بعد أوسلو، معهد دراسات المرأة، جامعة بير زيت، فلسطين.
3ـ ناريمان، دريدي (2015)، حقوق المرأة في الاتفاقيات الدولية، جامعة محمد خيضر، بسكرة، الجزائر.
4ـ وتوت، علي جواد (2006)، الجندر وانتهاك حقوق الإنسان في تأصيل المفهوم، ع48، مجلة كلية التربية الأساسية، جامعة القادسية.
5ـ يوسف، أحمد ربيع أحمد (2002)، الجندرة دراسة تحليلية تقويمية، كلية الشريعة والقانون والدراسات الإسلامية، جامعة قطر، الدوحة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. منظمة سارا تطالب بوقف الانتهاكات الممارسة بحق النساء ومحاسبة


.. -لن نتراجع عن احتجاجنا ما دامت مطالبنا لم تتحقق بعد-




.. استشهاد امرأة وإصابة آخرين بقصف إسرائيلي على منزل بحي السلام


.. الإهمال والتمييز يفاقم معاناة نساء غزة




.. إحدى النازحات في أماكن اللجوء ذكريات المعصوابي