الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حوار مع المفكر العربي أسامة عكنان حول القضية الفلسطينية

أسامة هوادف

2020 / 8 / 29
مقابلات و حوارات


الجزائر الجديدة هي التي ستكون قائدة ورائدة ورافعة مناهضة التطبيع والحلول التسوية مع الكيان الصهيوني
حوار :أسامة هوادف

ضيف اليوم من مواليد16-جوان1960 في مدينة نابلس الفلسطينية ,حاصل على شهادة دكتورا في العلوم السياسية في جامعة "بروكلينبارك" بنيويورك عام 2013 صدر له العديد من الكتب وروايات منها رواية بعنوان "الحليب والدم وقد صدرت عام 2001 عن دار الأمين للنشر والتوزيع بالقاهرة وتعالج مسألة التطبيع مع الكيان الصهيوني وله كتاب بعنوان "سيكولوجيا المحارب الإسرائيلي" وقد صدر عن دار ورد الأردنية للنشر و التوزيع عام2007 ويعالج البناء النفسي الانسان الإسرائيلي عامة وللجندي الإسرائيلي خاصة.
في هذا الحديث الصحفي يجيب مدير مركز أورابيا للدراسات والأبحاث الأستاذ الباحث الأردني أسامة عكنان عن جملة من الأسئلة حول "القضية الفلسطينية "وما يتصل بها.

السؤال الأول: ما هو الهدف الإستراتيجي من توقيع اتفاقية سلام بين الإمارات والكيان الصهيوني رغم عدم وجود حدود بينهما أو حرب؟
إن الحديث عن هدف إستراتيجي من وراء توقيع اتفاقية سلام بين الكيان الصهيوني وأي دولة عربية، هو ذاته الحديث عن الهدف الاستراتيجي من وراء زرع هذا الكيان في قلب الأرض العربية. إذ أن كل تلك الاتفاقيات الثنائية هي من تفاصيل ذلك الهدف الاستراتيجي. ومن ثم فما علينا إلا أن نتحدث عن هذا الهدف، لنقول بكل بساطة أن مثل هذه الاتفاقيات إنما يتم إبرامها لأنها تجعل الصراع يصب في خدمته أولا وآخرا، في هذا التوقيت أو في ذاك، في هذه الظروف أو في تلك.
وإذن فما هو الهدف الاستراتيجي من وراء زرع هذا الكيان في قلب الأرض العربية المشرقية ابتداءً؟!
إن من يتصور أن إسرائيل أنشِئَت لتكون ملاذا ليهود العالم بناء على وعود دينية توراتية، ويقوم من ثم بتصور حيثيات صراعه وتناقضه مع هذا الكيان وصانعيه ورعاته وداعميه، من هذا المنطلق، فهو مخطئ بكل تأكيد، لأنهم – ونقصد بهم صُناع هذا الكيان ورعاتُه وداعموه بطبيعة الحال – حرصوا ويحرصون دائما على ترسيخ هذه الصورة عن الصراع، لكي يستنهضوا في الطرف الآخر المكونات الدينية للصراع، فتتخذ مسارته – أي مسارات الصراع – البُعد الديني الذي يَفقِدُ معه الحقُّ طبيعتَه السياسية التاريخية والقانونية، وهي الطبيعة التي تنشئ الحقوق وترتبها لجميع الأطراف المتصارعة، أما الدين والمقدس الديني فلا يثبت حقا سياسيا لأحد.
وعندما يصبح حقنا مرتهنا بمكون ديني فإنه يفقد مشروعيته، ولأن صناع المشروع الصهيوني إسرائيل كانوا يدركون هذه المسألة جيدا، ولأنهم أقاموا أساسا هذا الكيان بناء على حيثيات دينية، فكان لابد من أجل أن يمنحوا هذه الحيثيات التي لا تنشئ حقوقا سياسية في الأصل، جرعة من المشروعية، أن يقوموا باستنهاضِ مسوغاتِ مواجهته ورفضه من قبل الطرف الآخر دينيا، لينظر العالم إلى تلك المسوغات من طرف الجانب العربي والفلسطيني، فتخف معاداته لمسوغات مشروعية قيام الكيان الصهيوني نفسه، فما دام العرب يديِّنون مسوغاتهم بالمقدس الإسلامي والمسيحي، فإن حدة الرفض للمسوغ المقدس اليهودي في مشروعية هذا الكيان تخف، ويصبح الطرفان على قدمي مساواة، مع أن أحدهما لص سارق ومعتد أثيم، والآخر مسروق ومعتدى عليه.
وإننا كي لا نجد أنفسنا في هذه العجالة قد غرقنا في هذه المسألة التي تحتاج وحدها إلى أحاديث مطولة، فإننا نكتفي بهذه الإشارة لننطلق منها نحو الكشف عن الهدف من وراء إقامة هذا الكيان!!
إن الحرص الدائم على إعطاء هذا الكيان مسوغات مشروعية دينية، لاستنهاض مسوغات مشروعية مواجهته ومقاومته في الدين أيضا، من شأنه أن يخلق حالة لا استقرار دائمة، منطواة في حالة اللاحرب واللاسلم المتواصلة منذ نشأة هذا الكيان. ونحن نقصد بطبيعة الحال، حالة اللاحرب واللاسلم الحاسمتين، أي عدم اللجوء إلى حرب حاسمة تنهي هذا الكيان وتفككه بهزيمته العسكرية الفاصلة، وعدم اللجوء إلى حالة سلام دائمة تنهيه وتفككه من الداخل بتفجير كل تناقضاته.
ولا شيء يساعد على استمرار حالة اللاحرب واللاسلم بمعناها الذي أشرنا إليه، إلا هذه الطبيعة لمشروعية الصراع لدى طرفيه: العربي الذي اختُزِلَ إلى أن غدا فلسطينيا من جهة، والصهيوني الإسرائيلي من جهة أخرى. ومن هنا رأينا إسرائيل تلجأ إلى الإصرار على يهودية الدولة، وعلى ألا حل إلا قلب مسار يعترف بيهودية الدولة، وهو المبدأ الذي وإن كان يلقى معارضة لدى من يدركون تداعياته على مستقبل القضية والصراع، فإنه يلقى لدى الغالبية العظمى من العرب موطنا لتسويغ لجوئهم هم أيضا إلى دينية الصراع، فيمنحون لإسرائيل والصهيونية جرعة الحياة والاستمرار المطلوبة.
في هذا السياق جاءت وتأتي دائما أي اتفاقيات منفردة تعقدها أي دولة عربية مع إسرائيل، فهي اتفاقيات تقوم على فكرة أن حالة الحرب غير قائمة بينها وبين دولة الكيان ما دام الصراع غدا فلسطينيا إسرائيليا ولم يغد عربيا إسرائيليا من جهة، وعلى فكرة أن تلك الدولة التي تكون قد عقدت الاتفاقية المنفردة مع إسرائيل، إنما هي تُشَرعِن لجوءَها هذا من جهة أخرى بكونه يقوم على واقعة أن الصراع الديني لا يمكنه أن يقوم على فكرة إلغاء أي طرف للطرف الآخر، بسبب أن المقدس الديني هو مقدس ديني لدى أصحابه فقط، ومن ثم ففي هذه الأرض المحتلة التي يتنازع عليها طرفان لأسباب دينية، يملك كلاهما الحق نفسَه، بسبب أن القداسة الدينية متساوية، خلافا للحق عندما يترتب على التاريخ وعلى السياسة.. إلخ. وهكذا يصبح من الطبيعي أن يتم تسويغ السلام مع إسرائيل كدولة دينية تملك حقا يحظى بالقداسة، دون التنازل عن حق الفلسطيني الذي أصبح هو الطرف الآخر في الصراع ولأسباب دينية تحظى بذات القدر من القداسة.
وبالتالي فإن الاتفاقية الثنائية المنفردة بين الإمارات وإسرائيل لا تخرج عن هذا السياق، فهي تخدم الغاية الاستراتيجية من إقامة هذا الكيان، وتتماهى مع المسار التاريخي الذي اختطته حياة هذا الكيان وهو يحفر في سيرورته مقومات يهوديته، أي مقومات دينيته.
هذا طبعا ونحن نتجاوز الدلالات السياسية المباشرة التي تختبئ وراء واقعة أن الإمارات هي التي بادرت بعقد هذا الاتفاق وليست أي دولة غيرها. فهذه الدولة توصف في ثقافتنا المشرقية بأنها "ممسحة زفر السعودية"، أي خرقة القماش التي تمسح بها السعودية أوساخها ومخلفاتها وتختبر بها الساحة. ومن ثم فأن تقوم الإمارات بهذه الخطوة، فهذا يعني أن السعودية هي التي قامت بها، ولكنها قامت بها من خلال تلك "الممسحة" لدراسة المخرجات والنتائج والتداعيات، فضلا عن كونها رسالة تُبعَثُ إلى الأطراف المعنية بأن السعودية ومن ورائها الخليج العربي بأكمله مستعد لمشروع التطبيع والتسوية.. إلخ.
إن هذه الخطوة تعني في الشكل والمضمون أن الخليج العربي قدم أوراق الولاء والطاعة لصهينة المنطقة بأكملها.

السؤال الثاني: هل تتوقع المزيد من الاتفاقيات بين الكيان الصهيوني والأنظمة العربية؟ وهل يندرج ذلك ضمن صفقة القرن؟
بطبيعة الحال أتوقع المزيد، وخاصة في الخليج العربي، ولا أستبعد أن تكون السودان على القائمة المستعجلة، وهو ما ستدفعه ثمنا لما عرف بعد الثورة التي أطاحت بالبشير برفعها عن قائمة الإرهاب وبدمجها في المجتمع الدولي من جديد.. إلخ.
ولكن وبما أنك سألت عن علاقة ذلك بصفقة القرن، فإنني أجد نفسي مضطرا إلى توضيح أكبر خدعة يقع فيها العرب وهي تصورهم أن العروض الصهيونية والأميركية المطروحة هي بمثابة عروض لحلول حقيقية. فهذا غير صحيح، وإنما هي كلها ودائما ومنذ احتلال الأرض العربية الأولى عام 1948، مجرد سياسة صهيونية إمبريالية متبعة أحبُ أن أطلقَ عليها عنوان: "التناقض بين سقوف العروض والمطالب".
وفحوى هذا المفهوم أن إسرائيل وكي تتمكن من الاستمرار في أداء دورها القادر على تثبيت قدرتها على تحقيق الهدف الإستراتيجي من خلقها في قلب المنطقة العربية المشرقية، يجب أن تتمكن من خلق سياسة إزاء الصراع لا يمكنها أن تؤدي إلى أي حل. ولكي يتم ذلك فإن إسرائيل تتقدم بعرض حل تكون مدركة أن العرب – ومنهم الفلسطينيون بطبيعة الحال – لن يوافقوا عليه لأسباب ثقافية بالدرجة الأولى، أو أن العرب سينقسمون إزاءه إلى معارض وموافق على أقل تقدير، فيما يكون المطلب العربي أكبر من العرض الإسرائيلي.
وفي قلب هذا التجاذب العربي – العربي من جهة، والعربي – الإسرائيلي، من جهة أخرى، يضيع من عمر الصراع والقضية عقدان من الزمن، تكون إسرائيل خلالهما قد خلقت على الأرض وقائع جديدة تمكنها من فرض عرض جديد ذي سقف أقل من سقف العرض السابق وقادرة على التمسك به، فيما يكون العرب قد انتقلوا من حالة رفض العرض السابق إلى الموافقة عليه، إلا أنهم عندما يُبدون موافقتَهم عليه، تكون كل المعادلات قد تغيرت، ويكون الأوان قد فات، ليُفرَضَ عليهم التعامل مع سقف عروض إسرائيلية جديد، لن يكونوا مستعدين لقبوله ثقافيا، فيضيَّعون عقدين جديدين من عمرهم ومن تاريخهم في التجاذب والتنابز والتنافر عربيا – عربيا، وعربيا – إسرائيليا، فيما تكون إسرائيل تتحرك لتخلق وقائعها الجديدة على الأرض لمرحلة قادمة تعد فيها المنطقة لسقف عروض ومطالب جديدة على نفس المنهج. وهكذا دواليك، حيث أن القضية والصراع على مدى أكثر من سبعين عاما لم يخرجا عن هذا السياق لسقوف العروض والمطالب.
و"صفقة القرن" لعام 2017، وقبلها "أوسلو" لعام 1993، وقبلهما "جدل التمثيل الأردني للفلسطينيين" على مدى الفترة "1971 – 1984"، وقبل هذه وتلك "مبادرة روجرز عام 1969" ومنذ البداية وقبل الجميع "قرار التقسيم لعام 1947"، لا يخرج أي منها على هذا النهج.
أي أن أي عرض إسرائيلي منها بما في ذلك صفقة القرن الراهنة، لم يُطرح ليُنفذ على أرض الواقع، وإنما ليؤدي إلى هذه الحالة من التجاذب والتنابز بين سقف عرض إسرائيلي مرفوض عربيا أو مُختَلَف عليه عربيا، وسقف مطالب عربي مرفوض إسرائيليا، إلى حين حلول مرحلة تالية من الصراع تطرح فيها عروضٌ إسرائيلية جديدة بعد أن يكون العرب قد وافقوا على العرض السابق الذي ستكون إسرائيل قد تخلت عنه وألغته وأصبح خارج نطاق حساباتها.
أي أن ما أقدمت عليه الإمارات، وما قد تقدم عليها أي دولة عربية أخرى غيرها، إذا كان سيعتبر ضمن سياق صفقة القرن، فعلينا أن نقرأه ونفهمه على أنه يصب في هذا التحليل الذي قدمناه لسقوف المطالب والعروض، أي أنه يصب في خانة تعميق الشرخ العربي، لتعميق حالة التجاذب العربي – العربي، الذي سوف يبقي حالة اللاحرب واللاسلم قائمة ومستمرة عقدا أو عقدين آخرين، وحتى تحل مرحلة جديدة بسقوف عروض ومطالب جديدة. وفي المحصلة لن يتحقق شيء، إلى أن يتمكن العرب من فرض الحل الذي يريدونه بالقوة.

السؤال الثالث: هل الحل لا يوجد إلا في يد الفلسطينيين خاصة بعد خذلان البلاد العربية لهم؟
هذه معادلة خاطئة، فالعرب خذلوا أنفسهم أصلا منذ أن اختزلوا الصراع العربي الإسرائيلي في مسمى وعنوان "القضية الفلسطينية"، فالمشروع الصهيوني إسرائيل، لم يكن يستهدف الفلسطينيين ولا أرض فلسطين تحديدا، وإن بدا العنوان الظاهر كذلك، وإنما هو مشروع إمبريالي يستهدف العرب جميعا أرضا وتاريخا وبشرا وحضارة ومصيرا، وعلى رأسهم المشرقيون بالدرجة الأولى، وما فلسطين والفلسطينيون إلا نقطة العبور والاختراق الأولى والأساس التي ملكتهم شرعية العبور إلى الفضاء العربي ليس إلا.
وبالتالي فإن الصراع الناتج عن هذا الاستهداف هو كان وكان يجب أن يبقى صراعا عربيا إسرائيليا بكل ما لهذه الكلمة من معنى.
والعرب بهذا المعنى وعبر هذا السياق للصراع، لم يخذلوا الفلسطينيين، لأن الذي حصل هو أن العرب حمَّلوا الفلسطينيين مسؤولية مناجزة مشروع كان وما يزال يستهدف الأمة كلها، بأن خدعوهم وأقنعوهم بأن القضية الناتجة عن هذا الصراع هي قضية فلسطينية، وأن الهوية الفلسطينية هي الأساس فيه.. إلخ. أي أن العرب تخلوا عن تحرير أنفسهم بكذبة كبيرة اسمها القضية الفلسطينية، التي جعلت الفلسطينيين يؤمنون بكذبة أكبر هي "الهوية الفلسطينية".
والخلاصة أن العرب خذلوا أنفسهم، وخضعوا للمسار الذي اختطته الصهيونية والإمبريالية لهذا الصراع. والفلسطينيون يعيشون الكذبة، ويصدقون أن القضية كلها مجرد حقوق تتعلق بهم وبتقرير مصيرهم وبهويتهم وبإقامة دولة فلسطينية مستقلة فيما يتوهمون أنه حل الدولتين.
ومن هنا فإن تصور أن على الفلسطينيين أن لا يراهنوا على العرب لحل قضيتهم، هو تصور ناتج أصلا عن تصور مقلوب، وهو أن القضية هي قضية الفلسطينيين، وأن الصراع هو صراع إسرائيلي فلسطيني، وأن العرب ليسوا سوى مساندين وداعمين لإخوانهم وأشقائهم الفلسطينيين.. إلخ. ولكن هذا غير صحيح على الإطلاق، فالقضية قضية العرب، والصراع هو صراع عربي إسرائيلي، وسيبقى كذلك، ومهما فعل العرب، ومهما تخلوا وخذلوا أنفسهم، فالجوهر والحقيقة لا يتغيران. وعلى الفلسطينيين أن يفيقوا من هذا الوهم ومن هذه الكذبة، وأن يعيدوا إلقاء الكرة في ملعب العرب عبر إلقاء القضية في ملعبهم، بالخروج من هذه المهزلة التي أُقحِموا فيها منذ عام 1970، والتي أغرقتهم مستنقعاتها منذ عام 1993 عبر أوسلو.
نعم إن على الفلسطينيين عبر ممثليهم إن كانت بقيت لديهم ذرة من شرف وكرامة ونبل أن يرفعوا أيديهم عن القضية الفلسطينية، وأن يعلنوا للشعوب العربية بأكملها، أنهم خُدعوا بأن حُملوا مسؤولية قضية عربية كاملة، وليس أنهم خذلوا بأن لم يُسانَدوا في قضية فلسطينية. وأن الأنظمة العربية كاذبة وتخلت عن قضية الأمة، وأن عليها أن تعود لتتحمل مسؤوليتها من جديد، وأنهم – أي الفلسطينيون – مستعدون ليستمروا في النضال والمقاومة حتى النهاية، ولكن ليس بكونهم أصحاب القضية، وإنما بكونهم جنود الطليعة في قضية أصحابها الحقيقيون هم العرب جميعا. وهكذا، إن حصل ذلك يمكن للقضية أن تعود إلى سياقاتها الصحيحة القادرة على الدفع بها إلى الأمام على طريق الحسم والتحرير. أما بغير ذلك فكل شيء مجرد وهم.

السؤال الرابع: ألا تعتقد أنه أصبح وصف الصراع بأنه صراع عربي إسرائيلي من التاريخ، فمعظم الأنظمة العربية لها علاقات مع الكيان الصهيوني بطريقة علنية أو سرية، وأصبحت الشعوب على هامش الصراع؟
أظن أن الإجابة على هذا السؤال تضمنتها الإجابة على السؤال السابق، مع إضافة أن ما يحدث من تخاذل عربي رسمي لا يغير الحقيقة، وسوف يجد العرب أنفسهم – وأقصد هنا الأمة العربية – مجبرين في لحظة تاريخية حاسمة وحساسة على استعادة استلام القضية من الفلسطينيين الذي أصبح قادتهم مع الأسف مجرد نظام عربي وظيفي لا يختلف عن نظام آل نهيان، أو نظام آل سعود، أو نظام الهاشميين، أو نظام السيسي.. إلخ. ثم بعد استلامها منهم فإن عليها وضعها في خانة أنها صراع عربي إسرائيلي، ولكن على مستوى الشعوب والجماهير هذه المرة، وليس على مستوى الأنظمة الرسمية ذات الطبيعة الوظيفية.
يجب أن تكون البداية من التحرُّر من كذبة أن منظمة التحرير وسلطة أوسلو تمثل هذه القضية وتمثل هذا الصراع، أو أنها ليست النظام العربي رقم 22، والذي أصبح أعتى الأنظمة العربية رجعية ووظيفية، وأكثرها شَرعَنَة للباطل وشرعنة لكل تخاذل الأنظمة العربية الأخرى.

السؤال الخامس: من هو البلد الذي تراه من المستحيل أن تكون له علاقات مع الكيان الصهيوني؟
من حيث المبدأ فإن طرح السؤال بهذه الطريقة غير مُعَبِّر وغير دقيق، فمن الناحية النظرية، فإن الجزائر نفسها لو بقيت محكومة بالنظام السابق، ولو بقيت الفئة الفرانكوفيلية متحكمة فيها، ولولا الحراك والتقاط الجيش بقيادة المرحوم قايد صالح للحظة التاريخية لتثبيت التغيير الحقيقي في

الجزائر.. أقول: حتى الجزائر لو بقيت على ما كانت عليه خمس سنوات أخرى، ربما كانت ستطبع وستقيم علاقات مع إسرائيل، لأن أحدا لا يستطيع التنبؤ إلى أين كان سيذهب هؤلاء بالجزائر.

ولكني أستطيع التأكيد الآن وكلي يقين بأن الجزائر الجديدة هي التي ستكون قائدة ورائدة ورافعة مناهضة التطبيع والحلول التسوية المتخاذلة مع هذا الكيان الغاصب. ومن هنا فإنني أرى أن دول المغرب العربي بمركزية الجزائر ستكون عصية على التطبيع مع إسرائيل، بعد أن سقط المشرق العربي كاملا في هذا المستنقع تقريبا.

السؤال السادس: كيف تستطيع النخب العربية ومنظمات المجتمع المدني والسياسي مجابهة التطبيع مع الكيان الصهيوني؟
ليس أمامها سوى أن تواصل نضالها الثقافي والسياسي الضاغط في اتجاه مناهضة التطبيع على كل المستويات، وعليها أن تستخدم كل المسائل المشروعة والمتاحة أمامها لأجل ذلك.

السؤال السابع: ما مصلحة أمريكا في دعم الكيان الصهيوني في المنطقة على حساب العرب؟
إن الإجابة على هذا السؤال هي بمثابة تحليل للصراع منذ مائة عام، لذلك فالأمر أكبر بكثير من أن يُجاب عليه في عجالة كهذه، فالقضية كلها تكمن في اختراق العرب بهذا الجسم الغريب، وهذا ما أراده الاستعمار الأوروبي ممثلا في بريطانيا مطلع القرن السابق، وهو ما ورثته الولايات المتحدة عن أوروبا وما تستمر في تنفيذه نظرا لقدرته على تحقيق إستراتيجيات الإمبريالية والرأسمالية على مستوى العالم عبر الإقليم العربي المشرقي. ومع ذلك فليس استمرار الولايات المتحدة في دعم إسرائيل قدرا مقدورا، إذ أن كل شيء ممكن في عالم السياسة والصراعات. المهم أن تكون هناك إرادة سياسية عربية في تغيير الخرائط الجيوسياسية، وبعدها كل شيء قابل للتغير.

السؤال الثامن: ما الدور الذي تستطيع الجزائر القيام به في نصر القضية الفلسطينية بعدما تخلى عنها الجميع؟
الجزائر في كلمتين مختصرتين هي الدولة العربية الوحيدة القادرة – في ظل ما جرى ويجري في المشرق العربي حتى الآن – على رعاية وإسناد واحتضان كامل مشروع النهضة العربي الذي لن تقوم له قائمة إلا في قلب مقاومة الصهيونية، أي أن الجزائر يقع على عاتقها الحمل الأكبر في مشروع استنهاض المقاومة والنهضة من جديد. إنها في مشروع الوحدة والتحرر والنهضة العربي، أشبه بمكانة "بروسيا" في مشروع الوحدة والتحرر والنهضة الألماني، وبمكانة "صقلية" في ذات المشروع الإيطالي.

السؤال التاسع: كيف تتوقع مصير القضية الفلسطينية على المدى البعيد؟
أن تعود إلى سابق عهدها "صراعا عربيا إسرائيليا"، يعلو على مشاريع التسوية الهزيلة، ويضع أسس انطلاقة ثورية جديدة تستطيع تغيير كل الخرائط.

سعيد بك اليوم أستاذ، كرما لا أمرا، اختم الحوار.
ليس أمامي إلا أن أعيد التأكيد على دور الجزائر والشعب الجزائري والنخب العروبية الجزائرية في احتضان مشروع النهضة العربي، وفي إسناد الانطلاقة المرتقبة للمشرق العربي عامة وللهلال الخصيب خاصة، من قلب كل هذا الركام الذي نشهده جميعا. هذا قدر الجزائر والشعب الجزائري، ولا أظن الجزائريين سيخذلون الأمة بالتقاعس عن القيام بهذا الدور العظيم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجناح العسكري لحركة حماس يواصل التصعيد ضد الأردن


.. وزير الدفاع الروسي يتوعد بضرب إمدادات الأسلحة الغربية في أوك




.. انتشال جثث 35 شهيدا من المقبرة الجماعية بمستشفى ناصر في خان


.. أثناء زيارته لـ-غازي عنتاب-.. استقبال رئيس ألمانيا بأعلام فل




.. تفاصيل مبادرة بالجنوب السوري لتطبيق القرار رقم 2254