الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصة كربلاء: مقاربة مختصرة في ضوء تحليل الخطاب

سعيد الجعفر

2020 / 8 / 29
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


حين نخضع مقتل الحسين الى منهج تحليل الخطاب وأداته الأهم علم النفس الاجتماعي نجد أن الموضوع تتقاسمه بؤرتان الأولى بدوية جزرية والثانية مدنية آرامية عراقية. فمواضيع القوة الجسدية والشجاعة كما في شخصية العباس هي ثيمات بدوية كما أن موضوع الماء والعطش هو ليس سوى هاجس البدوي، حيث تتجاذبه نفسيا الصحراء من جهة والبحث عن الماء من جهة اخرى، حتى أن البدوي يعرف كل أماكن الآبار في الجزيرة، والبعير ككائن مركزي في الانثروبولوجيا الجزرية واللغة العربية ارتبط بتحمله للعطش. فعلم الآثار يقول مثلا إن تدجين الجمل جرى منذ الالف الأول قبل الميلاد، وقبله لم تتحرك أية قبيلة الا مسافة مئة كم من موضعها. وهذا السبب هو الذي دفع الاثاريون للتشكيك في رحلات ابراهيم سواء كان الى مصر أو مكة، ورحلات يوسف وموسى ويعقوب من فلسطين الى مصر، خصوصا إن الاثاريين لم يجدوا دليلا واحدا على وجود الانبياء، رغم كثرة الرقم الطينية والبرديات والمرويات الموثقة. وهكذا نجد ثيمة العطش مركزية في قصة الحسين ، تبدأ مع الحر الرياحي وتمتد الى صراع الجيشين على اختيار جانب الفرات ثم بناء على ذلك قصة العباس مع الماء وقصة عبد الله الرضيع. الثيمة العراقية الآرامية لها شقان، الأول هو المظلومية والولولة ، وهو ارث عراقي استمر على اكثر من ثلاثة آلاف عام حيث يولول العراقيون على تموز الذي يقتله الخنزير البري في أيلول، حيث اسم ايلول مشتق من الولولة في الاكدية والارامية، وحيث إن رقم عشرة وعاشوراء متعلق بتقاليد الولولة على تموز لمدة عشرة أيام، حتى إن صيغة عاشوراء هي ليست من صيغ الصرف العربي حالها حال ملكوت وكهنوت وجبروت وسبحان وطوفان وصيغ اخرى كثيرة . الثيمة الاخرى هي التدين والايمان الذي لا يحتل لدى البدو أية اهمية ، فهم اقوام حسيون لا يستوعبون الافكار المجردة ، فهذه الافكار ترتبط بالمدينة وطريقة تفكيرها ، وعمليا تطورت معظم الاديان من تعدد الآلهة الى الاله الواحد ثم التجريد الاعلى اي الرب أو الله، في بيئات مدنية تستوعب التجريد . ولذا يمكننا القول إن ثيمة التقوى والايمان في شخصية الحسين وحبيب بن مظاهر هي ثيمة عراقية آرامية. تبقى كل شخصية وحدث يضاف لها بمرور الزمن من خلال الذاكرة الشعبية ووعاظ السلاطين من المؤرخين وكاتبي السير ، الكثير من الاحداث. وقد فكك مطهري في الملحمة الحسينية الكثير من القصص وتتبع أزمان اضافتها واهمها قصة عرس القاسم التي وضعت في زمن العليخانيين في القرن الرابع عشر وظهرت لأول مرة في كتاب الملا حسين الكاشف " روضة الشهداء" وهو كتاب متأخر . الموضوع الاهم هو زيارة الاربعين التي ، وكما يورد مطهري، ذكرها ابن طاووس في روايته لكنه تجاوزها في كتبه الاخر، والتي ينفي هو حدوثها، اعني رجوع السبايا الى كربلاء. يبقى الاهم في الموضوع كله إن مقتل الحسين يختطفه التدين الشعبي فتغدو المواضيع المتعلقة بالتفكير القبلي هي المسيطرة ، فلا نجد ثيمات سوى حرق الخيام والسبايا وقتل الرضيع والاخوة والحصان يندب فارسه. وهذا ينطبق على قصة المقتل وما تفرع منها من انشاد وقصائد سواء بسواء. نجد ذلك واضحا لدى حمزة الزغير وعبد الامير الفتلاوي والرميثي وباسم الكربلائي، كما نجده في الفصيح من ادب الطف لدى السيد حيدر الحلي والكواز ورضا الهندي وغيرهم . أما جوهر الثورة فلا يمثل حتى واحد في المئة من مجموع النصوص. لقد تطور المفهوم المسيحي للقصة المشابهة لمقتل الحسين، اي صلب المسيح، من معناها السلبي الشعبي المتجهم الى معنى رمزي عميق جعل من المسيح بذرة سقطت لتنمو منها شجرة انتشرت في ارجاء الارض. وهكذا هم الابطال دوما ، احياء بما تركوه من مثال عميق نتقتدي به ونهتف هيهات منا الذلة...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مقال في الانثروبولوجيا
محمد البدري ( 2020 / 8 / 29 - 12:51 )
شكرا وتحية للفاضل سعيد الجعفرعلي هذه المعزوفة الانثروبولجية النادر قراءة مثلها ضمن ثقافة العرب الملوثة بمفردات الصحراء المقدسة والملوثة للعقل .

تحياتي

اخر الافلام

.. عشرات المستوطنين الإسرائيليين يقتحمون المسجد الأقصى


.. فلسطينية: العالم نائم واليهود يرتكبون المجازر في غزة




.. #shorts - 49- Baqarah


.. #shorts - 50-Baqarah




.. تابعونا في برنامج معالم مع سلطان المرواني واكتشفوا الجوانب ا