الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ظل آخر للمدينة18

محمود شقير

2020 / 8 / 29
الادب والفن


أقف على قمة السور في مواجهة نزلة باب العامود، حيث المتسوقون والسياح في ذهاب وإياب عبر السوق. أمضي متجهاً نحو الباب الجديد، أجتاز البيوت المترامية على يسار السور.
تقترب مني سائحة أجنبية، تخرج كاميرا صغيرة من حقيبتها التي تضعها على كتفها، تطلب مني أن ألتقط لها صورة تظهرها، ومن خلفها قبة الصخرة، بالتماعاتها الذهبية. ألتقط لها الصورة. تشكرني، ثم أسألها من أي بلد هي، فتخبرني بأنها من الولايات المتحدة الأمريكية، وتسألني من أي بلد أنا، فأخبرها بالأمر، ثم نفترق.
تمضي هي في اتجاه باب العامود، وأمضي أنا في اتجاه الباب الجديد.
أقترب من الباب الجديد، وأنظر إلى الشارع الذي يخترقه متجهاً إلى داخل البلدة القديمة، حيث تتجاور حوانيت ومطاعم ومقاهٍ ومداخل بيوت. ألتفت إلى الخلف، فأرى السائحة الأمريكية، تتبعني، فأنتظرها ريثما تصل، ثم نواصل الرحلة معاً، وأقدم لها بعض التوضيحات عما نراه على جانبي السور.
هناك، على مقربة، تنتشر بعض أحياء القدس الغربية، ويظهر فيها أول شارع يافا، وفندق الملك داود، وحي مونتفيوري ومباني مشكنوت شأننيم. نجتاز مبنى مدرسة الفرير الذي يقع على يسارنا، نقترب من باب الخليل، نلقي نظرة على ميدان عمر بن الخطاب داخل السور. أما في الخارج، فقد أخذت في الظهور بناية فندق مليئة بالقباب، إلى جانب بنايات أخرى ظلت مهملة طوال الفترة بين حربي 1948 و1967. تلقي السائحة الأمريكية علي بعض الأسئلة، وألقي بدوري عليها أسئلة. أصبحنا نعرف عن بعضنا بعضاً قدراً لا بأس به من المعلومات، إنها في أواخر الثلاثينات من عمرها، متوسطة القامة، تضع على عينيها نظارات طبية، وترتدي فستاناً فضفاضاً يعابثه الهواء الرخي، فينزاح عن ساقيها، اللذين يغطيهما قميص داخلي أسود طويل، فلا يظهر منهما سوى ربلتين شديدتي البياض. تذكرت امرأة تكتب الشعر من بلادي، فقلت في سري إنها تشبهها تماماً، فشعرت نحوها بإلفة ما.
اجتزنا القلعة التي حولها الإسرائيليون، مع المسجد المقام بجوارها، بعد حرب 1967، إلى متحف يروي على نحو متحيز، تاريخ القدس عبر العصور. تجاوزنا حي الأرمن المحاذي للسور من الداخل. طلبت منها أن تنظر نحو البعيد الممتد جنوباً. هناك، يربض جبل المكبر حيث أقيم، وعلى قمته وسفوحه تتجاور أشجار حرجية سامقة وبيوت، فأبدت ارتياحها للأمر، ثم سألتني هل سكن آبائي وأجدادي المدينة من زمن بعيد، فطمأنتها حول الأمر وأنا متألم من سؤالها الملغوم. سألتني عن علاقة المسلمين بالمسيحيين في المدينة، قلت لها إنها علاقة طبيعية. أمعنتْ في الاستفسار والتساؤل كأنها راغبة في العثور على مشكلة. أمعنتُ في شرح الموقف حتى لم تعد راغبة في مزيد من الكلام في هذا الموضوع.
أمشي خلفها وقتاً، ثم تمشي هي خلفي وقتاً آخر، أنبهها بين الحين والآخر إلى ضرورة الحذر من شوك القبّارة الذي ينمو على حافة السور، كي لا يصطدم بذراعيها أو ساقيها، فيدمي بشرتها الرقيقة، تستلطف اهتمامي بأمنها الشخصي. أسألها إن كانت تعرف بعض العبرية، تخبرني أنها تعلمت في رحلتها هذه بعض الكلمات. تتوقع بدورها أنني أتكلم العبرية، أخبرها بأن الأمر ليس كذلك. تبدو حائرة بعض الشيء، فلم تمعن في طرح الأسئلة، ولم أمعن بدوري في طرحها. كنت أخمن أنها يهودية، غير أنني لم أشأ أن أسألها عن ذلك، وكانت، كما يبدو، تخمن أنني لست يهودياً، فلم تشأ أن تسألني عن ذلك.
نهبط عن السور ونسير في الشارع الذي يمضي بمحاذاته، نحو ساحة السيارات المتاخمة لحائط البراق. نجتاز بوابة إلكترونية يقف خلفها رجال الشرطة، ندخل ساحة فسيحة مبلطة تمتلئ بالسياح وبالمواطنين الإسرائيليين، ينتصب حائط البراق أمامنا، وخلفه بالضبط تظهر قبة الحرم القدسي وقبة الصخرة. تقول لي السائحة إنها ستذهب الآن للصلاة.
تودعني، فأراقبها وهي تقف أمام الحائط وسط مئات من المصلين اليهود، تنخرط في صلاتها، فأغادر المكان وأنا أدقق النظر في شبابيك المدينة.
يتبع..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحلقة السابعة لبرنامج على ضفاف المعرفة - لقاء مع الشاعر حسي


.. الفنان أحمد عبد العزيز ينعى صلاح السعدنى .. ويعتذر عن انفعال




.. االموت يغيب الفنان المصري الكبير صلاح السعدني عن عمر ناهز 81


.. بحضور عمرو دياب وعدد من النجوم.. حفل أسطوري لنجل الفنان محمد




.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه