الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تدوين تاريخ السودان المفقود

الطيب عبد السلام
باحث و إعلامي

(Altaib Abdsalam)

2020 / 8 / 30
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


هنالك نرجسية وطنية في أذهان المثقفين و السياسيين السودانيين و إنتفاخ عاطفي بمسمى " السودان" و هم يدارون بهذا الإنتفاخ الوطني إنتفاخاتهم الذاتيه المستمده من القبيلة او الوظيفة او تضاعف الشعور بالذات.
في حين أن الواقع أن السودان هو كيان سياسي " بلا تاريخ" بالمعنى الممتلئ لمعنى تاريخ، فهو أرض مهاجرين و ليس مقيمين، كما يمر به النيل يمر الناس به، بتثبيت هذه الفرضية المهمة أن السودان هو بناء هش بالمعنى القومي و أنه "غيتوهات قبلية" تقاسمت جهاته الشاسعه.
نستطيع فهم الواقع السياسي و الإقتصادي اليوم.
السودان الأمة لم يتبلور في الهوية العربية و الإسلامية إلا في منتصف القرن السادس عشر بقيام السلطنة الزرقاء في القرن السادس عشر، قبلها كان فضاء لغيتوهات و مشيخات متناثره هنا و هناك، اذا ففضاء القرن الرابع عشر و القرن الثالث عشر و لندرة و شح الوثائق نستطيع أن نستنتج أنه كان فضاء لهجرات و تسربات عربية غير ذات وزن من مصر او من الجزيرة العربية او من المغرب، و حتى كتب التأريخ التي تحدثت عن الهجرات العربية للسودان بإعتبار أن العروبة هي " الهوية المستقبليه" لم تتحدث عن أحداث و أشخاص بقدر ما تحدثت بلغة وصفية تعميمية تذكر إسما هنا و هناك و تعيده مجددا إلى الغموض.
فهل الفقر الإقتصادي أدى إلى الفقر الثقافي؟ و هل صحرائه التي في الشمال و عجمته التي كانت أنذاك في الوسط هو ما أخر وجود مدونات تكشف التاريخ علما أنها مدونات لا تكشف تأريخ السودان بقدر ما تضئ السودان لحظة الولوج العربي إليه و لحظة قيام الحلف السناري به، كما يذهب إلى ذلك جاي سبولندج.
هذا الغموض الذي يكتنف " السودان المسيحي" أي سودان ما قبل الحلف السناري يمكننا تخيل واقعه بمشاهدة وقائع حضارات ما بين الأنهار اي حضارات الإنكا و المايا في أميركا الجنوبية كما فعلت انا، او بدراسة القبائل التي حافظت على "عالمها" كقبائل الجنوب و التي يمكننا من مراقبة واقعها تخيل ماضيها، و بالتالي تخيل واقع سودان ما قبل الحلف السناري.
مستندين في كل ذلك على فرضية نظرية هي
" تشابه حضارات ما بين الأنهار"، و هو سيقودنا بدوره إلى زمن أركيلوجي معروف تأريخيا بالعصر الحجري، و أن عالم "العصر الحجري" ليس عالما موحدا بل هو زمن متزامن فقد تجده في مكان ما زمن النانو و في مكان أخر لا زال الناس يقيمون في عصرهم الحجري.
بقدر ما تبدو هذه الفرضية مريحة بقدر ما ليست هي كافية لغياب الوثائق و شح المصادر، اي أن سودان العصر الحجري بقدر ما يقاسم العالم الحجري ظروفه و طقوسه و الهته، بقدر ما يتمتع بخصوصية لغوية و ثقافية يستميت دارسو الأثار في تعقبها، غير أن كل ما وقعت عليه شخصيا من كل تلك الدراسات لم يلهمني أي صورة لخصوصية سودانية إن لم تكن عبارة عن " مصرية مستنسخه".
ايا يكن فبهذه الفرضية التي أشك فيها لرغبتي و حلمي بولادة تأريخ سوداني يمنحنا روايات جديدة و اسماء جديدة يمكننا أن نملأ فراغات التاريخ السوداني بإعتبار أن الظاهرة الإنسانية هي في النهاية " ظاهرة واحدة" و أننا بإستنباط "الفرضية الفكرية" او " الأبستيمه"التي تحيا في داخلها التواريخ و الأسماء و المعتقدات نستطيع إستنتاج " صورة او ملامح او هيكل عظمي" للحضارات المجهولة التي ولدت و ماتت دون وثائق.
لذا لجأت إلى تأريخ ما بين "النهرين" حيث أعانتني في ذلك كثيرا مؤلفات فراس السواح الذي توغل في ذلك " العقل الأول" و أمدنا بمنهج تحليل يستطيع الإقتراب و بثقه من تلك الرموز و المنحوتات الغامضه المرسومة على المباني و الشواهد، نقترب مما ترمي إليه دون أن نقترب بما يكفي منها كتصويتات او طريقة نطق، و هي تأويلات بقدر ما تخطئ تصيب...لإن الصمت يغطي كل شئ.
بهذا أستطيع المضي من حقبة سودان ما قبل السادس عشر إلى سودان الحلف السناري الذي ولدت من رحمه المؤسسة العربية الإسلامية " سلطنة سنار"، اذا فنحن امام تأريخ بكر مقارنة بالتواريخ المحيطة، و تاريخ قليل النشاط مقارنة بالتواريخ القريبه و يرجع ذلك إلى مناخ البلاد الطارد و المتقلب و بعدها عن البؤر الحضارية في المتوسط.
مع وصول الأتراك إلى السودان في ١٨٢١ بدأ السودان يدخل الفضاء العالمي و يرتبط رويدا رويدا بمؤسساته و تظهر الأبنية الحديثه و النظم الإدارية الجديدة، بدأ السودان " يتمأسس"، و وفد التجار الاوروبيون من كافة المعمورة، طبعا هنا حديث كثير ما بين السطور حول الرق و الإحتكار و و، اطاحت الثورة المهدية بالأتراك بعد ستين عام لم يترك خلالها الأتراك " ما يبكى عليه" فمحمد علي و خلفاؤه كانو مشغولين ب " الربح السريع" و حتى دخولهم السودان لم يكن أكثر من دخول حراس للقوافل التجاريه، بيد أنه بقدر ما كان ذو تأثير ضعيف في مأسسة السودانيين إداريا او مدنيا غير أنه ساهم في مأسستهم هوياتيا نحو فضائهم العربي المسلم فسقوا الأشجار و أعتنوا بها.. دون أن يتركوا إرثا حضاريا واضحا يحول دون ثورة الشعب عليهم خلف المهدي.
مع الثورة المهدية عاد السودان مجددا للعزلة الدولية و دخل في دوامات من الحروب الأهلية و الإبادات و المجاعات، غير أننا سنرى المؤسسه حاضرة وهي مؤسسة مستسنخه عن المؤسسة التركية حيث أبقى التعايشي على الموظفين الأتراك " من قبض عليهم" و حاول السير على ذات المنهاج المؤسساتي مع تغيير الشعارات و الألوان لكن لب العملية الإدارية ظل نفسه.
طبعا هنالك فوارق في واقع الأتراك و واقع المهدويين " فوارق كبرى" و هو أن المهدوية لم تفهم طيلة سنواتها القلقة أنها أنتقلت من الثورة إلى الدولة فظل إقتصادها حربيا يدار من " البقعه"، كما أنها جوبهت بالسوأل الهووي اي " فضاء ما داخل المؤسسه المركزية" كونه فضاء بقدر ما يبدو و أنه برئ بقدر ما هو مكون من قبائل و أعراق و تأريخ من المشاحنات، لم يكن لدى التعايشي و مستشاريه ذلك الخيال الخلاق في فهم مكونات الإجتماع الهوياتي السوداني فحاربوا بسلاح الدولة و بأيدي المجاذيب إلى "هوية الدولة المقدسة "كل الجهات و نظر التعايشي إلى الأمر كما نظر إليه الخليفة ابابكر
" انها حروب ردة"... أقف هنا و أكمل تأملاتي في مقال قادم نستنتطق فيه الحاضر لنفهم واقعية الواقع، و سنمعن في إستلهام و محاورة نظرية أبوالقاسم حاج حمد حول الطبيعه المؤسساتيه للسودان النيلي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمطار غزيرة تضرب منطقة الخليج وتغرق الإمارات والبحرين وعمان


.. حمم ملتهبة وصواعق برق اخترقت سحبا سوداء.. شاهد لحظة ثوران بر




.. لبنان يشير إلى تورط الموساد في قتل محمد سرور المعاقب أميركيا


.. تركيا تعلن موافقة حماس على حل جناحها العسكري حال إقامة دولة




.. مندوب إسرائيل بمجلس الأمن: بحث عضوية فلسطين الكاملة بالمجلس