الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحرية والاختيار

راتب شعبو

2020 / 8 / 30
الادب والفن


لو وصلت إلى مفترق طرق لا أعرف إلى أين ينتهي أي منهما، سوف أقف طويلاً قبل أن أختار أحدهما. قد تقعدني الحيرة عن الاختيار فأفضل أن أبقى عند نقطة الانعطاف هذه، على أن أختار ثم أندم، وسوف أندم. هناك جاذبية خاصة للبقاء في المكان الذي يسمح لك بالاختيار، جاذبية الاحتفاظ بامكانية الاختيار. في الأمر شعور بالحرية، حرية أن يكون لديك القدرة على الاختيار، هذه الحرية التي تتلاشىى حين تختار. الاختيار يستهلك الحرية.
لنقل أنني استهلكت نصيبي من الحرية واخترت طريقي ولو بعد حين. سوف أمشي على طريقي المختار استكشف اختياري، بينما يبقى جزء من نفسي عالقاً على احتمالات الطريق الآخر. أمشي على طريق اخترته وأرى ما يتكشف لي منه كلما مضيت فيه، ولكني لا أستطيع أن أنسى أنني أهملت خياراً آخر، ولا أستطيع أن أمنح نفسي كاملاً لطريقي الواقعي الذي أذهب فيه. سوف أبقى لذلك موزعاً بين الطريقين، ولن يكون اختياري نهاية لحيرتي. كنت حراً في اختيار الطريق، ثم أصبحت عبداً للطريق المختار. الاختيار يقيد. أنت حر قبل أن تختار. لا أريد أن يقيدني خياري.
كائن صغير في داخلي سوف يعطي ذاته بالكامل للخيار الذي لم اختره، وسوف يبقى له صوت مسموع يذكرني بذلك الخيار الذي قتلته عمداً حين مشيت على الطريق الذي أنا فيه. ولن يكون غريباً أن ينتصر هذا الصوت في لحظة ما من طريقي، وأن يجعلني أزهد بما أنا فيه ويزين لي ما تركت، فأعود إلى المفرق إياه لأنطلق في الطريق الذي سبق لي أن أهملته. على المفرق استرد حريتي التي خسرتها ثم أستهلكها من جديد باختيار الطريق الآخر. وعلى الطريق الجديد، سوف يبدأ جزء من نفسي بالانحياز إلى ذلك الجزء الذي لم استكشفه من طريقي الأول.
استبداد المرآة
المرآة لا تتردد في رسم وجهك حين تقف أمامها. المرآة لا تعرف الحيرة، ولا تحب الحرية. في لحظة واحدة تقتل المرآة مليون شكل في خيالك كي تفرض عليك "شكلك". تقول لك بسلطة مطلقة: هذا أنت. ولكني لا أحب هذه العيون، تقول للمرآة. أحب أن تكون وجنتاي أكثر علواً وجبيني أكثر اتساعاً. ليس هذا هو الشكل الذي احتفظ به عن نفسي. هذا لا يشبهني. لا يمكن أن يكون هذا أنفي. لكنك لن تسمع رداً مهما رفعت صوتك ومهما كررت من احتجاج. المرآة كائن مستبد مدمن على قتل الخيال وإحباط الغالبية الغالبة من الناس.
المرايا والكاميرات وأسطح المياه الراكدة وكل السطوج العاكسة تفرض عليك "شكلك"، تصادر حريتك في اختيار صورتك ثم في تبديل الصورة حين تشاء كيفما يشاء خيالك وإحساسك. عالم بلا سطوح عاكسة، هو عالم أكثر حرية. هو عالم يسمح للمرء أن يختار شكله الذي يحب فلا يفرض عليه شكل قد لا يرغب به أو قد يرغب في تغييره. حين لا تفرض المرايا عليك شكلاً، وحين لا تقول لك بتلك اللغة المستبدة القطعية: هذا أنت، سوف يكون في خيالك صورة ترضيك عن نفسك. يكون لعيون الناس واقع صورتك كما هي، لا بأس، ولكن يكون لك صورتك الخاصة عن نفسك، تخيلك لنفسك، وهي الصورة التي تشبهك، هي صورتك الحقيقية، هي الصورة التي تعكس رؤيتك وكيانك الداخلي، تعكس ما تحب وما تفضل وليست صورة تقرضها عليك المرآة.
لو أتيح للناس، في زمن بلا مرايا، القدرة على أن يرسموا وجوههم كما يتخيلونها، سوف يرسمون، على الأرجح، وجوهاً متنوعة بتنوع الوجوه الواقعية، الفارق المهم أن كل انسان سوف يكون راضياً عن صورته لأنه اختارها، وسيكون سعيداً بذاته. ما تفعله المرآة المستبدة أنها تحرم الإنسان من هذا الرضى وتخنق حريته حين تفرض عليه أن يتصالح مع صورة لا توافق تصوره عن نفسه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحكي سوري- رحلة شاب من سجون سوريا إلى صالات السينما الفرنسي


.. تضارب بين الرواية الإيرانية والسردية الأمريكية بشأن الهجوم ع




.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي


.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل




.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج