الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دعوة لقراءة كتاب (قلق السعي إلى المكانة)

زاهر رفاعية
كاتب وناقد

(Zaher Refai)

2020 / 8 / 31
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


قل لي ما تملك أقل لك من أنت, هكذا أصبح المال صيغة التواصل الوحيدة بين البشر في وقتنا الرّاهن. وعلى الرّغم من أنّ المال بحدّ ذاته وما يستجلبه من متع وراحة يكفي بعضاً منه كي ينعم المرء بحيازته, إلّا أن السؤال الذي ندر أن لم يخطر في بال أحدنا, لماذا يراكم البعض منه-أي من المال- ما إن يعش صاحبه الدّهر فلن يكفيه كي ينفقه؟! ولماذا يراكم البعض من المال على حساب حياتهم ووقت عيشهم المحدود في هذه الحياة عوضاً عن أن يتركوا أنفسهم ينعموا بما عندهم من المال الوافر حتى انقضاء آجالهم ؟
عند هذه النّقطة ينتقل بنا الكاتب "آلان دو بوتون" في كتابه "قلق السعي إلى المكانة" لتوضيح غاية خفيّة تقف وراء هذا الجشع في مراكمة المال ألا وهي "المكانة". فالمال هو مفتاح الحصول على المكانة في المجتمع البشري. إلّا أنّ الأمر لم يكن كذلك على الدّوام كما أنه ليس كذلك في كلّ المجتمعات. أي أنّ السعي لحيازة المكانة المرموقة شيء متأصّل في كل تجمّع بشري وفي كافة العصور أي نعم, إلّا أن ربط المكانة باقتناء الأشياء الماديّة مفهوم حديث نسبيّاً ويرتبط بالمجتمع الغربي الحداثي أكثر مما يرتبط بالطبيعة البشريّة ذاتها وذلك على خلاف ما يودّ أن يسوق له أنصار النخبويّة في عصر الرأسماليّة. ولتوضيح الأمر يضرب الكاتب المثل بمجتمعات لا تعرف ما هو المال حتّى بل وتعيش في مجتمعات المشاع ومع ذلك فلحيازة المكانة ضمن هذا التجمّع مفهوم آخر لا يرتبط باقتناء سيارة حديثة ولا فيلا فاخرة, ولكن في النهاية فالمكانة هي المكانة.
ما هي المكانة؟ وما الذي يجعلها مطلباً بل والمطلب فوق كل مطلب؟ ينطلق الكاتب من نقطة أنّ الإنسان ينزع لأن يكون محبوباً, وأنّ أشدّ آلامه وعذاباته تنبع من أن يجد نفسه مهمّشاً أي "نكرة" وعند هذه النقطة تلعب القيم المجتمعيّة لعبة توزيع الأدوار, وما الدور هنا سوى ما يمكن أن نطلق عليه "المكانة".
قد يظن البعض بأنّ الكتاب هو عزاء المسحوقين ورشّة بهارات يساريّة على طعم المشقّة للبروليتارية الكادحة, وحقّ للقارئ أن يظنّ ذلك. ولكن يسعدني أن أخيّب آمال من يحكمون على الكتاب دون أن يقرؤوا منه شيئاً. فالكتاب هو كتاب فلسفي صيغت حججه بأدقّ الروابط المنطقيّة معتمداً على المنهج التاريخي-الجينالوجي, على الرّغم من أنك قد تتلمّس فيه أحياناً ولا سيّما في الفصل الأخير روحاً مسيحيّة إلّا أنها لا تشكّل عصب الكتاب, فعصب الكتاب يقوم على التفكيك والتركيب أكثر من أن يروم تقديم حلول بالمعنى الحرفي لكلمة حل.
كتاب "قلق السعي إلى المكانة" للكاتب السويسري "آلان دو بوتون" ترجمة "محمد عبد النبي" نشر دار التنوير في بيروت. هو كتاب يحاول أن يشرح لنا الميكانيزمات النفسية التي تعصف بنفوسنا وتتسبب لنا بالقلق والشعور بالتفاهة الذاتية وعدم الجدوى والشعور بانعدام القيمة. كتاب يستخدم المنهج التاريخي ويصوغ الحجج وفق أبسط قواعد المنطق ويقيم النسق وفق أعقد قواعده. كتاب يأخذنا في رحلة داخل أعماق النفس لنفهم بشكل أوضح معالم القوّة في نفوسنا كبني الإنسان, والتي أجبرنا رغماً عن أنوفنا أن نتجاهلها ونستخفّ بها وننزع عنها أي قيمة كرمى للإله الأوحد "المكانة" .
سررت كثيراً بقراءة هذا الكتاب وحقق لي المتعة والفائدة المرجوّة, وعلى الرّغم من عدم اتفاقي مع الكاتب في مواضع معينة من الكتاب إلّا أن هذا الكتاب يصنّف عندي من الكتب التي لا يعتبر بذل الوقت في قراءتها مضيعة.
أتمنّى لكم قراءة ممتعة ونافعة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نازح من غزة ينشئ صيدلية مؤقتة في خيمة برفح


.. غالانت يتعهد باستمرار الحرب ضد حزب الله | #رادار




.. بايدن: القانون الذي صدق عليه الكونغرس يحفظ أمن الولايات المت


.. رويترز نقلا عن مسؤول إسرائيلي: جيشنا يستعد لعملية رفح وينتظر




.. العاهل الأردني وأمير الكويت يشددان على أهمية خفض التوترات في