الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من ظِل الى ظِلال.. قراءة في رواية -ظل الشيطان- لعلي الهوني

فاضل عزيز

2020 / 9 / 2
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


20 يونيو 2020
في روايته "ظل الشيطان" الصادرة عن دار الكتب الوطنية ببنغازي عام 2012م، يبدو الكاتب على الهوني غارقا في أحلام كاذبة داعبت عقله ولعبت بعواطفه، كما غالبية الليبيين الذين ساروا وراء سراب غضبة فبراير، إحدى إفرازات ظاهرة "الرجيع العربي" الذي بدأت عواصفه مع نهاية العقد الاول من هذا القرن، معتقدين أن مغادرة حقبة التخلف والفوضى وغياب دولة المؤسسات، يمكن أن يتحقق بإطاحة نظام الحكم القائم، و غير مدركين ان الانتقال نحو الافضل إنما يتطلب تضحيات كبيرة وبناء للعقول، وهو ما يأخذ وقتا طويلا ، لا غضبة وفورة في الشارع دونما وعي او تصور للبديل المنشود..
فالكاتب كما يبدو من الادوار التي رسمها لشخصيات روايته خلال المراحل المبكرة من انتفاضة فبراير بكل فعالياتها الصحيحة والمزورة، كان يتصور بأن اخراج ليبيا من حالة الانسداد والجمود السياسي التي كانت تسودها، لن يتحقق إلا بزوال نظام القذافي الذي أعطاه في الرواية اسم "مهيار" ، وأن بإزاحته ستتحول ليبيا في غضون سنوات الى دولة حقيقية.. فكل حوارات واحد من شخصيات روايته بلقاسم القادم من الجنوب الليبي مع حبيبته اليهودية سارة الايطالية التي تحتل ابرز دور في الرواية يلغي او يعتم دور المرأة الليبية التي لم تظهر في الرواية الا كضحية لنزوته، ولتدخل صديقه رجل الاعمال مخلوف الذي تسيطر على عقله لغة الارقام ، حوارات بلقاسم و ادواره تتحدث عن أحلام وردية لدولة ليبيا ما بعد القذافي، ولم يتوقع الكاتب ما يمكن أن تنجرف له تلك الانتفاضة، التي تم تغيير اتجاهها من غضبة شعبية تطمح للتغيير نحو الافضل، الى حالة من الفوضى العارمة و الحروب القبلية والجهوية لا زلنا نكتوي حتى اليوم بنيرانها وتهدد بزوال ليبيا كدولة وتقسيمها الى كنتونات ، مسكونة بالعداء والكراهية..
يستدعي الكاتب صورة الشيطان ليلبسها للقذافي"مهيار" ، في محاولة منه لشيطنة هذا الحاكم العسكري وتقديمه للقارئ كمنافس لكبير الشياطين "ابليس" في زرع الفتن و الكراهية بين الليبيين. ويذهب به خياله المبهور بضوضاء إطاحة نظام ظل يحكم ليبيا على مدى 42 سنة، حد تقديمه كمتفوق على ملهمه "ابليس" حسب رؤية الكاتب، وهو سرد يعطي انطباعا سلبيا للقارئ عن الكاتب ، وفي أحسن الحالات يظهره ككاتب منفعل مفارق للعقل وهو يرسم مشاهد تلك الايام، وهو وضع ما كان لناقد و روائي مثله أن يقع فيه، ذلك أن أخطاء مهيار (القذافي) وما ارتكبه من أخطاء في حق ليبيا و الليبيين على مدى اربعة عقود من حكمه، لا يتحمل هو و سدنته وحدهم المسؤولية عنها، بل كلنا كليبيين بالغين نتحمل جزء مهما منها، فنحن الليبيون من شَيْطن القذافي و الّهه، بصمتنا و مجاراتنا له و تغاضينا عن أخطائه، بل تشجيعنا له في كثير من المواقف على التمادي بالخطيئة، حتى أصبح نصف إله لا يقبل الجدل او النقد، وهذه حقائق يتجاهلها الكاتب ويرمي بها وراء ظهره، و يستدعي الشيطان ليلبسه للقذافي ويحملهما وحدهما مسؤولية ما جرى، مبرئا ساحتنا كليبيين من اية مسؤولية، او دور لنا فيما جرى.. فكما هو متعارف عليه لدى مجتمعاتنا ، يعد الشيطان مشجبا مجانيا جاهزا نعلق عليه كل أخطائنا مهما صغرت او كبرت، وهذا ما فعله الكاتب في روايته..
ولكن ، و إذا سلمنا جدلا بصحة الصورة التي يقدمها الكاتب لمهيار (القذافي) ، ولو من باب المجاملة، و وافقناه على ان القذافي كان مسكونا بروح الشيطان، وانه تجاوز حتى الشيطان في كراهيته و أذاه لليبيين خلال اربعة عقود من حكمه؛ فبأي صور ومشاهد يمكن أن يجيب الكاتب على تساؤلاتنا اليوم عن خلفيات ما جرى في ليبيا بعد عقد من رحيل مهيار (القذافي) ؟
- كم سيلزم الكاتب من نماذج لشياطين ليُلبِسها لما انتجته فبراير المسروقة اليوم من شياطين يعدّون بالمئات، تجاوزا في إجرامهم في حق ليبيا على مدى عقد واحد من تسلطهم بمسافات فلكية، ما لحق بها على مدى اربعة عقود من حكم القذافي؟
- كم يلزم الكاتب اليوم من شياطين و أبالسة ليستعير ظلالهم لإلباسها لشياطين فبراير المسروقة، ويبرر ما جرى و لا زال يجري في ليبيا منذ فبراير 2011 وحتى اليوم من حروب و عبث وبيع لحرية وكرامة ليبيا في اخس اسواق النخاسة ؟
عشرات الاسئلة تباغتني و أنا اتصفح الرواية، و استعرض تلك الصور المزورة والباهتة التي يسوقها الكاتب لوقائع تلك الغضبة التي فشل القذافي في امتصاصها و معالجتها، و عملت قوى خارجية على تأجيجها و توظيفها لخدمة مصالحها و تنفيذ مخططاتها لتدمير ليبيا بأيدي ليبية، و فشل الكاتب في تصويرها بواقعية تطابق حقيقتها كغضبة شعبية، لم تجد قوى وطنية توجهها الوجهة الصحيحة وتحميها من الانحراف، وعملت و لا زالت تعمل قوى اجنبية، ولكن بأيدي ليبية، على تأجيجها و تحويلها الى حرائق لا زلنا نكتوي بنارها حتى اليوم..
لم أقرأ للكاتب غير هذه الرواية، لكنني أكاد أجزم أنه اليوم وبعد ثمان سنوات من كتابتها، يمكن أن يتبرأ منها وفي أحسن الحالات لا يوافق على بعض مشاهدها المزورة التي تقدم سردا مبالغا فيه لما كان يجري في تلك الآونة من أحداث، وصورا مجافية للواقع، خاصة بعد ان اتضحت الصورة الحقيقية لفبراير كغضبة تمت سرقتها مبكرا ، و تجييرها لخدمة اهداف متقاطعة مع ما كان يحلم به الليبيون البسطاء الذين تفاعلوا معها حالمين بالأفضل، فإذا بهم ينحدرون الى واقع مأساوي، يدحض ويهدم كل ما حاول الكاتب بناءه في خيال القارئ من صور تبعث الامل في النفوس من خلال هذه الرواية..
انتهى..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما التصريحات الجديدة في إسرائيل على الانفجارات في إيران؟


.. رد إسرائيلي على الهجوم الإيراني.. لحفظ ماء الوجه فقط؟




.. ومضات في سماء أصفهان بالقرب من الموقع الذي ضربت فيه إسرائيل


.. بوتين يتحدى الناتو فوق سقف العالم | #وثائقيات_سكاي




.. بلينكن يؤكد أن الولايات المتحدة لم تشارك في أي عملية هجومية