الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لا نلوم أحد .. التطبيع ثمرة الصراعات العربية

طلال بركات

2020 / 9 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


كانت الاحزاب الثورية والقوى القومية في منتصف القرن الماضي تتقدم النظال العربي ضد الاستعمار وكل حزب اعتبر نفسه في تلك المرحلة بأنه الطليعة التي سوف تنتشل الامة من الجهل والتخلف وهو الاولى في قيادة النظال العربي ضد الاستعمار ورفض مشاركة الاخرين الا تحت لوائه .. ومن هنا بدأت الخلافات والصراعات بين تلك القوى التي اول ما ظهرت بشكل بارز في سوريا وقد أفضت الى سلسلة من الانقلابات العسكرية وأشهرها الانقلاب العسكري الذي ادى الى انفصال الوحدة بين مصر وسوريا في 29 سبتمبر عام 1961 .. ثم انقلاب 8 مارس عام 1963 الذي يعتبر بداية لحكم البعث بعد الإطاحة بحكومة ناظم القدسي .. ثم انقلاب 23 فبراير عام 1966 الذي تم عزل القيادة القومية الحاكمة لحزب البعث الاشتراكي من السلطة بواسطة اتحاد من اللجنة العسكرية للحزب والقيادة القطرية تحت قيادة صلاح جديد .. ثم الحركة التصحيحية عام 1970 التي قام بها حافظ الاسد عضو القيادة القطرية لحزب البعث ورئيس الأركان مصطفى طلاس .. وايضاً لم يكن العراق بعيداً عن تلك الخلافات والانقسامات بين صفوف الحركات والاحزاب القومية بل الاكثر من ذلك حصلت انقسامات في إطار الحزب الواحد والحركة السياسية الواحدة مثل انقسام حزب البعث الى يمين ويسار وكذلك الحركة العربية الاشتراكية الناصرية الى حزب الوحدة والحزب الاشتراكي وايضاً شهدت تلك المرحلة انقلابات عسكرية ابرزها انقلاب البعث في 8 شباط عام 1963 الذي أنهى حكم عبد الكريم قاسم .. ثم حركة 18 تشرين عام 1964 التي قام بها عبد السلام عارف ضد حكم البعث .. ثم الانقلابات الفاشلة لعارف عبد الرزاق .. وآخرها انقلاب 17- 30 تموز عام 1968 .. هذة السلسلة من الانقلابات التي كانت ثمرة خلافات وصراعات الخط القومي الواحد .. بالاضافة الى ما سبقها من صراع بين القوى الثورية والقوى الرجعية التي تجسدت في القتال باليمن بين قوات الثورة التي قام بها المشير عبد الله السلال المدعوم من الرئيس جمال عبد الناصر وقوات الامام البدر المدعوم من السعودية .. وقد تضاعفت الخلافات واستمر منهج التخوين والاتهامات بالعمالة والخيانة بعد نكسة الخامس من حزيران عام 1967 التي ادت الى تشظي الفكر القومي وارتماء بعض القوى القومية في احضان اليسار وقد التحق البعض منهم بالمنظمات الفلسطينية التي مارست عمل الكفاح المسلح ضد الكيان الصهيوني حتى تشضت هي الاخرى بعدما تم احتوائها ضمن المشاريع السياسية التي انتهجتها بعض الدول العربية التي كانت تعرف بدول المواجهة حيث انشقت عن منظمة التحرير الفلسطينية الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين الذي تزعمها جورج حبش والجبهة الشعبية الديمقراطية بقيادة نايف حواتمه حتى انعكست تلك الصراعات والانشقاقات والانقلابات العسكرية سلباً على الفكر القومي الذي كان يمثل المسار الايدولوجي لانظمة الحكم التي تجمعهم القضية الفلسطينية باعتبارها قضية العرب المركزية بالرغم من ان العيوب لم تكن تكمن في الفكر نفسه بقدر ما تكمن في اخطاء اصحاب الفكر ودخولهم في صراعات جانبية غير محسوبة العواقب والتي وصلت الى حد الصدام العسكري كما حصل بين الفلسطينيين والأردنيين التي عرفت بمجزرة ايلول الاسود وهي ابشع صورة وصلت اليها الامة من تدني راح ضحيتها الرئيس جمال عبد الناصر، وما حصل من بعده صراع بين ما سمي بمراكز القوى والرئيس السادات الذي انتهج سياسة الانفتاح التي شجعت القوى الإمبريالية والصهيونية الانفراد بالدول العربية باتفاقيات صلح مع اسرائيل ابتداء من كامب ديفد ثم تبعتها اتفاقات أوسلو مع الفلسطينيين وكذلك الاْردن وسوريا .. هذا التصدع والتدني والانقسامات التي اصابت القوى الوطنية والقومية ولّدت انكسارات نفسية اوصلت الشعوب العربية الى القنوط واليأس واللامبالات للقضايا المصيرية خصوصاً بعد خروج العراق من حلبة الصراع العربي الاسرائيلي نتيجة الاحتلال الامريكي البغيض مما جعل البعض من الحكام العرب الانظمام الى مسلسل التطبيع مع الكيان الصهيوني من غير سابق إنذار والبعض الاخر سار وراء المشروع الايراني .. لذلك لا احد يلوم هذا الطرف او ذاك لما وصلت الية الامة من تصدع وانكسارات لان تفكك المشروع القومي هو ثمرة تلك الخلافات الجسيمة التي اوصلت الحال الى بروز مشروع الاسلام السياسي .. هذا المشروع المشبوه صنيعة الماسونية العالمية الذي يرمي الى تجهيل المجتمع للسيطرة على عقول السذج من الناس لفرض ارادة سياسية بغطاء ديني ومذهبي لسد الفراغ كبديل للمشروع القومي .. لذلك بات لزاماً على الطبقة المثقفة في الوطن العربي والقوى السياسية الوطنية والاحزاب القومية والتقدمية ان تقوم باجراء مراجعة شاملة لتجربة الماضي واعادة حساباتها وتجديد خطابها وتشذيب افكارها وتطوير مناهجها وتغيير سلوكها والإيمان بالعمل الجماعي وقبول الرأي الاخر وفق والمشتركات التي تجمعها وبالشكل الذي يتماشى مع متطلبات العصر الحديث وتقدم الحياة السياسية بدلاً من النقد واللوم والتجريح ليتسنى صياغة مشروع عربي قائم على اساس المواطنة متخطياً الولاءات العنصرية والطائفية لأعادة ثقة المواطن العربي بالمشروع القومي لمواجهة التحديات الجسيمة التي تواجه الامة خصوصاً بعد التطور الهائل في عالم التكنولوجيا وتنوع وسائل الاتصالات والإعلام التي جعلت الوعي الفكري اكثر نضوجاً وأوسع انتشاراً من قبل .. وغير ذلك سوف تتحول الدول العربية الى كانتونات حسب الولاءات العنصرية والطائفية وفق المخططات الاجنبية المشبوهة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القادة الأوروبيون يبحثون في بروكسل الهجوم الإيراني على إسرائ


.. حراك تركي في ملف الوساطة الهادفة الى وقف اطلاق النار في غزة




.. رغم الحرب.. شاطئ بحر غزة يكتظ بالمواطنين الهاربين من الحر


.. شهادات نازحين استهدفهم الاحتلال شرق مدينة رفح




.. متظاهرون يتهمون بايدن بالإبادة الجماعية في بنسلفانيا