الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عادة البطان عند عرب السودان

عبد الرافع كمال

2020 / 9 / 2
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


عادة الجلد في الحفلات او ما يسمي ب " البطان " . و هو تقليد شائع بكثرة بين القبائل العربية في السودان كالجعليين و البطاحين و الشايقية و الكواهلة و الشكرية و غيرهم من القبائل العربية في السودان .
اول من ابتدع هذه الظاهرة هم عرب الجعليين ثم شاعت بين القبائل العربية الاخري و غير العرب المعاشرين لهم ..
و ترجع جذور هذه الظاهرة الي عاملين اثنين . الأول مرتبط بطبيعة الثقافة العربية و التي تقوم علي منطق اخلاقيات " الحر الكريم " و التي تتضمن مجموعة من القيم و المفاهيم كالرجالة و الحرارة .. و لعل السوط و الركاز له في المناسبات هو تعبير عن كون ان الشخص من طبقة الاحرار لا العبيد ..كما كانت بدايات و ارهاصات هذه الظاهرة ابان العصر التركي المصري حيث شاعت تجارة الرقيق القادمة من منطاق القبائل الزنجية .. كانت القبائل العربية في السودان تعتاد علي شراء الرقيق و اقتناءهم ..و كان الرقيق يخشون و يرتهبون من السياط التي يعدها لهم الاسياد و يلهبون اضلعهم و ظهورهم بها .
و كان الاسياد و الاشراف قد يبرزون ظهورهم للعراء و يعرضونها للسياط في المناسبات في محاولة منهم ارسال رسالة لطبقة العبيد بأن السياط التي ترهبكم لا تخيفنا نحن الاسياد
فالبطان عند عرب السودان هو تعبير عن انتماء الفرد لطبقة الاحرار و الحرارة .و كرامة الاصل و سموءه و ترويض علي الصبر علي المكاره و الشدائد و
و لعل رسوخ هذه الظاهرة عند عرب السودان ألقي بظلاله علي الفن الغنائي السوداني ..حيث اشارت اليه كثير من الاغنيات مثل ما رددته المغنية الشعبية ندي القلعة
ضرب السوط بشح
لو ما قدرو زح ..يا جناي
ماني دايرة ولدي يوح ..
و يرتبط البطان ارتباطا عضويا برقصة العرضة و هي رقصة يبرز خلالها الشبان رجولتهم و فحولتهم و شجاعتهم .. و التي تكون دائما علي انغام الة الربابة في المناسبات السعيدة حيث تزخر الاغنيات بالحماسة و الفخر بالرجولة و الحرارة و القوة و الاقدام و البطولة ..الخ .
و غيرها من قيم الحر الكريم في ثقافة العرب ..
تتم هذه العادة عن طريق نوع من السياط يسمي بسوط العنج ..يصنع من جلد الحيوانات .
يقف الشاب الذي يرغب بالجلد بعد خلع ملابسه بحيث لا يتحرك عند سريان السوط في جلده
و عادة ما يجلد اكثر من مرة في نفس الحفلة كما يتشجع الرجال برؤية النساء و اللائي ترسخ في اذهانهن انطباعات عن الرجال الذين يركزون للسياط .
و لعل من اكثر ما يثير كوامن النساء في الرجال هو الرجل الذي تتبدي عليه ملامح الفحولة و الرجولة اذ يرغب النسوة في الارتباط بمثل هكذا نوع من الرجال بل و معاشرتهم جنسيا ..و لعل هنالك الكثير من الفتيات يعشقن مناظر الفحولة و تهيج غرائزهن ملامح الرجولة ..
فالرجولة هي احدي المثيرات الجنسية لدي النساء ..
تنبني علي هذه العادة اضرار جسيمة حيث تزال طبقات الجلد و تبرز الدماء التي تغطي الجلاليب البيضاء و قد تزول طبقات الجلد لمرة اخري بعد ألتأمها ..و يكون لوقع السياط علي الظهور الام شديدة يكتمها المجلود و لا يبدي اي تأثر بها في ما يسمي بالركاز.
كما ينبني علي ذلك حدوث الام شديدة عند النوم علي الظهر حيث لا يكون معها الا النوم علي البطن ..و قد تودي الي تقرحات و عميقة في الظهور تبرز جروح غائرة ..يمكن ان تتطور الي عاهات مستديمة .
كما يشعل الكثيرون حملة شعواء علي هذه الظاهرة و يكيلون اذاءها التهم كجلب الامراض و نشرها عن طريق استخدام سوط واحد .
و انها عادة متخلفة و غير حضارية و ان التطور الحضاري تجاوزها ..و أن الرجالة لو كانت بالسياط لكانت الحمير هي ارجل الارجلين .
و تستمر الحملة و التي اذدادت وتيرتها في الاونة الاخيرة علي هذا التقليد ..و التي تطالب بأيقافه نهائيا و طي صفحته .
. في حين وجدت هذه الحملة معارضة واسعة من قبل كثير من شباب و ابناء قبائل عرب السودان ..خصوصا الجعليين . حيث وصفوا روادها بالعبيد و طعنوا في حرارتهم و رجولتهم كما اعلنوا استمساكهم بأرث الاجداد ..
اذا اردنا اجراء عملية قياس تقويمي لهذه العادة نجد أن هنالك منظورين اثنين نستطيع ان ننظر خلالهما لهذه العادة .
فالمنظور الاول ..و هو منظور محافظي علي اساس انه الارث الثقافي و جزء لا يتجزأ من التقليد العربي ..و انه حسب منهج المحافظية فأن الانسان يجب ان يبقي علي اصله و هويته كما هو لا يتغير بفعل حركة العولمة الرامية الي طمس هوية المجتمعات و الشعوب و صنع انسان عالمي احادي البعد ..
لذا حسب هذا المنهج فأن الابقاء علي هذا العرف و ممارسته و احياءه يعد احياء لقيم الاجداد و تعبيرا عن الحرارة و شرف و سموء المكانة الاجتماعية .
اما اذا قسناه علي المنظور الاخر فسنجد انه يعد عادة مؤذية و متخلفة غير حضارية و غير انسانية
بالرغم من دلالاتها الثقافية و الاجتماعية و كونها رمزا للسموء و الكبرياء الا انها تظل تقليدا ضارا . ناقل للامراض و العاهات و انه من الاولي التخلي عن هذا التقليد نهائيا و طي صفحته و التحسر و الندم علي ممارسته علي مر السنين و العقود .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حزب الله اللبناني يوسع عملياته داخل إسرائيل ويستهدف قواعد عس


.. حزب الله يعلن استهداف -مقر قيادة لواء غولاني- الإسرائيلي شما




.. تونس.. شبان ضحايا لوعود وهمية للعمل في السوق الأوروبية


.. مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمريكية.. وطلاب معهد




.. #الأوروبيون يستفزون #بوتين.. فكيف سيرد وأين قد يدور النزال ا