الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المخرج والتصور المسرحي - المصري 1

أبو الحسن سلام

2020 / 9 / 2
الارهاب, الحرب والسلام


المخرج والتصور المسرحي 1
عرض مسرحية مأساة الحلاج
- رؤية جمالية للمحرج حسن عبد السلام –

د. أبو الحسن سلام
التصور المسرحي:
التصور عملية جوهرية لا يقوم إبداع بدونها ؛ عند الشروع في إنتاج عمل أدبي أو فني ، ولا نبالغ إذا قلنا ذلك قبل البدء في تجربة علمية على المستوى النظرى أو التطبقي والعملي .
والتصور " هو صناعة المفاهيم أو المعاني الكلية وإدراكها. أو هو هو تكوين المغهوم أو الفكرة العامة" ونظرا لأخمية التصور في عمل الفنان مصورا كان أم مسرحيا أم موسيقيا يقول ماتيس – رائد الوحشية في التصوير " على الفنان أن يبحق عن التصورات ذات الكفاءة التي تتحول من خلالها حقائق الطبيعة إلى فن . والألوان والخطوط هي قوى فعالة، وسر الإبداع يكمن في الاستخدام المتوازن " وعن تجربته الإبداعية يقول " إنني أعمل من خلال مشاعري ويكون لدى التصور في رأسي وأريد أن أحققه ، وأستطيع في الغالب أن أعيد إدراكه لكي أعرف دائما متى يجب أن ينتهي . " ومعنى ذلك أن التصور وليد عملية الإدراك . وفي هذا المعنى يقول (أرنهايم) : " التصوررات تنبثق من غمليات الإدراك ، وتتحرك الأكار الخاصة بها في أشكال عقلية تجريدية"
ولأهمية التصور في العملية الإبداعية يستشهد (سابارتيز) بطقوس بيكاسو ، يقول : " إن عقل بيكاسو بالقدرة على افتراض التصورات . وفي الوقت نفسه ، الذي يقوم فيه بتدميرها ؛ ثم صياغة تصورات جديدة "
ويبدو هنا تقارب دور التصور عند الفنان مع دور الباحث الأكاديمي ، فكلاهما لا يأخذ بالانطباع أو التصور الأول ؛ بل تظل مخيلته مشغولة ذهنيا بالبخث عن تصور ثان بلحقه لتصةر ثالث يرجح العقل أحدها في النهاية.
والتصور بهذا الشكل ليس عملية سهلة ، ذلك " أن أطول فترة يقضيها المصور المبدع هي التي يقضيها في التفكير في لوحة ، وتصوير اللوحة ذهنيا هو جزء كبير من العملية الاتي تتلخص في إيجاد شكل لها . " كما يقول انجرز .
وهذا البحث قراءة نقدية في خاصية مناهج الإخراج المسرحي في مصر ؛ وقوفا علي الخاصية الأسلوبية في فن بعض رموز الإخراج المسرحي في مصر الذين تباينت عند كل منهم خاصية أسلوبية فنية هي بمثابة بصمة خاصة به ؛ تمكن الناقد من كشف تبني الواحد منهم لمنهج مسرحي معين ؛ في تجسيدع لمعني النص ؛ سواء بالنهج الاستعادي الذي يتوافق فيه أسلوب الإخراج مع أسلوب النص ؛ أو بالنهج التفسيري الذي تتكامل فيه عدد من الأساليب يقودها الأسلوب الدرامي للنص ؛ ويتوازي فيه خطاب العرض المسرحي مع خطاب النص مناط الإنتاج ، أو بالنهج الذي تأسس علي تفكيك نسق البني الدرامية وتفكيك خطاب النص كشفا عن تناقضاته . وقد كشفت قراءتناىالنقدية عن تمثل تلك التباينات في الخاصيةالأسلوبية في فن الإخراج عند كل من الأساتذة ( نبيل الألفي ، كرم مطاوع ، سعد أردش ، حسن عبد السلام ، سمير العصفوري) وهي تباينات تكررت في فن الأجيال التالية بعد ذلك جيل ما قبل تفاعل مخرجينا مع مخرجات مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي .
ومع إني أري وفق الترتيب المنهجي التاريخي أن أبدا بنموذج من بين هؤلاء الأساتذة يمثل الخاصية الأسلوبية النتوافق أسلوبها مع أسلوب النص ؛ باعتبار توحد خطاب التصور الإخراجي مع خطاب مؤلف النص مع تفعيل مخيلة المخرج في بالعبث بتقنيات المراوغة الفنية في معمار الصورة المسرحية ؛ والتثنية بالفصل الخاص بالمخرج والتصور التفسيري لمعني النص ، لننتهي بالفصل الخاص بالمخرج والتصور التفكيكي لمعني النص ؛ أي نبدا بخاصية التوحد مع النص ، يليه خاصية تفسير النص ، وصولا إلي تفكيك النص .

أخرج حسن عبد السلام مسرحیة ( مأساة الحلاج ) لفرقة مسرح الجیب السكندري في أواخر عام 1967 على مسرح سید درویش : یبدأ العرض بمشھد صلب الحلاج حیث تتوج الفضاء المسرحي لساحة الكرخ ببغداد شجرة جرداء في أحد جوانب ذلك الفضاء ؛ حیث " الحلاج " إلیھا مصلوباً والحرفیون الفقراء قعوداً عند قدمیه ، حول النصف الأمامي من جذع شجرة الصلب ، باكین ، حزانى . وحیث الضوء الأحمر الخافت المشوب بالزرقة یشكل بؤرتین ، إحداھما تتركز على المصلوب وتتركز الأخرى على أولئك القاعدین عند قدمي الحلاج المصلوب . وتشكل مساحات من الظل رتوشاً على صورة المصلوب وعلى تكوین الحرفیین الحزانى من ناحیة أخرى . وتتوج فضاء الزمان آھات موقعة تغلفھا إیقاعات موسیقیة تتسلل خلالھا نغمة بسیطة تعكس جواً أقرب إلى الجنائزیة . غیر أن لوناً من الصخب الماجن یقتحم ھذا الجو الجنائزي بضحكات وحركات متمایلة لثلاثة من السكارى أحدھم ( تاجر ) والآخر (واعظ ) أما الثالث فھو ( فلاح ) وھم یخرجون من إحدى الخمارات على الجانب الآخر المقابل للمشھد المأساوي . إلى ھنا ونحن مازلنا بإزاء علامات غیر لغویة ( مرئیة ومسموعة ) ودلالاتھا كالآتي : الصلب : علامة على عقوبة نفذت في الحلاج المتصوف الثائر على الخلیفة العباسي المنادي بالعدل مع الفقراء . فالمدلول إذن ھو معاقبة الدولة لأحد معارضي سیاساتھا الاجتماعیة في مجال الحقوق والأرزاق فالعقاب ھنا ھو ( معنى أول ) یستھدف ّ تحقیق ( معنى ثان ) ھو ردع الآخرین غیر " الحلاج " حتى لا تسول لھم أنفسھم التجرؤ بالخروج على الخلیفة الحاكم ) وھذا یطابق تعریف العلامة عند سارتر حیث ھي - عنده - المعنى المستخدم للدلالة على معنى آخر . (فعقاب) الحلاج ( معنى ) یدل على ( ردع ) الرعیة ؛ أي تخویفھم حتى یمتنعوا عن تقلید الحلاج في خروجه على السلطة الحاكمة . قعود الحرفیین الباكین : ( القعود ) علامة تدل على ( خیبة الأمل ) وعدم الحیلة . (البكاء : علامة دالة على الندم . ولأن العلامات في المشھد المسرحي یتعامد كل منھا على الآخر ، ومن ثم تتفاعل دلالة كل علامة مع دلالة العلامات الأخرى التي وظفت في الصورة أو المشھد المسرحي . وھكذا فإن ( القعود ) و(البكاء ) معنیان یؤدي أولھما إلى الثاني القعود یؤدي إلى البكاء وكلاھما دلالة على ( عدم الحیلة ) وعدم الحیلة یؤدي إلى الندم . على أن مفتاح ھذه العلامات كان الصلب . ھذه مجموع علامات التكوین المأساوي في ھذا المشھد المسرحي . فماذا عن مجموع علامات التكوین الملھاوي اللاھي التاجر - الواعظ - الفلاح .التطوح : علامة أولى دالة على ( عدم الاتزان ) وھذا دال على ( السكر وعدم الوعي ) وھي علامة ثانیة . وفي كلا العلامتین معنیان یؤدیان معاً إلى معنى ثالث ھو ( الغیاب الجزئي عن الذات وعن الواقع البیئي المحیط علامات التشكیل الھرمي في الصورة المسرحیة : إن تأمل التكوین المأساوي في المشھد الافتتاحي لعرض ( مأساة الحلاج ) تأملاً شكلیاً مجرداً یكشف عن ھرمین أحدھما ھرم رأسي مقلوب یرتكز على الھرم الآخر مستوى القاعدة على أرضیة خشبة المسرح فما ھي دلالة ذلك ؟!
الھرم الرأسي المقلوب : علامة رمزیة تتشكل من تكوین صلب " الحلاج " إلى شجرة جرداء بساحة " الكرخ " حیث ذراعاه المثبتان على فرعي الشجرة الذي یتجھ كل فرع منھما في اتجاه مقابل للآخر أحدھما لأعلى الیمین والثاني لأعلى الیسار بما یشكل كل منھما ضلعاً مائلاً یرتكز خلف رأس الحلاج المصلوب ویشكل الضلع الوھمي بین نھایة الفرعین قاعدة وھمیة للھرم المقلوب ودلالة ذلك لا تبتعد عن الحلاج المصلوب نفسه ، لأن خروجه على سیاسة السلطة الحاكمة الخاصة بتوزیع الأرزاق ھو نوع من الحض على قلب الھرم الاجتماعي بحیث تعلو قاعدته جماھیره العریضة فتصبح على رأس النظام وتنزل قمته لتصبح مرتكزه . وتحقق ذلك یعني انتصار إرادة " الحلاج - الثائر " وذلك ما تدل علیه صورة ذراعي الحلاج المصلوبتین على فرعي الشجرة المنفرجین لأعلى - یمیناً ویساراً هيئة رسم حرف ( V وھو یدل وفق مخزون الثقافة الاتفاقیة الرمزیة على النصر حیث ھو حرف البدایة في كلمة ( Victory : النصر ) الإنجلیزیة وتأكید تلك الدلالة لا یبتعد عما أراده الحلاج نفسھ ، إذ أراد الشھادة وھو ماتمثل في قوله عن وضوء الأنبیاء ( متطھراً بدمائه ) وھذا ما تؤكده كلمات الصوفیة في رثائه :
"مقدم المجموعة : كان یقول : إذا غسلت بالدماء ھامتي وأغصني
فقد توضأت وضوء الأنبیاء "
" كان یقول : كأن من یقتلني .
محقق مشیئتي ومنفذ إرادة الرحمان ٍ ؛
لأنه یصوغ من تراب رجل ٍ فان
أسطورة وحكمة وفكرة
كان یقول : إن من یقتلني سیدخل الجنان ّ
لأنه بسيفه أتم الدورة
لأنه أغاث بالدماء إذ نخس الورید
شجیرة جدیبة ! زرعتھا بلفظي العقیم
ّ فدبت الحیاة فیھا . طالت الأغصان مثمرة
تكون في مجاعة الزمان خضراء تعطي دون موعد ، بلا أوان
وحینما أسلمه السلطان للقضاه ّ
ورده القضاة للسلطان
ورده السلطان للسجان
ووشیت أعضاؤه بثمرة الدماء تم له ما شاء
ھل نحرم العالم من شھید ؟
ھل نحرم العالم من شھید ( 2(
وھكذا تتضافر العلامات الكلامیة ( الحواریة ) مع العلامات غیر الكلامیة ( المرئیة ) في إنتاج دلالة الصورة المسرحیة. فحرف V إذن الذي یشكلسسه ذراعا الحلاج المثبتان على فرعي الشجرة الجرداء مع استقراء العلامات الكلامیة في الحوار السردي المستقرئ لإرادة الحلاج قبل محاكته وصلبه یث أراد ة الشھادة عن طریق التوضؤ وضوء الأنبیاء ( مغتسلاً بدمائه ) یدل على انتصار إرادته .
رسم توضیحي لتكوینات الصورة في المشھد الافتتاحي لمسرحیة الحلاج بإخراج ( حسن عبد السلام ) فإذا كانت تلك ھي دلالة الھرم المقلوب في تكوین الصلب ، فماذا عن الجزء السفلي من الصورة نفسھا ( تكوین الحرفیین ٍ الفقراء على ھیئة ھرم مستو استواء طبیعیاً على أرضیة خشبة المسرح ) . یشكل كلا الھرمین ( المستوى القاعدة على أرضیة خشبة المسرح والمقلوب ) بناء ھندسیاً یشكل جذع الحلاج المصلوب مع جذع الشجرة وسیلة الاتصال بینھما ( بین الھرمین المقلوب والمعتدل ) وإذا كانت دلالة الھرم المقلوب معبرة تعبیراً رمزیاً عن حالة انتصار إرادة الحلاج في مسعاه الإستشھادي الدموي ؛ فإن دلالة الھرم المعتدل في استواء قاعدتھ أرضاً تحت قدمي الحلاج المصلوب تشكل حرف (Λ / V ( مقلوباً ، وھو ما یرمز إلى الھزیمة مقارنة مع شكل الحرف نفسه بأعلى الشجرة ودلالته المشار إلیھا - فیما سبق - والوصول إلى تلك الدلالة محكوم بقعودھم الباكي تحت قدمي ثائرھم الفاقد لثوریته ولحیاته ندماً على تسلیمھم ّ إیاه للسلطان ؛ وھو ما یدل علیھ اعترافاتھم الجماعیة بلغة الحوار : " المجموعة : نحن القتلة " ( 3( ودلالة اعترافھم ھي دلالة ( ندم ) إذن ( فالاعتراف ) معنى أول أنتج معنى ثان ھو ( الندم ) وعلاماته القولیة ھي قولھم : " نحن القتلة " أما علاماته غیر الكلامیة فتتمثل في قعودھم ( النادم ) أیضاً تحت قدمي علامة جرمھم (الحلاج المصلوب ) . حو ل إخراج حسن عبد السلام ( لمأساة الحلاج ) جمالیات التكوین المزدوج في المشھد الافتتاحي ( للحلاج ) : لاشك أن تضمن صورة الصلب لتكوینین متعارضین ، قد حقق معنى اللحظة ، إذ خلق حالة من التفاعل بین الدوال المرئیة والدوال السمعیة على النحو الذي مثلت له مضافاً إلى ذلك ( الحركة والأزیاء والبؤر الضوئیة والموسیقى والتنكر والمؤثرات والعلاقة بین الكتلة والفراغ ، الضوء والإظلام ، الصمت والصوت والسكون والثبات. فتحقیق معنى اللحظة لا یكون درامیاً . والجمال مصدره التناقض في وحدة حیث الخطوط المثلثیة ( الھرمیة ) المتماثلة وغیر المتماثلة ، فحسب ولكنه جمالي أیضاً وحیث مركز الثقل في الصورة المسرحیة لأن تجمع الحرفیین الفقراء تحت قدمي شھیدھم المصلوب في تكوین ھرمي مستو ومتقابل مع تكوین ھرمي مقلوب یشكل جذع الحلاج الذي أصبح كتلة مضافة إلى جذع الشجرة وسیلة اتصال بین التكوینین الھرمیین . فالدرامیة والجمالیة تتحقق في ھذه الصورة التي أخرج بھا الفنان " حسن عبد السلام " ( المشھد الافتتاحي لمأساة الحلاج ) عن طریق تعمیق المغایرة في عناصر الصورة من ناحیة ، ومن ناحیة أخرى في المغایرة بین ھذه الصورة التي تشكل مركز الثقل في الإطار المشھدي لتلك الافتتاحیة والتكوین الثلاثي ( الھرمي ) المتحرك الذي یتشكل من الثلاثي المخمور اللاھي الخارج تواً من ( الخمارة ) : ( التاجر والواعظ والفلاح ) فھذا التكوین اللاھي المتحرك یعمق عنصر المغایرة في الصورة التالیة لصورة الصلب . حیث عنصر الثبات في لوحة الصلب في مقابل عنصر الحركة المتدفقة وإیقاعاتھا في لوحة الثلاثي المخمور وحیث التعارض بین اللوحتین في مشھد واحد یجمعھما ویقارب بینھما مقاربة شكلیة قائمة على التنویع المثلثي في التكوینات إذ تكمل كل منھما الأخرى في تحقیق معنى اللحظة بتعبیر ( مارتن إسلن ) بالإضافة إلى علاقة التناقض القائمة في المشھد بین المشھد الباكي ندماً والمشھد الضاحك رقاعة ولھواً ؛ وما وراء كل مشھد منھما من بعد موضوعي یتمثل في المنابع الطبقیة للھرم الاجتماعي الحرفي الحزین والھرم الاجتماعي الرأسمالي الرقیع ، فالحلاج فقیر مثله مثل الحرفیین والصوفیین الباكي منھم والمنتشي سعادة بشھادة معلمھم : " الواعظ : .. فلنسأل الجمع .. یا قوم .. یتقدمون نحوه خطوة في حركات بلیدة من ھذا الشیخ المصلوب ، مقدم المجموعة : أحد الفقراء الواعظ : ھل تعرف من قتلھ ؟ المجموعة : نحن القتلة الواعظ : لكنكم فقراء مثله " الممثل والدلالة الحركیة الجماعیة في المشھد الافتتاحي للحلاج : إذا كانت إرشادات النص المسرحي بوصفھا لغة غیر كلامیة قد قصد بھا تصور المؤلف لحركة الشخصیات والوصف المكاني والزماني والنفسي لأحوال الشخصیات ودوافعھا والمؤثرات البیئیة التي تسھم في حركتھا الدرامیة ، فإن غالبیة المخرجین لا یستندون إلیھا في تجسید حیاة المشھد المسرحي . وكثیراً ما یكون لدى بعض المخرجین الحق في إغفال إرشادات النص ،

وغض النظر عنھا فلو راجعنا مشھد تصدي ( الواعظ ) في المشھد الافتتاحي للحلاج للفقراء من الحرفیین أو ممثلي الطبقات الكادحة عن ھویة ذلك الرجل المصلوب الذي وضع في طریقه ھو وزمیلیه السكارى - حسب تعبیره - لالتمسنا العذر للمخرج حسن عبد السلام إذ غض الطرف عن إرشاد صلاح عبد الصبور في النص حیث الواعظ یوجه حدیثھ لمجموعة الفقراء فالمؤلف یحیل القاعدة إلى استثناء والاستثناء إلى قاعدة حیث یرشد إلى ظھور مجموعة الفقراء عندما یتوجه إلیھم الواعظ بالسؤال وقد تصورھم في منطقة إظلام قبل ذلك : " تضيء مقدمة المسرح الیمنى ، حیث نجد فیھا مجموعة الناس یتقدمھم مقدمھم " الواعظ : فلنسأل ھذا الجمع یا قوم " یتقدمون نحوه خطوة في حركات بلیدة " من ھذا الشیخ المصلوب ، م.المجموعة :أحد الفقراء الواعظ : ھل تعرف من قتلھ ؟ م : نحن القتلة " جعل المخرج حسن عبد السلام حزن الفقراء الحرفیین ھو القاعدة ولھو الثلاثي البرجوازي المخمور (التاجر - الواعظ - الفلاح ) وھي علامات رمزیة : ( الرأسمالیة العلیا - التي أطلق علیھا في ستینیات النظام السیاسي المصري الرأسمالیة الوطنیة - ومثقف الطبقات البرجوازیة ، والبرجوازیة الصغیرة ) فالقاعدة الثبات المتقوقع في المكان والاستثناء متغیر وحدیث القدوم ، لذلك جعل المخرج حسن عبد السلام مجموعة الفقراء في بؤرة ضوئیة خافتة وفي حالة من الثبات في قعودھم تحت قدمي الحلاج ، لیكثّف حجم المأساة ویحدث لدى المتفرجین حالة من حالات ( الإشباع ) أو التوكید لحالة الحزن والندم ، وبذلك حقق معنى اللحظة الدرامیة والجمالیة بعد أن ّ نحى إرشادات النص جانباً إذ أحس أن بعض الإرشادات في غیر محلھا ، لأن حزن الحرفیین الفقراء حقیقي وندمھم ممسك بعواطفھم، وحركتھم مقیدة بالندم ، فھم غیر مطالبین بشيء أو ھم غیر ملتزمین بشيء بعد الذي فعلوه بثمن بخس فأصابھم منھ أذى كبیراً ، إذ سلموا رجلھم ، ومرشدھم إلى طرق الحصول على حقوقھم العادلة إلى جلاده وجلادھم . لذا فالقعود بھم أحرى وحركتھم الحزینة الساكنة دلیل یأس والیأس لا یبادر بالحركة أو بالأفعال والأقوال ، في حین أن زمرة اللھو والخلاعة ( الثري والمثقف والبرجوازي الصغیر - الفلاح ) أعضاء التحالف المخمور بعذابات الفقراء منطلقون متحررون لدیھم كل الطموح والرغبة في التسلي واقتناص فرص الكسب : " التاجر : نعم ، فقد یكون أمره حكایة طریفه أقصھا لزوجتي حین أعود في المساء فھي تحب أطباق الحدیث في موائد العشاء " إذن فالبرجوازي الكبیر یتسلى بمصائب الضعیف ، أین ومتى في أثناء عشائھ أو إن شئنا تفسیراً لما وراء التعبیر المنطوق فعلى فراش الزوجیة والبرجوازي الصغیر ( الفلاح ) فطبعھ الفضولي غالبھ على أمره ، لأنھ ملتذ دوماً إلى ( حشر أنفھ في شؤون الغیر وتتبع أسرارھم ) " الفلاح : أما أنا ، فإنني فضولي بطبعي كأنني قعیدة بلھاء وكلما نویت أن أكف عن فضولي یغلبني طبعي على تطبعي " إن الفضولي والراغب في التسلي بأوجاع الغیر یسعى بنفسھ نحو ما یدفعه إلیه طبعه ولیس العكس . وھذا ما فھمه المخرج حسن عبد السلام مما اعتمل في نفوس ھؤلاء الزمرة المنتفعة والمنتعشة بآلام الضعفاء وأنینھم ، ومما صرحوا به الواعظ : وحبذا لو كان في حكایتھ موعظة وعبرة فإن ذھني مجدب عن ابتكار قصة ملائمة تشد لھفة الجمھور أجعلھا في الجمعة القادمة موعظتي في مسجد المنصور " وھنا یرشد النص إلى ما یكشف عن وجود مجموعة الفقراء وكأنھم كانوا غیر موجودین وجوداً له تأثیر درامي قبل أن یبدي ثالوث اللھو والخلاعة الانتھازي رغبتھ في التسلي والانتفاع بمصیبتھم : " تضیئ مقدمة المسرح ، حیث نجد فیھا مجموعة من الناس یتقدمھم مقدمھم " ولكن المخرج حسن عبد السلام للاعتبارات السابق شرحھا یغض الطرف عن ذلك الإرشاد إذ یضع التكوین الحزین منذ البدایة في منطقة الضوء وفي مقدمة یسار المسرح ولیس في مقدمة الیمین ، وھذا ھو الأنسب من ناحیة الانتماء السیاسي ومن حیث الحالة النفسیة الیائسة . كذلك یغض حسن عبد السلام الطرف عن إرشادات أخرى جاءت في النص حیث یجعل الفقراء " یتقدمون نحوه في حركات بلیدة

وحیث یجعل أحد الفقراء في المجموعة : " یتقدم خطوة . وھو یتحدث وكأنه یقدم نفسه ثم یتراجع بعد أن یتم كلمته ویتكرر ھذا مع كل منھم " وأنا قراد " أدرك حسن عبد السلام بحس المخرج أن مثل ھذا الإرشاد یعكس آلیة لا تناسب حالة أي من أولئك الفقراء . إلى جانب أنه إرشاد أقرب إلى المدرسیة منه إلى الفن من حیث درامیته أو جمالیاته . فلكي یعلن ( القراد ) عن ھویته مجرد الإعلان عن مھنته یستلزم حركة التقافز والتراجع والتقدم والتخلف تلك! أو لأنھ ( قرداتي ) !! ناھینا عن شكل تقدیم كل منھم لنفسه : " آخر : وأنا حداد ثالث : وأنا حجام رابع : وأنا خدام في حمام خامس : وأنا نجار سادس : وأنا بیطار " ویغض المخرج الطرف أیضاً عن الإرشاد النصي الذي یشیر إلى المجموعة قبل إجابتھم عن تساؤل التاجر " ھل فیكم جلاد ؟ " یجعلھم الإرشاد " یتبادلون النظر ، ثم یقولون في صوت واحد " " المجموعة : لا .. لا .. " إن مثل ھذا الإرشاد لا یعبر أبداً عن حقیقة ھذه الطبقة ( طبقة العمال ) فھم حتى ( ھنا ) في النص نفسه متفرقون ، كل واحد منھم یعبر عن نفسه لا غیر . والحال التي صاروا إلیھا كانت بسبب انغماس كل واحد منھم في ذاتھ ، فھو فاعل في ذاته ولذاته ولاشيء غیر ذلك ، وھذا ما أدى بھم إلى تلك الحال التي ھم علیھا في الحدث . والإرشاد یفترض قیام فعلھم على إرادة التشاور والاتفاق على الفعل قبل الإتیان به . وھذا غیر حقیقي بالمرة ، لذلك لم یلتفت المخرج حسن عبد السلام إلى مثل ھذا الإرشاد لأنه غیر مطابق للحقیقة التاریخیة . والحدث المسرحي ھنا قائم على استلھام حادثة تاریخیة حقیقیة . ولم یكن التغاضي عن تلك الحقیقة في صالح الحدث الدرامي ، لأن نتیجتھ غیر متطابقة مع مثل ذلك الإرشاد الذي یقرر توحد رأي الطبقة العاملة أو الجماھیر الشعبیة العربیة !! العلامات اللغویة في المشھد المسرحي : إذا كان من حق المخرج المسرحي أن یغض النظر عن الإرشاد المسرحي ؟! بوصفه لغة غیر كلامیة - حالة ما یجدھا بعیدة عن المصداقیة ، أو أنھا بعیدة عن المشاركة في تحقیق معنى اللحظة تحقیقاً درامیاً وجمالیاً ؟! لأن من البداھة القول إن اللغة بوصفھا ( علامة دالة على المعنى ) وفق " دي سوسیر " وأنھا ( أداة اتصال لغوي وغیر لغوي ) وفق ( امبرتو إیكو ) ؛ وأن من أدوات الاتصال ما كانت لھا القدرة على تحقیق إرادة الشخصیة وتحقیق بواعثھا وعلاقاتھا ، وتحقیق الحدث المسرحي وتعمیق دلالاته ، ومنھا ما قصر عن تحقیق ذلك أو بعضه ، فیصبح من البداھة أیضاً أن یجد المخرج المسرحي مترجماً للنص أو مفسراً ، ضعفاً في أدوات الاتصال وعدم القدرة على تحقیق المصداقیة في المواقف الدرامي لدى الشخصیة خاصة إذا تقنع الكاتب أو الشاعر خلف شخصیة من شخصیاته الدرامیة . وكان تقنعه غیر متقن ؛ وھنا یجوز لھ حفاظاً على المصداقیة وحفاظاً على إیقاع العرض أن یحذف فقرة حواریة تضعف من البناء الدرامي أو تروغ بالإیقاع بعیداً عن تحقیق حالة الإمتاع والإقناع. ومن ھذا المنطلق لجأ المخرج حسن عبد السلام إلى حذف جزء لیس صغیراً من حوار مجموعة الصوفیة في إجابتھم عن سؤال طرحھ الواعظ ، إذ وجد أن اللحظة الدرامیة قد تحققت عندما وصلوا بخطاب رثائھم في المنظر الأول نفسه عند قولھم : " ھل نحرم العالم من شھید ھل نحرم العالم من شھید " حذف المخرج خمسة عشر سطراً شعریاً بدءاً من : " الواعظ : أو لم یحزنكم فقده . المجموعة : أبكانا أنّا فارقناه وفرحنا حین ذكرنا أنّا علقناه في كلماته ورفعناه بھا فوق الشجرة أفراد المجموعة : وسنذھب كي نلقي ما استبقینا منھا في شق محاریث الفلاحین ونخبئھا بین بضاعات التجار ّ ونحم ّ لھا للریح السواحة فوق الموج وسنخفیھا في أفواه الإبل .. الھائمة على وجه الصحراء ّ وندونھا في الأوراق المحفوظة بین طوایا الأثواب وسنجعل منھا أشعاراً وقصائد المجموعة : قل لي .. ماذا كانت تصبح كلماته لو لم یستشھد ، " یغادرون المسرح مع الأبیات الأخیرة من أول " وسنذھب " ھل في حذف المخرج حسن عبد السلام لھذه الفقرة الحواریة ما یضر بالبناء الدرامي لا . بالقطع ، لأن المعنى الدرامي كان قد تحقق عند قولھم " ھل نحرم العالم من شھید " وبذلك أصبح الكلام التالي لھذا التساؤل الاستنكاري زائداً عن حاجة الموقف الدرامي . وقد فھم المخرج حسن عبد السلام بحسه الدرامي والجمالي وإدراكه للنھایة الحقیقیة للكلام الدرامي ضرورة حذف الخمسة عشر سطراً شعریاً ، فأنھي خطاب الصوفیة عند قولھم " ھل نحرم العالم من شھید " وجعلھم یغادرون المشھد متسللین . لیدخل محلھم " الشبلي " الصوفي لیعتذر للحلاج في وضعه المصلوب بمرثیته ذات خمسة وعشرین سطراً شعریاً شدید التأثیر بدأھا بقوله : " یا صاحبي وحبیبي أو لم ننھك عن العالمین فما انتھیت " دون أن یلتفت لاقتحام التاجر والواعظ والفلاح لعالمھ غیر المتصل بما ھو خارج ذاته ، حتى یصل إلى نھایة مرثیته متھدجاً " أنا الذي قتلتك أنا الذي قتلتك " ویخرج لیلتحق البناء الدرامي من جدید بحالة التدخل المقتحم والنفعي الذي یسعى ( التاجر والفلاح والواعظ ) وراءه دون طائل فیعضوا أصابع الندم : " الفلاح : عجباً لم ندرك شیئاً التاجر : لن ترضى زوجي عني اللیلھ الواعظ : ضاعت عظتي إلا أن أتبع ھذا الشیخ الطیب فیحدثني بالقصة یا شیخ .. ما القصة .. ما القصة .. من قاتل ھذا الرجل المصلوب " ویحذف المخرج حسن عبد السلام التساؤل الأخیر في قول الواعظ:" ھل ندركه فیحدثنا .. ؟" إذن فقد انتھینا إلى أن المخرج من حقه حذف فقرة أو أكثر من الحوار إذا أدرك تعطیلھا للخط الدرامي أو رأى إرخاءھا لحبل الإیقاع . أسباب حذف المخرجین من النص المسرحي : حدد " ھبنر " أسباب لجوء المخرجین المسرحیین إلى أربعة أسباب رئیسیة وھو یراھا متباینة الدوافع وذلك على النحو الآتي : " أولاً : لتوفیر الوقت في أثناء التدریبات . ثانیاً : للقضاء على النقاش غیر المطلوب والزائد عن حده مع ممثلین دائماً ما یظھر لدیھم میل نحو الدفاع عن كل كلمة في أدوارھم ، بینما یوافقون على عملیات الخدمة والتخلیص في أدوار زملائھم الممثلین الآخرین .. ثالثاً : أحیاناً ما یحدث في البدایة أن یكون المخرج ھو ذلك الذي یقوم بالدفاع عن كل كلمة ، بینما یطالب أصحاب الأدوار الأكبر طولاً بالتلخیصات كیلا یثقلوا ذاكرتھم . رابعاً : عند نھایة البروفات یقوم المخرج بعملیات التلخیص والحذف ، متخوفاً من خطر الملل الذي قد ینشأ عن التطویل ، حینئذ یقف الممثلون ضد المخرج " إن أسباب المخرج " حسن عبد السلام " للحذف من حوار مسرحیة ( مأساة الحلاج ) مختلفة عن تلك الأسباب التي استخلصھا " ھبنر " ولكن أسبابھا ماثلة فیما سبق أن أشرت إلیه في تجربة إخراج حسن عبد السلام لذلك النص في أواخر عام 1967 وربما كانت قریبة مما ذكره ھبنر نفسھ بعد ذلك حیث یرى أن بعض الحذوفات " تملیھا الرغبة في وجود عرض مسرحي سریع الإیقاع یتخلص من التطویل والتكرار اللذین یتسبب عنھما ملل المتفرج المشاھد " المشھد الافتتاحي بین العلامات اللغویة والعلامات غیر اللغویة : لأن المسرح ھو فن الممثل أولاً وأخیراً ، وأن أدوات التمثیل تتأسس على صوت الممثل وحركته الجسمیة ومھاراته في العزف التعبیري المسرحي علیھما تجسیداً تطھیریاً أو تشخیصیاً تغییریاً ، لذا فإن الصورة المسرحیة تتجسد أو تشخص بالتعبیرین الصوتي والحركي معاً ، أو بالتعبیر الحركي في عروض الرقص المسرحي (الدرامي ) مصحوبة بالتعبیر الصوتي الذي قد . ولئن تأسس المشھد الافتتاحي لمسرحیة ( مأساة الحلاج ) على الحوار كلغة یكون بشریاً - محدوداً - أو موسیقیاً أو تأثیریاً كلامیة وعموداً فقریاً للتوصیل الدلالي مع ھامش إرشادي غیر كلامي ؛ فإنھ تجسید المشھد عن طریق فنون الممثل یتحقق بتفاعل عبیره الصوتي مع تعبیره الحركي في توصیل الدلالات مع عناصر توكیدیة درامیة و جمالیة . وإذا كان على
في جلسات التحلیل (تدریبات تقطیع الأداء الصوتي وتجسید أصوات الأدوار المسرحیة ) فإن علیه بعد الانتھاء من ذلك أن یرشد ممثلي العرض إلى تجسید حیاة الأدوار بالتعبیر الصوتي والحركي ثم ضبط إیقاع كل منھا وربطھا جمیعاً بإیقاع عام واحد . وھو لكي یحقق ذلك ، لابد من أن یتبع خطة مبنیة على تصور . ولاشك أن تحلیل المخرج للأدوار یعد الأساس النظري لتجسید حیاة الأداء لغة وحركة فكیف جسد المخرج حسن عبد السلام حیاة المشھد الافتتاحي لمأساة الحلاج على المسرح ؟ إن المخرج الدارس یجب أن یقسم الحدث إلى عدد من المراحل ، حیث تتضمن كل مرحلة محطة معنویة ومن وجھة نظري فإن ذلك المشھد ینقسم إلى عدد من المراحل وذلك على النحو الآتي : مرحلة التساؤل الاستنكاري : وتبدأ مع دھشة " التاجر " مما رأى ، ومن ثم لفته لنظر زمیلي لھوه (الواعظ والفلاح) دون أن یتضح من ظاھر تساؤلھ إلى من یوجه السؤال ھل للواعظ أم للفلاح : " التاجر : انظر ماذا وضعوا في سكتنا ؟ " ولیس معنى الاستجابة الفوریة للفلاح بالرد على ما لفتھما إلیه التاجر أن التاجر كان یوجه تساؤله الاستنكاري المدفوع بدھشته مما ظن أنھ وضع في طریقھم عن قصد - إلى الفلاح ، ولكن صفة الفضول عند شخصیة الفلاح تدفعه دفعاً إلى المبادرة بالتدخل المقتحم : " الفلاح : شیخ مصلوب " وھو لا یكتفي بالوصف التقریري ، ولكنه یلحق بھ وبشكل فوري دھشته وعجبھ لیس من ذلك الموقف فحسب ، بل من كل ما صادفھم في یومھم : " ما أغرب ما نلقى الیوم " غیر أن العضو الثالث في تحالف الرفاھیة ( الواعظ ) فإن صفته كمثقف لكلا الطرفین الأولین (التاجر: رمز الطبقة المالكة العلیا والفلاح:رمز الطبقة الصغرى الطامحة إلى الملكیة والحلیف الاستراتیجي لطبقة الملاك ولطبقة العمال معاً) تنحى بھ إلى التأمل ، لذلك تتضمن مشاركتھ تشخیصاً للحالة التي یتأملھا : " الواعظ : یبدو كالغارق في النوم " ولأن حرفة التجارة والتعامل المتداول تنطوي على روح التفاوض والمداخلة ، وھو ما یفرض روح الجدل ، وما یتطلبه من تدقیق لذلك یتداخل التاجر في الموقف بشكل جزئي أو تفصیلي ھو من صمیم ثقافتھ المھنیة فیأتي تشخیصھ أقرب إلى الطبیعة الفاحصة للسلعة محل النظر : " التاجر : عیناه تنسكبان على صدره " إن ألفاظ التاجر ھي علامات دالة في إطارھا العام على روح المھنة وثقافتھا حیث الاھتمام بالتفاصیل والدقائق والتشخیص بالمعاینة الفاحصة التي اعتادت على التثمین ، وھو على العكس من ( الواعظ / المثقف ) المتأمل للخطوط العامة والوصف الظاھري العام لذلك تحمل مفرداتھ اللغویة لوناً من ألوان التفلسف " الواعظ : وكأن ثقلت دنیاه على جفنیه أو غلبته الأیام على أمره " ولأن دور الواعظ التثقیفي ، دور مرشد ومؤثر في المجتمع بشكل عام وفي أطراف التحالف الطبقي بشكل خاص؛ لذلك نجد التاجر وھو الأقرب اجتماعیاً إلى التظاھر بمجاراته في لفظه : " التاجر : فحني الجذع المجھود . وحد ِ ق في الترب الواعظ : لیفتش في موطئ قدمیه عن قبره " وبذلك ظھرت تعبیراتھما الكلامیة في بعض المواقف متقاربة ، ذلك التاجر بطبیعته نفعي . ولأنه براجماتي بطبیعتھ لذلك تتغیر مواقفه دائماً ، تبعاً لما یرى فیه منفعة شخصیة . ومع أن الفلاح وفق توصیفه الطبقي المتطلع دوماً إلى التملك ، إلاّ أن مفردات بیئته بتفصیلاتھا البسیطة أو شبه البدائیة تربطه بما ھو مادي ملموس لذلك تأتي تعبیراته تقریریة وبسیطة ، ومنفصلة إلى حد كبیر عن البیئة المدنیة فھو منفصل عن المدینة مھما تكررت زیاراته لھا ؛ لذلك یصبح من الطبیعي أو المنطقي أن تتأسس تعبیراته على عنصر الدھشة والتساؤلات المحددة : " الفلاح : ھل تعرف لم ْ قتلوه ؟ أو من قتله ومع أن علامات اللغة في حواریاتھم تلك التي تؤدي إلى عدد من العلامات المتتالیة : ( الدھشة ثن الاستنكار والتأمل ثم التشخیص ) ، إلاّ أنھا في الإطار الدلالي العام تصب في دلالة واحدة تحقق معنى اللحظة على المستوى الدرامي وعلى المستوى الجمالي . وإذا كانت الدھشة كدلالة أدت إلى دلالة جدیدة ھي الاستنكار فإن كلا الدلالتین ھما معنیین تولدا من مجرد النظر المباشر والفجائي ، لعلامة غیر متوقعة وھي وجود شخص مصلوب في طریق نشوتھم ومرحھم . والاستنكار كذلك دلالة على غیاب الوعي عند ھؤلاء ، بالإضافة إلى دلالته على غرابة ما صادفھم ؛ فكأن المصلوب وضع في طریقھم خصیصاً لیفسد علیھم نشوة سكرھم : " الفلاح : شیخ مصلوب ما أغرب ما نلقى الیوم "
الدھشة التي ولدت الاستنكار وما تلاه من دلالات .. فإذا كان ذلك كلھ نتاج العلامات اللغویة دون حاجة إلى فاللاتوقع قد ولّ علامات أخرى غیر لغویة ؛ فھل یمكن والأمر كذلك استغناء الصورة المسرحیة كمجموعة متفاعلة ومتوحدة من العلامات عن العلامات غیر الكلامیة طالما أن المعنى قد تحقق! والإجابة بالقطع لا . لأن تحقق المعنى في المسرح القدیم یتم بحالة الحضور المتفاعل شعوراً أو إدراكاً أو بكلیھما معاً عن طریق علامات إرسال الصورة المسرحیة وعلامات استقبالھا . وإرسال الصورة المسرحیة یتحقق بالتعبیرین الصوتي والحركي سواء تعادلا أو تفوق أحد طرفي معادلة الفرجة والفكر في الصورة المسرحیة . وھنا یطرح السؤال الآتي نفسھ بقوة : ما ھي الكیفیة التي ستكون علیھا حركة الممثلین أو تعبیراتھم غیر الكلامیة في تفاعلھا مع تعبیراتھم الصوتیة عن ھذا المشھد الافتتاحي نفسه من المعلوم أن الحركة تنبع من الحوار - في المسرحیة غیر العبثیة - إذن فلكي یجسد الإخراج حركة الشخصیات تجسیداً تمثیلیاً على المسرح في ھذه المسرحیة المستلھمة لحادثة تاریخیة من العصر العباسي إسقاطاً على عصرنا في أواخر الستینیات المصریة لابد وأن یرتكز على تحلیلھ للحدث ارتكازاً على محطاتھ الدلالیة إلى جانب ارتكازه على الشخصیات بوصفھا علامات تتفاعل مع علامات الحدث نفسھ مضافاً إلى ھذا وذاك الدلالة الاجتماعیة والسیاسیة للمجتمع الذي أنتجت ھذه المسرحیة في ظل ظروفھ باعتبار الشخصیات الثلاث ( التاجر والواعظ والفلاح ) من ناحیة رمزاً للطبقة العاملة وشخصیة الحلاج المصلوب رمزاً للطلیعیة الثوریة التي فقدت ثوریتھا . تفاعل الشخصیات بوصفھا رموزاً اجتماعیة : تتفاعل مجموعة العلامات بوصفھا معاني دلالیة على معاني أخرى - حسب سارتر - أو بوصفھا وسائل خلق دلالي في ذھن المتلقي تعویضاً عن خلق دلالي مؤول للدلیل الأول أو تعویضاً عن موضوع - بحسب بیرس - كتقبیل رأس خصم لخصم آخر .. إذ ھو علامة حركیة یعوض بھا الفاعل خصمھ عما ألحقھ بھ من ضرر أو أذى أو ألم .. فتقبیل الأول رأس الثاني دلیل على ندم الأول عن فعل حصل منه ضد الثاني .. فالقبلة إذن علامة عن طلب الصفح عن الشعور بالندم وھي بذلك تعادل السماح والصفح كأنه یقول له بلغة الحركة : (اقبل رأسك لتسامحني ) ومثلھ خطاب الحرفیین الباكي عند قدمي الحلاج ، تعویضاً له عن تسلیمھم ّ إیاه للشرطة لیحاكم ویصلب . فخطابھم الدرامي إذن یعادل الندم . والتعبیر غیر الكلامي عن الندم ، ھو تعبیر یمیل إلى السكون أكثر مما یمیل إلى الحركة الجسمیة ، وبمعنى آخر فإن بلاغة الحركة تعبیراً عن حالة الندم ؛ تقتضي ما قل ودل من التعبیر بحركة الجسم . لذلك شكل المخرج حسن عبد السلام من مجموعة الحرفیین الفقراء تكویناً مثلثیاً منفرج الأضلاع في مقدمة یسار الفضاء المسرحي أسفل تكوین ھرمي یتشكل ضلعاه من ذراعي الحلاج مصلوبتین على فرعي الشجرة في زاویة حادة مركز التقاء ضلعیھا عند رأس الحلاج المصلوب على جذعھا ومحورھا محور وھمي یمتد في نھایة الامتداد الرأسي لفرعي الشجرة ، وبذلك حقق التماثل الناقص ، في التكوینین العلوي والسفلي ، إذ كلاھما على ھیئة مثلث ، غیر أن أحدھما حاد الزاویة والآخر منفرج الزاویة وأحدھما رأسه إلى الأسفل فوق رأس الحلاج على ھیئة حرف ( V ( والآخر رأسه إلى الأعلى تحت قدمي الحلاج ، إلى جانب وجود مركز ثقل في الصورة المسرحیة وھو ( الحلاج المصلوب) فعین المتفرج لا تبارحه، مھما كانت طبیعة الحركة حولھا ، ومھما نشطت عوامل الجذب المرئي للمكونات المتعارضة كحركة التاجر والواعظ والفلاح النقیضة من حیث الشكل ومن حیث الدلالة ، فإن عین المتفرج المشاھد وإن طرفت ھنا أو ھناك إلا أنھا مشدودة النظر نحو مركز الثقل في الصورة ، وبذلك تتحقق للصورة المسرحیة جمالیاتھا جنباً إلى جنب مع درامیاتھا ومن ثم تمتع وتقنع فتؤثر . وإذا كانت حركة مجموعة الفقراء حركة بطیئة وئیدة جزئیاً وساكنة في إطارھا العام ، فذلك لا یمنع المخرج من تصمیم تعبیر حركي لھا لا یخرج عن الجو النفسي والدلالة الرمزیة بوصفھم رمزاً لطبقة مھزومة مستضعفة ومستغلة ومفككة . ذلك أن الصورة المسرحیة في إطارھا العام تجمع معھا جمعاً تعسفیاً ونقیضاً لھا تكویناً آخر ھو رمز للطبقة العلیا المستغلة والمتحالفة ضد طبقة الحرفیین تلك . ووجود ذلك الثلاثي المخمور بنشوة الخمر أو نشوة الصراع لیتسلى فإعادة عرض القصة سرداً أو تشخیصاً أو بالتمثیل داخل التمثیل ھو نوع من الفرجة الاستھلاكیة التي تتسلى بآلام الضعفاء والمستضعفین . ولأننا ھنا بإزاء تكوین باك وتكوین ضاحك ، ولأننا بإزاء علامات في داخل إطار واحد مع أنھا في حالة تناقض صارخ على المستوى الاجتماعي والسیاسي وعلى المستوى النفسي في مجتمعنا المصري المعاصر ، لا المجتمع العربي في العصر العباسي ، لأن الشخصیات في المسرحیة علامات مقاربة مع علامات طبقیة في مجتمع الستینیات السیاسي . والمنظر كله علامة دالة على إطار واحد یجمع تلك العلامات الطبقیة ، علامة إطاریة تماثل الإطار الحزبي الذي عرفته مصر في الستینیات تحت مسمى ( الاتحاد الاشتراكي العربي ) وعلاماته على المستوى الواقعي المعیش - وقتذاك - ( نموذج للرأسمالیة " الوطنیة " - نموذج للمثقفین - نموذج للفلاحین - نموذج للعمال ) وعلامات المشھد قي المسرحیة ( تاجر - واعظ - فلاح ) و ( حرفیین حثالة الطبقة العاملة ) وتعبیر الضحك واللھو وتعبیر البكاء والندم علامتان متناقضتان واجتماعھما معاً یكشف عن زیف الإطار .. فعلى مستوى الواقع السیاسي الذي جمع بین الغرماء یشكل نوعاً من التلفیق السیاسي .. وعلى المستوى الإطاري الدرامي الفني الذي یجمع بین نماذج إنسانیة تعیش مأساة . وھو ما یكشف عن الندم ؛ وھو عاطفة نبیلة ، ونماذج لا إنسانیة تتلھى بمأساة غیرھا وتتندر على مصائبھا ؛ وذلك سلوك قبیح ولا إنساني . والجمع بین معنیین أحدھما نبیل والثاني قبیح یكشف عن المعنى الكلي الذي أراد المؤلف صلاح عبد الصبور الكشف عنه . وھو رفضه للجمع النخبوي التعسفي والنماذجي لعینات من طبقات یستحیل جمعھا ً ً
على ھدف واحد ، لاختلاف مصالحھا وثقافاتھا اختلافاً طبقیاً والمؤلف في رفضه ذلك التجمع وھدفه المعلن - على مستوى واقع الستینیات السیاسي المعیش - إنما یرفض ذلك التجمع التلفیقي سواء عن إدراك أو عن استشفاف غیر مدرك منھ للفكرة السیاسیة التي حاولت صنع اتحاد شكلي بین عینات طبقیة مصریة یستحیل توحدھا في إطار حزبي واحد ، ولا یمكن أن یصدق علیھا وصف ( تحالف ) لأن التحالف مرحلة في العمل السیاسي بین أحزاب لكل منھا استقلالھا على أساس برنامج تمت مناقشتھ ونقده ثم إقراره من أطراف الأحزاب المتحالفة . وھذا غیر قائم في حالة التنظیم السیاسي المصري في الستینیات ، وغیر قائم في صورته الدرامیة المستلھمة أو المنعكسة على نص ( مأساة الحلاج ) لصلاح عبد الصبور . على أن الذي یھم المخرج ھنا كما یھم الناقد ما وراء تلك المرجعیة الثقافیة أو المعرفة الاجتماعیة والسیاسیة النقدیة ھو كیف یجسد حیاة المشھد المسرحي مسلحاً بھا أو كاشفاً عن دلالاتھا تلك . فإذا كان صلاح عبد الصبور قد صنع لنفسھ وللمتلقي المتمرس بالسیاسة دلالة تعویضیة عن إرغام النظام الحاكم على قبول المجتمع لذلك الاتحاد الزائف للطبقات في مصر - بدافع من حسه الطبقي أو من وعیه - فإن المخرج حسن عبد السلام لم تلفتھ تلك الدلالات . وھذا لا یقلل من قیمة إبداعه ، وإنما كان - لو أدرك تلك الدلالات - سیضیف إلى إبداعه أعماقاً فكریة ودلالیة شدیدة التمیز .. وھنا تصح مقولة ھبنر " الحیاة التي یبعثھا المخرج في المسرحیة محملة بسماته الشخصیة وعصبھ النفسي المحتوم الذي لا مفر منه " وعودة إلى بناء الدلالات غیر اللغویة في ھذا المشھد الافتتاحي وقد وقفنا من قبل عند الخطوط العریضة للتكوینین الرئیسیین فیه حیث اعتمد المخرج حسن عبد السلام على ثلاثة أشكال مثلثیة متنوعة ، التزمھا طوال المشھد ، ربما لأن شكل المثلث ھو الأنسب في تحریك المجموعات على المسرح لإمكانات التنویع فیھ ما بین تساوي الأضلاع أو حدتھا أو انفراجھا إلى جانب تجسید حالات التعارض ، إلى جانب ما یوحي بھ من المواجھة المرھصة التي تشي دوماً بقرب وقوع المواجھة الصدامیة . والمخرج فطن إلى تلك الخصائص في الأشكال المثلثیة من ناحیة ومناسبتھا من ناحیة ثانیة لرسوبیات التحریض أو بقایاه من خطاب الحلاج الماضي عن العدالة الاجتماعیة ومناسبتھا من ناحیة ثالثة لحالة الاستفزاز الطارئة والدخیلة التي اقتحم بھا ثلاثي الأغنیاء ھذا للحظة تعریتھم الجماعیة لضمائرھم . تلك كانت الخطوط العریضة لتجسید ذلك المشھد بإخراج حسن عبد السلام . وھذا لا یخرج قیاساً على علم العلامات - حسب بیرس - وإن لم یكن ذلك معلوماً للمخرج - فقد جسد تجسیداً صوتیاً وحركیاً المشھد شیئاً معیناً ھو رفض ثلاثي الملاك بمستویاتھم الطبقیة لإشغال الساحة الممتدة أمام الخمارة (بیت لھوھم العام ) بمنظر یعكر صفوھم ویبدد نشوتھم ولھوھم ، وإلاّ فقد بددوا المال سدى . إنھم لا یعارضون فكرة الصلب كعقاب اجتماعي أو كقتل ، ولكنھم یعارضون تنفیذ ذلك أمام مكان لھوھم ومتعتھم ومجونھم . وإذا كان ھذا المعنى ھو الذي قصده " بیرس " في الشق الأول من تعریفھ للعلامة حیث قال : " ھي عبارة عن شيء یعوض شیئاً معیناً بالنسبة لشخص معین ، فإن الشق الثاني من تعریفھ حیث یقول : "أي أنه یخلق في ذھن الشخص دلیلاً معادلاً أو دلیلاً مؤولاً للدلیل الأول ، ویعوض ھذا الدلیل شیئاً معیناً ھو موضوع الدلیل " یتحقق بكشف أبعاد تلك الشخصیات ( التاجر والواعظ والفلاح ) على نحو ما فعلنا وذلك بالإضافة إلى كشف الشيء الثاني المعین والشخص المعین في المشھد نفسه .. حیث رفض الحرفیین الفقراء لصلب الرجل الذي عمل بصدق على حث الخلیفة أو النظام الحاكم على إنصاف الفقراء العاملین الكادحین وكانت علامة رفضھم ھي قعودھم الباكي النادم على رعونتھم وجھلھم الطبقي المطبق بتسلیمھم منقذھم إلى جلاده وجلادھم بالشھادة ضده زوراً نظیر رشوة صغیرة حقیرة . العلامة الحركیة السكونیة في المشھد : إن إحالة الثلاثي اللاھي العلاماتیة لبعضھم بعضاً دلیل محاورة فیھا مقاربة مع محاورة لاعبي كرة القدم ؛ فالحوار یجري بین الثالوث كتداول ثلاث لاعبین من فریق للكرة بأقدامھم فالأسلوب نفسه بینھم یشكل علامة أسلوبیة دالة على المحاور بین اللاعبین ؛ فھم في الواقع یتلاعبون بالألفاظ، ویتداولون الكلام بالتساوي تقریباً ؛ فكل منھم یدفع بالعبارة إلى زمیله لیدفع بھا إلى الثالث ، لتعود إلى الأول .. وھكذا دوالیك . " الفلاح : ھل تعرف لم قتلوه ؟ أو من قتله التاجر : ھل أعرف علم الغیب اسأل مولانا الواعظ الفلاح : ھل تعرف یا مولانا الواعظ : لا .. فلنسأل أحد المارة التاجر : نعم ، فقد یكون أمره حكایة طریفة أقصھا لزوجتي حین أعود في المساء فھي تحب أطباق الحدیث في موائد العشاء الفلاح : أما أنا ، فأنا فضولي بطبعي كأني قعیدة بلھاء ّ وكلما نویت أن أكف عن فضولي یغلبني طبعي على تطبعي
الواعظ : وحبذا لو كانت في حكایتھ موعظة وعبرة فإن ذھني مجدب عن ابتكار قصة ملائمة تشد لھفة الجمھور أجعلھا في الجمعة القادمة موعظتي في مسجد المنصور ودلالة ھذه الحواریة بین ثالوث اللاعبین العابثین بتقاذف العبارات ھي في ( مصائب قوم عند قوم فوائد) وھي الحكمة التي ّضمنھا المتنبي في بیت من شعره " مصائب قوم عند قوم فوائد " " تأتي الریاح بما لا تشتي السفن " فكل لاعب من ذلك الثلاثي الطبقي اللاھي وجد في ھذا المشھد - الذي اصطدموا بھ اصطداماً تعسفیاً – أنه سوف یفید منه ، إذ ستحل له مشكلة خاصة ، فالفلاح رأي في مصیبة ھؤلاء ما یرضي فضوله ، والتاجر وجد فیھا حكایة یقصھا على زوجته في الفراش أي على مائدة العشاء - ربما لیصدھا عن الطعام بوصف منظر رجل مصلوب فكلاھما " سادي " إذن والواعظ وجد فیھا ما یصلح لأن یكون موعظتھ القادمة في صلاة الجمعة القادمة ! إن الشخصیات الثلاث ھي علامات تكشف عن زیف ھذه الطبقة الرأسمالیة بكل مستویاتھا وتوابعھا من البرجوازیة الریفیة الصغرى ودلالة سلوكھا تكشفھا بنفسھا ، فھي دلالة على انتھازیتھا وانتفاعھا من كل شيء ، وفي أي موضع تجد نفسھا فیھ حتى ولو كان على غیر رغبة منھا . كذلك یكشف سلوكھا وصورتھا على النحو الذي صورھا علیھ صلاح عبد الصبور عن دلالة نقدیة ھو سخریتھ منھا ودعوتنا إلى السخریة منھا ولیس ھذا فحسب ؛ ولكن الحذر منھا ، وتلك دلالة تعلیمیة ، لأنھا تشكل تیار وعي ، یحض المتلقي على تعدیل سلوكھ مع أمثال ھؤلاء . وتلك علامة تعویضیة للمتلقي عما شاھده أو تلقاه من فلسفة الفكر السیاسي لمرحلة الستینیات فالواعظ فاسد فاسق. وھو أمام جامع المنصور ، وتلك دلالة فساد رجل الدین ، فساد المثقف البرجوازي المثقف الرسمي مثقف السلطتین : الدینیة والرسمیة الدیوانیة . العلامة التعویضیة في خطاب الحرفیین : یشعر الحرفیون بالندم الشدید والحزن العمیق على موقفھم المخزي ضد (الحلاج وھم یعوضون ذلك الندم وذلك الحزن بالاعتراف بالذنب وعما اقترفوه في حق الحلاج : " الواعظ : فلنسأل ھذا الجمع یا قوم ( یتقدمون نحوه خطوة في حركات بلیدة ) من ھذا الشیخ المصلوب مقدم المجموعة : أحد الفقراء الواعظ : ھل تعرف من قتله المجموعة : نحن القتلة . الواعظ : لكنكموا فقراء مثلھ . المجموعة : ھذا یبدو من ھیئتنا " الواعظ ھو المثقف ( بكسر القاف ) وطلیعة الطبقة الرأسمالیة العلیا ، والبرجوازیة الصغیرة ، وطبقة العمال (الحرفیین ) فھو ھنا علامة تعویضیة ترمز إلى الدور التثقیفي المرشد للطبقات الأخرى . علامة تتصدى لھؤلاء الحرفیین وتخاطبھم دون خوف من ّ صده ، لأنه مثقّف النخبة الحاكمة ، بمعنى أنه في خدمة مصالحھا وما دوره الإرشادي للطبقات دون الطبقة العلیا إلاّ دوراً تمھیدیاً لتبعیة تلك الطبقات للطبقة العلیا التي نصبتھا لتسوس أمورھا ومصالحھا في خطورة الاستكانة . بصفته مثقف العقیدة الدینیة وداعیتھا . وتلك ھي دلالة تصدیه بالخطاب التساؤلي للفقراء دون غیره ؛ فالتاجر والفلاح یقفان خلفه یحتمون به . ھو یكشف لھم جلیة الأمر ، ویخطط لھم ولصالحھم . ولأن الوعظ والفلاحة والتجارة وظائف حیاتیة منھا الرسمي ومنھا المدني ، فإن لكل من أصحابھا أو ممثلیھا (علاماتھا ) ّ زیاً ھو بمثابة علامة بصریة یدل كل منھا على تلك العلامة ، فالعلامة إذن تعبیر ثنائي المبنى ، یعوض ثانیھما عن أولھما ، الأول ( دال ) والثاني ( مدلول ) وبمعنى أكثر إیضاحاً : التعبیر المحسوس : السمعي والمرئي ( الشخصیة - كلامھا - زیھا - حركتھا الجسمیة ) التعبیر غیر المحسوس : وھو ( المعنى الضمني ) : ( الصورة الذھنیة الناتجة عن التعبیر المحسوس ) كما یقول بنفنست " فالعلامة تربط . وبمراجعتنا للصورة المسرحیة السابقة نرى كلام كل شخصیة من شخصیات تلك الحواریة ھو علامة وزي كل منھا علامة وحركة كل منھا علامة وھي علامات ترتبط جمیعھا وتتضافر من أجل تعیین دلالة موقفھا في الحدث الدرامي . فالفقراء من علامات فقرھم لیس قولھم المعترف بذلك ولكن أزیاءھم تدل على فقرھم وحركتھم المستكینة ومشاعر ندمھم والتكوین الذي شكلھم المخرج وفقھ كلھا علامات یمسك كل منھا بتلابیب
العلامات الأخرى لتعطینا مجتمعة دلالة الفقر .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تقارير عن ضربة إسرائيلية ضد إيران وغموض حول التفاصيل | الأخب


.. إيران وإسرائيل .. توتر ثم تصعيد-محسوب- • فرانس 24 / FRANCE 2




.. بعد هجوم أصفهان: هل انتهت جولة -المواجهة المباشرة- الحالية ب


.. لحظة الهجوم الإسرائيلي داخل إيران.. فيديو يظهر ما حدث قرب قا




.. نار بين #إيران و #إسرائيل..فهل تزود #واشنطن إسرائيل بالقنبلة