الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أعراس الثعالب - 1 -

ربيع نعيم مهدي

2020 / 9 / 3
الادب والفن


ملاحظة: الأحداث من نسج الخيال ولا علاقة لها بما حصل على أرض الواقع..

(1)
صباح الجمعة كان ساعة الصفر المقررة لبدء عرس الثعالب، فلم يكن أهالي بغداد على علم بموعد عرس للدم سيقام في مدينتهم التي نامت على أصوات ضاربي الطبول في الأزقة لتذكير الصائمين بالتزود قبل الإمساك في نهار رمضان الهادئ.
الهدوء الذي سكن شوارع بغداد كان غائباً عن المنزل الذي اختاره حازم جواد كنقطة انطلاق لمجموعته، ولم تكن كلماته بقادرة على إخفاء توتره مع قادة المجاميع، إذ انشغل البقية بالتجهيز وتفقد بنادق "بور سعيد".
- مهمة العسكر ستكون اغتيال جلال الأوقاتي، وأرجو من الجميع الالتزام بالخطة، لأن الخطأ ستكون له نتائج كارثية، أما بقية الرفاق فسيكون واجبهم القضاء على المهداوي..
قطع حازم حديثه بعد سماع صوت جرس الباب، وأطمأن لسماع الطرقات المتفق عليها، ثم راح يوزع على رفاقه قطع من القماش الاسود مطرزة بالحرفين (ح . ق)
- هذه ستكون وسيلة للتعريف بين الرفاق لحين إصدار بديل عنها، لن تستخدم إلا بعد سماع البيان الأول من الإذاعة.
بهدوء العارف بخبايا الأمور دخل طالب شبيب متفحصاً وجوده رفاقه، وملقياً التحية على بعضهم ليقف عند حازم ويبلغه بضرورة الانطلاق لان الطريق طويل الى أبي غريب.
- رفاق.. لا داعي للتذكير بخطورة الموقف، من يجد في داخله ذرة من الخوف فلينسحب من الآن.
لم يترك طالب رفيقه لينهي حديثه، وراح يسأل عن رياض القدوّ، لكن طالب أدرك ما تخفيه نظرات رفيقه المعاتبة فاستدرك الموقف
- الوقت يمضي.. ولا بد أن نسرع..
اختار حازم جواد الصمت وهو يخرج مخفياً سلاحه تحت السترة، ليتبعه طالب وهو يمسك بيد رياض الذي سيتذكر هذه اللحظة عند صدور أمر إعدامه بعد أقل من عقدين، ودون أن يعرف السبب.

(2)
في داره التي تقع في محلة الأعظمية، جلس عبد السلام عارف يستمع الى إذاعة صوت العرب، لكنه كان في عالم آخر فلم ينتبه الى قبضة مسدسه وهي تطرق على مسند الكرسي، فنظراته التي ظلت شاخصة على عقارب الساعة أعادته الى سنوات مضت، فقد فيها أحلامه في الجلوس على ذات الكرسي وفي مكان آخر.
- هذه المرّة ستكون معي في القصر الجمهوري.. لن أعود بك الى المنزل.. هذا وعد..
لم ينتبه عبد السلام لوجود زوجته التي كانت تراقبه بصمت إلا بعد أن قطع وعده، فاستدرك حديثه
- لست مجنوناً.. لكنها حياة الثعالب، فإذا لم يكن الرجل صياداً سيصبح فريسة سهلة.
- ألا يكفي ما حصل في الماضي؟
- عودي الى فراشك.. أمامنا يوم طويل ..
- سأجهز الثوب الاسود..
- بل استعدي لاستقبال المهنئين..
تبادلا النظر كثيراً، فلا قيمة للكلمات في هذه اللحظة، الدرب نفس الدرب لكن النهاية قد تكون مختلفة.

(3)
بعد توزيعه للمهام على رفاقه جلس قائد طائرة "الهنتر" منذر الونداوي في إحدى قاعات قاعدة الحبانية الجوية، بانتظار إعلان ساعة الصفر التي ستبث على أثير إذاعة بغداد، ولم تكن مخاوف منذر ورفاقه تنحصر في نجاح الانقلاب أو فشله، بل في الخائن الذي أخبر الزعيم بخطة الانقلاب والتي أُجبروا على تغيير موعدها والإسراع بتنفيذها قبل أن يحصد الموت رؤوس الرفاق

(4)
في الجانب الآخر وفي قلب وزارة الدفاع، استيقظ الضابط الخفر على جرس الهاتف:
- نعم؟
- اسمعني جيداً ولا تقاطعني.. اليوم عند الساعة التاسعة سيحدث انقلاب عسكري ضد الزعيم، وستنطلق الطائرات من قاعدة الحبانية.. بالإضافة الى كتيبة الدبابات الرابعة في أبو غريب التي سيكون هدفها مقر وزارة الدفاع.
- من أنت؟
- أبلغ الزعيم بأسرع وقت
أنتهى بلاغ المجهول، ليجد الضابط أصابعه تدير قرص الهاتف بتردد وتتصل على مكتب آمر الانضباط العسكري عبد الكريم الجدة، الذي لم يُخفِ انزعاجه من المتصل
- نعم ؟
- سيدي.. وصلنا بلاغ عن حركة مسلحة ستنفذ انقلاب عسكري ضد الزعيم بعد ساعتين من الآن..
- هل هذه مزحة؟!.. ماذا بك يا ولدي!!.. نحن في رمضان واليوم جمعة.. والانقلابات لا تحدث عند التاسعة صباحاً.. هذه لم تحدث من قبل..
أغلق الجدة سماعة الهاتف تاركاً الضابط في حيرة من أمره، لكنه قرر النزول الى الشارع لاستطلاع الأمور علّه يقطع الشك باليقن ويهمل التبليغ.

(5)
في ذلك الصباح، خرج الزعيم جلال الأوقاتي بسيارته يرافقه أحد أبنائه، ولم يكن يعلم إن الغدر سيكون وسيلة أعدائه للقضاء عليه، فما هي إلا لحظات حتى وجد نفسه محاصراً بمجموعة من المسلحين في احدى مفترقات الطرق.
الزعيم الذي لا يعرف للخوف طعم، شعر به في تلك اللحظة، لم يكن الخوف على حياته بل على حياة الطفل الذي لا دخل له بألاعيب السياسة والعسكر، لذلك سارع بالنزول من سيارته والابتعاد عنه قدر المستطاع
- سفلة.. فاشست ...
وكأن قاتليه فهموا رجائه المبطن، إذ راحت رصاصاتهم تنطلق بعيدا عن الطفل الذي شاهد والده وهو يعانق طلقات الغدر بابتسامة لا يعرف معناها إلا الرجال.

(6)
"حذارِ أن تخذلني هذه المرّة".. حالة القلق التي شعر بها عبد السلام عارف كانت واضحة في خطواته وهو يسير نحو سيارته، فيما لم تبتعد نظراته عن المسدس في رجاءٍ مكتوم.
عارف الذي لا يعرف حساب المخاطر، شعر في تلك الساعة بأنه قد دخل في دوامة المجهول، فكل خطوة يتقدمها في هذا الصباح الهادئ تنادي بالحذر، فحقيقة حلفاء الانقلاب بعيدة عن شعاراتهم، ورفيق الدرب لن يغفر تكرار الخطأ ذاته، لكن مخاوفه بدأت بالذوبان والتلاشي عندما انطلق الى أبي غريب حيث يقع مقر كتيبة الدبابات الرابعة.

(7)
في الجانب الآخر من الأحداث، استيقظ عبد الكريم قاسم على صوت جرس الهاتف
- نعم؟
- سيادة الزعيم.. مجموعة من المسلحين استطاعت احتلال مركز شرطة المأمون..
- حسناً .. سأحضر بعد قليل..
قاسم الذي كان يراقب كل تحركات الانقلابين واتصالاتهم وكأن الأمر لعبة للكبار، نسي أن ساعة الصفر ليست بيده، لكن اللعبة بدأت قبل أوانها وهذا هو المهم.
وبهدوئه المعهود بدأ قاسم بارتداء رمز سلطته "ثوب الزعيم" لأنهاء ما بدأه رفاق الأمس.

(8)
طرقات الكرخ في ذاك الصباح كادت أن تفقد هدوئها عندما أوشك رياض القدو على إطلاق النار على عبد اللطيف الحديثي ومن معه لأنهم كانوا يلاحقون سيارة طالب شبيب، ولولا تدخل حازم جواد لأصبح عبد اللطيف أول ضحية للانقلاب.
رياض القدو لم يستطع الخلاص من توتره حتى بعد رؤيته لموكب العقيد عبد الغني الراوي المتجه الى مقر اللواء الثامن في الحبانية، حيث سيكون واجبه السيطرة على اللواء، لكن الطريق الذي جمع الاثنين سرعان ما فرّق بينهما، إذ انعطف طالب بسيارته في أحد الطرق الفرعية، والتي قادتهم الى مقر كتيبة الدبابات الرابعة.

(9)
في مقر الكتيبة انشغل خالد الهاشمي بتوجيه الجنود والحديث عن واجبات كل واحد منهم، ولكنه وجد نفسه مجبراً على ترك الجنود واستقبال حازم جواد ومن معه، لكن الاول لم يهدر الوقت بالتحية
- 300 متر هي ما تبقى للوصول الى مرسلات الإذاعة.. وبحسب الخطة سترافقكم تلك الدبابتين.. وهناك سيستقبلكم احد الرفاق للمساعدة في السيطرة على الموقع.. كونوا على حذر لان الحراس من الموالين للزعيم
- أعتقد إن الدبابة ستفي بالغرض
- كل ما أخشاه هو أن تتعطل الدبابات وهي في منتصف الطريق.. فكلاهما بحاجة للصيانة منذ فترة طويلة.. ولا أخفيك سراً.. كلاهما بلا العتاد..
استدرك خالد حديثه بعد أن حضر أحد الجنود حاملاً معه ثلاث بدلات عسكرية وبدأ بتوزيعها على المجموعة
- ستسير الدبابات معكم لزرع الخوف فقط.. ومن باب الحيطة والحذر قمت بتثبيت صور الزعيم على الآليات.. سأترككم الان.

(10)
عبد السلام عارف الذي وصل الى مقر الكتيبة لحظة انطلاق حازم جواد الى مرسلات الإذاعة، فضل البقاء في سيارته ومراقبة العسكر الذين لم يستطع أغلبهم إخفاء فرحته بالتحاق عبد السلام، وبالرغم من أداء الكثير للتحية للعقيد المعزول إلا انه فضل عدم الرد والاكتفاء بمراقبة الرفاق والتفكير بما سيحدث في الساعات القادمة، فمن المفارقة أن يكون آمر الكتيبة التي ستنفذ أول خطوة في الثورة هو ذات الشخص الذي كشف لعبد الكريم قاسم أوراق الانقلاب، إنه خالد الهاشمي الذي تجنب نظرات عبد السلام، لأن الأخير كان على دراية بالوشاية.
أنهى أحد الجنود لحظات العزلة التي أحاطت بعارف عندما وقف في حالة الاستعداد بالقرب منه، وعلى عادته ابتسم العقيد بوجه الجندي
- الدبابات التي انطلقت قبل قليل هل كانت مزودة بالذخيرة؟
- نعم سيدي.
- تحدث بصدق..
اكتفى الجندي بإشارة من رأسه بالنفي بعد أن لمح أحمد حسن البكر قادماً نحوهما.
- تستطيع الذهاب يا ولدي.
- أمرك سيدي.

(للحكاية بقية)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان أحمد عبد العزيز ينعى صلاح السعدنى .. ويعتذر عن انفعال


.. االموت يغيب الفنان المصري الكبير صلاح السعدني عن عمر ناهز 81




.. بحضور عمرو دياب وعدد من النجوم.. حفل أسطوري لنجل الفنان محمد


.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه




.. تعددت الروايات وتضاربت المعلومات وبقيت أصفهان في الواجهة فما