الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


- اقتراحات لبرنامج ليبرالي سوري - نقد و تقريظ

فراس سعد

2006 / 7 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


كتب الأستاذان وليد مبيض وجورج كتن " اقتراحات لبرنامج ليبرالي سوري " ( شفّاف الشرق الأوسط , 30-3-2006) وهي من أنضج الكتابات التأسيسية فكرياً وسياسياً لبرنامج ليبرالي سوري - وربما عربي -. يمكن تقسيم هذه المقترحات إلى أربعة أقسام: القسم الأول بمثابة منطلقات فكرية, القسم الثاني منطلقات سياسية- فكرية, القسم الثالث النظام الاقتصادي السوري, القسم الرابع بمثابة نقد الذات. هنا تلخيص و صياغة جديدة للمقترحات مع تدخل بسيط كلما لزم الأمر.

القسم الأول: منطلقات فكرية: يتضمن الأفكار التالية:
الانطلاق من الدائرة الإنسانية وصولاً إلى الدائرة السورية, وهذه الدائرة السورية بدورها ذات صبغة إنسانية.
1-إسقاط الثنائية الأرسطية ( شر, خير) وإسقاط المطلقات, فكل شيء نسبي باستثناء النسبية, فهي المطلق الوحيد.
2-إسقاط القداسة ( الأيمان) عن العقائد الفكرية السياسية والتحول إلى التعامل مع الواقع بطريقة علمية تعتمد التحليل و التركيب.
3- المرجعية لم تعد محليّة أو قومية بل عالمية حقوقية ( الإعلان العالمي لحقوق الإنسان).
القسم الثاني: منطلقات سياسية –فكرية: ويمكن تقسيم هذا القسم بدوره إلى ثلاثة أقسام: الأول نظرة جديدة للوطنية متلازمة مع الديمقراطية, الثاني فهم جديد للعلاقة مع العالم, الثالث حل الصراع العربي الإسرائيلي:

- نظرة جديدة للوطنية متلازمة مع الديمقراطية:
1- الكيانات القطرية أنتجت وطنيات متمايزة ومختلفة لا يمكن إعادة تذويبها ودمجها في إطار قومي واحد, لكن العروبة تبقى رابطة ثقافية حضارية وليست قومية, لذلك يجب التركيز على الوطني القطري أولاً وهو شرط التنمية.
2 - الوطنية الجديدة ترتبط بمواطنين أحرار وليس بالعداء للخارج بسبب تآكل السيادة المطلقة للدولة, فالسيادة المطلقة هي للمؤسسات والهيئات والقوانين الدولية, وللمواطنين مرجعية دولية تحميهم من بطش وانتهاك السلطات المحلية.
3- القطع مع كل وطنية ما لم تكن ديمقراطية, ومقياس وطنية أي نظام هو إنسانيته وديمقراطيته.
4- الخطر الحقيقي على مصلحة الشعب مصدره النظام الاستبدادي علماً أن الضغط الخارجي موجّه إلى النظام وليس إلى الشعب.

- فهم جديد للعلاقة مع العالم:
1- لا مفر من الانخراط في العولمة ولا بد من تمييزها عن الأمركة ومواجهة سلبياتها من داخلها والاستفادة من إيجابياتها.
2- التفريق بين المشروع الأمريكي- الأوروبي التغييري في المنطقة و بين "المخططات الاستعمارية".
3- مساهمة العلمانيين العرب في الحرب على الإرهاب مهمتها تجفيف مصادر الإرهاب الفكرية والثقافية النابعة من مجتمعاتنا.

- حل الصراع العربي الإسرائيلي:
1- استعادة الجولان المحتل بالشرعية الدولية والحل السلمي.
2- العمل المسلّح في العراق إرهاب وفي لبنان لا حاجة له بعد الانسحاب الإسرائيلي وهو معرقل للحل السلمي.
3- إنهاء الاشتباك التاريخي العربي الإسرائيلي واستعادة أراضي 67 مقابل حق إسرائيل في البقاء.

القسم الثالث: النظام الاقتصادي السوري:
1-السعي لتنمية رأسمالية متوازنة يوفر لمحدودي الدخل ضمانات لتحسين أوضاعهم ديمقراطياً لذا لا يمكن الفصل بين الليبرالية السياسية والاقتصادية.
2-رأسمالية الدولة السورية معرقلة للتقدم الاقتصادي ومساندة للنظام الاستبدادي, والحل هو باستبدال احتكار الدولة في القطاع الإنتاجي باقتصاد السوق.
القسم الرابع: بمثابة نقد للذات:
1- القطيعة النهائية للنظام لن تكون ناجعة إن لم تقترن بنقد أطراف المعارضة لأيديولوجيتها القديمة.
لأن تشاركها مع النظام بأرضية فكرية واحدة يحولها عند التبدلات الحاسمة إلى خندق النظام وهو ما حصل فعلياً لإعلان دمشق.
2- القبول بتحالف مع أطراف من السلطة توافق على هذه المقترحات – البرنامج مع تأجيل محاسبتها إلى أن يتوفر قضاء مستقل لا يخضع لإملاءات النظام الحاكم.
3- المهمة المركزية الآن هي الانتقال من الاستبداد إلى الديمقراطية.

نقد بعض أفكار المقترحات:
أولاً موضوع العلمانية:
يقول المقترح السادس من البرنامج: " العلمانية مرافقة للديمقراطية لا تتوطد أحداهما دون الأخرى. ". المجتمع الديمقراطي العلماني الذي يفصل الدين عن الدولة, يؤمن حريات واسعة لكافة الأديان, ويمنع التمييز الطائفي واضطهاد الأقليات واستغلال الدين لصالح السلطة القائمة".
ربما كان هذا الكلام صحيح في أماكن عديدة من أوروبا أو أمريكا, لكن هل هذا صحيح في ممارسة الأحزاب القومية والشيوعية العربية ؟
لم تكن العلمانية في ممارسة هذه الأحزاب مترافقة مع الديمقراطية, بل كانت مترافقة مع أبشع الممارسات الاستبدادية والقمعية وصولاً إلى الديكتاتورية المطلقة وما رافقها من تخريب اجتماعي صوّرته هذه الأحزاب على أنه تطبيق للعلمانية.
أعتقد أن الديمقراطية حالة أعلى و أرقى من العلمانية, فالديمقراطية هي التي تؤدي بالمجتمع السوري إلى العلمانية الواقعية أو العلمانية الأخلاقية, كما الحال في تركيا اليوم مثلاً, فبعد محاولة لتطبيق العلمانية الفرنسية الفجّة في تركيا تحوّل المجتمع التركي إلى التديّن و الأسلمة.
ربما كانت العلمانية مرافقة للديمقراطية في أمريكا لكنها ليست كذلك في فرنسا, فالعلمانية التي لا تستطيع استيعاب الحجاب الإسلامي وسائر الألبسة الدينية للأديان إضافة للرموز والشعارات الدينية كالصليب والقلنسوة باعتبارها جزء من الهوية الثقافية النفسية الأعتقادية للأفراد لا يمكن وصفها بالديمقراطية – اللباس الديني الإسلامي والمسيحي واليهودي والبوذي وألبسة كل الأديان القديمة هو لباس تراثي ووطني يعبّر عن اللباس الذي كان سائداً عندما نشأ دين من تلك الأديان في المكان الذي نشأ فيه فاللباس يعبّر عن ذلك المكان في ذلك الوقت أكثر مما يعبّر عن الدين, ثم تحوّل مع الزمن إلى لباس "ديني" – لكن العلمانية الفرنسية ومن سار على شاكلتها كالعلمانية التركية تمارس التحيّز و الكيل بمكيالين, فهي تمنع رموز و ألبسة لأديان عريقة لكنها لا تمنع رموز و ألبسة لأديان حديثة مثل عبدة الشيطان أو الماسونية و "أديان" أخرى عديدة حديثة مثل ديانة كوكا كولا وديانة الستريبتيز وديانة الشذوذ الجنسي... ( بحسب مفهومنا للأديان فالدين هو كل عقيدة سواء كانت ميتافيزيقية أو نمط سلوك اجتماعي أو عقيدة سياسية أو عقيدة فنيّة أو اقتصادية + أتباع مؤمنون + عصبية تجمع هؤلاء المؤمنين).
وعلى خلاف العلمانية الأمريكية والإنكليزية التي لم تتدخل حتى الآن في ألبسة ورموز المؤمنين من إتباع الأديان المختلفة فهي تمارس توازناً عقلانياً يشهد له ولها لاختلاف في كلا الليبراليتين وظروف نشأتهما التاريخية.
لهذا وذاك يجب التمييز بين علمانيتين الأولى فرنسية كان لها صدى في الشرق تمثّل بعلمانية أتاتوركية-بعثية لها مفهومها الخاص للديمقراطية بحيث تضحي بها لصالح علمانية الدولة أي تضحي بالديمقراطية لصالح الأيديولوجيا, وهذه العلمانية ليس لها مستقبل في البلاد العربية والإسلامية لأنها كما يبدو من تاريخ ممارساتها أنها معادية للأديان أو لها حساسية خاصة تجاهها, فهي تطبق العلمانية على كل شيء في الدولة والمجتمع وتمنع أي تدخل ديني مؤسساتي في المجتمع كما في الدولة, بينما تقوم المجتمعات العربية والشرقية على الأديان و بنيتها الذهنية بنية أيمانية, وهي مسألة تلازم المجتمعات الزراعية في كل مكان, ولا أعتقد أن سورية والبلاد العربية تخرج عنها.
والعلمانية الثانية أمريكية إنكليزية ترفض وجود نفوذ ديني في الدولة ومؤسساتها كما في الحياة السياسية لكن تمنح المتدينين حق التنظيم والعمل السياسي, وتحترم التعددية والحريات والعقائد مهما كانت بشرط ألا تدعو هذه العقائد إلى ما هو غير ديمقراطي, وهي سمة جوهرية في المجتمعات الليبرالية التي لا تدعو لأية عقيدة ولا تمنع أية عقيدة, مع أنها تدعم أصحاب العقائد الجديدة, فكل دين أو عقيدة جديدة يصل عدد المنتمين إليه عشرون ألفاً يحظى باعتراف الدولة الرسمي وما يستتبعه ذلك من دعم مادي وعيني دوري, مع خضوع الجميع للقانون.
أعتقد أن التأكيد على الديمقراطية في مقترحات لبرنامج ليبرالي سوري يغني عن ذكر العلمانية, لأن الديمقراطية علمانية بالمعنى الأوسع القابل للجميع والضامن لحريات الجميع ومساواتهم أمام القانون, أما العلمانية فليس شرطاً أن تضمن الديمقراطية والمساواة والتجربة التركية والفرنسية والبعثية بوجهيها السوري والعراقي دليل على ذلك.
إن ليبرالية السوريين والعرب المحدثة يجب أن تخضع لشرطين ليتم قبولها من المجتمع الأرحب, أن تكون معقولة ومقبولة اجتماعياً, هذين الشرطين هما الشرطين الذهبيين لكل حركة فكرية سياسية ناجحة في التاريخ, وهما شرط نجاح التجربة الليبرالية في سورية والبلدان العربية.

ثانياً: "الحقوق القومية للأكراد":
ورد في الاقتراح رقم 21 من البرنامج: "العمل من أجل حقوق الأقليات القومية خاصة الحقوق الكردية بدءاً من الاعتراف الواضح بالشعب الكردي و بحقوقه التاريخية القومية إلى حقوق المواطنة المتساوية التي تلغي التمييز في كل المجالات وتسمح بتجسيدها في نطاق سوريا ".
هنا وقع الكاتبان في خطأ جسيم لأنهما لم يفرقا بين الحقوق القومية الكردية بشكل عام وبين حقوق الأكراد السوريين كأقلية في سورية, والفرق واضح فإذا كان للأكراد حقوق قومية ( بما تمثله وتعنيه هذه الحقوق من ارض وتاريخ وثقافة) في تركيا والعراق وإيران, فليس لهم بالتأكيد أي حق قومي في سورية لأن الأرض السورية تناوب عليها كثيرون وإن كان لأقلية سورية أن تدّعي أن لها حقاً قومياً في أرض الجزيرة حيث يوجد الثقل الكردي اليوم, فالسريان والآشوريون أولى بهذا الحق لأن لهم جذور ممتدة لأربعة آلاف سنة استمروا بالعيش خلالها في هذه المنطقة, أما الأكراد في الجزيرة السورية فهم حديثو العهد ولا يتجاوز عمرهم فيها مائتي عام أما الأغلبية الكردية الطارئة في الجزيرة فقد قدمت من تركيا بعد السبعينيات في إطار صفقة بين حزب العمال الكردستاني والرئيس حافظ الأسد حيث استخدم النظام السوري ورقة حزب العمال في إطار نزاعه مع تركيا حول مياه الفرات و في إطار دوره الإقليمي.
لذلك نعتقد أنه يجب التفريق بين الحقوق القومية لعموم الأكراد كأي أمة من الأمم في الأرض التاريخية التي عاشوا فوقها باستمرار و بين حقوق الأكراد السوريين كأي أقلية سورية ضمن الوطن السوري, لهم ما لجميع السوريين و عليهم ما على جميع السوريين, و هنا للأكراد كأي أقلية سورية حقوق المواطنة و من ضمنها الحقوق الثقافية ( اللغة, التقاليد الخاصة من أعياد ولباس وموسيقى... , مؤسسات تربوية وثقافية ) ومن حق أي أقلية لغوية في سورية أن تتمتع بهذه الحقوق.
إن الاعتراف بحقوق كل السوريين في الحياة الحرة الكريمة في مجتمع العدل والرفاهية, والاعتراف لكل سوري بحق المواطنة يعفينا من الحديث عن موضوع الأقليات أو الأكثريات, كما أن الاعتراف بالحقوق الثقافية لكل السوريين بغضّ النظر عن هوياتهم الثقافية واللغوية هو الحل الذي يجنّب سورية التقسيم لأن الاعتراف بحقوق قومية لأكراد سورية يعني القفز على الهوية الوطنية السورية, وربما يعني لاحقاً فدرالية أو كونفدرالية أو تقسيم لسورية. الحق القومي لأقلية ضمن وطن يتناقض مع الحق الوطني لهذا الوطن, وحقوق المواطنة السورية هي الأمر المشترك الذي يجب أن يناله كل السوريين دون تمييز أو تفاوت كيلا نبقى نتحدث عن حقوق قومية أو حقوق غير قومية, والحق القومي في النهاية هو من حق الوطن فحسب.

ثالثاً: مقترح:
كان من المفيد لو تمّ التوسع و التركيز أكثر فيما يخص الجانب الاقتصادي عبر الحديث عن الضمانات الاجتماعية للنظام الرأسمالي ( كما هو الحال في أوروبا وأمريكا) من ضمان اجتماعي و ضمان صحي وضمان التأهيل المستمر والتعليم والتعلم المستمرين حيث يقول بعض الليبراليين أنه لا يمكن تصور نظام ليبرالي دون تعليم وتعلّم مستمرين, وكان من المفيد التأكيد في القسم الأول من البرنامج الذي أسميته بالمنطلقات النظرية التأكيد على الجواهر الخمس لليبرالية وهي: العقل, التسامح, العدالة, الفردية, الحرية.
في كل الأحوال يمكن اعتبار "مقترحات لبرنامج ليبرالي سوري" من أفضل وأنضج البرامج الفكرية والسياسية التي قدمت في سورية وربما المنطقة العربية حتى الآن ضمن التيار الليبرالي, لجرأتها الفكرية والأدبية ولتجاوزها المرض السياسي العربي المقيم أقصد النفاق والمداورة والكذب, فالبرنامج كان قوياً جريئاً صريحاً لدرجة أن الكثيرين سيكفّرون كاتبيه الأستاذ كتن والأستاذ مبيض فور قراءته, وهما " يستحقان " ذلك عن جداره, فهنيئاً لهما ؟!!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بمشاركة بلينكن..محادثات عربية -غربية حول غزة في الرياض


.. لبنان - إسرائيل: تصعيد بلا حدود؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. أوروبا: لماذا ينزل ماكرون إلى الحلبة من جديد؟ • فرانس 24 / F


.. شاهد ما حدث على الهواء لحظة تفريق مظاهرة مؤيدة للفلسطينيين ف




.. البحر الأحمر يشتعل مجدداً.. فهل يضرب الحوثيون قاعدة أميركا ف