الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما هي الحقيقة ..؟!

زكريا كردي
باحث في الفلسفة

(Zakaria Kurdi)

2020 / 9 / 4
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


“ أمّا اليَقين فلا يَقـــين وإنّمَا .. أقصَى اجتهادي .. أنْ أظُنَ و أحدسَا ”

- أبو العلاء المعري

- لوحظ في الفترة الأخيرة بعضاً من الكُتاب الكرام ، في هذا الموقع التنويري المرموق وسواه ، وهم يكتبون أراءهم الشخصية والمعرفية بمظهر القطع المُطلق والتأكيد العام ،
و يُعبرون عن أفكارهم الخاصة، بصيغة الجزم المُنتهي واليقين التامْ ، دون أي استخدام لأفعال الظن أو الشك أو الريبة فيما يقال أو يُكتب أو يُناقش..

فبدا لي الأمر، كما لو أنّهم يقدمون لقارئيهم الحقيقة الكاملة ، التي لا يأتيها الباطل من قدّامها أو من خلفها ، كما يُقال ،..
مستندين - غالباً - على فهمهم الخاص لمُعتقداتهم السياسية أو الدينية أو الفكرية .. الخ ، أو على أفهام غيرهم ، فيما قرأوا أو استظهروا من الكُراسات الدراسية أو الدوريات و الكتب الثقافية وما إلى ذلك .

وكذلك بدوا لي مُتناسين أو غافلين عن أنّ هناك في هذا الموقع أو سواه ، من القرّاء ، ممنْ يختلف عنهم في الرأي ، والمُعتقد ، والفهم لأحداث هذا العالم المشهود ،

وأن هناك في هذا العالم ، من لا يحملُ ذات الفهم في التبجيل والتقديس أو الإطناب في المديح ، لهذا الشخص أو الحزب أو المُعتقد او .. الخ ..

بلْ وربّما هناك من يختلف معهم تماماً ، ولا يوافق على أبسط حقائقهم جملةً وتفصيلاً . رغم أنها حقائق مُكررة ، واسعة الانتشار أو مشهورة، وتابعوها كثرٌ كثير .

- من أشهر أغاليط المنطق العقلي، أن المرء كثيراً ما يلجأ إلى تأكيد وجهة نظره - قطعاً وجزماً ويقيناً - من خلال الاعتماد على حجة الكثرة العددية ، للناس التي تحمل مثل هذا الرأي ، أو للأفهام تعتنق الايمان ذاته بتلك الفكرة .

وهذه الأغلوطة – كما نعلم جميعاً – هي واسعة الانتشار لدى كثير من المؤمنين بالعقائد الدينية المُختلفة والأحزاب السياسية المتعددة .

إذ يظن المرء - عن جهالة بأسس التفكير العقلي- أن كثرة عدد من يشاطره الرأي والاعتقاد هو دليل جلي وصارخ ، على أن هذا الرأي المعرفي ، الذي يحمله ، أو تلك الأفكار السياسية أو المعتقدات الدينية ، التي ورثها بالصدفة واعتنقها ، هي يقينية الحق، وصحيحة تماماً .

قائلاً بتساؤل المُتعجب : أيعقل أنْ يَجتمعَ كل الناس على ضلالة أو جهالة .

الجواب ببساطة نعم .

فمثلاً : كل الناس في الماضي السحيق اعتقدوا ان الأرض مركز الكون ، مسطحة وثابتة ، ولكن لاحقاً ثبتَ أن القلة القليلة أمثال – فيثاغورث ونيوتن و كوبرنيكوس وغاليليه وبرونو ..الخ ، التي صرَخت بحقيقة عكس ذلك ، هم من كانوا على حق دونً عن العالمين ..

لهذا يصح لنا – كما اعتقد - أن نستنتج ، أن رأي الأغلبية لم يكن يوماً مقياساً صادقاً دقيقاً أو نزيهاً للحقيقة، بل لعله كان دوماً الحاجز الذي يفصلنا عنها .. .

لكن أيضاً في المقابل نتساءل، هل يعني هذا الكلام ، أن ليس هناك حقيقة أكيدة في هذا العالم .؟

الإجابة ببساطة لا . فهناك - على الأقل – " البديهيات" وهي حقائق عقلية يقينية. فمثلا القول أنّ " الكلُّ أكبر من أحد أجزائه " هو قول بديهي صادق و حق تماماً . لا يتطلب البرهان عليه ، و اذا أنكره العقل أنكر ذاته .

و الحقُ – حسبَ زَعمي المُتواضع - لا يُصبح باطلاً لقلة طُلابه ، والباطلُ لا يُصبح حقاً لكثرة أحبابه.

لكن في العودة إلى جوهر هذه الحلقة النقاشية، مازال يُراودني السؤال الأهم :

ما هي الحقيقة .؟ ثم هل يا تُرى هناك حقيقة يقينية واحدة ثابتة عبر الزمان والمكان سوى حقيقة : أنّ كل شيء يتغير وفي صيرورة دائمة.؟

- بحسب معجمه الفلسفي يُعرف لنا الفرنسي "أندريه لالاند" الحقيقة بأنّ لها خمس دلالاتِ أو مَعانٍ :

أولها : أنّ الحقيقة هي خاصيّة كل ما هو حق.

ثانيها : أنّ الحقيقة هي القضية الصادقة فقط.

ثالثها : أنّ الحقيقة هي ما تمَّ البرهان عليه وحسب.

رابعها : أنّ الحقيقة هي شهادة الشاهد عما رآه أو ما سمعه.

خامسها : أنّ الحقيقة هي وجود الواقع، وما يصادق عليه فقط .

- ثم من جهة التصريح بها ، هل يَصحُ أنْ يَقول الانسان العاقل الحقيقة دائماً – على الأقل التي يزعم - وفي كل الظروف .؟

بالنسبة لي أنا أزعم أن الانسان – بشكل عام - لا يستطيع أن يُصرح دائماً بكل ما يعتقد أنه الصواب التام . وليس عليه أن يفعل ذلك دائما ، إن هو قصد السكينة لحياته و دَرء المتاعب عن فكره ومعاشه و حفظ دوام وداد الآخر معه .

وأؤمنُ – غير جازم - بأنّ الحق يجب أن يكون منَ المَضنون به على غير أهله . -

فقول الحقيقة – عدا أنه يتطلب جرأة ومعرفة وفهم وصبر وأناة وروع مُحكم -

هو كثيراً ما يبدو للجماعة أشبه بالصدمة ، أو انقلاب في الوعي لديهم ، أو ينقلب الى مثار حنق أو بغضاء وكراهية للقائل والمقول ..

وبعض الناس - كما نعلم - لا يجرؤ على الاقتراب من حياض التفكير العميق أو الأسئلة الجادة ، بخاصة ، فيما يُخالف اعتقاده المقدس، أو الشك فيما ورثَ من دّينٍ أو عقيدة ..،

وهناك في الأحياء منْ تثورُ ثائرته ، لمُجرد أن يُخالفه أحدٌ ما بالرأي ، بلْ ومنهم من لا يتصور أصلاً ، أنّ هناك أناس في هذا العالم ، يُؤمنون بما لا يُؤمن به هو، أو يعتنقون معتقداً يُخالف تعاليم إيمانه ، أو إيمان قومه و قبيلته .. وإنْ وُجدوا ، فهمْ حتماً في ضلال مُبين .

طبعاً ، أنا أقولُ هذا الكلام فقط ، كي أتساءل معكم :

- عمّا هي الحقيقة عندكم، وعن معناها من وجهة نظركم .

- و هل هناك حقيقة ( واحدة ، مُوحدة ، مُتعالية، تصلح لأفهامنا المُختلفة المتفاوتة المُتخالفة) ينبغي على الناس جميعاً أنْ يُصيبوها، و يَعتقدوا بها ، كي يَعيشوا بسلام وينعموا بالوداد المنشود.؟

تُرى هل يجوز للمرء العاقل أنْ يُصرّح دائماً بما يَعرف من حق .؟-

أم يا تُرى صدقت العرب حين قالت :

ليسَ كلُّ ما يُعرف يُقال ، وليسَ كلُّ ما يُقال حَضَرَ أهله ، وليسَ كلُّ ما حضرَ أهله حانَ وقته ، وليسَ كلُّ ما حانَ وقتهُ صَحَّ قوله..

للحديث بقية ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيران وروسيا والصين.. ما حجم التقارب؟ ولماذا يزعجون الغرب؟


.. مخلفا شهداء ومفقودين.. الاحتلال يدمر منزلا غربي النصيرات على




.. شهداء جراء قصف إسرائيلي استهدف منزل عائلة الجزار في مدينة غز


.. قوات الاحتلال تقتحم طولكرم ومخيم نور شمس بالضفة الغربية




.. إسرائيل تنشر أسلحة إضافية تحسبا للهجوم على رفح الفلسطينية