الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


«إياك أعني واسمعي يا جارة»

امال قرامي

2020 / 9 / 4
مواضيع وابحاث سياسية


وتوظيف مجموعة من الاستعارات والإيحاءات والعبارات المتداولة في خطابات الاتّهام التي يوجّهونها لمن يريدون تشويه صورته أمام الرأي العامّ حتى صارت عبارة «الأطراف» من أكثر العبارات المثيرة للسخرية لكثرة تردّدها على ألسن السياسيين. فالأطراف تنطبق على الجميع وهي من «المعلوم في السياسية بالضرورة» دون أن تعني طرفا في حدّ ذاته، وليست الغاية من استعمالها إلاّ تحسّب الآتي في عالم السياسة ومراعاة انقلاب موازين القوى في المستقبل. فمن هو اليوم خصم لدود (حزب المقرونة )يمكن أن يتحوّل إلى صديق النهضة/الإئتلاف.

ولئن اختلفت شخصية الرئيس قيس سعيد عن التركيبة الشخصية لسائر الذين تقلّدوا منصب رئاسة الجمهورية فإنّه لم يشذّ في خطابه الأخير، عن قاعدة اعتمدها غيره من الفاعلين السياسيين تتمثّل في الإلغاز والتلميح دون التصريح بدعوى أنّ «التونسيين يعلمون» ولكنّه إذ يلغز لا يحتسب حسابا لموقع أحزاب فقدت شرعيتها في نظره بل له اعتبارات أخرى.
لقد كان من المتوقّع أن يوجّه الرئيس خطابه المباشر للحاضرين من الوزراء الجدد وأن يكتفي بالتهنئة وإسداء النصيحة والتأكيد على ضرورة التفاني في خدمة المصلحة العامة وتجنّب الأخطاء التي ارتكبها السابقون، وكان بإمكانه أن يجدّد في البرتوكل فيحترم رغبة النساء الرافضات وضع غطاء رأس عند أداء القسم وقناعتهن بقاعدة المساواة والمواطنية ..

ولكن يبدو أنّ متابعة «جلسة محاكمة الرئيس وحكومة الرئيس» قد جعلت الرجل يختار استبدال الخطاب التواصلي «البارد» بالخطاب «الحارّ» ويفضّل التخاطب مع الغائبين(هم) لا مع ممثلي حكومة «المشيشي» ملغيا بذلك حضورهم. فالكلام ، وإن كان ظاهريا موجّها لهم إلاّ أنّ مضمون الرسالة يخصّ الخصوم: الغائبين/ الحاضرين.

ولم يكن عدم التصريح بأسماء الخصوم قاعدة تقتضيها الآداب الاجتماعية أو رغبة في تجنّب خدش مشاعرهم ، بل هو إمعان «سعيّد» في تحقيرهم وتجريدهم من الفضائل لأنّهم في نظره، لا يرتقون إلى مستوى الخصم الشريف الذي يمكن أن نتحاور معه على قاعدة الندّية والاحترام. فالتسمية علامة اعتراف والتغييب دليل إنكار وجود الآخر.وبما أنّ «سعيد» يتصوّر أنّه في موقع قوّة فإنّه يتعمّد كشف سوءات خصومه في خطاب رسميّ يتابعه الجمهور.

لقد أراد الرئيس توجيه عبارات التقريع والوعد والوعيد لمن اعتبرهم دون المستوى المأمول في التعامل الأخلاقيّ وفي المستوى العلميّ، وهو في ذلك لا يخرج عن جبّة المعلم/المؤدّب/الأستاذ الّذي يتكلمّ من موقع تعليميّ اكتسبه بفضل مهنة زاولها طيلة سنوات. ويضاف إلى تلك السلطة «المعرفية» المزعومة سلطة ثانية اكتسبت من الموقع السياسيّ فالرئيس في أعلى هرم السلطة وفي المركز، وسلطة ثالثة اكتسبت بفضل الشرعيّة «الشعبية» التي أذهلت خصومه وسلطة رابعة دستورية فضلا عن السلطة «الأخلاقية» إذ لم يستطع أي سياسيّ بمن في ذلك الغنوشي، أن يبني لنفسه صورة تتماهى مع شخصية «الورع/ التقيّ» . ومن يمتلك كلّ هذه السلط يستطيع أن يصرخ ويؤدّب ويهين ويسخر...
وبناء على ذلك تتسع الفجوة بين لاعبين انكشفت عوراتهم أمام جميع التونسيين فما عاد التعريف بهويتهم ضروريا. فهم منذ سنوات يركضون وراء السلطة سمتهم النهم والجشع والنفاق... مستعدون لبيع كلّ شيء في سبيل نيل المراد فقدوا ماء الوجه وما عاد يهمّهم شيء، وبين لاعب تسلّل إلى المشهد فقلب قواعد اللعبة من موقع من ليس لديه ما يخسر. ولأنّه اختار أن يلاعب خصومه في مجال الأخلاق لا في «الدهاء السياسي» فإنّه حاز على رضا التونسيين حتى أولئك الذين يختلفون معه في الرأي فالسياق سياق شوق إلى القيم والمبادئ والإيطيقا...

سيُناور اللاعبون السياسيون ويراوغون ويستعملون كلّ الوسائل المسموح بها وغير الأخلاقية في سبيل إزاحة من كسر شوكتهم وفضح ألاعيبهم وفرض عليهم قواعد جديدة للتعامل وقلّل من «مرئيتهم» وجعجعتهم ولكن هل بإمكان «اللاعب المنفرد» أن يقاوم ويردّ عليهم «الصاع صاعين» دون أن يرتبك ويقترف الأخطاء ويتعثّر فتصيبه عدوى التسلّط؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غزة- إسرائيل: هل بات اجتياح رفح قريباً؟ • فرانس 24 / FRANCE


.. عاصفة رملية شديدة تحول سماء مدينة ليبية إلى اللون الأصفر




.. -يجب عليكم أن تخجلوا من أنفسكم- #حماس تنشر فيديو لرهينة ينتق


.. أنصار الله: نفذنا 3 عمليات إحداها ضد مدمرة أمريكية




.. ??حديث إسرائيلي عن قرب تنفيذ عملية في رفح