الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحسين منتحرا ام مخدوعا ؟

زهير جمعة المالكي
باحث وناشط حقوقي

(Zuhair Al-maliki)

2020 / 9 / 4
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


تبقى مذبحة الطف سنة 60 هجرية ومقتل الحسين بن علي ابن ابي طالب من الحوادث الأشد غموضا في تاريخ المنطقة نتيجة لمحاولات المورخين والحكام طمس وقائعها وتغطيتها بالكثير من التفاصيل التي لاتستقيم مع المنطق ومع التسلسل التاريخي للاحداث . وقد اشترك في عملية التغطية على الوقائع طرفان الأول هو الطرف الذي يمثل السلطة التي تريد إطفاء جذوة الثورة لدى الاتباع فسلطت مؤرخيها ووعاظها لاختراع احداث ووقائع تحول الحسين من ثائر الى (خارجي ) يحاول ان يفرق الامة التي اجتمعت على الخليفة المتغلب حتى وصل الحال بهم الى القول ( قتل الحسين بسيف جده " بل ان القاضي أبو بكر ابن العربي في كتابه العواصم من القواصم ، المحقق: محب الدين الخطيب ، الطبعة السادسة ، منشورات مكتبة السنة ، القاهرة ، 1412 – 1992 ، يقول في الصفحة 244-245 يقول " وما خرج إليه أحد إلا بتأويل، ولا قاتلوه إلا بما سمعوا من جده المهيمن على الرسل، المخبر بفساد الحال، المحذر من الدخول في الفتن. وأقواله في ذلك كثيرة: منها قوله (إنه ستكون هنات وهنات، فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهي جميع فاضربوه بالسيف كائنًا من كان) . فما خرج الناس إلا بهذا وأمثاله " . بل وصل الامر بالمؤرخ الفلسطيني محمد عزة بن عبد الهادي دروزة (المتوفى سنة 1984 ) الى القول ان الحسين هو الذي يتحمل مسؤولية قتله وان قاتليه ما كان امامهم الا قتله ، وان قتل الحسين حسب راي الكاتب مسوغا من الناحية الشرعية والسياسية حيث يذكر في كتابه " تاريخ الجنس العربي في مختلف الأطوار والأدوار والأقطار" ، الطبعة الأولى ، صيدا – لبنان ، 1964 ، الجزء الثامن الصفحة 383 – 384 بالنص " ما سبق ندرك أنه ليس هناك ما يبرر نسبة قتل الحسين إلى يزيد، فهو لم يأمر بقتاله، فضلا عن قتله، وكل ما أمر به أن يحاط به ولا يقاتل إلا إذا قاتل،ومثل هذا القول يصح بالنسبة لعبيد الله بن زياد، فكل ما أمر به أن يحاط به ولا يقاتل إلا إذا قاتل، وأن يؤتى به إليه ليضع يده في يده، أو يبايع يزيد صاحب البيعة الشرعية بل إن هذا ليصح قوله بالنسبة لأمراء القوات التي جرى بينها وبين الحسين وجماعته قتال، فإنهم ظلوا متزمين ما أمروا به،بل كانوا يرغبون أشد الرغبة في أن يعاقبهم الله من الابتلاء بقتاله، فضلا عن قتله، ويبذلون جهدهم في إقناعه بالنزول على حكم ابن زياد ومبايعة يزيد، فإذا كان الحسين أبي أن يستسلم ليدخل فيما دخل فيه المسلمون وقام بالقوة، فمقابلته وقتاله صار من الوجهة الشرعية والوجهة السياسية سائغا " .
من الناحية الثانية نجد ان المصادر الشيعية تركز على الامام الحسين المستضعف الذي يبحث عن النصير وهو ينتحب لقتل اولادة واخوته ويتم التركيز على الأيام العشرة الأخيرة من حياة الحسين وكأنه لم يعش سبع وخمسين او ثمان وخمسين عاما وان كل مظلوميته محصورة في هذه الأيام العشرة ما بين الأول من محرم والعاشر من محرم . وكلا الطرفين لم يحاول الإجابة على العديد من الاسألة التي تثار حول مجريات الاحداث ، على سبيل المثال لماذا ترك الحسين المدينة حيث قبر جده والمكان الذي ولد وعاش فيه وهو بين اخوته ؟ لماذا لم يصطحب الحسين كل بني هاشم على سبيل المثال اخوه محمد ابن الحنفية ؟ لماذا اصطحب معه نسائه واطفاله ؟ لماذا ترك مكه واتجه الى العراق ؟ لماذا لم يبقى في مكه مثلما فعل ابن الزبير وهي مركز التاثير الديني بين المسلمين ؟ مادام الحسين سمع من جده وابيه انه سوف يقتل في الطف على شاطيء الفرات فلماذا جاء الى العراق ؟ هل حقا خدعته كتب اهل الكوفة وهو يعلم ما جرى مع ابيه واخيه من قبل ؟ فلنحاول ان نجيب على هذه الاساله من المصادر التاريخية .
ولنبدء بالسؤال الأول ، لماذا ترك الحسين المدينة حيث قبر جده والمكان الذي ولد وعاش فيه وهو بين اخوته ؟ للإجابة على هذا السؤال نرجع الى كتاب الكامل في التاريخ لابن الاثير في احداث سنة 60 للهجرة ، احداث بيعة يزيد . لقد توفي معاوية بعد ان اخذ البيعة لابنه يزيد خليفة من بعده فكان اول كتاب ارسله يزيد الى عامله على المدينة " الوليد ابن عتبة ابن ابي سفيان " كما يروي ابن الاثير " فكتب إلى الوليد يخبره بموت معاوية وكتابا آخر صغيرا فيه أما بعد فخذ حسينا وعبد الله بن عمر وابن الزبير بالبيعة أخذا ليس فيه رخصة حتى يبايعوا والسلام" . لما وصل الكتاب الى الوليد والروايه هنا لابن الاثير أيضا " فلما عظم على الوليد هلاكه وما أمر به من بيعة هؤلاء النفر استدعي مروان فلما قرأ الكتاب بموت معاوية استرجع وترحم عليه واستشاره الوليد كيف يصنع قال أرى أن تدعوهم الساعة وتأمرهم بالبيعة فإن فعلوا قبلت منهم وكففت عنهم وأن أبوا ضربت أعناقهم " . فاما عبد الله ابن عمر فقد بايع اما الحسين ابن علي وابن الزبير فقد طلبا مهله للتفكير . وقد استشار الحسين اخاه " محمد ابن الحنفيه " فقال له " انزل مكة فإن اطمأنت بك الدار فبسبيل ذلك وأن نأت بك لحقت بالرمال وشعف الجبال وخرجت من بلد إلى بلد حتى تنظر إلى ما يصير أمر الناس" . وقد ورد في الحديث كما يروي الحاكم في المستدرك " 8500 - أخبرني محمد بن المؤمل بن الحسن حدثنا الفضل بن محمد ثنا نعيم بن حماد ثنا الوليد بن مسلم عن أبي رافع إسماعيل بن رافع عن أبي نضرة قال : قال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن أهل بيتي سيلقون من بعدي من أمتي قتلا و تشريدا و إن أشد قومنا لنا بغضا بنو أمية وبنو المغيرة و بنو مخزوم " . وقال عنه الحاكم "هذا حديث صحيح الإسناد . من خلال هذه الاحداث يتبين ان الحسين خرج من المدينة هاربا من القتل حتى لايبايع يزيد وكان مضطرا لاصطحاب عياله من نساء وأطفال لانه ادرك ان يزيد وجيشه لن يمتنعوا عن قتل النساء والأطفال بل والتمثيل بهم كما فعلوا في موقعة " الحرة " سنة 63 هجرية حيث استباح جيش يزيد بقيادة مسلم ابن عقبة المدينة لمدة ثلاث أيام واغتصبوا النساء في الطرقات حتى افتضت الف عذراء من عذراوات المدينة وقتل فيها سبعمائة من حملة القران كما يروي الذهبي في كتابه تاريخ الإسلام الجزء الخامس الصفحة 30 .
السؤال الثاني لماذا ترك الحسين مكة وذهب الى العراق ؟ الجواب على هذا السؤال نجده في كتاب الكامل في التاريخ لابن الاثير الجزء الثالث الصفحة 400 قي إجابة الحسين لابن الزبير حين قال له لو أقمت في الحجاز ثم طلبت هذا الأمر لما خالفت عليك " إن أبي حدثني أن لها كبشاً به تستحل حرمتها وما أُحب أن أكون أنا ذلك الكبش " فخرج لأنه لا يريد أن يكون سبباً في انتهاك حرمة هذه المدينة وبيت الله الحرام، فمن خلال استقراء الواقع المكي ادرك الحسين ان مكة ليست المكان الملائم للثورة لان قدسيتها لن تمنع الجيش الاموي من الهجوم عليها وهو ماحصل عام 64 للهجرة عندما أعلن عبد الله بن الزبير ثورته ضد الأمويين منها وانتهت نهايتها المعروفة، وانتهكت حرمة بيت الله. واحرقت الكعبة .
كان الحسين يعلم انهم سيقتلوه سواء في الكعبه او غيرها كما يروي ابن الاثير في كتابه الجزء الثالث "والله لا يدعونني حتى يستخرجوا هذه العلقة من جوفي، فإذا فعلوا ذلك سلط الله عليهم من يذلهم" . اما لماذا العراق ففي مكه كان امام الحسين أربعة طرق اما ان يركب البحر الى مصر او يذهب الى الشام او يذهب الى اليمن او يذهب الى العراق . اما مصر فقد كان فيها مسلمة ابن مخلد بن الصامت واليا عليها من قبل يزيد . اما الشام ففيها يزيد واما اليمن كان عاملها " بحيرا بن ريشان الحميري "على مال يؤديه للخلافة كل عام وصفته بعض المصادر بأنه كان عاتياً متجبرا. وبذلك لم يبقى سوى طريق العراق .
نأتي الان الى السؤال الثالث ، مادام الحسين سمع من جده وابيه انه سوف يقتل في الطف على شاطيء الفرات فلماذا جاء الى العراق ؟ هل حقا خدعته كتب اهل الكوفة وهو يعلم ما جرى مع ابيه واخيه من قبل ؟ فلنحاول ان نجيب من المصادر التاريخية .
بالنسبة للاحاديث فنكتفي بما رواه الألباني، سلسلة الأحاديث الصحيحة، ج2 / ص 465، حديث رقم 822" قال صلى الله عليه وسلم: لقد دخل علي البيت ملك لم يدخل علي قبلها ، فقال لي : إن ابنك هذا : حسين مقتول، وإن شئت أريتك من تربة الأرض التي يقتل بها.قال : فأخرج تربة حمراء" . ( صحيح ) . اذن الحسين سمع انه سيقتل في العراق ولكن هل كان لديه مكان اخر ؟ لقد ضيقوا عليه فلم يكن هناك من بد سوى التوجه الى العراق فان لم يجد انصارا فيكون هناك فرصة لاجتياز العراق واللحاق بارض الترك او الديلم فاليمن بعدها البحر ومصر بعدها افريقية ولم تكن قد دخلها الإسلام بعد والشام بعدها البيزنطيين . اما العراق فبعده ارض الترك والديلم وقد دخلها الإسلام . اذن فذهاب الحسين الى العراق لم يكن اختيارا ولم يكن عن عدم معرفة بالواقع السياسي في الكوفة ولكن لم يكن هناك خيار اخر . كان امام الحسين اما ان يذهب الى البصرة او الكوفة . اما البصرة فكان عاملها ليزيد هو " عبيد الله ابن زياد " وهو سفاك معروف لذلك لم يبقى سوى طريق الكوفة . وينطلق ركب الإمام الحسين من مكة باتجاه الكوفة ومعه أهل بيته وأنصاره في اليوم الثامن من ذي الحجة وقد سبقه إليها ابن عمه مسلم بن عقيل الذي أخبره بإجماع الناس في الكوفة على بيعته والدفاع عنه.
وقد اخترع وعاظ السلاطين قصة ان الحسين عرض على الجيش الذي كان يحاصره ثلاثة شروط وهي أن يترك ليعود من حيث أتى، أو يذهب إلى يزيد، أو يرسل إلى الثغور. ولكن الطبري ينكر هذه القصة حبث بروي الطبري في كتابه تاريخ الرسل والملوك الجزء الخامس الصفحة 413 - 414 رواية عن عقية ابن سمعان: قال: إني صحبت الحسين رضي الله عنه فخرجت معه في المدينة إلى مكة، ومن مكة الى العراق، ولم أفارقه حتى قتل وليس من مخاطبته الناس كلمة بالمدينة ولا بمكة ولا في الطريق، ولا في العراق ولا في عسكر إلى يوم مقتله إلا وقد سمعتها. ألا والله ما أعطاهم ما يتذاكر الناس، وما يزعمون من أن يضع يده بيد يزيد بن معاوية ولا أن يسير إلى ثغر من ثغور المسلمين، ولكنه قال: دعوني فلأذهب في الأرضي العريضة حتى ننظر ما يصير أمر الناس.
نستخلص من هذا العرض ان الحسين لم يأتي الى العراق مختارا لكي ينتحر . ولم يأتي الى العراق مخدوعا بمراسلات اهل الكوفة رغم انهم قد بايعوا ابن عمه مسلم ابن عقيل وارسلوا الكتب حقا ، ولكن الحسين لم يكن امامه من طريق سوى ان يأتي الى العراق بعد ان عزم الامويون على ان يقتلوه ويسبوا عياله ان لم يبايع يزيد وقد شرح الحسين رأيه في خطبته المعروفة " آلا وان الدعي بن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السلة و الذلة و هيهات منا الذلة يأبى الله لنا ذلك ورسوله وحجور طابت و طهرت ان نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام وقد اخذ هذا القول ماخذه من الثوار و الفاتحين و الاحرار حتى عاد اشهر من نار على علم " والدعي ابن الدعي هنا هو يزيد ابن معاوية وليس عبيد الله ابن زياد كما حاول وعاظ السلاطين ان يحرفوا بدليل ان علي ابن ابي طالب في رسائله الى معاوية يقول " و اما قولك نحن بنو عبد مناف, فكذلك نحن, ولكن ليس اميّة كهاشم و ﻻحرب كعبد المطلب , و ﻻ ابو سفيان كابي طالب , وﻻالمهاجر كالطليق, و ﻻالصريح كاللصيق , و ﻻالمحق كالمبطل ,و ﻻالمؤمن كالمدغل" أي انه يتهم معاوية بانه لصيق بعبد مناف . لذلك فالحسين كان اما ان يبايع او يقتل ولذلك فضل القتل على البيعه ليزيد الفاسق








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تقارير عن ضربة إسرائيلية ضد إيران وغموض حول التفاصيل | الأخب


.. إيران وإسرائيل .. توتر ثم تصعيد-محسوب- • فرانس 24 / FRANCE 2




.. بعد هجوم أصفهان: هل انتهت جولة -المواجهة المباشرة- الحالية ب


.. لحظة الهجوم الإسرائيلي داخل إيران.. فيديو يظهر ما حدث قرب قا




.. نار بين #إيران و #إسرائيل..فهل تزود #واشنطن إسرائيل بالقنبلة