الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
السوريون و ضبابية الهوية
أيهم نور الصباح حسن
باحث و كاتب
(Ayham Noursabah Hasan)
2020 / 9 / 5
مواضيع وابحاث سياسية
" السوريون و ضبابية الهوية "
من أنا ؟ ماذا انا ؟
من نحن ؟ ماذا نحن ؟
من هُم ؟ ماذا هُم ؟
تجبرنا الحروب و الصراعات التي نعيشها ( الداخلية و الأهلية خصوصاً ) على العودة إلى التساؤل حول إشكاليات مفاهيم الهوية الأساسية ( الـ أنا و الـ نحن و الـ هُم ) , بالرغم من أن هذه الحروب و الصراعات هي نفسها كانت المُكرِّس الرئيسي لصناعة الـ نحن و الـ هُم منذ البداية , إذ لا يتكرس مفهوم الـ نحن و الـ هُم بشكله الحقيقي و الواقعي دون حروب و صراعات و نزاعات , و كلما ازدادت وحشية الحرب و طالت كلما ازداد تفكك الجماعة و انقسامها .
في الحرب لا تسأل نفسك من أنا ؟ بل تسألها مع من أنا ؟ من هي الجماعة التي تحقق لي الأمان ؟ من أولئك الـ هُم الذين يشكلون خطراً على نفسي و على أحبائي ؟ فتنضوي تحت لواء من يحقق لك أمانك و يحدث الانقسام .
في الحرب يتم تعريف الـ نحن بعكس الـ هُم فلا يمكنك تعريف جماعتك دون التطرق ( ذهنياً ) لأفكار و قناعات و سلوكيات الـ هُم السلبية و بنقيضها تصل لتعريفك للـ نحن .
في الحرب تستجدي الأنا البقاء فقط و تُغيِّبُ هي نفسها سؤالها عن نفسها إلى حين , و ما أن تهدأ الحرب قليلاً حتى تدفع السؤال للظهور : من أنا ؟ من نحن ؟ من هُم ؟ هل أنا في الجانب الصحيح ؟ و هل و هل ...
بدءاً من الماضي السحيق تتراكم الحروب بين المجموعات و تبدأ الهوية الجماعاتية لكل جماعة بالتبلّوُر و البزوغ .
تجتهد كل جماعة بغرس جذورها عميقاً في الماضي كي تدَّعي أنها أصل الهوية لا فرع منها .
يشكل تراكم هذه الحروب مع غيره من ظواهر القهر و الظلم و الاضطهاد و الصبر و النصر تاريخاً جماعاتياً يؤسس لوعي جمعي لدى الجماعة .
يتم شحذ هذا الوعي الجمعي و استثارته كلما آن أوان حرب جديدة .
تعمل السلطة التي تطلب الخلود ( أو أي قيادة جماعاتية ) على هوية أفرادها و الهويات الجماعاتية لشعبها بمَنحَيَين متعاكسين :
المنحى الأول : أدلجة الهوية الأساسية بحسب تصور و توجه السلطة و تسميتها الهوية الأصلية ثم نسخ جميع الهويات الفردية عن هذه الهوية الأصلية مما يسهل على السلطة قيادة الأفراد و الهيمنة عليهم .
الأفراد هنا هم عبارة عن أرقام " وطنية " فقط , خالية من أي بعد إنساني , تؤدي وظيفتها الأساسية المرسومة لها و هي حماية السلطة و المحافظة على استمرارها .
المنحى الثاني : دعم الهويات الجماعاتية و المحافظة على دوام افتراق هذه الهويات عن بعضها البعض منعاً لأي محاولة اتحاد بين هذه الهويات خوفاً من تشكيل مطالبة موحدة بإلغاء الهوية المؤدلجة التي صنعتها السلطة .
الجماعات هنا مجرد كرات تصدمها السلطة ببعضها البعض في حال احتاجت لذلك لسبب ما , و في الوقت نفسه تكون هي الحكم و القاضي الذي يفض الاشتباك و يفرض الصلح .
يعيش الفرد بهذه الحالة حالة فصام رباعية تتأرجح بين هويته الطبيعية الأولى كإنسان و الأساسية كمواطن فرد في دولة و الأصلية ( المؤدلجة ) كمواطن مؤدلج منسوخ الهوية و الجماعاتية كفرد ينتمي لجماعة أصغر من الجماعة الكلية .
و كما اللعبة الروسية ماتريوشكا أو بابوشكا ( فتاة خشبية بداخلها فتاة أصغر منها و هذه بداخلها فتاة أصغر أيضاً و هكذا ) تغذي السلطة استمرار هذا الفصام الرباعي بما يضمن عدم خروج الفرد من الهويات التي أطرتها له , و بقاؤه مشتتاً متصارعاً مع نفسه حول هوياته فيعود تلقائياً للهوية الأصلية ( المؤدلجة ) التي وضعتها له كونها الهوية الوحيدة التي تتيح له السلطة أن يظاهر بها .
لم يستطع السوريون حتى اليوم و برغم كل ما عانوه و كل ما دفعوه من أثمان مؤلمة أن يصلوا للبابوشكا الأولى ( باعتبارها سورية الأم دون أي أدلجة ) ولا زالوا يتصارعون مع أنفسهم و مع الآخر حول الهوية الحقيقية للبابوشكا الأولى فكلٌ يريد أن يصبغها بصبغته و كلٌ يريدها بحسب مقاسات جماعته و كلٌ يطلب اعتبار بابوشكته بابوشكا منفصلة عن الأصل .
إن جُلَّ ما نخشاه اليوم هو فناء خشب اللعبة قبل أن نصل إلى معرفة حقيقة البابوشكا السورية الأولى و الانضواء تحتها جميعاَ .. بخشوع و صمت .
أيهم حسن
5/9/2020
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. لماذا زادت الجزائر إنفاقها العسكري بأكثر من 76 في المئة؟
.. لماذا تراجع الإنفاق العسكري المغربي للعام الثاني على التوالي
.. تونس: هل استمرار احتجاز المتهمين بالتآمر على أمن الدولة قانو
.. ليبيا: بعد استقالة باتيلي.. من سيستفيد من الفراغ؟ • فرانس 24
.. بلينكن يبدأ زيارة للصين وملف الدعم العسكري الصيني لروسيا على