الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إذا كنت تنام جيدا فأنت مفترس جيد

عذري مازغ

2020 / 9 / 5
الادب والفن


كيف تبدأ حين تنهزم في دواخلك كل الفضاءات؟ أشلاء ذكريات قديمة متناثفة كأنما أصابتها لعنة الإبادة، احلام مغناطيسية يوجهها صوت المذياع من خارج كومة نومك! خليط وسوسة يضاجع خلايا الدماغ يحتفل فيها النقيض بالنقيض..!
يا إلهي كل هذه الأمور تنشيء حصرتي!
صباح يشبه مبدأ الشيخوخة حيث يستوي نوم الليل بنوم النهار حين تتقلص مساحة النوم في عروقك: في كل استيقاظ يولد صباحك!
كم مرة تنام في حصرة يومك؟ يبدو السؤال مقلقا جدا..!
يقول لك الطبيب: "حاصر فياقك، للنوم ضرورات صحية! "
وأنا لا انام إلا قليلا، أصبح لليل عندي مساحات لانتصارات مؤجلة، أماني قديمة سكنتني
لا أنام وكأنما أخاف أن يبتلعني الموت غدا، حتى الامور التي سمعت عنها ولم أراها أصبحت في دواخلي ضرورة ملحة، يجب ان اعيشها قبل افتراس النوم، لذلك كان النوم في أعماق تخيلاتي بؤسا آخر يجب ان يموت أو ينتهي !
كان يعطل عطشي للحياة كأنما أنا في حضرة الإحتضار!
يستهويني كل شيء لم أعشه، حتى حياة البذخ التي لا انتمي إليها والتي تتيحها موسوعة التاريخ وخرافات السينما، عشت بعض العناق التافه مع أفلام لا تنتمي حتى إلى عصرنا، وعبر التاريخ كم مرة تمنيت ان اكون في حضرة آمون الفرعوني لتطفل خاص .
أجمل شيء في الحياة هو ان تعيش جميع تفاصيلها من النقيض إلى النقيض
كل الصباحات، هذه التي لا تحتفل بإشراقة الشمس الجميلة، كلها حرث، هذه التيكنولوجيا الرقمية صنعت فينا زمنا مثقوبا، زمنا من الهواجس والتخوفات العقيمة، فيها كل العالم يتآمر عليك: الأسواق والبضائع والرساميل والخوصصة والعولمة والمال والأعمال والحروب، كل هذه السموم المتفجرة في دماغك تقتل نومك، تصنع منك كائنا محترسا ينام للحظة لا يعرفها طبيبك المتخصص
نصيحة الطبيب في النوم هي أجمل رومنسية سمعتها في حياتي: "نم على الأقل ست ساعات من ليلتك" والحال أن الطبيب هو اول من يخل بهذا العقد الطبيعي.
كم هو جميل ان تنام ست ساعات من الليل لا أن تنامها في النهار.
أحيانا، من كثرة الأرق، انام الليل والنهار بشكل متناهي، في الصباح حين تستفيق، تشعر بأنك اختزلت الزمن كله في زمن ضوئي: تعتقد انك في يوم السبت فيقال لك انه يوم الإثنين، وحينها أيضا تشعر بأنك تستمعض نومك الطويل، لقد فاتتك اشياء كثيرة، تشعر باليأس مرة اخرى ويتدفق الأرق في آفاقك: فاتني الكثير أثناء نومي الضوئي!؟
يعاودك الأرق من جديد!
وطبيعي ان مباديء الحياة تغيرت كثيرا أو تعقدت كثيرا، كانت اجمل مهنة قديمة عند الإنسان هي تلك الاعمال الفطرية المرتبطة بالغذاء، كانت بالحصر هي الصيد والرعي والحرث، كانت الكائنات التي تتمتع بنوم عميق هي الكائنات التي تتوفر على مخالب جيدة للصيد، الحيوانات اللاحمة تنتظر ان تجمع الحيوانات العاشبة طاقاتها الصحية لتتناولها كفاكهة ناضجة، وكانت الحيوانات العاشبة في نفس الوقت تطور قدراتها الرائعة لضبط سيرورتها التطورية في البقاء: كانت تطور القرون والأذان بينما الإنسان طور اكثر الآلات افتراسا للأرض والبيئة وجل الكائنات: طور دماغه لينهي كل شيء جميل في الكون.
طور خاصية تفتقد لخاصية القطيع العاشب الذي يحتمي بالتجمع، طور خاصية تفترس نوعه، وطبيعي جدا ان تظهر في البشر تكييفات ميزاجية تميز في الجنس البشري نفسه بين أسود واشقر أو أصفر
تغيرت نظرتي للحياة! وتغير فيي، في نفس الوقت، سؤال الوجود المؤرق: "من أنا"، هل انا تلك الفاكهة الطيبة للمفترسين ام انا من المفترسين، والتفكير العميق في الوجود بين هذين الإحتمالين هو من يحدد طبيعتي الكينونية: ان تكون حيوانا لا يتمتع بإشراقة شمس الصباح فأنت تخضع لضبط خاص كالذي للحيوانات العاشبة، لكن للأسف بدون ضبط تام: تفتقد لآذان عميقة للصغي والإستماع وتفتقد لقرون كبيرة تحمي بها نفسك! هذا الإنسان هو الذي يصاب بالأرق، وهو الحيوان الذي ينام بشكل متقطع فترات من اليوم
أما إذا كنت تنام جيدا فأنت مفترس جيد!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان أحمد عبد العزيز ينعى صلاح السعدنى .. ويعتذر عن انفعال


.. االموت يغيب الفنان المصري الكبير صلاح السعدني عن عمر ناهز 81




.. بحضور عمرو دياب وعدد من النجوم.. حفل أسطوري لنجل الفنان محمد


.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه




.. تعددت الروايات وتضاربت المعلومات وبقيت أصفهان في الواجهة فما