الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


زمن موناليزا الحزينة: الفصل الخامس/ 1

دلور ميقري

2020 / 9 / 6
الادب والفن


جهدت ريما ما في وسعها كي تكون الوليمة لائقة بأبناء عم ابنتها البكر، الذين حضروا في يوم سابق من عمّان. وكان صالح قد قررَ دعوة أبناء العم بالنيابة عن زوج ربيبته، الذي يعيش معها في إحدى بلدات القلمون، أينَ المقر الجديد لخدمته. لقد أرسل خبراً عن طريق الهاتف إلى ديبو، وكان من المقرر أن يحضر مع أسرته في أقرب فرصة سانحة. كون العديد من الأقارب والجيران سيلبون أيضاً الدعوة، تمت التضحية بعجل عمره سنة واحدة ويزن نحو مائة كيلو غرام. هَرْطوشي، الجار المنذور لخدمةٍ كهذه، تعهّد ذبحَ الحيوان وسلخه. ثم مررَ الرجلُ الخبيرُ سيخَ الشوي الثخين من دبر الضحية ليخرج من أسفل حنكه، تاركاً إياه ينضج بهدوء على نار لاسعة. الأولاد، وكان بينهم بيان، راقبوا على الأثر بدهشة الوجهَ الضاحك للعجل المسكين فيما دهنه يقطر إلى أسفل، مُلهماً وقيدَ الحطب وقشور الجوز.
عقبَ الاجهاز على العجل، بحيث لم يبقَ للهررة سوى العظام الزهيدة، تفرقَ المدعوون على أن يعود بعضهم إلى الدار ثانيةً مع حلول المساء. بينما بقيَ الضيوفُ، القادمون من عمّان. أفردت لهم غرفة نوم فارغة في البيت التحتاني؛ وهيَ نفس الغرفة، التي سبقَ أن حلوا فيها قبل أعوام عند قدومهم إلى دمشق هاربين من طالبي الثأر في الموطن الأول. لقد كبرَ أولاد السيد حسني في خلال الأعوام الخمسة المنصرمة، ولكن لم يزدادوا عدداً. شقيقه علي، اقترنَ مؤخراً من فتاة من ماردين، سبقَ أن التقى مع والدها أثناء مرور هذا بالشام في طريقه إلى الحج. من فم الرجل، شمع علي أن أخوة بيروزا لأبيها عقدواً صلحاً مع أولئك الخصوم ممن كانوا يسعون إلى الثأر. فتشجّعَ عندئذٍ، فقامَ بزيارة إلى ماردين، تمكن فيها من بيع أملاك أسرته ثم عاد ليقتسم المال مع أخيه، المقيم في عمّان. بثمن حصّته، استأجرَ علي محلاً خاصاً به لبيع الخضار والفاكهة، يقع على مبعدة أمتار قليلة من محل معلّمه السابق، آكو. كذلك رمم مسكنَ الأسرة، ليغدو في غاية الجدّة والمظهر اللائق.

***
الطقسُ المعتدل في هذا الوقت من الربيع المبكر، استغله صالح للانفراد في الحديقة بضيفه القادم من عمّان، وذلك قبل عودة الأقارب والجيران. ظروف الحرب، علاوة على عثرة استثماراته، جعلتاه يفكّر في إمكانية الانتقال إلى الإمارة الأردنية؛ ثمة، أين نجحَ عددٌ كبير من أبناء جلدته في أعمالهم سواءً في التجارة أو ضمن سلك الدولة. قدّم لضيفه فنجانَ قهوة، وكانا يجلسان تحتَ المنظرة، المتصلة مع مدخل الحديقة عبرَ ممر مسقوف بألواح خشبية صقيلة. ثم ما لبثَ أن عبّرَ للضيف عن هواجسه ومتاعبه، متسائلاً في الأخير: " يقال أن الأعمال التجارية مزدهرة في الأردن، وأن بني قومنا صاروا في الصدارة بين رجال الأعمال؟ "
" نعم، هذا الكلام صحيح إلى حد ما "، قالها حسني في نبرة تحفّظ. وما أسرعَ أن استدرك: " لكنهم لا يرغبون هناك بمزيد من المهاجرين، كون الإمارة فقيرة ". بادرَ الآخرُ إلى القول، مُذكّراً بوجاهته وغناه: " لن أبدأ من الصفر، فأنا ولله الحمد رجل مقتدر وفي وسعي العمل فوراً بالتجارة "
" وأنا بودي مساعدتك، يا أخي. لكنني أشفق عليك من التغرّب في بلد آخر، مثلما حصل معي بشكل اضطراريّ كما تعلم. ولو كنتُ في مكانك، لتوجهت إلى الجزيرة حيث أبناء جلدتنا، فضلاً عن أن أراضيها رخيصة أو حتى مشاعية. وبذلك تكون غربتك هينة، نظراً لسهولة التنقل، ومتى شئتَ في وسعك العودة إلى دمشق "
" المشكلة، أنني لا أعرفُ أحداً هناك "
" سمعتُ أن بعضَ وجهاء الحارة مضوا فعلاً للاستثمار في الجزيرة؟ "
" نعم، وأحدهم ابن جميل باشا الدياربكرلي، غيرَ أنني لا أعرفه بشكلٍ شخصيّ "
" آه، تذكّرتُ أحدَ أقارب أم بيروزا، وهوَ ملا عشير، الذي استقر هناك حديثاً مثلما أعلمني أخي علي "، هتفَ الضيفُ. ثم أردفَ قائلاً، أن من المستحسن سؤالَ أخيه عن الرجل. وكان علي قد مضى غبَّ انتهاء الوليمة إلى المنزل مع أسرته ووالدته، على أن يؤوبَ وحده مساءً لأجل حضور السهرة.
لاحَ الارتياحُ على ملامح صالح. في حقيقة الحال، كان قد فكّرَ في محاولة تجريب حظه في تلك المنطقة من البلاد. كان سبقَ أن عَبَرَ أراضي الجزيرة في سيارته، قبل قرابة العقدين من الزمن، حينَ استعاد بيروزا الصغيرة إلى حضن والدتها بعدما بقيت فترةً طويلة نسبياً في عُهدة أخوتها لأبيها، الذين تمسكوا بها في عناد عقبَ ترملها.

* الرواية الأخيرة من خماسية " أسكي شام "








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المخرج الاردني أمجد الرشيد من مهرجان مالمو فيلم إن شاء الله


.. الفنان الجزائري محمد بورويسة يعرض أعماله في قصر طوكيو بباريس




.. الاخوة الغيلان في ضيافة برنامج كافيه شو بمناسبة جولتهم الفني


.. مهندس معماري واستاذ مادة الفيزياء يحترف الغناء




.. صباح العربية | منها اللغة العربية.. تعرف على أصعب اللغات في